Saturday 30 June 2012

خذ المال واهرب يا أسـد




خذ المال واهرب يا أسـد

لويس بيراثا بارغا – صحيفة الباييس الإسبانية

قبل أسابيع من الهجوم النهائي على العراق من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية وانكلترا، عرَض ديبلوماسي روسي قريب من فلاديمير بوتين وصديق شخصي لصدام حسين على حاكم العراق منفىً مُرفَّهاً مقابل تسليم السلطة. وبوصفه ديكتاتوراً معمَّراً فقد رفض العرض معتقداً أن شعبه، الذي كان قد أخضع نسبة كبيرة منه، سوف يؤيده وأن الحرب ضد الأمريكيين ستنفع في تضخيم صورته. ستظل صور إلقاء القبض عليه، المشابهة كثيراً لصور القذافي مع فارق أن هذا الأخير قتله الثائرون بطريقة قاسية وأنّ ذلك قد تم أسره على أيدي جنود محترفين، ومحاكمته أمام المحكمة العراقية العليا وإعدامه شنقاً، باقيةً في ذاكرتنا.
الآن، يحظى طبيب العيون المعاد تأهيله في لندن، والذي ورث بلداً من والده، بالفرصة نفسها للتقاعد ممتلئاً بالملايين لممارسة مهنته كطبيب عيون، التي آلت إلى جزَّار بشري، في أي مكان من روسيا أو الصين مقابل إنهاء قمع شعب يقود البلاد إلى حرب أهلية. كما عنوَن وودي آلن واحداً من أوائل أفلامه أقول: خذ المال واهرب، يا أسـد.



http://elpais.com/elpais/2012/06/28/opinion/1340903676_614266.html

Wednesday 27 June 2012

المنفى القسري للأب باولو دالوليو


المنفى القسري للأب باولو دالوليو

مونيكا بريتو – صحيفة: كوارتو بودير

لم يكن سهلاً على الأب باولو دالوليو، اليسوعي ذي السبعة وخمسين عاماً، مغادرة سـوريا. فقد كان هذا البلد العربي وطناً له خلال ثلاثة عقود، وبين أسوار دير مار موسى، على بعد تسعين كيلومتراً شمال دمشق، أوجد هذا الراهب عالمه الخاص. إنه مكان حيث كان المسلمون والمسيحيون يحضرون للإقامة، للصلاة أو التأمل، وحيث كان حلمه في الحوار بين الأديان يتحول إلى حقيقة في سوريا علمانية حيث كل الجماعات الدينية (سنة، شيعة، علويون، أكراد، مسيحيون، دروز، شركس، وأرمن) تتعايش بشكل طبيعي. هو الحلم نفسه الذي جعل مشروعه يفوز في عام 2006 بجائزة مؤسسة آنا ليند للحوار بين الأديان وبجائزة مؤسسة البحر الأبيض المتوسط.
لكن ذلك كان حتى ستة عشر شهراً خلت، عندما بدأ النظام بالقمع العنيف للمظاهرات الشعبية وبإثارة الكراهية الطائفية. سـوريا الآن ليست هي نفسها، وقد حملت الظروف وقرار رؤوساء الكنيسة هذا اليسوعي على مغادرة البلد الذي استقبله خلال القسم الأكبر من حياته. يُستَنتَج من معلومات The Vatican Insider ملحق صحيفة La Stampa والتصريحات الخاصة التي أدلى بها الأب نفسه أن خروجه كان مطلوباً من قِبَل السلطات الكنسية.
"أتركُ سوريا للحيلولة دون وقوع أضرار أكبر بالنظر إلى وضعي الشخصي" كما أكَّد الأب في لقاء مع هذه الصحيفة. "لقد اعتبرتُ دائماً أن من واجبي ممارسة الحرية الكاملة في التعبير، بناء على الالتزامات التي أقرت بها الحكومة السورية خلال عام 2012 بشكل رسمي، لكنّ هذا خلق حالة أجبرت السلطات الكنسية على أن تطلب مني مغادرة البلد تفادياً لحدوث عواقب أسوأ" شرح دالوليو. "هذا لا يعني أنني لن أبقى ملتزماً بشكل كامل، ثقافياً وروحياً، بعملية إيجاد حل لهذه الأزمة المأساوية وبدمقرطة هذا البلد الرائع".
كانت ردة فعل الأب باولو في بداية الثورة السورية مقالةً دعا فيها إلى الحوار بين الأطراف وإلى تطبيق إصلاحات. اعتبر النظام كلماته تدخلاً، ومن دمشق صدر قرار بالطرد لم يُنفذ، لأسباب من بينها حملة على الفيس بوك للدفاع عن الراهب قام بها شباب من سوريا كلها.
بقي دالوليو تحت الملاحظة. لم يكن يخفي تعاطفه مع المتظاهرين الذي استمروا بالخروج، رغم عنف النظام، إلى الشوارع. "أنا شديد التأثر بوجوه الكثيرين من الشبان الذين عانوا بشكل هائل من أجل تحقيق آمالهم بالحرية والكرامة" كان يشرح قبل أسبوع فقط لشبكة   NPR  الأمريكية. "يوجد عدد كبير جداً من الشباب في السجون ويخضعون للتعذيب لمجرد تعبيرهم، بدون عنف، عن آرائهم". في مناسبة أخرى، أكد الراهب: "أنا راهب، وأتبنى  موقف اللاعنف. لكن الكنيسة التي أنتمي إليها تؤمن بحق الدفاع عن النفس. سوف أبقى ملتزماً باللاعنف، لكنني لا أستغرب أن  يجلب العنف معه عنفاً أكثر".
ولد هذا اليسوعي في روما عام 1954، ودرس اللغة العربية واللاهوت في نابولي وأكمل دراساته في بيروت. انتقل إلى سوريا عام 1984، عندما تمت تسميته كاهناً فيها، رغم أنه كان قد اكتشف قبل عامين بقايا دير مار موسى الحبشي، بعض الأطلال البيزنطية في حالة سيئة مع جدارية في الهواء الطلق. قرر دالوليو إعادة بناء المعبد، الذي يعود للقرن الحادي عشر، وقد تفرغ لهذه المهمة عشر سنوات. في عام 1991 فتح المعبد أبوابه، وبعد عام شكل جماعته الدينية: الخليل، بهدف نشر الحوار في ما بين الأديان. لطف معشره واحترامه للإسلام -أحد كتبه كان بعنوان: مؤمناً بالمسيح، محباً للإسلام- أكسباه محبة الشعب السوري.
من هنا كان الحزن الذي لا بد أنه يشعر به عند رؤيته كيف ينهار التعايش فيما بين الأديان. "في بعض المناطق بسوريا، هناك حرب أهلية حقيقية"، شرح دالوليو في المقابلة المذكورة. واستناداً إلى الكاهن المُحنَّك، فإن خوف الطائفة المسيحية السورية من الثورة -واحد من الأسباب التي يتذرع بها النظام لقمع الاحتجاجات بالعنف هو أن من يلعب الدور الرئيسي فيها هم أصوليون متدينون يريدون فرض دولة إسلامية- ليس عاماً وإنما هي قضية تتعلق بالأجيال، ترجع إلى أن الأجيال الأكبر سناً ليس لديها تجربة ديموقراطية. "كثيرون من الشبان المسيحيين السوريين يؤمنون بعالم أفضل. يجب أن نستمع إليهم. ثمة أمر جديد قد حدث. لقد كنت مع علويين مؤيدين للديموقراطية، سنيين مؤيدين للديموقراطية، مسيحيين مؤيين للديموقراطية... وهؤلاء أُناس حقيقيون".
قبل مغادرته سوريا عن طريق محافظة حمص المضطربة، كان للأب مبادرة لافتة: أقام قدّاساً جنائزياً للشاب والمخرج السينمائي الواعد باسل شحادة، الذي قُتل في الثامن والعشرين من أيار| مايو بينما كان يصور عمليات القصف التي كان يقوم بها النظام في أحد أحياء حمص. دُفن جثمان هذا الشاب المسيحي الناشط في المدينة، إلا أن عائلته نظمت له قداساً جنائزياً في كنيسة القديس كيرلس في العاصمة السورية. لكن قوى أمن النظام منعت إقامته، بل إنهم قاموا باعتقال بعض الحاضرين. عرض دالوليو استضافة هذا الاحتفال بدون القيام بأي دعاية للحدث، وتم الأمر في ديره بحضور الأصدقاء وخطيبة باسل شحادة.
في رحلته للخروج من البلد، لم يختر الراهب الطريق السهل. فقد اختار الخروج ماراً بالقُصير، البلدة التي كان فيها طائفة مسيحية مهمة -في رحلة حديثة لـ "كواترو بودير" إلى هذه البلدة، شرحت لنا السلطات المحلية أن غالبية المسيحيين (في القصير) غادروا سوريا بسبب عمليات القصف ووجود الميليشيات- حيث أتيحت له الفرصة للتوسط في عمليات خطف مسيحيين تمت على أيدي جماعات مسلحة غير مسيطر عليها. "اخترتُ القُصير لأنني، بوجودي فيها، أريد أن أحاول علاج الاستقطاب الطائفي الذي حدث في المدينة. استمعتُ إلى طلبات بعض العائلات المسيحية التي رأت أعزاء لها عرضة للخطف وأريد أن أفعل كل ما هو ممكن، بالصلاة والحوار، من أجل إزالة هذه الانقسامات"، كما صرَّح لوكالة Fides. خلال بضعة أيام، عاشر مسلمين ومسيحيين، وقابل مسؤولين عسكريين ملتحقين بالثورة لمطالبتهم باحترام المدنيين، وطمأن السكان من طائفته الدينية الذين بقوا في المدينة.
"أريد لصلاتي وحضوري أن يكونا أيضاً علامة على الأمل. من أجل أن يزهر هذا الربيع السوري. ومن حوله أن تبنى من جديد شبكة العلاقات الممزقة جرّاء دينامية العنف التي تؤدي بسهولة إلى دوامة من الكراهية والانتقام بين الأفراد والعائلات والطوائف من الأديان المختلفة. كلمات السر هي "المصالحة والمسامحة والأُخوَّة باسم الله".
من الأيام التي قضاها في القُصير، كان هناك يومان من القصف جعلاه قريباً جداً من الحرب. فقد حضر إلى المستشفى الميداني للتبرع بالدم، وفي الخيمة نفسها حيث فعل ذلك سقطت قذيفة بعد ساعات متسببة في حدوث إصابات. عندما طُلِبَ منه أن يحدد من كان يقوم بالقصف، أجاب: "الوحيد الذي يملك القنابل".
في الظروف الحالية، من الصعب العمل من أجل المصالحة. الزمن سيمهد هذا الطريق. "كنت أفضِّل الموت مع شهداء هذا البلد على الرحيل إلى المنفى" قال الأب باولو في مقابلة أخرى. "لقد قدمت حياتي في سبيل مستقبل هذا البلد وكنت أرغب في البقاء في تضامن كامل معه، ولذلك سأعود".





