Thursday 29 March 2012

الوحدة المريرة للثورة السورية


الوحدة المريرة للثورة السورية
ناعومي راميريث دياث – موقع :ال كونفيدينثيال

أكملت الثورة السورية عامها الأول من غير الاحتفال بشيء اللهم إلا بحقيقة أن الإرادة الشعبية لم يتم كسرها وأن المظاهرات مستمرة بالخروج حتى اليوم، بينما تتعاون المدن والأحياء فيما بينها من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية (التي يتبرعون بها هم أنفسهم في حالات كثيرة) إلى المناطق الأكثر معاناة في البلد. هذا البلد الضحية لنظام فقد شرعيته في عيون المواطنين قبل شهور عديدة.
يستطيع السوريون أن يكونوا فخورين أيضاً بكونهم أكثر وعياً بالواقع، ذلك أنهم تعلموا درساً قاسياً، إذ علموا أنه لا حامي لهم في الطريق الصعب الذي بدأوه قبل أكثر من اثني عشر شهراً وأنهم ضحايا مؤامرة. هذه المؤامرة، التي لا علاقة لها البتة مع تلك التي يجادل عنها نظام السلطة السورية منذ الدقيقة الأولى للاحتجاجات، ليست موجهة ضد نظام المقاومة والنضال ضد الامبريالية المُفتَرض، وإنما ضد شعبٍ كان عليه، باسم هذه المقاومة المزيفة، أن يعاني أربعين عاماً من ديكتاتورية الخوف والصمت التي تقودها زمرة عائلية ليس لديها ما تحسد عليه المافيا الصقلية في ثلاثية " العرَّاب ".
المجتمع الدولي برمته متفق على شيء واحد، ربما لأن الأقطاب المتعارضة تتجاذب  وسوريا تشكل الحقل المغناطيسي الذي يستثير هذا التجاذب: الثورة في سوريا يجب أن لا  تنتصر لأن دولة ديموقراطية في هذا الموقع الجيواستراتيجي ستكون خطيرة جداً. صحيح أن التصريحات تتتابع، والعقوبات تتوسع (بينما تصل المساعدات إلى النظام من الباب الخلفي)، والتوقعات بسقوط الأسـد هي على جدول الأعمال، لكن الواقع هو أن هذه الكلمات تقع على آذان صماء. ولنقدم مثالاً بسيطاً: إن خصمين كبيرين مثل إيران وإسرائيل يتفقان على أنه من المحبذ أن يتكلس الوضع في سوريا، وهكذا يضعف البلد، طالما لا يصل الأمر إلى تهديد الاستقرار في المنطقة: الأولى من أجل الحفاظ على نفوذها في حربها الباردة الخاصة ضد بلدان الخليج العربية (التي تخشى، بدورها، وصول الموجة السورية إلى شواطئها) وبسبب خوفها من أن تكون سوريا مدخلاً للهجوم عليها في الصراع الدولي ضد برنامجها النووي. الثانية، تفضل سوريا ضعيفة على الجانب الآخر من الجولان، غارقة في مشاكلها الداخلية بدون أن تصيب هذه المنطقة برشاشها . كل ذلك بينما يتبادل البلَدان التهديدات بالهجوم والهجوم المضاد.
