Wednesday 28 September 2011

الثورة السورية بين سلمية المتظاهرين وقمع النظام


الثورة السورية بين سلمية المتظاهرين و قمع النظام 

فئات اجتماعية تؤكد على سلمية الثورة و النظام السوري يبرر قتل المتظاهرين
 
ناعومي راميريث دياث – صحيفة " دياغونال " الإسبانية


تستمر المظاهرات المناوئة لبشار الأسد بإغراق شوارع العديد من المدن السورية بالرغم من القمع الوحشي الذي يمارسه النظام . و في الفترة الواقعة بين العاشر و الحادي عشر من سبتمبر فقط  فقد واحد و عشرون شخصاً على الأقل حياتهم جرّاء إطلاق الرصاص المباشر من قبل قوات الأمن . يضاف إليهم وفاة الناشط الشاب غياث مطر الذي قضى في السجن ثلاثة أيام و مات تحت التعذيب . و منذ أن انطلقت الثـورة في سـوريا في آذار | مارس الماضي ، مقتفية أثر ثورتي تونس و مصر ، لقي أكثر من ثلاثة آلاف شخص مصرعهم . بالرغم من ذلك كله يستمر نظام حكم آل الاسد ، أو ما يطلق عليه اسم " المافيا العائلية " ،  في التشبث بالسلطة .
الانشقاقات العسكرية
في غضون ذلك ، يرفض عدد مهم من الجنود إطلاق النار على السكان العزّل ،  كما يشرحون ذلك بأنفسهم ، و ينشقون عن الجيش بشكل يومي و ينضمون إلى الفيلق المسمى بـ " الضباط الأحرار ". يصعب تقدير العدد الفعلي لهؤلاء المنشقين : فهم يختبئون في مكان ما من سوريا و يؤكدون أنهم يقومون بحماية السكان بطرق مختلفة ، كقطـع الطريق أمام الدبابات بواسطة حفـر الخنادق  ، إلى غير ذلك من الوسائل .
يصر النظام على أن هؤلاء الجنود هم ضحايا الكمائن التي يعدها السكان . إلا أن العديد من هؤلاء العسكريين المنشقين قد تلقوا رصاصات من الخلف ، و حسب شهود العيان ، فإن عناصر من جهاز الأمن ( المخابرات الجوية و العسكرية ) هم من قاموا بتنفيذ معظم عمليات القتل هذه . مازال هذان الجهـازان في المخابرات العسـكرية على ولائهمـا للنظـام و يشكلان ركيزة من ركائزه . و لا يُعزى ولاؤهما إلى مجرد أن الكثيرين من عناصرهما ينتمون إلى الطائفة العلوية و حسب ، و إنما يعود أيضاً إلى الروابط العائلية و العلاقات الشخصية القائمة علـى المصـالح المتبادلة التي قـام النـظام بإيجـادها .
في سعيه للبقاء في السلطة ، يجادل الأسد بوجود جماعات مسلحة تسعى لزعزعة استقرار البلاد و التحريض على الحرب الأهلية . و إزاء استحالة التأكد من الحقيقة على الأرض ، دعى المجتمع الدولي " الطرفين " إلى وقف العنف ، و ظهرت مؤخراً في الصحافة الإسبانية أخبار عن تحول محتمل للانتفاضة السورية الى ثورة مسلحة .
تستند هذه الافتراضات إلى العديد من المقالات المنشورة في صحف لبنانية ، كما إلى  معلومات وفرتها مصادر دبلوماسية بريطانية . و حسب هذه المصادر ، فإن السوق السوداء للأسلحة في لبنان ، و كذلك في العراق ، فقدتا احتياطياتهما بالنظر إلى الكميات الكبيرة من الأسلحة التي تم بيعها للشعب السوري .
هذه الأخبـار تم استقاؤها بالتحديد من صحيفتي " السفير " و" الأخبـار " اللبنانيتين القريبتين من منظمة حـزب الله التي هـي ، في الآن نفسـه ، حليف اسـتراتيجي لنظام دمشـق . و بالتالي ، فإن رؤيتها للأحداث في سوريا ليست محايدة ، مثلما هي كذلك رؤية الوكالة السورية الرسمية للأنباء .
منذ بداية الاحتجاجات ، أصر النظام السوري على أن مجموعات سلفية في لبنان و تحالف الرابع عشر من آذار ( و هو تجمع للأحزاب المناوئة للنفوذ السوري في لبنان ) كانت تزود الشعب السوري بالأسلحة عبر طرابلس . و لأجل هذا ، يؤكد العديد من الخبراء على أن هذه الأخبار عن التهريب الكبير المزعوم للأسلحة يجب النظر إليها بحذر . فضلاً عن ذلك ، فإن السلاح كان موجوداً دائماً في المناطق العشائرية ، و لا سيما في دير الزور و ما حولها ، كما في المناطق ذات الأغلبية الكردية في البلاد .
المقارنة مع ليبيا
لقد بثت قناة الجزيرة القطرية قبل شهر شريط فيديو يمكن أن يُشاهَد فيه زعماء العشائر في المنطقة يتناقشون حول إمكانية اللجوء الى الثورة المسلحة كرد على القمع . هذا النقاش اتسع مداه ، بعد انتصار الثورة الليبية ، سواء بين السكان المدنيين أو في صفوف المعارضة . و قد عبر كثير من الأشخاص على الشبكات الاجتماعية عن خشيتهم من حدوث هذا الأمر ، رغم أنه  لم يتعد حتى الآن حدود التعليقات الهامشية . في الوقت الراهن ، يتفق معظم السكان على أن عواقب تحول الثورة الى حركة مسـلحة ستكون كارثية ، ليس في سوريا و ما حولها فقط  ، بل أيضاً في جزء كبير من العالم .
في السياق نفسه ، يؤكد متظاهر سوري لهذه الصحيفة ، على  أنه " لو كان هناك سلاح لظهر منذ اليوم الثالث " ، مؤكداً على أن وجود السلاح أو النقاش حول الحاجة الى استعماله أو عدمها ، لا يعني أن هذه هي الحقيقة .
أكدت مصادر متعددة داخل سوريا و خارجها لـ " دياغونال " أن حوالى ثلاثة أو أربعة  بالمائة من السكان كانوا مسلَّحين بالفعل قبل اندلاع الانتفاضة ، لكن المصادر نفسها تصر على أن الحالات المتفرقة لاستعمال هذه الأسلحة جاءت كرد فعل على القمع الوحشي الممارس من قِبَل النظـام : إنهم رجـال شـاهدوا أولادهـم يموتون ، و نسـاءهم و بنـاتهم و أخواتهم يتعرضن للاغتصاب ، أو أعضاء آخرين في العائلة يتم اعتقالهم ثم يعودون و آثار التعذيب بادية عليهم . كل اللجان المحلية المُشكَّلة من قبل السـكان من أجـل تنسـيق الجهود من جانب ،  و المعارضة السياسية  ، من جانب آخر ،  يبذلون كل ما في وسعهم للتأكيد على أن الثورة كانت سلمية منذ يومها الأول .
في الاتجاه نفسه ، و في واحدة من المظاهرت العديدة التي حدثت قبل أسبوعين ، كان يمكن قراءة لافتة تقول : " من كان عنده سلاح فليحرقه " ، و قد أُنْشِئَت مجموعة على الفيسبوك تحت اسم " سلمية حتى النصر ". بالإضافة الى ذلك ، يمكن مشاهدة الناس ، في أشرطة فيديو المظاهرات ، و هم يمشون في الشوارع و يهتفون " الشعب يريد إسقاط النظام " بدون أن يحملوا حتى سلاحاً واحداً . و للتهكم على اتهامات نظام الأسـد بأن جماعات مسلحة هي من تقود الاحتجاجات ، يقوم المتظاهرون في مدينة حمص منذ شهور بتسجيل فيديوهات يظهر فيها شبان يحملون خضراوات و فواكه و بقوليات يتم إطلاقها بمدافع مصنعة يدوياً من أجل التدليل على درجة خطورتها .
الحماية الدولية و العقوبات ضد النظام في مقابل الغزو المسلَّح
بخلاف ما حدث في ليبيا ، لم يطلب السوريون تدخلاً في بلدهم ، بل طالبوا بـ " الحماية الدولية " . نعم ، لقد طالبوا بإرسال لجان التقصي ، و المنظمات الإنسانية ، و بوجود وسائل الإعلام المستقلة .
تشرح المنظمات المجتمعية بأن عواقب التدخل العسكري على سوريا و المنطقة ستكون كارثية . و تشكل هذه الأصوات التي تطالب بالثورة السلمية الغالبية ، في مواجهة بعض الآراء الهامشية التي تتحدث عن الحاجة إلى حمل السلاح و التي أصبحت تتصدر التقارير الإخبارية في صحف إسبانية بارزة في الأسابيع الأخيرة . من جانبها ، عبرت المعارضة السياسية في الخارج ، التي يستاء منها الكثير من السوريين بسبب عدم قدرتها على الارتقاء إلى مستوى الأحداث ، عن رفضها لهذا التدخل . و رغم أن البعض قد أكد على أنه ، في حال استمرار القمع ، سيغدو التدخل ضرورياً ، من غير أن يحددوا نوع هذا التدخـل ، إلا أنهم يؤكـدون على ضرورة الحيـلولة دون حدوثه من أجل عدم إطالة أمد النزاع إلى أجل غير محدود  .
و لهذا ، فهم يطالبون المجتمع الدولي بإدانة صارمة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد ، و بعزله سياسياً و دبلوماسياً ، و هي أمور يجب أن تكون قادرة ، مع جهود الشعب ، على الإطاحة بهذا النظام  .