http://www.cuartopoder.es/elfarodeoriente/el-exilio-forzoso-del-padre-paolo-dalloglio/3065

Friday 22 June 2012

إلى أين تتجه الثورة السورية؟


إلى أين تتجه الثورة السورية؟

ايغناثيو ألباريث- اوسوريو – مجلة بوليتيكا اكستريور الإسبانية

يبدو أن الوقت يسير في غير صالح الأسـد. فمذابح الحولة والقبير، حيث تم تصفية مائتين من المدنيين بدم بارد، تبين أن النظام السوري قد يكون في طور استنفاد خرطوشته الأخيرة. وقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بعد اجتماع مغلق في مجلس الأمن، من أن "خطر نشوب حرب أهلية في سورية وشيك وحقيقي". ورغم أننا مازلنا بعيدين عن هذا السيناريو، إلا أن المذابح الأخيرة قد تؤشر إلى نقطة تحول في أزمة هذا البلد.
إذا كان ثمة من شي قد أظهرته هذه الشهور الخمسة عشر الماضية من الثورة فهو أننا لا نواجه مشهداً ثابتاً وأن على الأطراف الفاعلة التكيف مع هذا الوضع المتغير. النظام السوري هو، على الأرجح، الطرف الفاعل الأقل تغييراً لاتجاهه، ذلك أنه يستمر في الدفاع على نحو أعمى عن وجود مؤامرة دولية، كما عاد وفعل ذلك الرئيس بشار الأسد في مداخلته أمام البرلمان المشَّكل مؤخراً في الثالث من أيار| مايو. لا يخفي هذا الخطاب الفشل في استراتيجيات البقاء المطبقة حتى هذه اللحظة، والقائمة على سياسة الأرض المحروقة التي خلًّفت دماراً واسعاً وتسببت في سقوط 14115 ضحية على الأقل (9862 مدنياً و3470 عسكرياً و783 منشقاً وفق بيانات المرصد السوري لحقوق الإنسان).
بالرغم من وحشية القمع، لم يحقق النظام نجاحاً في وقف الثورة. فالفرقة الرابعة المدرعة (التي يشكل العلويون ثمانين بالمائة منها ويقودها ماهر الأسـد شقيق الرئيس) والشبيحة الرهيبون (قوات شبه عسكرية من المنطقة الساحلية يمولها رجال أعمال قريبون من آل الأسـد) لم يكونوا قادرين على إعادة بناء جدار الخوف الذي حطمه الحراك الشعبي. وإذا كان صحيحاً أن النظام السوري ما زال متماسكا نسبياً في ما يتصوره حرب حياة أو موت ليس فيها إلا منتصرون ومهزومون، إلا أن نضوباً حقيقياً في مصادر دعمه التقليدية قد بدأ بالظهور. لقد فاقمت الأزمة الاقتصادية من استياء تجار دمشق وحلب، مركزي ثقل الاقتصاد السوري. ومن الممكن أن تكون النخب الاقتصادية السُنية في هاتين المدينتين قد بدأت بإعادة النظر في هذا الدعم.
يعتقد الخبراء أن الاقتصاد السوري سينكمش هذا العام بما يقرب من ستة بالمائة وأن الليرة السورية لم تتوقف عن التراجع أمام الدولار (تغير سعر الصرف الرسمي من 47 ليرة مقابل الدولار إلى 67 ليرة، إلا أنه أكثر من ذلك بكثير في السوق السوداء). إنه مشهد كارثي بالنسبة لمصالح هذه النخبة التجارية، يمكن أن يحملها على فك تحالفها مع آل الأسـد، كما يبين ذلك الإضراب العام الذي دعا إليه تجار الوسط التاريخي لدمشق في الثامن والعشرين من أيار| مايو. وقد تكون الطبقة التجارية بصدد إعادة تموضعها إزاء انهيار أكثر من مرجح للنظام، مضاعفة التفاتاتها نحو المعارضة وكذلك نحو الجيش السوري الحر، الذي قد تقوم بتمويله بسخاء.
في داخل البلاد نرى إعادة تشكيل للقُوى بين المجموعات المعارضة. فلجان التنسيق المحلية المكونة من الناشطين الشباب الذين يقودون التحركات أيام الجمعة، مازالت تلعب دوراً مركزياً في الثورة. لكن قدرتها على الحشد تأثرت جرَّاء القمع الذي كانت هدفاً له. من ناحيتهم، غادر المعارضون التقليديون للنظام (ميشيل كيلو، هيثم المالح، كمال اللبواني، جورج صبرا، سهير الأتاسي، الخ)، الذين كان لهم دور مركزي في ما يُسمى ربيع دمشق، غادروا البلاد لإنقاذ أرواحهم.
بينما تتجه لجان التنسيق المحلية لفقدان بعض ثقلها، أخذ الجيش السوري الحر، المكون من منشقين عن الجيش النظامي يشنون حرب عصابات ضد قوات النظام، أخذ يكسب أهمية مطردة. وقد تزداد أهميته في حال تسارع وصول السلاح إثر موافقة الجامعة العربية على قرار "يأذن بكل أشكال الدعم السياسي والمادي لحماية المدنيين". كما أن إنشاء صندوق بثلاثمائة مليون دولار يهدف "لمأسسة عمليات الدعم للثورة السورية" من جانب المنتدى السوري للأعمال (مجموعة أُسست حديثاً مكونة من رجال أعمال سوريين، أُعلِن عنها في الدوحة) يبدو أنه يذهب في الاتجاه نفسه.
تم أيضاً رصد تسلل مجموعات سلفية، يمكن أن يكون لها تأثير ضار، رغم كونها صغيرة، في حال قيامها بشن هجمات طائفية تستقطب السكان المدنيين السوريين المتباينين. ويجب أن لا ننسى أن الحكمة السائدة بالنسبة لهذه المجموعات هي، كما رأينا في العراق، "كلما كان الوضع أسوأ، كلما كان أفضل". ومع العنف المتزايد، يتزايد الضغط على المجتمع الدولي من أجل أن يتصرف بطريقة فعالة. لذلك فإن من الأهمية بمكان أن تكون للجيش السوري الحر قيادة موحدة ترسم استراتيجية واضحة تحيِّد السكان المدنيين. إلى ذلك، لم تخفِ شخصيات بارزة من المعارضة استياءها من تدخل العربية السعودية، البلد الذي لا يمثل نموذجاً يحتذى نظراً لقصوره الديموقراطي.
في الخارج، مازالت القوة المهيمنة هي المجلس الوطني السوري، الذي كان يتمسك في البداية بثورة سلمية لكنه أخذ يميل تدريجياً باتجاه الاستراتيجية العسكرية. ويبدو أن إنشاء لجنة لتنسيق العمليات العسكرية ضد النظام يشير إلى أن المجلس الوطني السوري بات يعتبر أن المقاومة المدنية لا تستطيع، وحدها، التسبب بسقوط الأسـد. تخلت هذه  المجموعة أيضاً عن حيادها في القضايا العربية مقيمة تحالفات مع العربية السعودية وقطر وتحالف 14 آذار اللبناني، الأمر الذي يظهر ميلاً نحو الجانب الغربي والمضاد لإيران. كما أن خروج برهان غليون من الرئاسة واستبداله بالمعارض الكردي عبد الباسط سيدا يظهر أن المجلس، الذي مازال الأخوان المسلمون يسيطرون عليه، قد دخل في ديناميكية جديدة.
والحال هكذا، مازال من المأمول حصول انخراط أكثر فعالية من جانب المجتمع الدولي. لقد حملت المجازر الحديثة في الحولة والقبير مجلس الأمن على إقرار بيان إدانة حظي بموافقة روسيا والصين، الحليفين التقليديين لدمشق، اللذين كانا يعارضان أي قرار مضاد لمصالح النظام السوري. وحال فشل خطة أنان بدأت بالظهور مبادرات مختلفة، من بينها إنشاء مجموعة اتصال يمكن أن تتشكل من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، الاتحاد الأوروبي، الجامعة العربية والدول المحيطة: العراق، تركيا، الأردن، وإيران (التي تعارض انضمامها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا). لكن يبدو من الصعب أن تتوصل أطراف فاعلة شديدة التباين ولديها مصالح شديدة التضارب إلى توافق حول خريطة طريق يمكن اتباعها في سـوريا.
في إطار التنوع في الخطط المقدمة، فإن أقلها كلفة من الناحية الإنسانية قد تكون تلك المطروحة من قِبَل بلدان الخليج والمستندة إلى النموذج اليمني. وفق هذا الأخير، سيتم استبدال بشار الأسـد بنائبه فاروق الشرع، الذي سيكون مسؤولاً عن إدارة العملية الانتقالية نحو ديموقراطية تعددية. لكن العائق الرئيسي في التطبيق هو، مرة أخرى، رفض بشار الأسـد مغادرة السلطة بطريقة طوعية. المجازر الأخيرة يبدو أنها تشير إلى أنه مستعد للقتال حتى الموت.





