Monday 27 February 2012

" إذا سقطت حِمص، ستنتهي الثورة "


" إذا سقطت حِمص، ستنتهي الثورة "
إعادة الاستيلاء على المدينة أصبح الهدف الرئيسي للقوات الخاصة في نظام بشار الأسـد

مايتي كاراسكو – حمص، سوريا – 8 – 2 – 2012 – صحيفة ال باييس الإسبانية:

استولت الفوضى على شوارع بابا عمرو، الحي الحمصي الأكثر معاناة من قوات بشار الأسـد، التي تحاول الدخول إلى المدينة وإنهاء الاحتجاجات في أسرع وقت ممكن. " مضى علينا أربعة أيام ونحن نُقصَف، لكن اليوم كان هو الأسوأ " يؤكد خالد، الناشط السوري. ثمانية وعشرون ألفا من الرجال والنساء والأطفال لا يزالون محاصَرين في هذه الكيلومترات الستة المربعة، حيث لا يوجد ملجأ ممكن، وحيث تسقط قذائف الهاون بمعدل 500 قذيفة يومياً، مع مئات القناصة الذين يطلقون النار على كل ما يتحرك في أي شارع.
حسب مصادر من الجيش السوري الحر، فإن القوات الخاصة التابعة للرئيس الأسد  انتقلت إلى المناطق المتاخمة لمدينة حمص المحاصَرة من أجل القيام بالمهمة القذرة. " لا يثق النظام بجنوده. فالكثير منهم قد انشقوا فعلاً لأنهم رفضوا قتل الشعب السوري، بل إن آخرين هم من المدينة نفسها أو المناطق المجاورة لها. كيف لهم أن يطلقوا النار على أقربائهم؟ ليس لدى النظام ، في هذه الأوقات، إلا هؤلاء والشبيحة " يؤكد خالد.
قناة الجزيرة القطرية الناطقة بالعربية تعرض صوراً التقطها أحد الناشطين للدبابات وهي تتحرك في نقطة ما من المدينة، رغم أنها لا تحدد المكان بالضبط. إن الاستيلاء على معقل المقاومة السورية تحول إلى أولوية لدى النظام، الذي لم يستطع التعامل مع الاحتجاجات التي بدأت قبل أحد عشر شهراً في مدينة درعا. " إذا دخلوا إلى حمص، ستنتهي الثورة " يشرح خالد. " هذه منطقة تخلى عنها الأسـد، لم يستثمر في البنى التحتية، البطالة في حمص كانت تبلغ 37 بالمائة من السكان قبل الثورة، والآن 70 بالمائة، هناك فساد كبير ولا نستطيع الاستمرار هكذا " يضيف خالد.
كل من شارك في المظاهـرات في هذه الأشـهر الأخيرة أُدرِجَت أسـماؤهم في ما يسـمى بـ " القائمة السوداء ". الكثيرون مروا بالسجون، ولم يعد يمكنهم العودة إلى الوراء. إذا استطاع النظام سحق الثورة، فإنهم يخشون التعرض للقتل أو العودة إلى السجن. " بقيتُ ثمانية أيام في سجن مخابرات القوى الجوية " يؤكد أبو عمار. إنها القوات الأكثر رهبة إذ لديها  الرخصة بالتعذيب حتى الموت.
" كنا ثلاثمائة في زنزانة بمساحة ثمانية في أربعة أمتار. لم يعطونا شيئاً للأكل خلال خمسة أيام. كان هناك مرحاض في الزاوية، لكن بدون ماء. كان معي أطفال في السنة العاشرة من أعمارهم. قيدوا يديّ وغطوا عينيّ بعِصابة، علقوني من الذراعين، ألقوا الماء فوقي وعذبوني بالصدمات الكهربائية خلال عشر ساعات ". اتهموه بالتخابر مع الموساد على الرغم من كونه عضواً قديماً في حزب البعث. " كان عليَّ أن أدفع 2000 دولار لجعلهم يطلقون سراحي " يؤكـد.
منذ بداية الانتفاضة وفقط في بابا عمرو، الحي الذي يقطنه ثمانية وعشرون ألفاً، قُتِل 274 شخصاً، وكان هناك 2000 جريح، كلهم تقريباً جراء طلقات القناصة. 1700 شخص فروا، و510 من المنازل تعرضت لأضرار بسبب القصف، حسبما يقول خالد. مضى على المدينة عشرة أيام وهي مطوَّقة بأكثر من 40 حاجزاً للجيش السوري، الذي حاول في سبع مرات سابقة الدخول إلى بابا عمرو، لكنه في المرتين الأخيرتين لم يستطع إخضاع الجيش الحر، الذي يحاول الدفاع عن السكان من الداخل، رغم أنه لا يملك إلا البنادق وقاذفات الآر بي جي فقط، التي لا تستطيع فعل شيء ضد دبابات النظام أو ضد قصف مدافع الهاون التي تطلق من بُعد بشكل عشوائي، بطريقة تجعل سقوط القذائف ممكناً في أية نقطة من المدينة.
رجال ونساء وأطفال يحاولون البقاء على قيد الحياة في هذه الظروف، بدون أية إمدادات. لم يبق طعام ولا وقود، و العائلات تتكدس في الطوابق السفلية وبعض الأقبية، وهم في حالة من اليأس لشعورهم بأنهم قد تُركوا وحدهم لمصيرهم، بدون مخرج. " لديهم ثلاثة أطباء فقط ،واحد منهم جريح، والآخران منهكان " يؤكد خالد. تحولت البيوت إلى مستشفيات مُرتَجَلَة حيث الرجال والنساء والأطفال يموتون دون عون طبي، ينتظرون الأسوأ، ويصيحون " الله أكبر " مع دوي كل قذيفة.