إنه لَمشهد دولي كئيب: مطالبات السوريين(السوريين العاديين، وليس أولئك الذين يجتمعون في قمم لا تنتهي ويقيمون في الفنادق، كما اعتاد المواطنون وصفهم) يتم تجاهلها باستمرار. مرت شهور من المناقشات الجدلية حول إمكانية تدخل عسكري أجنبي، قسمت الرأي الدولي حول المناورات الأمريكية الامبريالية المفترضة من أجل السيطرة على هذا البلد. هذه المناقشات قسمت أيضاً المعارضة السياسية السورية، وهي التي تحمل على عاتقها عبء أربعة عقود من المصاعب من أجل التوحد. في نهاية المطاف، إن التدخل الذي لا يثير حتى اهتمام سورييي الداخل أنفسهم (رغم أننا لا نستطيع إنكار أن البعض يطلبونه بمواجهة هذه الحالة اليائسة) بسبب العواقب الكارثية التي قد يحملها، لم يكن في الواقع على الطاولة في أي وقت من الأوقات، و إنما تم استعماله كذريعة من أجل تبرير الانقسامات.
بصرف النظر عن هذا الجدل غير المثمر عن التدخل، قرر المجتمع الدولي تجاهل     الشعب السوري في رفضه للتحاور مع النظام مقترحاً دعم المهمة الديبلوماسية لكوفي أنان (خلال زيارته إلى سوريا والوصول اللاحق لبعثة تقييم الأوضاع الإنسانية لم يتوقف الضحايا عن السقوط بين السكان المدنيين)، مدافعاً عن حوار بين نظام الأسـد والمعارضة. في هذه اللحظة بالذات تثور الشكوك عن ماهية هذه المعارضة، آخذين في الحسبان سابقة مؤتمر الحوار الوطني الذي أقيم في دمشق في شهر حزيران| يونيو الماضي والذي لم يكن فيه، كما سبق وتكرر القول إلى حد التخمة، معارض حقيقي واحد.
إذا أخذنا في الحسبان، بالإضافة إلى ذلك، أن المجتمع الدولي يطالب - نعم يطالب -  المجموعات المعارضة المختلفة بالتوحد في جسم واحد (دائماً نتحدث عن المعارضة السياسية، متجنبين الأبطال الحقيقيين في هذا النضال) وبهذا يمكن الاعتراف بهم كممثلين شرعيين للشعب السوري (الأمر الذي فعله، حتى يومنا هذا، المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا فقط ). كيف "سيقبل" النظام بالحوار معهم؟ أكثر من ذلك بعدُ، هل سمع أحد الانتقادات المتتالية التي يطلقها المتظاهرون ضد مجلس يعتبرون أنه ليس على مستوى تطلعاتهم، وتقسمه المصالح الشخصية لأكثر من شخصية معروفة؟ الحقيقة هي أن الثورة السورية، لحسن الحظ أو لسوئه، هي "ثورة بدون قيادة" كما يوضح الكاتب اللبناني الياس خوري. السوريون العاديون فقط هم من يمثِّلون أنفسهم محاولين تنظيم أنفسهم من خلال اللجان المحلية، التي تحاول، في نقاط عديدة من البلاد، التنسيق مع الجيش السوري الحر في عمليات الدفاع عن المتظاهرين.