http://www.fp-es.org/%C2%BFhacia-donde-va-la-revuelta-siria

Thursday 14 June 2012

المعارضة السورية تفتقر إلى الإمكانيات بدون مساعدة دولية


المعارضة السورية تفتقر إلى الإمكانيات بدون مساعدة دولية

ايغناثيو روبيريث

منذ آذار| مارس عام 2011 صارت سوريا مسرحاً لقمع مصمِّم، بدون عَجَلَة لكن من غير توقف، يُمَارَس بطريقة تدريجية على البلد بأكمله، ممتداً إلى المدن والأقاليم والقطاعات الاجتماعية التي كان يُعتَقَدُ في البداية أنها غائبة عما اعتبره نظام بشار الأسـد، في الأيام الأولى من الأحداث، أمراً يتعلق ببساطة بانتفاضة محلية يسهل إخمادها. وهي ليست كذلك بأي شكل من الأشكال.
بعد عام ونصف على بداية انتفاضةٍ، لا مفر منها في سياق موجة التغيير والاحتجاج التي تسري، منذ أواخر العام 2010، في كل البلدان العربية بطريقة أو بأخرى، اكتسبت الأزمة السورية سماتٍ قريبة لتلك التي تشكل ثورة، بل حتى حرباً أهلية، مصحوبة بتداعيات دولية وإقليمية، متبوعة بقلق وإحباط وسلبية، وجهل بما يتوجب القيام به، من قِبَل الأمم المتحدة والجامعة العربية، وكذلك البلدان الغربية والشرق أوسطية.
العقوبات الدولية، سحب وطرد السفراد، التحذيرات والتهديدات، لم تغير شيئاً حتى الآن في هذا السلوك القمعي المفتوح، المُخطَّط والمستمر، الذي يسلكه النظام السوري. كل أسبوع، ولا سيما عند الخروج من صلاة الجمعة، تصلنا أنباء عن فظائع جديدة ترتكبها القوات المسلحة والشبيحة وعملاء مختلفون، في حماة وحمص والحولة.. الخ، مع قوائم بالضحايا، تزيد ولاتنقص، ولا توفر المسنِّين أو النساء والأطفال، والتي يمكن أن تكون قد تجاوزت الآن خمسة عشر ألف قتيل ونصف مليون من النازحين.
وإذ نتأمل مندهشين في سلوك غير مبالٍ من قِبَل النظام السوري، والمعاناة المستمرة للسكان المدنيين، وبرغم الضغوط الدولية العديدة وجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة كوفي أنان، والازدراء العالمي لنظام دمشق، يبدو لنا أنه من الصعب الاحتفاظ بالآمال في حصول تفاوض مع بشار الأسـد يؤدي إلى تسوية سلمية وإصلاحات في صالح هذا البلد الذي يستمر نظامه في النهج نفسه منذ اليوم الأول، رغم فقدانه الشرعية بشكل كامل، كاسباً الوقت ربما، معاقباً بدون هوادة في كل الأحوال.
التحفظ الدولي
السوريون في المعارضة، المجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر، يعلمون أنهم لن يستطيعوا أبداً التخلص من هذا النظام بدون مساعدة دولية مباشرة، ذات طبيعة عسكرية بطبيعة الحال. حتى هذه اللحظة لم يقرر أي بلد بشكل علني تقديم هذه المساعدة، ولا حتى البلْدان الأكثر تأثراً لأسباب تعود إلى الجيرة أو المنافسة الدينية والسياسية. وبالتحديد، لم تفعل ذلك بطريقة واضحة لا تركيا ولا العربية السعودية، وهما القوتان الإقليميتان الكبريان، وإن كان قد حصل فبالكاد فعله أحد بلدان الخليج.
الغضب الدولي الواسع يتناقض مع الضعف أو القصور في الردود المحددة تجاه العمل الممنهج في التدمير والانتهاك الذي يقوم به نظام لا يتخلى عن اللجوء إلى الوحشية، رغم كونه معزولاً نسبياً ومحاصراً. من الواضح أن سوريا ليست ليبيا، وأن بشار الأسـد لا علاقة له بالقذافي، هكذا يُبَرَّر بطريقة مخجلة نوعاً ما عدم اتخاذ قرار بأي نوع من أنواع التدخل العسكري، كما حصل في ليبيا، من أجل تحرير البلد والإطاحة بالطاغية.
التعقيد الطائفي والديني في سوريا، موقعها الجغرافي والسياسي في شرق أوسط في اضطراب دائم، في وسط العالم الإسلامي والعربي، مرونة ذلك التكتل من العلويين والبعثيين، المزيج الغريب من الشيعية والاشتراكية، التحالفات الدولية لنظام دمشق (إيران، الصين، روسيا، حزب الله)، كل ما سبق هي منذ أعوام معطيات مطواعة أفادت ديكتاتورية وراثية مقيتة يُقَدَّر أنها ساهمت، رغم ذلك، في توفير استقرار ليس متوفراً بكثرة في هذه المنطقة بالتحديد. الخلاصة، منذ آذار| مارس 2011 لم تكن هناك إرادة لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد نظام بشار الأسـد بسبب تلك القناعة التي تفضِّل الظلم على الفوضى، للحيلولة دون حدوث شرور أكبر، وبسبب الخوف من أن عدم استقرار سوريا سيكون له تداعيات متسلسلة ذات طبيعة مأساوية، يصعب توقعها، داخل وخارج البلد. لكن، بعد هذه الشهور، لا يوجد في سوريا لا نظام ولا عدالة، وقد احتدم الصراع وأصبحت المخاطر أكثر تهديداً وأكثر قرباً من أي وقت آخر.
شبكة من المصالح المختلفة
في الحقيقة إن الوضع الرهيب الذي تعاني منه سوريا يميط اللثام عن شبكة من المصالح المختلفة، الأمر الذي لا يساهم في تسهيل الجهود الدولية، سواء في الغرب أو في ما بين البلدان العربية. فإذا كان هؤلاء وأولئك يرفضون نظام دمشق فإنهم لا يفعلون ذلك انطلاقاً من الأسباب نفسها، ولا بالحدة ذاتها. فالشروط التي جعلت التدخل في ليبيا ممكناً لا تتوفر عملياً في الحالة السورية الأكثر تعقيداً إلى درجة كبيرة. الأزمة السورية يمكنها، على سبيل المثال، أن تزيد من حدة الخصومة بين المسلمين الشيعة والسنة، إلى حد أن تطلب العربية السعودية تسليح المعارضة السورية السنية، لكن مع بقاء أنظارها مشدودة إلى الشيعة في أرضها، وبشكل خاص جداً، إلى الشيعة في إيران والبحرين، وبطبيعة الحال، في سوريا نفسها.
تظهر مخاوف جدية في تركيا من إمكانية حصول تحركات جديدة للانفصاليين الأكراد على كلا جانبي الحدود، مستغلين الأزمة لخدمة قضية استقلالهم. ثمة خشية أيضاً من أن يلجأ  الديكتاتور لاستعمال أسلحته الكيميائية، إلى آخره.
مع الصعوبة في فصل ما هو حرب أهلية عن ما هو حرب دولية، واستحالة العثور في التاريخ على حرب أهلية خالصة، يبدو أن كل الفاعلين في الأزمة السورية لديهم عائلات أو قرابات سياسية، دعم معنوي ومدد لوجيستي، في البلدان المجاورة. لبنان هو عنصر أساسي، بوصفه ضحية مُحتَمَلَة لعدم الاستقرار في سـوريا، وقد بدأ بالمعاناة من آثار التوتر في سوريا والمواجهات بين الأديان والجماعات الأهلية على أرضه. الشيء نفسه يحدث في تركيا وفي العراق. هذه البلدان الثلاثة شرعت بالفعل في إيواء اللاجئين السوريين.
أنْ يتداخل القمع العشوائي والوحشي الذي يمارسه النظام بخبرة عسكرية موجهة لإرهاب السكان المدنيين بجنوده وشبيحته، مع سلوكيات إرهابية أعلى صوتاً وأكثر تواتراً، مع حضور الجهاديين وعناصر إيرانية، فهذا يعطي فكرة عن التعقيد المتزايد الذي تبيّنه هذه الظاهرة، والتي تضمن طريقة معالجتها من قِبَل نظام دمشق حصول الأسوأ من السيناريوهات المحتمَلة حالما تسكت الأسلحة، حتى لو كان سكوتها بسبب عجزها عن الاستمرار في القتل وحسب، وهو سيناريو انهيار النظام، بسبب فقدانه لمصادر التأييد والدعم أو بسبب وطأة العقوبات الدولية أو كليهما، على خلفية حرب أهلية أو ثورة شاملة.
العراق كذكرى سيئة
سيناريو كهذا يمكن أن يعيد إنتاج ما قد عرفه العراق اعتباراً من الغزو الأمريكي في عام 2003. في سوريا، يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى ليس لأن تدخلاً عسكرياً، لا يمكن استبعاده، سيطلقه من عقاله، وإنما بسبب هذا الاحتراق البطيء والقاتل الحاصل في نسيج اجتماعي في حالة تفكك، والذي قد يتسبب، مع سقوط النظام، في حصول مواجهة بين الجماعات الأهلية والأديان، بين المركز والأطراف، بين الأقليات والأقاليم المختلفة، الخ، وفق التباينات التي تشجعها التعددية الاجتماعية في سوريا، ودينامية المواجهات والتوترات ما بين الأخوة الأعداء، وعدد لا نهاية له من العوامل النابذة، تجعل من إعادة طرح الميثاق الوطني، بل حتى من التشكيك باستمرار سوريا كأمة واحدة، أمراً لا مفر منه يوماً ما. طبعاً في هذه الوضعية المرعبة ستكون حاضرة جداً المصالح الدولية للبلدان المجاورة، دع عنك إسرائيل، من أجل إثبات وجودهم في قضايا إقليمية لم يتم تسويتها بطريقة حاسمة منذ أن أصبحت سـوريا بلداً مستقلاً.
وافقت الأمم المتحدة والجامعة العربية على تعيين كوفي أنان للتفاوض مع الديكتاتور السوري وتطبيق خطة سلام لم تسجل أي نجاح على الإطلاق منذ أواخر آذار| مارس. لم يتم احترام وقف إطلاق النار، إطلاق السجناء، نزع السلاح من المدن، حرية تنقل الصحافيين والمنظمات الإنسانية، الدفع باتجاه حوار سياسي، تقييد استعمال الأسلحة الثقيلة ضد الأهداف المدنية، إلى آخره. على العكس من ذلك، يزداد العنف ويبلغ مستويات جديدة، ويستمر النظام في استخدام الدبابات والمدافع في تدمير الأحياء السكنية، وليس هناك حدود للوحشية العشوائية. قد يبقى هذا النظام لبعض الوقت ويسحق المعارضة، لكنه لن يكون قادراً إطلاقاً على إعادة البلد إلى الوضع الطبيعي واستعادة شيء من الشرعية.
الأسَدَان، الأب حافظ والابن بشار، وأقرباؤهم، يذكِّرون أيضاً بصدام حسين، وبعائلته الجهنمية، الذي كثيراً ما تُغوضي عنه لأن مماهاة حصلت بينه وبين الاستقرار الإقليمي ورفاهية بلده. لكن معه ومع زمرته، كما مع آل الأسـد، لم يكن ثمة عدالة ولا نظام. لم يتركوا وراءهم إلا تراثاً شديد المرارة لشعوبهم.