** الكاتبة باحثة في جامعة مدريد المستقلة و خبيرة بالشؤون السورية .



www.diagonalperiodico.net/Siria-justifica-la-muerte-de-los.html

Sunday 25 September 2011

روح الثاني عشر من فبراير تفشل أيضاٌ في سوريا المغطاة بالدم


الديكتاتورية ملة واحدة : إسبانيا في عام 1974 و سوريا في عام 2011


" روح الثاني عشر من فبراير "  تفشل أيضاً في سوريا المغطاة بالدم

مانويل مارتوريل – موقع :  كوارتو بودير


كما أكد على ذلك قادة في المعارضة السورية و بعض الزعماء العالميين فإن أي إصلاح  تقدمه حكومة بشـار الأسـد يولد ميتاً . ففي هذا البلد الغارق في حمّـام من الدماء جراء القمـع ، فقد القادة الحاليون الشرعية ولا يبدو أي واحد من اقتراحاتهم قابلاً للحياة . لكنّ أكثر ما يفاجئ في الإعلان الصادر عن دمشق ( بخصوص إقرار قانون الأحزاب الجديد ) ، الذي تزامن مع إدانة الأمم المتحدة المخففة التي صدرت بحقها ، هو الاستعمال الشائع من قبل بعض وسائل الإعلام  لمصطلح  " التعددية الحزبية " و هو المصطلح الذي يمكـن أن يكون ، للوهلة الأولى ، مرادفاً لـ أو ملتبساً بـ مصطلح الديموقراطية.  
إن نظرة معمقة إلى القانون الذي أقره بشار الأسد في الرابع و العشرين من يوليو | تموز و أُعلِن عنه في الرابع من أغسطس | آب ، تُظهِر تشابهاً مؤكداً بين هذا الإجراء الإصلاحي و البرنامج المسمّى " روح الثاني عشر من فبراير " الذي أعلنه رئيـس الوزراء الإسـباني " ارياس نابارّو " خلال الحشرجات الأخيرة لنظام الجنرال فرانكو . فحتى المؤيدون لإصلاح النظام الفرانكوي ، في ذلك الحـين ، كانوا يعتبرون أن ذلك المرسـوم لم يكن أكثر من حبـر على ورق . لكن من الواضح أن الفارق الكبير بين الحالتين هو أن شوارع المدن الإسبانية و أيامها لم تتحول ، رغم تسجيل تزايد في القمع في تلك الأعوام الأخيرة للفرانكوية ،  إلى حمام من الدماء .
الأحزاب الجديدة التي ستتشكل في سوريا ( وفق القانون الجديد ) يتوجب عليها احترام الإطار القانوني القائم . مثلما كان عليه الحال في القانون الناظم لحق تكوين الجمعيات الصادر في إسبانيا  في 23 ديسمبر 1974 .  في السنة الأخيرة  من دكتاتورية فرانكو كان الأمر يتعلق بـ " مبادئ الحركة الوطنية " . و في السنة التي تدل كل المؤشرات على أنها ستكون الأخيرة للديكتاتورية البعثية ، يبدو الدستور الحالي ، الذي يشير بنده الثامن الى احتفاظ حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة الدولة و المجتمع ، مماثلاً لما كان عليه الحال في عهد الحركة الوطنية في إسبانيا .
و كما حدث في برنامج " روح الثاني عشر من فبراير "  فقد  تُرِكت  القدرة على  قبول أو رفض الأحزاب في أيدي هيئة جديدة تم تشكيلها و تعيينها  من قِبَل النظام نفسه ، بدلاً من إسنادها إلى هيئة من القضاة المستقلين . يوجد تشابه كبير أيضاً في الاشتراط  السوري بأن يكون للأحزاب الجديدة حضور في نصف المحافظات على الأقل ،  و أن يكون الحد الأدنى لعدد المنتسبين إليها : ألفاً  في الحالة السورية ،  بينما كان العدد ألفين و خمسمائة في الحالة الإسبانية  .
بالإضافة إلى ذلك ، يحدد القانون ، الذي أعلنه بشار الأسد ، عدد المنتسبين في كل محافظة بما لا يقل عن خمسة بالمائة من كل أعضاء الحزب الجديد . و من جانب آخر ،  يجعل الشـرطُ الذي ينص على أن يكون كل الأعضاء ممن تجاوزوا الخامسة و العشرين من العمر ، يجعل قسماً كبيراً من الشباب السوري خارج دائرة المشاركة السياسية ، و هم الذين لعبوا دوراً رئيسياً و حقيقياً  في الانتفاضة الجارية  حالياً .
لكن ثمة في القانون السـوري شـرط آخـر أيضاً يذكِّـر بتلك الشــروط العـائدة إلى برنـامـج " ارياس نابارو " إلا أنه يجعل القانون ذاته غير قابل للحياة حتى لو لم يسقط في سوريا  قتيل واحد : الأحزاب الجديدة يجب أن تتلاءم مع الطبيعة القومية  " العربية " للبلاد  ، و يشترط  بشكل صريح أن لا يكون للحزب توجه مناطقي و أن لايقوم على  أساس عرقي أو ديني  .
إن هذا الشرط ذو أهمية كبيرة في ظل الوضع الراهن في سوريا ، إذ إنه يغلق الباب أمام القوتين السياسيتين الأكثر أهمية : الإسلاميين الذين قد يكون بإمكانهم استعادة إرث الأخوان المسلمين ، الجماعة التي كانت قوية في أوقات سابقة ، و الأحزاب الكردية ، الأفضل تنظيماً إلى لحظة اندلاع الانتفاضة الحالية .
إن حالة هذه الأحزاب الكردية واضحة جداً . فقد بلغ عددها اثني عشر حزباً ، و تمتعت بتنظيم جيد منذ أعوام ، حتى في الأوقات العصيبة عندما كانت تعمل في سرية كاملة . و قد أظهر البعض منها  في مناسبات عديدة حضوراً قوياً بين المليونين من البشر الذين يشكلون  المجتمع الكردي في سوريا . و رغم أن هذ الأحزاب انضمت الى الانتفاضة ، إلا أنها تحتفظ باستراتيجيتها الخاصة و تبحث حالياً في تشكيل منبر واحد يجمعها .
بالرغم من ذلك كله ، فإن هذه الأحزاب لا مستقبل لها ، بموجب القانون الحالي ، بالنظر إلى أن أهدافها المناطقية و نزعتها إلى الحكم الذاتي ، تضع ، الطابع العربي للبلاد ، على وجه التحديد ، في موضع التساؤل . و في الآن نفسه ، لا يستطيع أي حزب منها تقريباً تلبية شرط الوجود في نصف المحافظات السورية على الأقل و بالنسب المئوية الدنيا للانتساب المقررة في القانون الجديد ، ذلك أن الشعب الكردي يتوزع بشكل رئيسي على طول القطاع الحدودي مع تركيا .
إن اقتراحات بشار الأسـد هي على هامش الواقـع ، كما كان برنامـج الثاني عشر من فبراير ، و ستذهب ، بالتالي ، غير مأسوف عليها حتى يأتي دستور جديد ينهي الدور المهيمن المحتفَظ به للبعث ، و يؤسس بطريقة واضحة و شفافة للفصل بين السلطات في الدولة .
يبقى أن الأمر الأكثر انفصاماً عن الواقع هو الاشتراط على التشكيلات السياسية  الجديدة ، التي يجب أن لا يكون لديها مجموعات مسلحة ، الالتزام باحتــرام " الإعلان العالمي لحقوق الإنسان " في الوقت الذي يتساقط فيه المنتسبون المُحتَمَلُون إلى هذه الأحزاب مثل الذباب تحـت وابـل الرصاص ، ليس على أيدي الجنـود و رجال الشـرطة و حسـب ، و إنما أيضاً على أيدي الجماعات شبه العسكرية التابعة للبعث .



www.cuartopoder.es/terramedia/el-espiritu-del-12-de-febrero-tambien-naufraga-en-una-siria-cubierta-de-sangre/1837