هذا الجيش يستثير ردود أفعال ومشاعر متضاربة. البعض يشكُّون فيه نتيجةً للأخبار التي ترد حول تسلل بعض العناصر المعينة من ذوي الأهداف المشكوك فيها إليه، وبسبب كونه مُشَكَّلاً في جزء كبير منه من السُنَّة (إذا تمعن المرء في التوزيع السكاني في سوريا فلن يفاجئه هذا الأمر كثيراً)، والبعض منهم ملتزمون دينياً إلى درجة كبيرة. بالنسبة للبعض الآخر، يتعلق الأمر بجسم مُكَوَّن في غالبيته من عسكريين منشقين وبعض المتطوعين المدنيين الذين قرروا، بنبلٍ منهم، الانحياز إلى جانب الثورة. في ظل هذه الضبابية التي تلف هذا الجسم، غير المتناسق على الصعيد الوطني وبقيادة يتنافس عليها الكثيرون، يثير القلقَ أيضاً من يستخدمونه في صراعهم الخاص مع النظام من الخارج (خاصة عندما يقوم بهجمات ضد أهداف للنظام مثل أبنية أجهزة الاستخبارات). على أية حال، من المؤكد أنه بالنسبة للكثيرين داخل البلاد يبقى الجيش الحر هو الخيار الوحيد المتبقي لهم كمخرج "وطني" من أزمة محكوم عليها بالتدويل منذ بدايتها، ليس فقط بسبب التدخل الإيراني والروسي عبر بيع الأسحلة والتزويد بالتكنولوجيا المتطورة للتجسس من أجل اكتشاف الناشطين على شبكة الانترنت، وإنما لأن سـوريا هي حجر الزاوية في منطقة معقدة. وهكذا، تعمل مجموعات مختلفة من أجل تشكيل جيش وطني لا يسعى لدور يتجاوز حدود حماية الأرض والشعب.
في هذا السياق، يبقى تحديد المخرج من هذه الأزمة، التي يريد السوريون فقط حلها، يبقى أمراً معقداً في أحسن الأحوال : لا أحد يبدو مستعداً تماماً لتسليح الجيش السوري الحر، بشكل مجاني على الأقل، رغم أن بلداناً مثل قطر والسعودية (الذين يرتجفون عند التفكير بأن الموجة الثورية يمكن أن تصل إلى شواطئهم) تصر على ذلك. المجلس الوطني السوري ذاته انقسم، تحديداً، بسبب الخلافات حول الدعم اللوجستي الذي يجب تقديمه للجيش السوري الحر. وفي هذا الاتجاه تتعزز كل يوم الشائعات حول إقامة منطقة آمنة من قِبَل تركيا، من غير تحديد الجانب من الحدود الذي ستقام فيه، أو ظروف إقامتها.
وبينما يتوالى النقاش، يستمر الشعب في مكابدة عواقب جسارته في المطالبة بالحرية والكرامة. والممرات الإنسانية التي مضى عليهم عدة أسابيع وهم يطالبون بها لم تتحقق. لقد أصبح الوضع الإنساني متردياً، وهذا كله، ممتزجاً بالضغائن التي يزرعها النظام بين المجموعات الاجتماعية المختلفة، يمكن أن يفسح الطريق لحوادث عنف أهلي. تلك بالتحديد كانت الاستراتيجية المُتَّبعة من قِبَل النظام المتنفذ في دمشق : فرّقْ تَسُـدْ ، مصحوبةً بسياسة الأرض المحروقة التي تتوافق مع مبدأ " قتلتُها لأنها ملك لي ".
إن السيناريو الأكثر ملاءمة للمجتمع السوري، الذي يشكِّل المعارضة الحقيقية، يمكن أن يكون انهياراً للنظام. انهيار اقتصادي، سياسي وعسكري، يفتقد فيه النظام الدعم الكافي والتمويل اللازم لاستمرار آلة القمع، فيسقط. وفي تلك اللحظة سيقع على عاتق السوريين مسؤولية أن لا ينقادوا لمشاعر الانتقام ضد أولئك الذين ساندوا النظام أو بقوا صامتين، في سبيل إعادة البناء الوطني.