http://www.ateneadigital.es/RevistaAtenea/REVISTA/articulos/GestionNoticias_8851_ESP.asp

Sunday 10 June 2012

الخطوات الديمواقراطية الأولى والخجولة في "سوريا المُحرَّرة"


الخطوات الديمواقراطية الأولى والخجولة في "سوريا المُحرَّرة"

مونيكا بريتو – بيريوديسمو اومانو

سكان القُصَير يختارون نوعاً من الحكومة البلدية من أجل إدارة شؤون البلدة المتاخمة  للبنان.
الجيش السوري الحر، الفصيل المنشق الذي يقاتل النظام، يسيطر على قسم كبير من المدينة والمناطق المتاخمة.
ثمانون بالمائة من السكان فروا إلى البلد الجار "لبنان" هرباً من القصف والمعارك، كما يقدّر أعضاء المجلس البلدي الجديد.

القُصَير- سـوريا: كل يوم، حوالى منتصف النهار، يجتمع الأعضاء الثمانية في المجلس الوطني (البلدي) في القصير، البلدة القريبة من الحدود مع لبنان والمنفذ الطبيعي للاجئين من محافظة حِمص، في صالة منزل الدكتور عباس. بين كؤوس الشاي الحلوة، وفناجين القهوة المركزة مع نكهة الهال، ودخان التبغ، ينخرط ممثلو البلدية في نقاشات حول كيفية حل المشكلات الأكثر أهمية، من تعبيد الشوارع المتأثرة بطلقات المدفعية الثقيلة إلى إيواء نازحي الحرب الذين يمرون بالمنطقة في طريقهم إلى لبنان.
"منذ شهور لا توجد حكومة هنا. ليس هناك شرطة ولاخدمات... لا بد أن يعتني أحد ما بالمدينة" يشرح عباس، طبيب الأسنان المؤهل ورجل الأعمال الميسور الذي رأى كيف أصبح مصنع التغليف الذي يملكه مدمراً بشكل كامل جراء عمليات القصف التي يقوم بها النظام. "ونحن أنشأنا هذا النظام: لقد أسسنا نوعاً من الحكومة البلدية من ثمانية دوائر. لكن، حذارِ: لقد قمنا بذلك بطريقة ديموقراطية".
إلى جانب عباس يوافق ويبتسم أبو فداء، المسؤول عن دائرة الأمن -المؤلفة من خمسة وعشرين رجل شرطة محلي من المنشقين، والمكلف بـ "العمل كأي قسم شرطة آخر" كما يشرح هذا الأخير- وكذلك أحد زعماء القبائل وأحد رجال الدين وشقيق لعباس، "شكلنا المجلس قبل خمسة شهور، عندما أوقفت الحرب كل أنواع النشاط في محافظة حمص"، يواصل عباس "والآن، إن مشكلة كانت تُحل في عشر سنوات صار يمكن تسويتها في يوم واحد" يقول بنبرة اعتداد.
الحكومة الذاتية فرضت نفسها في القُصير كما حدث بالفعل في بلديات سورية أخرى مثل الزبداني، مضطرين إلى إيجاد حلول بمواجهة الفراغ الحكومي الذي تبع التمرد الشعبي ضد النظام، وخاصة في المناطق المحررة من سيطرة الديكتاتورية. يعود تاريخ المجلس إلى أوائل عام 2012، عندما تبيَّن أن حضور بعثة مراقبي الجامعة العربية لم يكن قادراً على كبح هجمات النظام على البلدات الثائرة والرد المسلح من الجيش السوري الحر، الفصيل المكون من المنشقين الذين وقفوا في وجه النظام، والذي يحظى بزياة مطردة في المساعدة التي يتلقاها من المدنيين الذين استبدلوا الأسلحة باللافتات.
بعد الهجوم الوحشي لنظام دمشق على حمص، اختار عدد كبير من السكان الكفاح المسلح، وقد أدى هذا، كما يأسف ناشطون كثيرون، إلى هجر الثورة الديموقراطية. "منذ اليوم الأول من شباط| فبراير الماضي، أصبحت حرباً أهلية. لقد خسرنا الثورة. كل شيء بدأ من أجل أشياء خالية من العيوب مثل حرية التعبير، الديموقراطية، العدالة، المساواة،... الآن هي حرب انتقام"، يتمتم خالد، الناشط الحمصي المنخرط في المظاهرات منذ بداياتها، بنبرة مريرة.
هذا الواقع لا يغير من احتياجات مدن مثل القُصير، التي تمردت بشكل خجول ضد الديكتاتورية في ربيع العام الماضي لكنها لم تثر إلى أن قُتِلَ المواطن المصور محمود فرزات جربان، الذي اقتلع مؤيدون للنظام عينيه. أوجه القصور في المدينة تفاقمت بشكل كبير، في أوائل شهر شباط| فبراير، عندما أجبر الهجوم الكبير على حي بابا عمرو وأجزاء أخرى من حمص، عشرات الآلاف من الأشخاص على الهروب باتجاه هذه البلدة، ما أدى إلى تثبيتها منفذاً هو الأكثر ازدحاماً باتجاه لبنان، وجعل البلدة، التي كانت تعد 40000 نسمة حينذاك، تحت أنظار دمشق.
انتقلت تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، وأمر النظام بنصب المزيد من حواجز التفتيش التي  يمكنه من خلالها السيطرة على المدنيين، وزادت عمليات القصف. لكن ذلك كان متأخراً: فبعد سقوط حمص، كان مقاتلو الجيش السوري الحر هم من وجه عملية هروب المدنيين عبر المحافظة. قسم كبير من المقاتلين انتهى إلى الاستقرار في المنطقة، وقد قويت شوكة الرجال المسلحين في القصير وقراها المجاورة حالياً، الأمر الذي يفسر ضراوة عمليات القصف التي يقوم بها النظام في الأيام الأخيرة.
"قبل شهرين غادر ثمانون بالمائة من السكان المدينة. مسيحيون، علويون، شيعة، دروز... أناس كثيرون قتلوا على أيدي قناصَّة النظام. الآن، تسعون بالمائة من المدينة أصبح محرراً من قِبل الجيش السوري الحر لكن لا يمكن أن يقال إنها آمنة ما لم يختفي القناصون"، يوضح لنا الدكتور عباس، راسماً خريطة ريفية متخيلة.
السكان القلائل الذي بقوا في المدينة تعودوا على التعايش مع الحرب، وعمليات القصف، والمعارك بين الجيش السوري الحر وقوات الأسـد التي تندلع في المدينة. يتجنبون ساحة الساعة، حيث يظهر مقر البلدية بنوافذه العديدة المحصنة بأكياس الرمل، وكذلك المناطق المجاورة للمستشفى الوطني: كلاهما موقعان عسكريان. "ليسا بنائين يتجنبهما الناس بسبب القناصة وحسب: قبل أيام قليلة، طار واحد من الجنود المنشقين في الهواء عندما وطىء لغماً بقدمه، ما يدعونا إلى الظن بأنهم لغَّموا المداخل"، يوضح معاذ، العنصر في الجيش السوري الحر.