Wednesday 21 September 2011

احتضار بشــار


احتضار بشـار

اغناثيو الباريث-اوسوريو **  -  صحيفة ال باييس الإسبانية


الاحتجاجات الشعبية الواسعة ، وتفاقم الأزمة الاقتصادية ، والضغط الدولي الشديد ، كل ذلك سيأتي بالنتيجة المرجوة ، و سيضع نهاية للنظام السوري . فالأسد لن يقود تحولاً ديموقراطياً .
النظام السوري في عزلة متزايدة و سقوطه يمكن أن يكون مجرد مسألة وقت . هذه هي القراءة الأكثر معقولية التي يمكن استخلاصها من الشهور الستة الأولى للانتفاضة الشعبية . فالاسـتياء الشـعبي الشامل مـن المسؤولين ، و الصعـوبات التي يعانيها الاقتصـاد السوري ، و العزلة الدولية للبلاد تؤشر إلى أنه لم يعد هناك عودة إلى الوراء ، و إلى أن قيادة الأسـد للتحول باتجاه الديموقراطية أمر يجب استبعاده  بشكل قاطع .
في نصف العام هذا ، شهد توزع القوى تغيراً جذرياً  . في أولى مراحلها ، استطاعت المظاهرات بالكاد حشد آلاف قليلة في مناطق بعيدة عن المراكز الحضرية الرئيسية . أما اليوم ، فإن الاحتجاجات امتدت إلى مناطق واسعة من البلاد و ذات أهمية كبيرة  خاصةَ في المثلث السني الذي تشكِّله حمص و حماة و حلب ، لكن أيضاً في مناطق أخرى ذات غالبية كردية . في كل الأحوال يُلاحَظ وجود نمط متشابه : المسيرات السلمية يتم قمعها بوحشية من قبل الوحدات العسكرية و الميليشيات الموالية للحكومة ، الأمر الذي  يزيد من الاستياء الشعبي ، و هذا بدوره  يؤجج  الاحتجاجات .
حتى هذه اللحظة ، و وفق إحصائيات مختلفة ، كان ما بين 2500 و 3000 شخص قد لاقوا حتفهم . و على عكس المتوقع ، فإن سياسة القبضة الحديدية هذه لم تستطع كبح جماح الثورة ، بل إنها بالأحرى فعلت العكس تماماً ، حيث يستمر مئات الآلاف من الأشخاص بالخروج إلى الشارع من المساجد كل جمعة بعد الصلاة . لقد اتهمت منظمات حقوق الإنسان الرئيسية – العفو الدولية و هيومان رايتس وتش – النظام بارتكاب جرائم ضد الإنسانية . و دان مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ، من جانبه ، " الانتهاكات الممنهجة و الخطيرة لحقوق الإنسان المرتكبة بصورة مستمرة من قبل السلطات السورية ، كالإعدامات العشوائية و الاستعمال المفرط للقوة و قتل و اضطهاد المتظاهرين و المدافعين عن حقوق الإنسان " و قام بفتح تحقيق من أجل تحديد هوية المسؤولين عن ذلك ، عندما يكون ذلك ممكناً ، بهدف ضمان خضوعهم للمساءلة عن أفعالهم .
إزاء هذا التدهور في الأوضاع ، تبدأ المعارضة في دراسة خيارات مختلفة من أجل التسريع في نهاية الديكتاتورية . البعض يؤيدون الاقتداء بالنموذج الليبي ، حيث أدت انتفاضة الثائرين و التدخل العسكري للناتو إلى انهيار النظام . أشرف المقداد ، رئيس إعلان دمشق ( في استراليا )  الذي يشمل شخصيات من المجتمع المدني ، صرّح مؤخراً لصحيفة الشرق الأوسط  العربية بأن  " النظـام السوري لن يوقف أبداً القمع و عمليات القتل ، و لهذا يوجـد أمامنا خياران اثنـان فقط : التدخـل الأجنبي أو تسـليح الثائـرين ". رغم أن هذه الأصوات مازالت حتى الآن أقلية فإنها تعكس يأس المعارضة السورية التي تعتبر أن الثورة يمـكن أن تفـقد زخمها إذا لم تتوصل إلى تحقيق أي مـن أهدافـها بشكل سـريع .
إن عسكرة محتملة للانتفاضة سيكون لها آثار مدمرة ، نظراً لأن النظام سيعمل على استخدامها لتقديم نفسه على أنه الضامن للاستقرار الداخلي ، محاولاً بهذه الطريقة استعادة جزء من أرضه المفقودة بين حلفاءه التقليديين . إن مجرد احتمال اندلاع حرب أهلية سيثبط   الشارع السوري ، المعارض بشكل كلي لمواجهة عرقية طائفية سيتم استثمارها من قبل المتطرفين على كلا الجانبين . كما أنه سيكون لها آثار غير متوقعة في منطقة شديدة الحساسية  كمنطقة الشرق الأدني ، حيث تشترك سوريا في حدودها مع إسرائيل و لبنان و تركيا و العراق و الأردن . كما كان قد حذر مؤخراً نبيل العربي ، الأمين العام لجامعة الدول العربية ، بأن " سوريا ليست ليبيا ... سوريا تلعب دوراً مركزياً في المنطقة  و ما يجري فيها سيكون له تأثير مباشر على لبنان و العراق ".