www.elconfidencial.com/opinion/tribuna/2012/03/25/la-amarga-soledad-de-la-revolucion-siria-8936

Tuesday 27 March 2012

اللعبة السورية الكبيرة


اللعبة السورية الكبيرة
اغناثيو الباريث اوسوريو** – صحيفة ال باييس الاسبانية

بينما يحاول بشار الأسـد إخضاع الانتفاضة بالدم والنار ويهاجم السكان المدنيين، تخوض  العربية السعودية، وإيران، و تركيا  منافسةُ من أجل تحقيق مكاسب في الشرق الأدنى الجديد

دخلت الانتفاضة السورية في طريق مسدود. فعندما يوشك العام الأول من الثورة الشعبية على الاكتمال، قرر النظام المقامرة بكل شيء وتوظيف مدفعيته الثقيلة من أجل محاولة سحق الاحتجاجات التي يوجد معقلها في مدينة حمص. فلا هدف له إلا إخضاع الانتفاضة بطريقة حاسمة وإعطاء درس يبقى محفوراً بالدم والنار في روع السكان المدنيين، تماماً كما فعل قبل ثلاثين عاماً في حماة.
رغم ذلك، يخطىء الرئيس بشار الأسـد سواء في التشخيص أو في معالجة الأزمة السورية، ذلك أنه إذا كان هناك من شيء قد تجلى واضحاً في هذا العام الأخير فهو أن مزيداً من القمع يولد المزيد من الاحتجاج في الشارع. وأمام معضلة الخيار بين مغادرة السلطة بمبادرة ذاتية أو القتل حتى الموت، يبدو أنه اختار الأسوأ بين الخيارات. وفي هذا الاتجاه يتَّبع على نحو أعمى الدليل الذي خطه معمر القذافي في ليبيا بالرغم من خاتمته المشؤومة.
بعد إخفاق محاولة وضع حد للمظاهرات السلمية عن طريق استخدام القناصة، لجأت القوات السورية إلى قصف المناطق المأهولة بكثافة بالمدفعية الثقيلة. هذا القرار زاد بشكل ملحوظ عدد الضحايا المدنيين في الأسابيع الأخيرة. نعم بالفعل: لقد امتنع النظام عن استخدام سلاح الطيران من أجل الحيلولة دون تقديم حجج للمجتمع الدولي لفرض مناطق حظر جوي. لكن هذه التصرفات تشكل جرائم ضد الإنسانية يجب أن يتم التحقيق فيها وملاحقتها بشكل فوري.
من كل ما سبق قوله يمكن الاستنتاج بأن استراتيجيات البقاء المُتبنَّاة من قِبَل بشار الأسـد حتى هذه اللحظة قد فشلت، ذلك أنها لم تستطع أن تفت في عضد السكان المدنيين ولا قوَّت النظام أيضاً، الذي يزداد ضعفاً في كل يوم يمر. إن وعوده حول انفتاح سياسي لاحق عن طريق تعديل الدستور أو قانون جديد للأحزاب تبدو فاضحة، ذلك أنها تُقَدًّم في مسرح خلفيته هي أجواء ماقبل الحرب. ويبدو أن النظام يجهل أن الإكراه يعمل فقط إذا تم توظيفه بالقطّارة في أحوال استثنائية، لكنه لا يمكن أن يتحول إلى أداة يومية من أجل البقاء في السلطة إلى الأبد.
هذا التصعيد الخطير في العنف كان له على الأقل أثر إيجابي، إذ إنه أيقظ المجتمع الدولي من السبات العميق الذي كان غارقاً فيه. فخلال الشهور الأولى من الانتفاضة الشعبية، قامت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بنوع من التصويت بالثقة لبشار الأسـد، الذي كانوا ينظرون إليه بوصفه إصلاحياً مُقَيَّداً بصقور النظام. هذه القراءة، الخاطئة بكل المعايير، قدمت جرعة من الأوكسيجين للسلطات السورية، التي اعتبرت أنها تملك وقتاً إضافياً، وراهنت، بالتالي، على طريق الإكراه من أجل تهدئة الاحتجاجات. القمع الدموي، الذي أوقع (حتى ذلك الوقت) أكثر من ستة آلاف قتيل، أقنع في النهاية البلدان الغربية بأنها لا تستطيع البقاء مكتوفة الأيدي بينما تنحدر سوريا نحو الحرب الأهلية.
أمام جمود المجتمع الدولي كانت الجامعة العربية هي من تولى القيام بالدور الرئيسي     مقدمةً خريطة طريق من أجل مرحلة ما بعد الأسـد. حال تحققها من فشل بعثة المراقبين، تبنت هذه الهيئة الإقليمية خطة تتوقع قيام حكومة وحدة وطنية بوجود مجموعات المعارضة وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية من أجل اختيار برلمان تمثيلي بشكل كامل. تمعت هذه الخطة بتوافق عربي واسع. ليس فقط من جانب البلدان الأكثر عدائية تجاه النظام السوري(مع قطر والعربية السعودية على رأسها) وإنما حكومات بلدان ما بعد الثورة أيضاً ( تونس، ليبيا، ومصر). كل هؤلاء سحبوا سفراءهم في دمشق وجمدوا العلاقات الثنائية معها.