الحياة تعطلت في ما كانت تُعد في أوقات أخرى مدينة حدودية مزدهرة كانت تعيش على التجارة. اليوم، السوق القريب جداً من ساحة الساحة مغلق: لوحة الأبواب المعدنية لكل محل تعرض علامات الإصابات، وآثار الشظايا. بعض المحال التجارية تفحمت. في زاوية من المدينة، آثار معركة كبيرة مازالت مرئية: أبنية مخردقة ومحروقة، متاريس خالية من الأكياس الرملية، وقنابل حارقة خالية من الذخيرة، "هنا كان يوجد موقع لجيش الأسـد"، يواصل معاذ. "تكبد الجيش السوري الحر ما تكبد للخلاص منه، لكنه تمكن من ذلك"، يثمِّن الشاب، الذي كان طالباً للهندسة،  ملقياً نظرة خاطفة على ما حوله.
"من الواضح أن الهجوم الذي عشناه في آذار| مارس كان رداً على ما حصل في بابا عمرو"، يضيف أبو فداء، ويوافقه الآخرون. "يحاولون قطع طريق الهروب باتجاه لبنان، المخرج الوحيد الذي تملكه حمص". تعرضت القُصير لهجمات متقطعة منذ بداية الاحتجاجات، ووفق الناشطين والسكان فإن معظم الضحايا المائتين الذين يُقدَّر أنهم سقطوا حتى زيارة "بريوديسمو اومانو" للمكان، في أوائل أيار| مايو، كانوا قد تعرضوا لإطلاق النار من الحواجز التابعة للنظام. "هنا لدينا فقط مستشفى ميداني فيه طبيبان. لا يمكننا الوصول إلى مستشفى حمص لأن هناك 23 نقطة تفتيش في الطريق (ثلاثون كيلومتراً تفصل بين المدينتن)، وأسماء 70 بالمائة من رجال القُصير تظهر في قوائم النظام السوداء". يوضح الدكتور عباس. "بما أن المستشفى الوطني تحت سيطرة جيش الأسـد، لذا ينبغي نقل المصابين بإصابات خطرة إلى لبنان. يفصلنا عشرون كيلومتراً عن الحدود، لكن لأن الطرقات الرئيسية محتلة من قبل الجيش فإنه يجب علينا اتباع طرق غير مستعملة: الرحلة الآن تستغرق يومين".
من أجل تنسيق إخلاء المصابين ودخول الإمدادات الطبية المهربة ونشاطات أخرى كثيرة تم اختيار المجلس الوطني (البلدي)، "في أحد الأيام اجتمعنا في المسجد بوصفنا ممثلين عن العائلات الرئيسية في القصير. اجتمع مائة من الأشخاص: ضعي في اعتبارك أن عائلة واحدة هنا يمكن أن تمثل حوالى عشرين بالمائة من السكان. أخضعنا للتصويت أسماء المتطوعين للعمل في الحكومة البلدية: من قائمة اختيار أولى من ثمانية وعشرين شخصاً انتهينا إلى التصويت لثمانية أشخاص".
في القُصير المحررة، يتقاسم أعضاء مجلسها البلدي الثمانية دوائر الأمن، المالية، الصحة، الشؤون الاجتماعية، الزراعة، الاتصالات، الشؤون العسكرية، والشؤون الدينية، وواحد أخير مسؤول عن تنظيم المظاهرات اليومية، واحدة نهارية وأخرى ليلية، اعتادوا على تنظيمها للمطالبة بخروج النظام. عباس وأبو فداء والبقية لم يكونوا يعلمون أن مدينة الزبداني القريبة من دمشق، كانت قد أجرت انتخاباتها الخاصة في أواخر عام 2011 متبعة   خطة مشابهة. "لا نعلم إذا كانت هناك سوابق، نحن نتصرف وفق الحاجة" يقول عباس ضاماً كتفيه.
"الحصار العسكري يمنع وصول الوقود، الغاز، الطحين أو الإمدادات الطبية. علينا أن نحصل على ذلك كله من السوق السوداء، وهذا ما يشعل الأسعار. القليل من الناس يمكن أن يدفعوا في ليتر الديزل، الذي جرت العادة على أن يكلف 15 ليرة سورية، 45 ليرة في السوق السوداء. نحتاج إلى المساعدة لكن الرئيس لن يترك السلطة إلا بالقوة فقط، وهكذا لم يبق لنا طريق آخر غير القيام بدورنا"، يواصل طبيب الأسنان كلامه.
دائرة المالية توجه المساعدات الاقتصادية التي تتلقاها -يؤكدون أنها في غالبيتها تأتي من تبرعات سوريين في المنفى- في تمويل شراء الأدوية والأغذية الرئيسية للأشخاص غير القادرين على توفيرها، وكذلك الطعام واللباس لعناصر الجيش السوري الحر -"أي شيء، ما عدا الأسلحة" يؤكد عباس- ورواتب رمزية للجهاز الطبي الذي يعالج المرضى في المشافي الميدانية والعيادات السرية التي تقدم المساعدات الأولية. دائرة الشؤون العسكرية تنسق العلاقات بين الجيش السوري الحر -يقدرون أن هناك 1400 مقاتل في القُصير وما حولها- وبين السكان المدنيين -يقرون بوجود مشكلات معزولة، إلا أنهم يرفضون إعطاء تفاصيل- بينما يعمل المسؤول عن الاحتجاجات على الحؤول دون إطلاق النار عليها.
"لدينا عدة أماكن مخصصة للتظاهرات، لكن لأنها تعرضت لاعتداءات، فإنها تقام كل يوم في مكان مختلف يُختار قبل ساعات قليلة من قِبَل المنظمين" يشرح حسين، الناشط الشاب الذي اعتاد حضور المظاهرات يومياً. الباقي يتم عن طريق المشافهة، وكل مساء، حوالى الساعة الثامنة، يتجمع ما يقرب من ثلاثمائة رجل في الموقع المختار، حيث تنتظرهم اللافتات المعلقة ومكبرات الصوت، وأعلام سوريا الثورية (السابقة على البعث). في ليلة التاسع والعشرين من أبريل| نيسان، استُقبِلَت الشعارات الثورية بوابل قوي من النيران من موقع البلدية الحكومية، "يطلقون النار في الهواء، فمن مكانهم هناك لا يستطيعون الوصول إلى المظاهرة. أهلاً وسهلاً بكِ في القُصير" يتهكم أبو حبيب، ناشط آخر.
المسؤولون في المجلس الوطني (البلدي) يحضرون دائماً إلى المظاهرات. سلوكهم يدهش السكان. "رؤيتهم وهم يتناقشون في الاجتماع اليومي الصباحي هو عرض للمشاهدة. في سـوريا، نحن معتادون على أن لا يناقش أحد شيئاً في برلماننا: دورهم يقتصر على الاستماع وقول نعم والتصفيق للقائد. لكن هنا، في القُصير، الأشياء مختلفة جداً. الصيحات يمكن سماعها في الشارع"، يواصل حسين كلامه باعتزاز ملحوظ.
رغم القصف، الذي ازداد شدة في الأسابيع الأخيرة، تبدأ مدينته في خطو خطواتها الأولى في الإدارة الذاتية بمعزل عن نظام دمشق، وكثيرون مثله تواقون للتعاون. "هل ترين هذه الدار؟"، يقول بينما يدور حول بناء واسع مازال قيد البناء، قريب من بيت الدكتور عباس. "عائلتي كانت تشيد هذا البناء من أجلي وأخوتي، لكن منذ أن بدأت الثورة غيرنا رأينا. الآن نحن نريده أن يستضيف مقر الحكومة المحلية القادمة في القُصير، حالما نتحرر من النظام".