 

www.internacional.elpais.com/internacional/2012/02/08/actualidad/1328729650_597893.html

Monday 20 February 2012

الأسـد: وماذا أفعل الآن؟


الأسـد: ومـاذا أفعـل الآن؟
مويسيس نعيم – صحيفة ال باييس الاسبانية

هذا ما ينبغي أن يسأله الطاغية السوري بشكل يومي. ففي حين أن هناك نقاشاً كبيراً حول الخيارات التي تملكها الديموقراطيات في هذا العالم من أجل وقف المذبحة، فإن نقاشاً أقل يدور حول الخيارات التي تبقت للأسـد. أتخيله جالساً يفكر حول ما لديه من إمكانيات بينما يتأمل صورتين من العام الماضي. الأولى هي لزوجته الجميلة أسماء، في تقرير تقريظي عنها قدمته مجلة فوغ، والثانية هي لجثة معمر القذافي. الصورة الأولى تذكره بحياة وخيارات لم يعد يملكها والثانية تبين له أي مصير يمكن أن ينتهي إليه. إن الأمل، الذي رمزت إليه مقالة مجلة فوغ، بأنّ في استطاعة الأسـد إصلاح النظام الديكتاتوري الوحشي الذي ورثه من والده، لم يعد موجوداً عند أحد. آلاف الأبرياء الذين قتلهم يسدون عليه هذا الباب. لكن إذا كان هذا الباب وأبواب آخرى قد أُغلقت في وجهه. فما هي التي الأبواب التي مازالت مفتوحة أمامه؟
1 – القتل. يستطيع الأسـد، كما فعل حتى الآن، يستطيع الاستمرار في قتل الثائرين وأُسَرِهم. هذا ما حاوله القذافي. لكن الليبي أوقفه الناتو، فيما يعلم السوري أن القوى الغربية لن تذهب إلى الحرب ضد بلاده. وفي كل مرة يفرضون عليه عقوبات جديدة، تستعرالمذبحة. لكنه يعلم أيضاً أن القمع بحد ذاته ليس مخرجاً، وأنه لن يمكنه الاستمرار فيه إلى ما لا نهاية، وأن المزيد من البلدان سوف تسلح وتدعم الثائرين الذين يتزايدون يومياً، وأنه في أية لحظة قد يتمرد عليه فصيل مهم من قواته المسلحة. والصين وروسيا قد تفعلان ذلك أيضاً. القتل، لا يكفي.
2 – التفاوض. المشكلة هي: مع من؟ المعارضة هي مزيج غير مستقر من مجموعات غير متناسقة والشيء الوحيد المشترك فيما بينها هو إرادتها التي لا تتراجع في الإطاحة بالأسـد. البديل الآخر هو التفاوض مع الخارج: الأمم المتحدة، الجامعة العربية، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة ... يمكن للأسـد أن يعد، في مقابل وساطة دولية (إرسال القبعات الزرقاء؟) بسلسلة من الإصلاحات السياسية التي تتضمن التخلي عن جزء من السلطة. لكن سيكون من السذاجة الافتراض بأن القوى الخارجية سوف تصدقه، أو أنهم لن يطالبوه بضمانات قوية. أضف إلى ذلك، أن الأسـد نفسه لا يعتقد بذلك. فهو يعلم أن تسليم جزء صغير من السلطة سوف يستتبع زيادة كبيرة في احتمال خسارتها كلها ( انظر إلى حسني مبارك ). إن رفض القذافي العنيد لتقديم تنازلات قام على أساس هذه القناعة حول السلطة. لكن، هل سيتساءل الرئيس السوري: لو أن القذافي علم إلى أين سيقوده تعنته، فهل كان سيستمر في هذا التعنت في كل الأحوال؟ لقد بحث القذافي وأبناؤه بشكل يائس في النهاية عن طريقة للتفاوض حول هدنة يمكنها أن تعطيهم الفرصة للبقاء في السلطة، حتى ولو كانت بشكل أضيق حدوداً. لكن الوقت كان متأخراً. الدرس الليبي هو أنه يجب التفاوض قبل أن تصبح مهزوماً. الدرس المصري والتونسي واليمني هو أن الأنظمة المتسلطة لا يمكنها أن تتقاسم " قليلاً " من السلطة مع غيرها. كل شيء أو لاشيء.
المنفى أفضل من الموت، أو السجن. من المؤكد أن عائلات مبارك وابن علي والقذافـي، مـن بيـن آخـرين، تفكــر علـى هــذا النحــو. وكذلـك فإن مـستوى حـياة ( الديكتاتور) الهاييتي  بيبي دوك دوفالييه، في هذه الأيام، أفضل من ذلك الذي يحظى به سيف القذافي ابن الديكتاتور المتوفى. لا بد أن عائلة الأسـد قد طرحت هذا الموضوع. لكن إلى أين يذهبون؟ في أوروبا تنتظرهم المحكمة الجنائية الدولية ومئات المنظمات التي وثَّقت الفظائع التي قام بها الأسـد وزمرته. إيران هي إمكانية أخرى، كما يمكن أن تكون الصين أو روسيا. لكن التحدي هو: من هم الذين ستقلهم الطائرة إلى المنفى؟ شقيق الرئيس يقود آلة النظام القمعية وشقيقته يشار إليها على أنها محرضة متمرسة للخط المتشدد. وبعد ذلك يأتي الجنرالات، ورؤوساء الأجهزة الأمنية، والشركاء، وآخرون من المتعاونين القريبين. وعائلاتهم. بالفعل، إن واحدة من الشائعات الرائجة الجديرة بالتصديق هي أنه إزاء إمكانية أن يقرر الرئيس اللجوء إلى المنفى، فإن المحيطين به قد خلقوا شبكة فعالة قد تحول بينه وبين السفر.
تقترب نهاية السلالة الحاكمة الدموية السورية، لكن لا أحد يعلم إذا كانت ستأتي في أيام أو أسابيع أو شهور. وكما نرى، فإن الخيارات المتبقية للأسـد قليلة وسيئة. وإذا كان من الصحيح أن القادة الكبار يستطيعون فتح طرق جديدة باتجاه حلول لم يتخيلها أحد غيرهم، فإن من الصحيح أيضاً أن الأسـد ليس قائداً كبيراً. ربما لم يبق إلا الأمل بأن زوجته، التي وصفتها مجلة باري ماتش قبل المذابـح بـ " شـعاع نـور في بلـد تسوده الظلمات "، يمكن أن تضيء الطريق الذي ينقذ حياة الآلاف، بما فيها حياة زوجها.






http://internacional.elpais.com/internacional/2012/02/18/actualidad/1329598350_867594.html

Wednesday 15 February 2012

بوتين والأسـد: إذا حُلِقت لحيةُ جارك، فسارع إلى بل لحيتك


بوتين والأسـد: إذا حُلِقت لحيةُ جارك، فسارع إلى بل لحيتك
لا يريد بوتين حرباً باردة جديدة، لكنه يخشى أن يتحول "الربيع العربي" إلى "ربيع روسي"