فقط بعد طرح هذه الخطة، تحرك المجتمع الدولي، لمناقشة مشروع قرار يهدف إلى إدانة السلطات السورية بسبب انتهاكاتها المتكررة لحقوق الإنسان ومطالبتها بالوقف الكامل للاعتداءات على السكان المدنيين. علاوة على ذلك، هدد مشروع القرار بقيام مجلس الأمن بإعادة تقييم الوضع كل خمسة عشر يوماً واتخاذ إجراءات أكثر حسماً إذا لم تُسجَّل تغيرات على الأرض. هذا التهديد الواضح تم تفسيره من قبل روسيا والصين على أنه خطوة أولى من أجل إقامة تحالف للراغبين يستطيع التدخل عسكرياً، كما حدث سابقاً في ليبيا، تحت مبدأ المسؤولية عن الحماية. والفيتو الروسي الصيني اللاحق لا يمكن فهمه بشكل كامل بدون الإشارة إلى المصالح الاستراتيجية والتجارية لكلا البلدين مع سوريا. بالإضافة إلى ذلك، لا يناسب أيَّ واحد منهما تأسيسُ سابقة يمكن أن يتم استخدامها في المستقبل القريب ضد بلدان أخرى (إيران)، ولا تمهيدُ الطريق من أجل أن تعزز الولايات المتحدة موقعها في المنطقة.
لكن ربما كان العامل الأكثر حسماً في هذه اللعبة الكبيرة التي يخوضها هؤلاء وأولئك حول مستقبل سوريا هو تنافس القوى الإقليمية من أجل تحقيق مكاسب في الشرق الأدنى الجديد في مرحلة ما بعد الثورات. ليس سراً أن العربية السعودية تسعى لتصدير نموذجها الوهابي الارثووذكسي المتشدد إلى بقية العالم العربي وأنها وضعت البترودولار في خدمة هذه القضية. لكن الجديد فعلاً هو أن السعوديين يغتنمون المرحلة الحالية، غير الملائمة لمصالحهم من الناحية النظرية، من أجل استعادة الدور المفقود في العقدين الأخيرين ومن أجل محاولة توجيه عمل الحكومات الاسلامية المنتخبة أخيراً. إن هدفها لن يكون أقل من كبح الاصلاحات الديموقراطية وإجبار (هذه الحكومات) على تبني برنامج متشدد. لكن رغم مسعاها هذا، فإن من غير المحتمل أن تستطيع الرياض الوصول إلى مبتغاها، ذلك أن مشروعها السياسي البائس يمثل هجوماً على الخط العام  للربيع العربي.
من جهة أخرى توجد إيران، التي تحاول الحفاظ بأي ثمن على القوس الشيعي الذي يذهب من إيران حتى لبنان مروراً بالعراق وسوريا، بل إنها تحاول مده إلى بلدان أخرى في الخليج يسكنها الشيعة كالبحرين. من هنا كان سعيها من أجل تطوير برنامج نووي يمكن أن يعزز هيمنتها الاقليمية وأن يتم توظيفة كسلاح ردع ضد الأعداء التقليديين: الولايات المتحدة، إسرائيل، والعربية السعودية. أخيراً، نجد تركيا، التي يبدو أنها ضحَّت بسياستها (صفر مشكلات) مع الجيران من أجل التكيف مع المشهد الاقليمي الجديد محاولةً تحويل نموذجها الإسلام- ديموقراطي إلى مرجع لمجموع الحركات الإسلامية العربية.
في حال لم يجد المجتمع الدولي الصيغة السحرية لحل المشكلة، فإن هؤلاء اللاعبين الثلاثة سيلعبون دوراً محورياً في مستقبل سوريا. ما هو غير واضح هو الثمن المستعد كل واحد منهم لدفعه من أجل الحفاظ على نفوذه أو توسعته. فإذا كانت إيران قد راهنت بكل أوراقها لدعم حليفها الاستراتيجي لأنها تعتبر أن بقاءه قضية أمن قومي لها من الناحية العملية، فإن العربية السعودية وتركيا لا تبدوان مستعدتين لأن تشنَّا، على الأرض السورية، حرباً ضد إيران من خلال لاعبين وسطاء. أضف إلى ذلك، أنه من غير المحتمل إلى درجة كبيرة أن تقبل المعارضة السورية الدخول في هكذا لعبة، أو أن تترك المجموعاتُ العرقية والطائفية المختلفة التي تشكل فسيفساء اجتماعية متنوعة نفسها لتتلاعب بها الدسائس الإقليمية.
والحال هكذا، يمكننا التساؤل كم من الوقت سيكون بمستطاع النظام السوري البقاء في أوضاع مضادة له بشكل متزايد. فكونه منبوذاً في العالم العربي، ومحاصراً بالعقوبات الدولية، ومختنقاً بأزمة اقتصادية عميقة، كل ذلك يؤشر إلى أن الدعم الإيراني والروسي لن يكون كافياً لضمان بقائه. الخاسر الأكبر في هذا الانتظار المؤلم سيكون، مرة أخرى، السكان المدنيين، الذين سيكون عليهم نزف المزيد من  الدماء قبل أن يتهاوى النظام بشكل نهائي.

** أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أليكانتي بإسبانيا.


www.elpais.com/elpais/2012/02/12/opinion/1329064344_827836.html

Friday 16 March 2012

الهاوية السورية


مقالة افتتاحية في صحيفة الباييس الإسبانية – 15 – 3 - 2012

الهاوية السورية

جرائم الأسـد تتزايد في ظل الشلل الدولي والدرع الروسي- الصيني


تكمل الثورة السورية ضد بشار الأسـد عامها الأول ولا حل يبدو في الأفق. يستغل الطاغية صكاً على بياض قدمته له روسيا والصين في مجلس الأمن، وشللَ القوى الديموقراطية، من أجل مضاعفة تعدياته. وإذا كانت المذابح قد تفاقمت في حمص في الشهر الماضي، فقد جاء دور إدلب ودرعا بعدها، حيث تقوم الفرق العسكرية السورية، وفق نمط متطابق، باستخدام الأسلحة الثقيلة كما يحلو لها قبل البدء في الهجوم من بيت إلى بيت. أكثر من ثمانية آلاف سوري ماتوا في السحق الذي لا يرحم لثورتهم. ربع مليون آخرين فروا من بيوتهم أو إلى بلدان مجاورة للنجاة بأنفسهم من مجزرة تندرج في إطار الجرائم ضد الإنسانية، والتي كان ينبغي على مجلس الأمن، عديم الفعالية، أن يسوق الأسـد بموجبها إلى محكمة الجنايات الدولية.
في هذا السياق المخجل - والذي يجعل مزحة الدعوة إلى انتخابات نيابية في آيار| مايو أكثر دموية – تتطور مهمة كوفي أنان. إن طلبات الأمين العام السابق للأمم المتحدة من الأسـد، ومن بينها وقف إطلاق النار والإنصات إلى المعارضة، تبقى محدودة قياساً بما كانت الجامعة العربية نفسها، التي يمثلها أنان أيضاً من الناحية النظرية، قد طلبته في كانون الثاني| يناير: مغادرته الفورية للسلطة. الأسـد وجلاوزته، الأوفياء لاستراتيجيته في كسب الوقت، يستمرون في خطتهم لتصفية أي عدو وإغلاق الحدود بوجه المقاتلين والأسلحة. لن يقبل الطاغية هدنة طالما اعتقد بأن قبوله لها سيؤدي إلى خسارته النهائية للسيطرة على أجزاء من البلاد. فدمشق تعلم أن المعارضة في المجلس الوطني المنقسم هي غير ذات صلة بالداخل السوري وأن الجيش السوري الحر غير المنظم وسيء التسليح لن يمكنه أبداً أن يكون منافساً لمصفحاتها ومدفعيتها.
يحمل الأسـد على العقوبات السياسية والاقتصادية، لكن آخرين على شاكلته استطاعوا البقاء لسنوات بوجود عقوبات مشابهة. والإدانات الدولية هي سلاح ضعيف في مواجهة الدرع الذي توفره موسكو وبكين في الأمم المتحدة تجاه أي استخدام لاحق للقوة، هذا الاستخدام للقوة الذي لا يوجد الحد الأدنى من الحماس له بين القوى الديموقراطية. مر عام وسقطت آلاف كثيرة من الموتى، والغرب يستمر في تردده المؤلم حول ما يجب ما أن يُفعل. المشهد المتوقع، في غياب المعجزات، هو أن نظاماُ دموياُ، فقد السيطرة على المجتمع، سيستمر في ارتكاب الفظائع الهائلة. وإلى أن تحين خاتمته المحتومة، يمكن أن تكون المأساة طويلة جداً وقاسية.





http://elpais.com/elpais/2012/03/14/opinion/1331757527_776745.html