http://periodismohumano.com/en-conflicto/los-primeros-y-timidos-pasos-democraticos-en-la-siria-lib

Thursday 7 June 2012

ألعاب بوتين البهلوانية في سـوريا


ألعاب بوتين البهلوانية في سـوريا

أوسكار غانتيس


مرة أخرى، تبقى روسيا وحيدة تجاه الغرب في دفاعها العنيد الظاهر عن نظام بشار الأسـد في سوريا. فبعد الذي جرى وتم توصيفه من قِبَل المجتمع الدولي على أنه مذبحة الحولةـ كان على موسكو أن تقوم بألعاب بهلوانية من أجل عدم الاستسلام أمام الضغوط الغربية لفرض عقوبات جديدة على دمشق. تصر موسكو على موقفها: لا للتدخل العسكري ونعم لتطبيق خطة سلام الوسيط الدولي كوفي أنان. مع هذا كله، ينفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تقوم بدور الشرير في القصة كما تؤكد الولايات المتحدة وأن دعمها للأسـد ليس من غير شروط. وإذا حكمنا على الأمور من خلال ما شاهدناه في الأيام الأخيرة، فإننا نلمح تغيرات صغيرة في موقف الكرملين: "روسيا تدافع عن العدالة، وليس عن الأسـد".
"لا يمكن تحقيق شيء بالقوة"، تلك هي العقيدة "الدوغما" الروسية في سـوريا. كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الجملة كما لو أنها تعويذة خلال زيارته الخاطفة إلى ألمانيا وفرنسا. ذكَّر بوتين بالسابقتين في العراق وليبيا، وتساءل عما إذا كان شعباهما "قد أصبحا أكثر أمنا؟" بعد الغزو الغربي. ذلك ما يدعوه بوتين "ديموقراطية القنابل".
أكد بوتين أن "الهدف السياسي" لروسيا في علاقتها مع حليفها الأخير في الشرق الأوسط هو الحيلولة دون اندلاع حرب أهلية. كما فنَّد، واحدة بعد أخرى، الانتقادات التي عبَّرت عنها وزارات الخارجية الغربية ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. ونفى بوتين بشكل خاص أن يكون تعنته المفترض في سوريا قد ساهم في تفاقم الأزمة، وكذلك أن السلاح الروسي -بطاريات مضادة للطيران وقطع المدفعية- يمكن أن يُستخدم في نزاع أهلي.
لكن الأكثر أهمية، هو أن بوتين أصر على أن روسيا "لا تحابي الأسـد ولا معارضيه" وأضاف قائلاً إن روسيا ستقبل على نحو أعمى ما يقرره الشعب السوري. ذلك هو الفارق البسيط الذي لا يمكن التغاضي عنه والذي يدل على تحول طفيف، نعم تحول طفيف وليس جذرياً، في الموقف الروسي في سـوريا.
لا تريد روسيا ارتكاب الخطاً نفسه الذي ارتكبته في العراق أو ليبيا عندما أدى دعمها الأعمى لديكتاتور في السلطة (صدام أو القذافي) إلى خسارتها لأعمال تجارية كبيرة وللنفوذ السياسي، ذلك أن القادة الجدد لهذين البلدين "المُحَرّرَين" من قِبَل القوى الغربية نظروا إلى روسيا على أنها حليف للنظام القمعي السابق.
"الإشارة الوحيدة التي تستطيع روسيا وينبغي عليها أن ترسلها الآن إلى الأسـد، هي أن موسكو فعلت كل ما بوسعها من أجله وأن عليه ألا ينتظر المزيد. من الآن فصاعداً، كل شيء سيعتمد عليه هو نفسه"، هكذا يرى فيودور لوكيانوف، الخبير السياسي الروسي المعروف. يعتبر لوكيانوف أن السياسة الخارجية الروسية في سوريا كانت، لِمرَّةٍ، متسقة منذ البداية، لكن الحجج، مهما كانت محقة وسديدة، يمكن أن تكون غير كافية إذا تفاقم العنف وسارت البلاد إلى حرب أهلية وأخفقت خطة أنان.
واحد آخر من مفاتيح الأزمة السورية، هو أن روسيا تستمر، رغم كل الصعاب، بدعم خطة عنان، بينما يبدو أن الغرب، الذي لم يكن في حقيقة الأمر واثقاً قط من نجاح الأمين العام السابق للأمم المتحدة، قد فقد الأمل في الوصول إلى تسوية سياسية. تعي روسيا أنه إذا لم ينجح أنان في إجلاس السلطة السورية والثوار على الطاولة للتفاوض، فإن أيام الأسـد ستكون معدودة.
"ينبغي على روسيا الآن أن تقترح خطة لتغيير السلطة في سـوريا، ليس من خلال الإطاحة بالأسـد وما قد يتبعها من فوضى، وإنما تدريجياً"، يُبيِّن لوكيانوف في مقالة منشورة في صحيفة “Moskovskie Novosti”. الخلاصة، يجب على الكرملين أن يتهيأ لما بعد الأسـد، وإلا فإن الغرب سيعود لإبعاد روسيا عن "القِسمة" في بلد عربي آخر، كما حدث بالفعل في تونس وليبيا ومصر.
"الشرط الذي لا محيص عنه يجب أن يكون تنازل الأسـد عن السلطة، وإذا كانت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية قامتا بدور الوسيط الرئيسي في اليمن، فإن الدور الرئيسي هنا يجب أن تقوم به إيران وروسيا" يعلِّق لوكيانوف.
إن بوتين عدو صلب لسياسة الغرب التدخلية، لكنه قائد براغماتي يريد أن يعيد روسيا إلى المكان الذي يعتقد أنها تستحقه في العالم. يستهجن الكرملين الثورات الديموقراطية المُمولَة من قِبَل القوى الكبرى، لكنه لا يريد أيضاً أن يرى نفسه معزولاً بتحالفاته مع أنظمة مشينة. على هذه الأرضية الوسط يمكن أن يُوجد مفتاحُ الحل للأزمة في سـوريا.