لجان التنسيق المحلية التي توجّه الثورة ، حاولت قطع هذا الجدل من جذوره . فعلى الرغم من إقرارها ، في بيانها الصادر في التاسع و العشرين من أغسطس | آب  بأن  " القسم الأكبر من السوريين يشعرون بأنه لا تتوفر لهم الحماية في وطنهم  أمام جرائم النظام "  فإن من الثابت أيضاً ما يؤكدون عليه بشكل قاطع  : " نرفض الدعوات الى حمل السلاح  أو إلى التدخـل الأجنبـي ، اللذين نعتبرهما أمـرين مرفوضين من وجهـة  النظـر السياسـية و الوطنية و الأخلاقيـة ". و بهـذا يبدو مستبعَداً ، حالـياً على الأقل ، تطور للأحداث عـلى الطـريقة اللـيبية : " الوسيلة التي سيتم بها الإطاحة بالنظام ستكون مؤشراً إلى ما ستكونه سوريا ما بعد الأسد . إذا تمكنا من جعل مظاهراتنا تستمر بطريقة سلمية ، فإن احتمالات الديموقراطية ستكون أكبر بكثير . و إذا كانت هناك مواجهة عسكرية أو تدخل عسكري أجنبي عسكري فسيكون من غير الممكن عملياً تأسيس قاعدة شرعية لسوريا المستقبل ".
الأخبار السيئة لا تأتي فرادى أبداً ،  فإلى ضغط الشارع تُضاف الحالة الاقتصادية الهشة التي زادت في ضعف النظام . فالجفاف الذي تعاني منه البلاد منذ أربعة أعوام وضع القطاع الزراعي في مأزق  : في عشر سنوات بالكاد تناقصت نسبة ما يمثله من إجمالي الناتج المحلي من  28,5 % إلى  18 %  فقط .  أما السياحة التي كانت تشكل ما نسبته 12 بالمائة من الاقتصاد السوري فهي تشهد انهياراً كاملاً . و إلى السحوبات الضخمة للعملات الأجنبية  و هروب رؤوس الأموال يُضاف الآن ضعف الليرة السورية . و تتزايد الشائعات في الأشهر الأخيرة حول نقص السيولة لدى الحكومة و الصعوبات التي تواجهها في دفع رواتب موظفيها . إن مجموع كل هذه العوامل يمكن أن ينتهي إلى إقناع النخب الاقتصادية و التجارية في دمشق و حلب ، و هم الحلفاء التقليديون لآل الأسد ، بأن الوقت قد حان لإعادة النظر في  مساندتهم  للنظام .
لقد دفع عدم الاستقرار المتنامي إلى انسحاب المستثمرين الدوليين أيضاً  ، الأمر الذي يزرع الشكوك حول تنفيذ العديد من المشاريع الحيوية بالنسبة إلى مستقبل البلاد . قبل بضعة أعوام ، طرح بشار الأسد ، وسط دعاية صاخبة ، ما تُسمّى باستراتيجية البحار الأربعة التي سعت إلى تحويل سوريا إلى نقطة محورية لنقل المواد الهيدروكربونية  بين بحار الأبيض المتوسط و الأسود و قزوين و الخليج ( الفارسي ) .  كانت سوريا ، بهذا المشروع  ، الذي هو موضع شك الآن ، تحاول الاستفادة من موقعها المميز كجسر اتصال بين أوروبا و الشرق الأدنى و وسط  آسيا . و بالإضافة إلى أنبوب نقل الغاز الذين يصل مصر مع تركيا عبر الأردن و سوريا ، كان هناك أيضاً سعي الى بناء أنبوب لنقل النفط من إيران و العراق ، يتيح نقل البترول من كلا البلدين إلى الساحل السوري على البحر المتوسط . إن الانطلاق في هذه المشاريع يتطلب استقراراً ، و هو أمر يبدو من الصعب ضمانه اليوم .
إزاء استحالة إقرار عقوبات ضد سوريا في مجلس الأمن بسبب حق النقض الصيني و الروسي ، جمدت الولايات المتحدة و أعضاء الاتحاد الأوروبي أرصدة رجال النظام الأقوياء  و حظرت استيراد النفط السوري . و رغم أن هذه الإجراءات لن تؤدي وحدها إلى نهاية النظام  ، إلا أنها سوف تزيد من مشكلاته فعلاً  . فسوريا كانت تصدر 95% من نفطها الخام إلى أوروبا و ستكون مضطرة الآن إلى البحث عن زبائن جدد  من المحتمل أن تعثر عليهم في جنوب شرق آسيا . أيضاً فإن التباعد المتزايد بين سوريا و تركيا يمكن أن يكون له عواقب كارثية اقتصادياً  ، حيث أن التبادلات التجارية بين البلدين تصل إلى 2,500 مليار دولار سنوياً . و أخيراً ، إن سحب سفير العربية السعودية في دمشق يُظهر أن العلاقات الثنائية ليست في أحسن حالاتها .
إن حقيقة أن أيّاً من الإصلاحات المُتبناة إلى هذه اللحظة من قِبَلِ بشار الأسد لم يتم ترجمتها إلى تحسن للأوضاع على الأرض تُظهِر افتقاره التام إلى المصداقية و نفاد رصيده السياسي . و كل هذا يبدو أنه يؤشر إلى أن الاحتجاجات الشعبية الواسعة و تفاقم الأزمة الاقتصادية و الضغط الدولي القوي ستؤدي ، عاجلاً أو آجلاً ،  إلى النتيجة المرجوة  و ستضع نهاية لاحتضار النظام السوري .