لويس باسيتس – صحيفة ال باييس الإسبانية - الخميس 8 - 2 - 2012

الخميس ليلاً، قبل أسبوع من الآن، كان الاتفاق في متناول اليد بعد مفاوضات طويلة. أخذ سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الذين كانوا قد أعدوا نصاً مُتفقاً عليه، أخذوا  يرسلونه، كل إلى عاصمته. توفرت في القرار جرعة الصلابة والضغط على نظام بشار الأسـد التي يستوجبها التصعيد الدموي القمعي الذي يشنه ضد الاحتجاجات الشعبية، وفي  الآن نفسه، المرونة التي يتطلبها الرهان على مخرج مُتفاوض عليه، كما ترغب غالبية الدول في المحيط العربي ودول مجلس الأمن.
السعى وراء التوافق يُعبَّر عنه بوضوح في الاستبعاد الصريح لأي عمل عسكري مُتَضمن في مشروع القرار. لم يقترح أحد تكرار التجربة الليبية. أيضاً لم يتم التهديد بعقوبات جديدة، كما كان الحال في القرار المجهَض في تشرين الأول| اكتوبر بالفيتو المزدوج الأول لروسيا والصين. يوجد أيضا إدانة للعنف" من أية جهة كان "، كما هو معتاد القول في مثل هذا النوع من النصوص. وتم تفادي توجيه دعوة مباشرة إلى الديكتاتور للتخلي عن السلطة، كما كانت تود المعارضة .
" سأوصي بتصويت إيجابي " قالها يوم الخميس ذاته السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين لزميله الفرنسي جيرارد ارود ". "في اليوم التالي (الجمعة) كنا شهوداً على تحول ذي 180 درجة " شرح ارود نفسه لصحيفة لوموند الفرنسية. وأضاف " بعد التصويت يوم السبت، قرأ تشوركين كلمته بدون أن يسعى حتى للنقاش. كان يعلم أننا ذهبنا بعيداً في تنازلاتنا، الشيء غير المتنظر بالنسبة للروس، الذين تم احترام خطوطهم الحمراء ". في هذا التصويت استخدمت روسيا والصين حق النقض من جديد، في تصرف لا يمكن تفسيره، لا بمحتوى القرار ولا بالمصالح التي تمثلها القوتان الحاميتان للأسـد.
تؤكد موسكو، وهي التي تأخذ زمام المبادرة دائماً، أن القرار يحرض على تغيير النظام ويؤسس للتدخل في السيادة السورية. أمر يصعب تصديقه، لأن الاقتراح اقتصر على  استحسان والاستشهاد ببعض الإشارات، غير المباشرة دائماً، إلى خطة عمل الجامعة العربية وبرنامجها الزمني من غير تبنيها بشكل كامل. صحيح أنها تتضمن استقالة الأسـد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية والدعوة إلى انتخابات حرة، لكن لا شيء في النص، بخلاف ما حدث في ليبيا، يقود إلى خلق منطقة حظر جوي أو إلى عمل عسكري من أجل حماية السكان المدنيين. فالأمر يتعلق، من بين أشياء أخرى، بمجرد إعلان (تصريح) بدون وسائل للتطبيق الإلزامي ولا مهل زمنية محددة، الشيء الذي يمكن الحصول عليه فقط مع استخدام القوة، المستبعد بشكل صريح. ومن أجل توسيع الهوة، طلبت موسكو في المرحلة الأخيرة من المفاوضات بأن يُعامل الطرفان بشكل متساو، وكأنهما فصيلان مسلحان عنيفان مسؤولان بشكل متساو عن المذابح.
الجامعة العربية هي مؤسسة متعددة الأطراف كانت مضرب المثل في عدم الفاعلية خلال عقود، تحولت إلى لاعب فاعل مع انطلاق الثورات العربية. كان لها دور ملحوظ في القرارات حول ليبيا وهو ما تفعله في الأزمة السورية، محتلة بذلك مكان دول وهيئات دولية أخرى. إن تحركاتها حذرة بدرجة كبيرة لأنها يجب أن ترضي المواطنين ذوي الفاعلية والتطلعات المتنامية في البلدان التي تمر بمرحلة التحول، وفي الآن نفسه، عليها أن ترضي المَلَكيات الشمولية الحاكمة. في سـوريا، حاولت الجامعة العثور على طريقها الخاص للضغط بشكل يقود إلى تحول سلمي ومُتفاوض عليه، أولاً من خلال بعثات تفتيش مدنية من أجل حماية السكان المدنيين وبعد ذلك مع هذه الخطة العملية التي تنتهي بانتخابات حرة، ستكون الأولى في سـوريا إذا حصل وتم إجراؤها.
فضَّلت روسيا والصين سـد هذا الطريق، على الرغم من الضرر الذي قد يلحق بصورتيهما وحتى بمصالحهما في المنطقة وفي مجموع العالم الناشىء، إذ تحلان محل الولايات المتحدة والأوروبيين كحُماةٍ للأنظمة الديكتاتورية. وأمام صوتيهما المعارضين تقف أصوات كل الأعضاء الباقين في المجلس، الذي توجد فيه بلدان مثل الهند وجنوب أفريقيا أو باكستان.
إن مفتاح الموقف الروسي موجود في الشأن الداخلي. فعندما امتنعت موسكو عن التصويت بشأن القرار حول ليبيا لم يكن قد انطلق بعد الربيع " الشتوي " الذي يواجهه بوتين. لا يخشى حاكم مستبد شيئاً أكثر مما يخشى من سقوط مستبد آخر. إن طبيعة بوتين كعميل سابق للـ كي جي بي تقوده إلى التجديف ضد التيار، على الأقل إلى أن ينقذ الانتخابات الرئاسية في الرابع من آذار| مارس القادم. إنه لا يحاول الدفاع عن مواقع جيواستراتيجية في حرب باردة جديدة. ولا يدافع عن مصالح اقتصادية أو تسليحية كبيرة. الأمر أكثر بساطة من ذلك. إنه يخشى الديموقراطية، ويخاف على رضى الحد الأدنى للمواطنين اللازم للحكم. إذا حُلِقت لحية جارك، سارع إلى بل لحيتك.