http://www.ateneadigital.es/RevistaAtenea/REVISTA/articulos/GestionNoticias_8852_ESP.asp

Tuesday 5 June 2012

"الجحيم على الأرض موجود في مراكز الاعتقال بحِمص"


"الجحيم على الأرض موجود في مراكز الاعتقال بحِمص"

ايغناثيو ثيمبريرو – صحيفة الباييس الاسبانية


حتى أيار| مايو كان بيير بيتشيني من الذين يعتقدون أن قناة الجزيرة "تبالغ وتتلاعب" عن عمد للتأثير على الوضع في سوريا، وأن الثورة ضد نظام بشار الأسـد هي أقلوية وإسلاموية وكان، علاوة على ذلك، يغضب عند سماع المتظاهرين السوريين يهتفون "المسيحيون إلى بيروت والعلويون إلى التابوت". العلويون هم الأقلية المسلمة التي تتحكم بالبلد.
الآن، في المقابل، يبدو بيتشيني، أستاذ العلوم السياسية في المدرسة الأوروبية في بروكسل ومنسق الحلقات الدراسية في جامعة لوفين الكاثوليكية، يبدو مؤيداً لتدخل عسكري في سوريا من أجل الإطاحة بنظام الأسـد. "أعترف بأنني كنت مخطئاً من قبل"، يقر بذلك في محادثته معنا من تونس التي دعاه إليها رئيسها المنصف المرزوقي.
ما الذي جرى حتى جعله يغير رأيه؟ لقد أمضى بيتشيني في أواخر مايو| أيار أسبوعاً تقريباً في مراكز اعتقال تابعة لأجهزة الأمن السرية بحمص ودمشق وفي سجن بالعاصمة، إلى أن تم ترحيله من البلاد بفضل الجهود التي قامت بها الحكومة البلجيكية. "إذا كان هناك جحيم على الأرض فهو في مراكز الاعتقال بحمص ودمشق" يتذكر.
"كان هناك رجال مقيدون في الممرات، إلى أجهزة التدفئة والمواسير، قبل وبعد أن يكون قد تم تعذيبهم بالصدمات الكهربائية وبالضرب بالعصي أيضاً" يستذكر إقامته في حِمص. "كان التعذيب بالتسلسل، البعض كانوا يموتون في الممر، وآخرون في الزنازين". "بعد التعذيب كانت أشكالهم مشوهة، لم يكن ممكناً التعرف عليهم".
"أيضاً كانت تُسمع صرخات من الزنازين المجاورة طيلة الليل" يستمر في روايته. "الرائحة، خليط من الدم والعرق والبول والبراز، كانت فظيعة". في دمشق، في فرع فلسطين التابع للأمن العسكري، "عذبوا لساعات، أمامي، رجلاً مسناً لم يكن يتوقف عن الأنين والصراخ".
سافر بيتشيني ثلاث مرات إلى سوريا خلال العام الماضي، الأخيرة كانت في كانون الأول| ديسمبر مدعواً من وزارة الإعلام. بعض مقالاته أعجبت كثيراً السلطات السورية وأُعِيدَ نشرُها في جريدة البعث، التابعة للحزب الوحيد العتيق. طلب بيتشيني العودة في الربيع، لكن القنصلية السورية في بروكسل تأخرت في منحه التأشيرة.
بعد ذلك تقدم بطلبه في الخامس عشر من أيار| مايو، على المركز الحدودي السوري- اللبناني في المصنع، ونظراً لسوابقه الجيدة، أعطيت له التأشيرة في الحال. ذهب إلى دمشق، وإلى حِمص، وإلى تلبيسة، حيث وقع في أيدي الجيش السوري الحر الذي أطلعه على "مركز عملياته المليء بالمعدات المعلوماتية"، و"على مستشفى تحت الأرض جيد التجهيز". "لم تعد هذه حرب عصابات يقوم بها هواة"، يقول مؤكداً.
في اليوم الثالث اقترب بيتشيني بسيارته المستأجرة من تلكلخ، البلدة التي كانت مسرحاً للمعارك قبل ذلك. منعه الجيش النظامي من متابعة طريقه، لكن بعد ذلك أخبره بعض عناصر الأمن أن بإمكانه الاقتراب من تلكلخ، لكن فقط في سيارة تابعة للأمن. عندما صعد إلى السيارة كانوا بانتظاره.
منقولاً إلى حي القزاز بدمشق، جعلوه ينتظر، قبل استجوابه، في مكتب كانت توجد على طاولته إِبَر وكمَّاشات وأظافر". ثم اقتادوه إلى مكتب آخر حيث كانت تظهر على شاشة الحاسوب صور كان قد التقطها مع الثوار في تلبيسة. اتهموه بكونه جاسوساً فرنسياً مكلفاً بدراسة المساعدة اللوجيستية التي يحتاجها الثوار.
"ضربوني وعرضوني أيضاً من حين لآخر إلى صدمات كهربائية أقل شدة" يؤكد بيتشيني، "لكن، مقارنة بما يعانيه المعتقلون الآخرون، سيكون من غير اللائق التأكيد على أنهم عذبوني"، يضيف.
ومع ذلك فقد كان خائفاً. "كنت مقتنعاً أنهم، بعد الأهوال التي شاهدتُها، سيقتلونني ليتخلصوا من شاهد مزعج" يتذكر. "وبعد ذلك يمكنهم أن يتهموا الثوار بتصفيتي"، كما كان يخشى. لكن الأمر لم يسر على هذا النحو. فقد أرسلوه إلى الأكثر شهرة من بين مراكز الاعتقال في دمشق، حيث لم يُعامل بشكل سيء، ومن هناك إلى سجن باب مصلى.
محشوراً في زنزانة مع لاجئين سودانيين وفلسطينيين وأفغان..الخ، البعض منهم معتقلون منذ سنوات بدون محاكمة، اكتشف بيتشيني مندهشاً تضامن السجناء. "أولاً بحثوا لي عن سرير، وبعد ذلك جمعوا نقوداً من أجل أن يترك لهم أحد موظفي السجن هاتفاً متحركاً  أتصل به بالصديق الوحيد في بلجيكا الذي تذكرت رقمه" يستمر. وهذا الأخير قام بدوره بالاتصال مع السلطات البلجيكية.
بعد ذلك بيومين قام الديبلوماسي البلجيكي، ارنت كينيس، بالسفر من عَمَّان إلى دمشق من أجل المطالبة بإطلاق سراحه. في الثالث والعشرين من أيار| مايو اقتيد إلى مطار دمشق ووُضِع على أول طائرة متوجهة إلى لندن. قبل صعوده إلى الطائرة أعادوا إليه كل متعلقاته بما فيها آلة التصوير بالصور التي كان قد التقطها للثوار المسلحين.






http://internacional.elpais.com/internacional/2012/06/03/actualidad/1338754109_834852.html

Monday 4 June 2012

إيقاف الأســد


مقالة افتتاحية في صحيفة الباييس الإسبانية – 04 – 06 – 2012

إيقاف الأســد
على الغرب أن يطرح مبادرات أكثر طموحا وإلحاحاً من أجل إيقاف حكم الإرهاب الذي يمارسه الرئيس السوري


في ممارسة جديدة للسخرية، قال بشار الأسـد أمام البرلمان الدمية في دمشق إن قواته ليس لها علاقة البتة بمذبحة الحولة التي سقط فيها أكثر من مائة قتيل مدني، غالبيتهم من النساء والأطفال. وتماشياً مع الخطاب التوحدي (نسبة إلى مرض التوحُّد) الذي يواظب عليه منذ أن بدأت الثورة الشعبية ضد نظامه، عاد الرئيس السوري للإنحاء باللائمة على الإرهاب والقوى الخارجية بخصوص الوضع في بلده. لا ذكر خاصاً في خطبته الطويلة لمطالبة موفد الأمم المتحدة كوفي أنان له باتخاذ إجراءات فورية حاسمة وملموسة تنهي القمع وتوقف الانزلاق السريع، الذي ينعكس الآن على الجار لبنان، باتجاه الحرب الأهلية.
إن خطة عنان لسحب القوات العسكرية ووقف إطلاق النار يمكن أن تُعدَّ فاشلة بعد عدم تطبيق أي من اقتراحاتها. الأسـد طاغية تدينه أفعاله ويدينه التاريخ، لكن خطابه بالأمس يشير بوضوح إلى هدفه بالاستمرار في إبادة شعبه، طالما يزوده حليفه المخلص فلاديمير بوتين بصك على بياض يحميه أمام مجلس الأمن. إن الهمجية الممارَسة في الحولة تمثّل نقطة تحول. فضد نظام دموي، لا يمكن للقوى الديموقراطية أن تستمر بالتلويح بسلاح البلاغة اللفظية أو العقويات الاقتصادية التي تؤذي لكنها ليست كافية.
ينبغي على الغرب أن يطرح مبادرات أكثر طموحاً وإلحاحاً من أجل إيقاف حكم الإرهاب الذي يمارسه بشار الأسـد. من حظر على الأسلحة إلى دمشق إلى إمكانية فرض مناطق آمنة وممرات إنسانية على الحدود السورية. إنه خيار لا يخلو من الأخطار العسكرية، ذلك أن إقامة ملاذات أرضية تستلزم قراراً بالدفاع عنها في حال الضرورة. لكنّ الجمود الحالي باسمِ شرورٍ مستقبلية افتراضية هو أمر غير مقبول بينما تُرتَكب الفظائع الحقيقية كل يوم في سـوريا.