** الكاتب هو أستاذ الدراسات العربية و الإسلامية في جامعة أليكانتي – إسبانيا .



www.elpais.com/articulo/opinion/agonia/Bachar/elpepiopi/20110919elpepiopi_11/Tes

العراقيون في سوريا: رهائن الثورة والقمع


رهائن الثورة و القمع


بقلم : مونيكا بريتو – موقع : بريوديسمو اومانو



مئات آلاف العراقيين اللاجئين في سوريا يرقبون عاجزين العمليات العسكرية ضد المدنيين .
شهود استثنائيون على الأحداث ، تتصارع مشاعرهم بين مساندة الشعب السوري و الخوف من أن يُطردوا إلى بغداد ، حيث يخشون الانتقام .
الكثيرون يخططون للهرب لكن بالنظر إلى السياسة العربية تجاه العراقيين ، الذين يحتاجون لتأشيرات الدخول في الشرق الأدنى ، فليس لديهم مكان يلجأون إليه



لا أحد يعرف من فعل ذلك ، لكن في ضاحية قدسيا ، الملقّبة بالعراق الصغير في دمشق نظراً لحجم اللاجئين الذين يملأون أزقتها منذ عام 2005 ، تم قبل بضعة أيام تحطيم اللافتة القديمة التي تحمل شعار : العراقيون معك يا بشار . لم يبق من ذلك التصريح عن النوايا الآن سوى بضعة خِرَق من القماش ، هذه الخرق الممزقة ترمز إلى تدهور العلاقة الوثيقة التي تم بناؤها قبل بضعة أعوام بين النظام و الجالية العراقية ، التي تم استقبالها في سوريا بأذرع مفتوحة على خلاف بقية العالم .
ليس أمراً يمكن الحديث عنه بصوت مرتفع ، لكن العلاقة تمر بأزمة رغم أن العراقيين ممتنون للنظام الديكتاتوري بسبب مساعدته لهم على النجاة من الحرب الأهلية آن اشتعالها . إن الوفيات العشوائية للمدنيين السوريين لا تدع مجالاً لأحد لأن يكون لا مباليا . و لا سيما في قدسيا التي يعلم سكانها جيداً معنى المعاناة من دكتاتورية فظيعة و التعرض للقصف .
في مساجدها ، لم يعد الأئمة يذكرون الآن الجملة الشهيرة التي كانت تُسمع سابقاً خلال الصلاة و هي : ليحفظ الله الرئيس بشار . لقد تغيرت لهجة الموعظة كثيراً . " في الجمعة الماضية ، انتقد الإمامُ النظامَ بطريقة واضحة جداً عندما قال : نحن في رمضان ، و رمضان هو شهر الرحمة ، و لكن النظام لم يرحم حماة . صاح أحد الشباب الله أكبر . لكنّ الإمام رجاه أن لا يهتاج داخل المسجد ، و أن ينتظر حتى الخروج " ، يشرح أبو محمد ، اللاجىء العراقي المقيم في قدسيا .
احتواء الأمور داخل المسجد لا يعني السيطرة عليها في الخارج . في اليوم الأول من رمضان ، الأول من أغسطس | آب ، شهد المسجد العمري في قدسيا احتجاجاً تحوَل ، بدافع من حلول الشهر المقدس ، إلى حدث يومي . قبل ذلك ، لم يكن من يتواعدون للحضور يوم الجمعة ليبلغوا المائة . لكن في اليوم الأول من آب | أغسطس تجمّع مائة و خمسون شـاباً تتراوح أعمارهم ما بين السابعة عشرة و الرابعة و العشرين و كلهم سوريون ، و بدلاً من المشي كما في جمعات أخرى باتجاه السوق – و هي منطقة يصعب على الأمن الدخول إليها – فقد اتجهوا نحو مقر البلدية الأكثر قرباً ، و الخاضع لسيطرة الأجهزة الأمنية .
كان هذا الفعل مزيجاً من الشجاعة الانتحارية و التحدي ." كان هناك سيارات للشرطة عليها صور بشار ، لكن رجال الأمن كانوا عصبيين ، و كان واضحاً أنهم يفضلون عدم الوجود في المكان . أخيراً ذهبوا ، تاركين المتظاهرين ، الذين كانوا يهتفون : حرية ، وحدهم . يا لتلك النبرة التي كانوا يهتفون بها ! أية قوة كانت في أصواتهم ! . كانوا ينشدون : الله ، حرية ، و بس . و أيضاً : بالروح بالدم نفديك يا حماة . سكان المنطقة كانوا ينظرون إليهم و يتهامسون . أحد العراقيين قال : إنهم شجعان و يستحقون النصر . و امرأتان كانتا تشتريان الخضار في أحد المحلات أشارتا إليهم بقلق : ماذا يريدون ، أن يحدث مثل ما حدث في العراق ؟ . لكن منذ ذلك اليوم أصبحنا كلنا نترقب المتظاهرين ، كل يوم ، في الساعة نفسها . بعض العائلات كانت تدعو لهم و تلقي عليهم الماء من شرفات المنازل ، بينما كانوا يهتفون : اللي ما بيشارك ما فيه ناموس ".
بالنسبة إلى صحفي أجنبي معروفة هويته من قبل النظام يستحيل الدخول الى سوريا . فالنظام الديكتاتوري لا يمنح تأشيرات الدخول و هو حذر جداً عندما يتعلق الأمر بالدخول غير الشرعي للمخبرين الصحفيين . و لكن بالنسبة إلى مواطن عراقي فإن الدخول إلى البلد الجار أمر عادي و قانوني ، فقد استقبل نحو مليونين من اللاجئين خلال النزاع الأهلي فـي العـراق و يسـتمر في إيـواء و حماية مئات الآلاف منهـم . الكثير منهم يقيـمون في سوريا ، و كثيرون آخرون يزورونها كل صيف من أجل الالتقاء بأقربائهم القادميـن من العـراق للغـاية نفسها .
أبو محمد هو واحد من هؤلاء ، لكنه ليس كغيره من العراقيين . لقد كان مترجمي و حارسي و مساعدي و موضع ثقتي خلال سنواتي الأكثر صعوبة في بغداد ، خلال الشهور الأخيرة لنظـام صدام حسين ، و الغـزو ، و الحرب ضد الاحتلال و جـزء من النزاع الأهلـي ، إلى أن ألجأته عمليات الاختطاف و التعذيب و التهديدات بالموت إلى الانتقال بأسرته إلى دمشق . و هناك استمرينا في العمل معاً لسنوات ، عندما كان النظام يسمح بدخول الصحافة لأنه لم يكن لديه ما يخشاه ، و ذلك إلى أن تم قبول أبو محمد – الذي يتحفظ على هويته الحقيقية درأً لأية أعمال انتقامية ، حاله كحال كل الأشخاص الفاعلين في هذا التقرير الصحفي – كلاجىء في بلد أوروبي حيث يعمل ، بعد أن تعلم اللغة ، صحفياً في جريدة محلية .