www.internacional.elpais.com/internacional/2012/02/08/actualidad/1328733423_781112.html

Saturday 11 February 2012

حِمص الشهيدة


حِمـص الشـهيدة
خوان غويتيسولو – صحيفة ال باييس الإسبانية

كما في سراييفو، يعانون من القصف اليومي لمدفعية وقذائف هاون الجيش  وطلقات القناصة. كما في الشيشان، ينبغي عليهم إخفاء الجرحى في ملاجئ مُرتَجَلة أو في أقبية بدون أية مواد طبية جرّاء الخوف من تعرض هؤلاء الجرحى والقائمين على رعايتهم إلى الاعتقال والاختفاء في مراكز التصفية المريعة.
أتكلم على سكان حِمص، الذين نقرأ عنهم يوماً بعد آخر في الصحافة، أو نشاهدهم على الانترنت أو على شاشات التلفزة بفضل بطولة بعض المراسلين الذين يغامرون بحياتهم في كل لحظة في هذه المدينة المحاصرة من قِبَل قوات بشار الأسـد وأفراد الميليشيات الذين  بإمرته، بدون أن يتوصل المجتمع الدولي إلى توفير الوسائل اللازمة من أجل وضع حد لهكذا عذاب.
بخلاف ما حصل في المدينة الجارة حماة قبل ثلاثين عاماً بالضبط عندما قُتِل أكثر من عشرين ألفا من أبنائها على يدي حافظ الأسـد، والد الديكتاتور الحالي، وتم إخفاء الأمر بشكل حريص من قبل أجهزة رقابته الحديدية وبالكاد وصلت أخبارها -  إذا كان الإعلام يشكل سلطة رابعة فإن عدم وجوده يعني وجود سلطة أكبر بشكل غير متناه - فإن صور الهواتف المتحركة والشبكات الاجتماعية وكذلك شجاعة أولئك الذين يخاطرون بالتحدث بصراحة للإبلاغ عن الوحشية التي تنكِّل بها السلطة السورية بمواطنيها هي تحت مرأى مئات ملايين المشاهدين والقراء ومستخدمي الانترنت في العالم كله.
لكن رغم ذلك، تستمر المذبحة: في كل يوم يتم تزويدنا بصور جديدة مروعة. جثث مضرَّجة بالدماء يتعذر دفنها بكرامة، ذلك أن القناصين، كما في سراييفو، يطلقون النار على مواكب المشيعين. أجسام، انتَزَعتْ منها قنبلة يدوية أو انفجار قذيفة قدماً أو ذراعاً، ممددة على الأرض بدون أي عون طبي. عيادات خالية من الوسائل الأساسية لتقديم الإسعافات الأولية. لا أحد يستطيع توفير الأوكسيجين، التخدير، والأدوات الجراحية. جيش بشار الأسـد وأتباعه موجودون هناك للحيلولة دون ذلك: يستهدفون أية مركبة تنقل الجرحى. أما المستشفيات الخاضعة لسيطرتهم فقد أصبحت الآن مراكز للاستجواب حيث الضحايا والمعتنون بهم يمكن أن يتم إرسالهم إلى السجون السرية للنظام، أو، بعد أن يصبحوا جثثاً بالفعل، يتم تقديمهم على أنهم عملاء متسللون من الخارج يعملون في خدمة  مؤامرة مبهمة.
لا يهم كثيراً أن يعبِّر المجتمع الدولي عن غضبه، أو أن يرسل مراقبين في جولات مخطط لها، أو أن يسحب دبلوماسييه. هذه الضغوط لا تجدي شيئاً. فالطاغية يتشبث بالسلطة محذراً تحذيره البغيض بأن البلاد من دونه ستغرق في حرب عرقية - طائفية كتلك التي حدثت في العراق. في الحقيقة، إنه لا يتطلع إلا للبقاء على حساب نزف دماء شعبه. لقد تجاوز بشار الأسـد آخر الخطوط الحمراء وهو يعرف أن لا إمكانية للتراجع. فإما القضاء على السكان المنتفضين أو نهاية سلالته "الجمهورية" الحاكمة والعسكريين الذين يدعمونها.
في العام الماضي، عندما كنت أعلِّق في هذه الصفحات نفسها على قمع الاحتجاجات في تونس ومصر وليبيا لاحظتُ متهكماً أن درجة حب الطغاة العرب لشعوبهم تتجلى في نوع الأسلحة التي يستخدمونها لإسكاتهم: من الغازات المسيلة للدموع إلى المدفعية الثقيلة. وعند رؤية ما يجري في سـوريا، فليس هناك أدنى شك في أن قصب السبق في هذا السباق الفريد من نوعه سيكون من نصيب الأسـد، عاشق حِمص.