عاد أبو محمد هذا الصيف ، ككـل عام ، إلى سـوريا و وجد بلداً مختلفاً عن الذي كان يعرفه ، بلداً في حال توتر ، يصارع قدْراً هائلا من الدعاية ( البروباغندا ) و قمعاً غير مسبوق ، و هو البلد الذي تميز دائماً بالحضور المطلق للمخابرات . و خلال أسابيع قام أبو محمد ، بتكليف من " بيريوديسمو اومانو " ، بجمع المعلومات و أجرى المقابلات مع اللاجئين من أجل المساعدة على فهم الدور الذي يقوم به العراقيون ، كما أنه حضر أيضاً احتجاجات و عانى من القيود المفروضة على الاتصالات و من قصف الدعاية التي يقوم بها النظام ، منجزأَ بذك رواية استثنائية عن الوضع في بلاد بشار الأسد المحاصَر من قِبَل شعبه .
" العراقيون خائفون . الكثيرون يفكرون بشكل جدي في مغادرة البلد ، و كثيرون آخرون لم يأتوا هذا العام من العراق ، رغم أن سوريا هي وجهتهم الطبيعية في الصيف ، عندما نهرب من حر بغداد و نأتي لزيارة العائلة و الأصدقاء فيها . أسعار الإيجارات أصبحت منخفضة جداً حالياً ، و هناك الكثير من الشقق المتاحة " ، يشرح أبو محمد متذكراً كيف أنه قبل عدة أعوام كان الأمر يحتاج إلى ألف دولار كإيجار لشقة من غرفة واحدة في قدسيا : هكذا كان الطلب . لكن الكثير من العراقيين ليس لديهم مكان يذهبون إليه بسبب السياسة العربية تجاه اللاجئين – الذين يُطلب منهم تأشيرة دخول في كل دول المنطقة عملياً – و من بينهم كثير من أعضاء المقاومة المطلوبين في العراق .
تلك هي حالة سالم ، المقاتل العراقي الذي يعيش منذ عام 2008 في دمشق . كان قد جاء مع زوجته لقضاء عطلتهم عندما تم إخباره أن الجيش الأمريكي يسأل عنه في بغداد . و لم يعد إلى بلده قط . " الحكومـة السورية تضغط علينا مـن أجـل معرفة موقفنا في هـذا الوضـع ، و لا نعرف ماذا نقول . من الصعب معرفة إذا كان النظام سيصمد أو سيسقط ، و الحقيقة أننا نحن الذين نقيم هنا هاربون من العراق . يجب علينا أن نتجنب أي تدخل في النشاطات ضد النظام ، لأنه من الممكن أن ينتقم منا و يقوم بتسليمنا ، و هذا ما يمثِّل الموت بالنسبة إلينا ".
الرأي نفسه يتبناه عبد الله ، الصحفي العراقي الذي يقيم في دمشق منذ خمس سنوات . كان سجيناً في العراق و هو مهدد بالموت في بلده الأصلي . " كل شيء ممكن . إذا فقـد النظام ( العلوي الشيعي القريب من طهران ) السيطرة و احتاج إلى المزيد من القوات ، فيمكن له أن يطلب المساعدة من الميليشيات العراقية المرتبطة بإيران ( الشيعية ) كقوات بدر أو جيش المهدي أو أصحاب أهل الحق . احتمال آخر هو أن يقوم النظام بتسليم العراقيين . ننظر بقلق إلى الأخبار عن المساعدة الإيرانية لسوريا بستة مليارات دولار ( في الحقيقة تم توقيع عقد غاز بقيمة عشرة مليارات بين العراق و سوريا و إيران ) و مساعدة العراق لدمشق ، لأن السعر الذي سيتم دفعه لن يكون الدعم السياسي فقط و إنما إعادة العراقيين المطلوبين ( كالعسكريين السابقين أو اللاجئين البعثيين البارزين ) . سيناريو آخر ممكن هو أن يضغط النظام على العسكريين العراقيين السابقين من أجل أن يردوا الجميل له بمساعدته بخبرتهم ، تحت وطأة التهديد بتسليمهم إلى العراق " .
خوف العراقيين لا يقتصر على فقدان وضعهم الراهن الحساس . فهم يخافون من أن يصبحوا أدوات تُستخدم مع أو ضد النظام ، و أن يروا أنفسهم متورطين في حرب أهلية أخرى كتلك التي عانوا منها في بلدهم و أدت إلى مئات آلاف الموتى ، إنهم يخافون حتى من تغيير في النظام يؤدي إلى تسليم السلطة إلى قادة موالين لأمريكا يكملون الحملة ضد المقاومة التي أجهضتها سوريا باستقبالها للمقاتلين . و لكن حسب الشهادات التي تم جمعها فإن أغلبية العراقيين ، و خاصة أولئك الذين يعيشون في المناطق الأكثر معاناة من القمع ، لا يتعاطفون مع النظام السوري .
يتحادث أبو محمد مع عراقيين يقيمون في حمص ، و قد جاؤوا إلى دمشق لرؤية أقارب لهم . كانوا قد لجأوا في عام 2006 ، بعد عام من مقتل والدهم في العراق على يد الميليشيات في عز النزاع الأهلي . " المظاهرات في حمص قوية جداً . و المتظاهرون غالباً ما يسيطرون على الشوارع . و علـى عكس ما تقـول السـلطة ، فليس هنـاك سـلفيون و لا أجانب . الجميع سوريون ، و كلهم من حمص " ، يروي الرجال الثلاثة . " نحن العراقيين لا نشارك لأننا لسنا سوريين ، و لأن النظام قد طرد قبل بضعة أيام خمسة عراقيين انضموا إلى المتظاهرين . حالياً نمضي القسم الأكبر من الوقت في البيوت ، و نخرج فقط من أجل التزود بالأطعمة " . إن تجربة الغزو و الحرب الأهلية قد أفادتهم في حماية أنفسهم من الإساءات حسبما يقول الرجال الثلاثة . " نتخذ الاحتياطات اللازمة لاخفاء أموالنا و أغراضنا الثمينة كيلا يسرقها منا عناصر الأمن عندما يدخلون البيوت للتفتيش ".
سالم ، المقاتل المذكور سابقاً ، يفعل الشيء نفسه كتدبير وقائي . " قبل عدة أيام ، كان هناك مظاهرة في الحي الذي أقيم فيه . و بما أن شقتي قريبة من المسجد فإننا نستطيع أن نرى كل ما يجري من شرفتنا . كان عناصر الأمن و الشبيحة يدخلون البيوت و يخرجون حاملين أشياء مثل الهواتف المتحركة و النقود . قبل فترة قليلة ، كان الأمن قد سرق مبلغاً كبيراً من المال من صديق عراقي بعد أن دخلوا إلى مكان إقامته ".
إن دور هؤلاء كشهود استثنائيين على الثورة الاجتماعية يمتد عبر سوريا كلها . عمر هو عراقي مقيم في حماة منذ 2006 عندما فر من العراق . اتجه إلى دمشق قبل عدة أسابيع و عندما أراد العودة كان الوقت قد أصبح متأخراً كثيراَ ، لأن الدخول صار ممنوعاً من قِبَل قوات الأمن . " في حماة الناس لا يخافون من الحكومة . المدينة تحت سيطرة لجان التنسيق المحلية . المتظاهرون فخورون بكونهم أبناء و أحفاد شهداء حماة ( في الحملة القمعية لعام 1982 حيث مات ما بين عشرة آلاف و عشرين ألف شخص ، حسب بعض التقديرات ) و في هذا يكمن سر قوتهم عندما يقومون بالتظاهر ". يروي عمر أن المظاهرة الكبرى الأولى جمعت أكثر من 400000 شخص في الشوارع و أن النظام رد عليها بمسيرة موالية للحكومة قوامها الشبيحة و الموظفون البعثـيون و أعضاء القوات الأمنيــة . " لقد قاموا بحرق السيارات و أضرموا النار في الأبنية . تسببوا بالأضرار ثم قاموا بالتقاط الصور التي أظهرها النظام على التلفزيون محملاً المسؤولية للمتظاهرين الذين يطالبون بالحرية ، لكن مسيراتهم هم سلمية بشكل صارم ".
و حسب ما يقوله عمر فإن السلطة الديكتاتورية ارتكبت مذابح في المدينة ." بيديّ هاتين حملت الناس إلى المستشفيات . شاهدت الكثير من الضحايا ، عشرات الموتى .... المتظاهرون لا يحملون الأسلحة ، المُدى فقط ، هي كـل ما لديهم من أجل الدفاع عن أنفسهم . هم ليسوا سلفيين ، صحيح أن هناك من هم من الأخوان المسلمين ، لكن أن يكون المتظاهرون سلفيين فهذه دعاية خالصة من النظام " . و حسب هذا الشاهد ، فإنه في حماة أيضاً لم يبق صور أو تماثيل لآل الأسد . كما أن الجيش و الشرطة يتمركزون في أطراف المدينة بانتظار الاجتياج الذي حدث أخيراً قبل عدة أيام مع حلول شهر رمضان .
واحدة من المستجدات الكبيرة التي يجـدها أبو محمد في سـوريا الثورة و القمع هي أن الخوف ، شديد الحضور سابقاً ، آخذ بالتبخر . " إن جدار الخوف قد سقط ، عندما وصلنا إلى سوريا ، قبل خمسة أعوام ، لم يكن أحد ينتقد النظام . الآن حتى سائقو سيارات الأجرة يتحدثون عن الثورة و ينتقدون الديكتاتورية . قبل أيام ، حدثني سائق سيارة أجرة في الستينات من عمره و يعيش في داريا ، إحدى ضواحي دمشق . و وفق ما قاله ، فإنه يشارك في المظاهرات التي تجري في منطقته حوالى عشرة آلاف شخص . يقول إنه لم يعد هناك ثماثيل أو صور للأسد ، و هو يعتقد أن المرحلة القادمة ستكون انقسام الجيش ضد النظام ، بدعم من علماء السنة . إن بشاراً أحمق ، و ليس ذكياً مثل والده . في الثمانينات ، عندما بدأ رفعت الأسد ( شقيق الرئيس آنذاك ) حملة ضد الحجاب و بدأ رجاله بنزع الحجابات في الشوارع ، أوقفه حافظ و خلال ساعات قليلة قدم اعتذاراً للشعب . أما بشار فهو لا يرتكب الجرائم فقط بل إنه لا يتأسف عليها و يستمر في التهديد بالمزيد ".
ممـا يسـاعد علـى ذلك ، أن النظام و هو يرى نفـسه محاصَرَاَ ، يتصـرف كحيـــوان جريـح قريب مـن المـوت ، فيكــثر العـض و يسـتثير مـع كــل عضــة المـزيد مــن المعارضــة . " بالأمس ، عند منتصف الليل ، كانت أمي و شقيقتي عائدتين إلى المنزل بعد إفطار رمضاني عندما شاهدتا مجموعة من الشباب ، أقل من عشرة ، مقابل بناء لسيرياتل شركة الهواتف ، في قدسيا . و في الحال ظهر رجال أمن يرتدون اللباس المدني ، و هاجموا الشباب بالعصي الكهربائية و زجوا بهم في شاحنات صغيرة " يستمر في الرواية أبو محمد .
كبقية العراقيين ، يرقب أبو محمد الثورة مغلولَ اليدين . لا يستطيع المشاركة و لا نقل الأخبار لكي لا يعرض نفسه لخطر الطرد أو شي أسوأ من ذلك بكثير . و من أجل الاستعلام عن الأخبار و الاتصال مع العالم الخارجي يخضع إلى القيود نفسها التي يخضع لها السوريون : يذهب إلى مقهى انترنت يكون على صلة صداقة بمالكه – الذي يقوم برفع الحجب عن الصفحات المحظورة من قبل النظام – و يقوم بالتصفح في الشبكات الاجتماعية من أجل تحميل الفيديوهات و الصور المختلَسة . " يأتي فقط الأشخاص الموثوقون ، و يسألون عن الفيس بوك و يعين صاحب المحل لهم جهاز الكمبيوتر ، ثم يرسل إليهم لاحقاً رابطاً من داخل مكتبه يسمح بالولوج إلى الشبكة الاجتماعية " . يذهب أبو محمد إلى البيوت التي تمتلك صحوناً لاقطة من أجل مشاهدة القنوات الدولية مثل الجزيرة و العربية عبر القمر الصناعي ، و يستخدم الهاتف من أجل الاتصال مع الأصدقاء المنتشرين في كل أنحاء سوريا و تجميع المعلومات ." هكذا يستعلم عن الأخبار السوريون أنفسهم ، عبر القمر الصناعي و المعلومات المباشرة التي يزودهم بها أقرباؤهم و أصدقاؤهم في مدن أخرى " يقول شـاهدنا . في الليـل " تتحــول الاتصالات إلـى كابوس . أما في وقت المظاهرات فإن الشبكة الهاتفية لا تعمل " كما يشرح أبو محمد .
يتشارك العراقيون في الخوف من عدم الاستقرار السياسي و أيضاً من حرب أهلية في سوريا تبـدو أكثـر احتمالاً بشـكل متزايد . لكـن سـائق سيارة الأجرة السوري المـذكور سابقاً يبـدي تفـاؤلاً و يجادل قائلاً : " سوريا لن تكون مثل العراق ، نحن السُنَّة هنا نشكل الغالبية و نعلم تماماً ما حدث في العراق ، و لن نسمح بأن يحدث لنا الشيء نفسه " . لكنّ الأمر المؤكد هو أن بشار الأسد لا يحاول فقط التحريض على النزاع الطائفي من أجل البقاء في السلطة ، و إنما يهدد بحرب إقليمية تحرق الشرق الأدنى . قد يكون ما يجري ليس إلا بداية الكابوس بالنسبة للعراقيين و السوريين و بقية العرب
www.periodismohumano.com/en-conflicto/rehenes-de-la-insurreccion-y-la-represion.html