http://internacional.elpais.com/internacional/2012/02/10/actualidad/1328898486_557181.html

Tuesday 7 February 2012

الفيتو المخزي


الفيتو المخزي
مقالة افتتاحية في صحيفة ال باييس الاسبانية – 5 – 2 - 2012


إذا كان هنالك من لا يزال يمنح نتفة من الشرعية للنظام الديكتاتوري القاتل لبشار الأسـد، فإن مذبحة القصف المدفعي العشوائي في حمص، دينامو الانتفاضة الطويلة ضد الديكتاتور السـوري، قد أبطلتها بطريقة لا استئناف فيها. إن القتلى في حمص، وهم أكثر من مائتين، قد أثاروا سخط القوى الديموقراطية، واستجلبوا الغضب على العديد من السفارات السورية، واستدعوا مواقف مثل قطع تونس (حيث بدأت الصحوة العربية) الفوري لعلاقتها مع نظام دمشـق.
أن تصوِّت روسيا والصين، على هذه الخلفية ، في مجلس الأمن يوم أمس، بمواجهة الثلاثة عشر عضواً الباقين، ضد الاقتراح المعتدل للجامعة العربية الذي يتوقع مغادرة السلطة من قِبَل الطاغية الذي يقود بلاده نحو الحرب الأهلية، فهذا يجعله يوماً أكثر حزناً للسوريين ولقضية الكرامة. ويُظهِر عدم فعالية الجهاز التنفيدي لهيئة الأمم المتحدة في هذه اللحظات الحرجة. من أجل ألا تفرض الفيتو، سعت موسكو، في ممارسة لا تُطاق للكلبية، لأن يُحمِّل النصُ المسؤوليةً عن الإبادة الجارية في سـوريا (حوالى ستة آلاف قتيل) بالتساوي بين النظام الديكتاتوري السفّاح وأولئك الذين انتفضوا ضده.
وإذا كانت الصين، تاريخياً،غير حساسة تجاه أي انتهاك لحقوق الإنسان، فإن موسكو قد جعلت من سـوريا، لأسباب مختلفة، معقلاً لها في الشرق الأدنى. ليس فقط بسبب عقود التسليح المليونية مع دمشق أو من أجل الاحتفاظ بطرطوس قاعدتها البحرية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط. إن الكرملين، الحليف التاريخي لهذه الديكتاتورية الوراثية، يفقد  بشكل كبير نفوذه في المنطقة، سواء أتعلق الأمر بإيران، العراق، أو ليبيا. وهو ليس مستعداً لتكرار الخطأ الذي فتح الأبواب للناتو في ليبيا.
بشار الأسـد، الذي كان يتباهى بأن الربيع العربي لن يصل أبداً إلى عرينه، يغرقه الآن بطلقات المدافع، بعد أن حنث بجميع وبكل واحد من وعوده. إن الأحداث تُظهِر أن مصيره، حتى لو كانت موسكو إلى جانبه، قد تحدد بشكل نهائي. سبق السيف العذل.






www.elpais.com/articulo/opinion/veto/infame/elpepiopi/20120205elpepiopi_3/Tes

Wednesday 1 February 2012

روسيا وسوريا: المبادئ السياسية والفرص الاستراتيجية


روسيا وسوريا: المبادئ السياسية والفرص الاستراتيجية
انطونيو روبيو بلو – موقع : اتينيا ديخيتال

عنت نهاية الحرب البادرة تراجعاً  للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط. و لم يبق لموسكو إلا  تحالفها الاستراتيجي مع سوريا وإيران، الذي تبذل قصارى جهدها للحفاظ عليه بمواجهة كل الصعاب، ولو على حساب الانتقادات والضغوط التي تواجهها على المسرح الدولي.

مبادئ القومية والسيادة
كانت روسيا حليفاً تقليدياً للنظام السوري لمدة طويلة قبل أن يستولي آل الأسـد على السلطة في عام 1970، نظراً إلى طبيعة النظام الذي كان يقدم نفسه على أنه قومي عروبي واشتراكي بقيادة حزب البعث، وكان يشكل ثقلاً موازياً مهماً لإسرائيل، الحليف الأكبر لواشنطن في هذه المنطقة. في عهد بريجينيف، وقعت موسكو اتفاقاً للتعاون العسكري مع دمشق، لم يعن لها تسهيلات في الانتشار الجوي والبحري وحسب، و إنما جعل من سوريا زبوناً بارزاً لشراء السلاح السوفياتي، في شكل طائرات، وأنظمة دفاع جوي، وصواريخ مضادة للسفن، وأسلحة خفيفة. هذا التقليد استمر ونمى خلال رئاسة بوتين، وخاصة عندما فتحت الحرب في العراق نافذة أخرى من الفرص للعلاقات الروسية السورية. في أعقاب تلك الحرب مباشرة، اتهمت الولايات المتحدة نظام بشار الأسـد بحماية الإرهاب في بلاد ما بين النهرين. وفي ذلك الحين كان بوتين يُظهِر لواشنطن عضلاته الوطنية ويبدأ بتوسيع شبكة من الاتفاقات الاستراتيجية إلى كل تلك البلدان المعارضة للمصالح الأمريكية في قارات  مختلفة، ومن بينها لم يكن من الممكن تجاهل سوريا.
القومية والسيادة هي ما يحدد الموقف الروسي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، قبل وبعد الربيع العربي. يمكن فهم التهكم الوارد في مقال نشر حديثاً في صحيفة عرب تايمز الكويتية " الناطقة بالانكليزية " والذي يقول فيه وزير نفط كويتي سابق إن المعاناة الطويلة للروس الذين خضعوا للديكتاتورية لأكثر من سبعين عاماً، حملتهم على التفكير في الطغاة  بوصفهم التعبير الأقصى عن الديموقراطية. بالنسبة لمن يمتلك مفهوماً مفرط الواقعية عن السياسة الخارجية، فإن الديموقرطية هي مجرد قضية داخلية للدول، وفي الحد الأقصى، يكون الشيء الوحيد الذي يمكن فعله، من أجل عدم انتهاك المبدأ المقدس في عدم التدخل، هو دعوة الأطراف المتنازعة إلى الحوار.
وساطة ذات مصلحة
تحتفظ روسيا بقاعدة عسكرية في ميناء طرطوس السوري، حيث يتم تزويد أسطول البحر الأسود بالإمدادات. هنالك رست مؤخراً حاملة الطائرات الأميرال كوزينتزوف، التي تابعت بعد ذلك رحلتها في البحر الأبيض المتوسط، مع سفن أخرى، من أجل المشاركة في بعض المناورات. يحتمل الأمر تفسيرين: التفسير الروتيني بأن المناورات كانت متوقعة مسبقاً، والتفسير الذي يتردد في الصحافة الرسمية، بأن وجود القوات البحرية الروسية يمثل دعماً جديداً من موسكو لنظام الأسـد، وهي إشارة واضحة على أنه