Sunday 18 September 2011

يوتيوب، هدفاً للحكومة السورية


يوتيوب ، هدفاً للحكومة السورية

ليلى نشواتي - موقع : بريوديسمو اومانو


في ذروة القمع الشامل لأي شكل من أشكال المعارضة في سوريا ، تصبح حرية التعبير بشكل متزايد الهدفَ الرئيسي للحكومة السورية . فالصمت الإعلامي الذي كان سائداً حول الشأن السـوري حتى الآن ، و كانت الحكومة السـورية تتحرك في إطاره بشكل مريح ، فتح الطريق أمام رؤية انتهاكـات حقوق الإنسـان التي كانت أمـراً ثابتاً في سـوريا مـنذ عقـود . و في ردة فعل على هذه الرؤية التي تُظهِر ممارساتِهم ضد مواطنيهم ، صارت قناة اليوتيوب الهدف الأخير لآل الأسد  .
إن الصراع الذي يخوضه النظام السوري لاحتواء تدفق المعلومات المنبثقة من داخل البلاد  و التي يشاهدها العالم كله تقريباً بشكل فوري ، هو مواجهة بين أنماط الاتصال في القرن العشرين و أنماط الاتصال في القرن الحادي و العشرين ، هو صراع بين الصيغ القديمة و الصيغ الجديدة . و في انئسارها لروايتها الرسمية ، التي تسيطر عليها بشكل مباشر من خلال الوكالات و المؤسسات الرسمية ، تصطدم السلطات السورية بلا نهائية الأخبار و المواضيع و المواد الصوتية و المرئية التي يتم بثها و تبادلها بالطريقة اللا مركزية التي تميز الانترنت . أمام هذا التدفق الذي لا يمكن وقفه للمواد و المواضيع ، تصبح قليلةَ الجدوى تلك الفيديوهات التي تقدمها الحكومة ، و تُظهِر إهابيين مُفترَضين يقرون بندمهم على المشاركة في المظاهرات ، و يسهل رؤية الخوف و الضغط الظاهرَين فيها أمام الكاميرا .
إن كل هذه الفيديوهات و الاتهامات بالمؤامرة الدولية و التخويف بتهديد إسلاموي مفترَض  التي يطلقونها من خلال قنواتهم ، لا تستطيع بلوغ هدفها ، فالذين يعيرون انتباهاً لهذه الروايات يتناقصون باطراد . و محاولات إضفاء الشرعية على الرواية الرسمية تحقق بشكل متزايد أثراً مضاداً و تبرز يأس النظام الذي يشن ، في آن واحد ،  حملته على هذه المواضيع  و المواد و من يرسلها و وسائط نقلها .
لقد اتهم النظام قناة فيديوهات اليوتيوب بأنها " رمز الإفلاس الأخلاقي للغرب و دعمه للإرهاب " . و كـان ذلك هو رد الفعل على استقالة المحامـي العام في حمـاة ، عدنان بكـور ، الذي شرح ، في شريط فيديو محمَّل على اليوتيوب انتشر في العالم كله ، الفظاعات التي ارتكبتها الحكومة السورية ضد شعبها و أشار بالاسماء و الكنى إلى المسؤولين عنها . و بالاضافة الى اتهام اليوتيوب و الغرب ، اتهم النظام المعارضة السورية باختطاف البكور و إكراهه على الإدلاء بتلك التصريحات .
يحتفظ النظام السوري بالقوة التي توفرها له الأسلحة لكنه يفتقد بالفعل إلى الشرعية التي استثمر جهداً إعلاميا كبيراً في سبيلها . إن منع دخول الصحافيين و تكذيب ما يراه الناس في جميع أنحاء العالم بشكل مباشر و الحملة ضد التكنولوجيا ، كل هذه الأمور لا يمكنها أن تعيد إليه تلك الشرعية و لن يمكنها الحيلولة دون معرفة ما يحصل من الانتهاكات التي تتكشف بشكل أكبر كلما حاولت الحكومة الإمعان في إخفائها .



www.alianzas.periodismohumano.com/2011/09/14/youtube-el-blanco-del-gobierno-sirio/