لايمكن القبول بأي تدخل أجنبي في القضايا الداخلية، لا في شكل عقوبات ولا في شكل " تدخل إنساني". إنها إشارة شكرها متظاهرون حملوا لافتات قبالة الأسطول الروسي، رغم أن مرور الوقت يظهر أن هذه الدعم له حدود، بالنظر إلى مشروع القرار الذي قدمته روسيا إلى مجلس الأمن في الخامس عشر من ديسمبر| كانون الأول الماضي، وتدعو فيه إلى وقف العنف والحوار بين الحكومة والمعارضة، وهي عبارات مشابهة لتلك التي استخدمتها الجامعة العربية من أجل تبرير إرسال المراقبين إلى سوريا.
يتعقد الوضع لأن بشار الأسـد يريد الاستمرار في أن يكون هو الحل بدون أن يتخلى عن كونه سبباً للمشكلة. فرغم القمع، يستمر في تقديم نفسه بوصفه الوحيد القادر على قيادة  مسيرة البلاد نحو التحول الديموقراطي. إما أنا أو العنف الطائفي، تكرار للمجازر العراقية في سوريا ولبنان أو النظام نفسه من أجل الاستمرار في توفيرالاستقرار لشعبه، مع إدخال بعض الإصلاحات الهيكلية. يحاول الرئيس تغذية الأمل نفسه الذي تم زرعه عندما حل محل والده في عام 2000. لكن إذا كان قد عرض في وقت ما القيام بالإصلاح بشكل جدي، فإنه واجه عقبات لا يمكن اجتيازها تقريباً في نظام متحجر في بناه الاجتماعية، حيث الأقلية العلوية تهيمن على مفاصل السلطة المدنية والعسكرية، وفي الحياة السياسية تُكَرَّر الشعارات القديمة عن الوحدة والحرية والاشتراكية، البعيدة عن ديموقراطية ذات تعددية حزبية حقيقية. في هذا المشهد من الجمود السياسي ماذا تستطيع روسيا أن تفعل؟
الهدف الرئيسي للروس سيكون تقديم أنفسهم كوسيط بين النظام والمعارضة في المجلس الوطني السوري. لا يحتاج المعارضون إلى موسكو من أجل تقديم دروس عن الديموقراطية وإنما من أجل دعوة عشيرة الأسـد لمغادرة السلطة والحصول على منفى ذهبي لم يتوفر لمبارك أو القذافي، اللذين لم يكونا مدركين قط بأن أيامهما كانت معدودة. لكنَّ المنفى هو مكافأة زهيدة بالنسبة إلى من لم يعرف في حياته شيئا آخر غير السلطة. وهو يمكن أن يقبل شيئاً كهذا في حالة يائسة جداً، الأمر الذي يعتقد حكام سوريا أنه مازال بعيداً، ذلك أن روسيا والصين سينقضون في مجلس الأمن أي قرار بتدخل أجنبي، والمعارضة منقسمة جداً حول خططها العملية والمستقبل الذي لا تبدو فيه إمكانيات الانتصار على المدى القصير. وعليه، ستستمر موسكو في الدفاع عن سيادة الدولة السورية وعن مبدأ عدم التدخل. لكن مع ذلك كله، يعي الروس أن الوقت، لا سيما في حال زيادة عدد القتلى، لا يعمل في صالح حكومة الأســد. ومن هنا كانت الحاجة إلى عدم إهمال الاتصال مع المجلس الوطني السوري، الذي أكد رئيسه برهان غليون في موسكو في نوفمبر| تشرين الثاني الماضي على أن المصالح الروسية ستبقى مضمونة عند تغير النظام.
و هكذا فإن الهدف الرئيسي للروس سيكون إقناع أية حكومة يمكن أن توجد في دمشق بأن موسكو فقط هي التي تستطيع الاستمرار في ضمان مصالحها، في تناقض واضح مع تطلعات الولايات المتحدة، إسرائيل، تركيا أو الغالبية العظمى من أعضاء الجامعة العربية.



www.ateneadigital.es/RevistaAtenea/REVISTA/articulos/GestionNoticias_7170_ESP.asp#