http://elpais.com/elpais/2012/06/03/opinion/1338747100_383068.html

Sunday 3 June 2012

الزيادة المفرطة في عدد القتلى وعوامل التدخل الدولي


الزيادة المفرطة في عدد القتلى وعوامل التدخل الدولي

العوامل التي تؤدي إلى التدخل ليس لها علاقة، في نهاية المطاف، بما يحدث على الأرض، وإنما بالديبلوماسية الدولية

غييرمو ألتاريس – صحيفة الباييس الإسبانية

ما هو عدد القتلى الذي يُعدُّ زائداً عن الحد؟ متى تغيِّر مذبحة ما مصير إحدى الحروب؟ متى تؤدي إلى تدخل دولي؟. قبل أن تصبح مستشارة للرئيس باراك أوباما في القضايا الدولية، كانت الحقوقية سامانثا باور قد كتبت بحثاً درست فيه كيف كانت ردة فعل الولايات المتحدة الأميركية على جرائم الإبادة الجماعية خلال القرن العشرين، من مذابح الأرمن في تركيا حتى رواندا والبوسنة. A Problem from Hell: America and the Age of Genocide  كتاب حصلت بموجبه على جائزة بوليتزر، وبدأته مع مذبحة الخامس من شباط| فبراير عام 1994 في سوق ساراييفو عندما قتلت قذيفة هاون صربية 68 شخصاً وأوقعت 200 جريح. إذ ذاك، كما الآن في الحولة، طافت الصور العالم كله. في ذلك الوقت، كما الآن، اتهم الجلاّدون الضحايا: بشار الأسـد أشار بإصبعه إلى "الإرهابيين" وميلاديتش وكارادزيتش اتهما البوسنيين بقصف أنفسهم من أجل استثارة رد الفعل الدولي. حينئذ، كما الآن، استنفر المجتمع الدولي محاولاً كبح المذبحة.
تتذكر باور كلمات الرئيس كلينتون عندما كانت السي ان ان تشبع القنوات التلفزيونية في أرجاء العالم بصور الأجسام الممزقة في السوق: "لا ينبغي لأحد أن يشك بأن الناتو سوف يتحرك. كائناً من كان المسؤول عن قصف ساراييفو فعليه أن يكون مستعداً لتحمل العواقب". فقط بعد مذبحة سريبريتنتشا، في تموز| يوليو عام 1995، عندما قُتل بالرصاص ثمانيةُ آلاف من الذكور المسلمين تحت أنف القبعات الزرقاء الهولنديين، وبعد الهجوم الثاني على سوق ساراييفو في آب| أغسطس من العام نفسه، قصف الناتو المواقع الصربية وأنهى الحصار. أوقفت خطة سلام دايتون الحرب، هذا صحيح، لكنها أنشأت بلداً مستحيلاً بالحدود التي خلقتها عمليات التطهير العرقي. بعد التدخلات الدولية الفاشلة في كرواتيا، البوسنة، رواندا والصومال، حيث ارتُكِبَت جرائم الحرب أمام أنظار الأمم المتحدة، سواء أكانت ممثلة بفرق عسكرية، أو بمراقبين، كما هو الحال في سوريا حالياً، أدى قتل خمسة وأربعين ألبانياً في "راكاك" إلى التدخل الدولي في كوسوفو.
"الطريق نحو الحرب ملأى بالمجازر"، هكذا يصفها الخبير العسكري شاشانك جوشي في تحليل للبي بي سي يشرح فيه، رغم ذلك، أن كل مذبحة يتم تفسيرها بطريقة مختلفة كلياً  من قِبَل كل واحد من الأطراف المعنية وأن العوامل التي تؤدي إلى التدخل لا علاقة لها، في نهاية المطاف، بما يحدث على الأرض، وإنما بالديبلوماسية الدولية. إن مواقف روسيا والصين، واللعبة الكبيرة في الشرق الأدنى، والتوازن بين السنة والشيعة، وحاجة أوباما إلى إظهار قوته على المسرح العالمي، يمكنها أن تقرر مصير سـوريا، وليس الأطفال القتلى في الحولة. تشرح سامانثا باور في بحثها، ولا ننسى أنها واحدة من مستشاري أوباما حالياً، أنها كانت تعتبر لمدة طويلة أن السياسة الأمريكية بعدم التدخل في حالات الإبادة الجماعية كانت تمثل إخفاقا، لكنها، بعد بحثها، اكتشفت أن: "ذلك لا يعكس نظاماً سياسياً معطلاً، وإنما نظاماً فعالاً بطريقة استثنائية: فلا أحد من الرؤوساء (الأمريكيين) جعل من السياسة المضادة للإبادة الجماعية أولوية له ولا أحد منهم دفع ثمناً سياسياً جرّاءها".
 لطالما كانت هناك زيادة مفرطة في أعداد القتلى، لكنها لم تقرر مصير أية حرب.





http://internacional.elpais.com/internacional/2012/05/29/actualidad/1338309949_286183.html

Saturday 2 June 2012

لم أرَ في حياتي شعباً شجاعاً كالشعب السوري


لم أرَ في حياتي شعباً شجاعاً كالشعب السوري
الباحث في منظمة العفو الدولية نيل ساموندس يشيد بشجاعة الشعب السوري

فيرَّان بونو – صحيفة الباييس الإسبانية

تحدث نيل ساموندس قبل ثلاثة أيام مع شاهد على مذبحة بلدة الحولة السورية. إنه الباحث في منظمة العفو الدولية المختص بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي يحتفظ بصلات مع شبكة من المخبرين المراسلين المنتشرين في أنحاء البلد الذي منعه من العودة للدخول إليه قبل خمسة أعوام. روى له الشاهد الحكاية منذ الهجوم الأول، على مظاهرة معارضة لنظام بشار الأسـد، الذي تسبب في موت عدة أشخاص، حتى العملية الانتقامية الأخيرة التي ارتكبها "المقاتلون الموالون للديكتاتور وأجهزة المخابرات" ضد السكان المدنيين، والتي تسببت، في قسمها الأكبر، في مقتل الأطفال والنساء، مروراً بقصف الجيش على أحد الأحياء. يؤكد ساموندس على وجود عدد أكبر من الجثث الـ 108 التي تم إحصاؤها تحت أنقاض البيوت المدمرة.
"إنها المذبحة الأسوأ منذ أن بدأ الشعب بالخروج إلى الشارع مطالباً بحقوقه في عام2011"، يشير الباحث اللندني ذو الاثنين وأربعين عاماً، الذي عمل لمنظمة العفو الدولية أو مدرساً للغة الانكليزية في لبنان، الأردن، سوريا، مصر، البحرين، فلسطين، العربية السعودية وأريتريا. "لم أرَ في حياتي شعباً شجاعاً كالشعب السوري، الذي يستمر في الخروج إلى الشارع مطالباً بحقوقه، مواجهاً قمعاً شديد القسوة، ونظاماً أبقى على البلاد لمدة تزيد على أربعين عاماً تحت حالة الطوارئ، ودكتاتوريةً، لبشار الأسـد وأبيه، تدعمها  قوة من أكبر القوى في العالم كروسيا، وجيشاً متأهباً..." كما يقول ساموندس.
غالبية السوريين هم ضد النظام، يؤكد ساموندس. فحسب تقديرات منظمة العفو الدولية، تحظى حكومة الأسـد بدعم ما بين عشرين وخمسة وعشرين بالمائة".هؤلاء الناس مازالوا يصدقون الأكاذيب التي تقولها الحكومة مثل أن مذبحة الحولة كانت من فعل المجموعات الإرهابية. الغالبية لا يصدقون، لكنهم يخافون على حياتهم أو من التعرض للتعذيب. في تقرير صدر عام 1987 كانت قد أُحصيت 38 وسيلة للتعذيب، وكل الناس هناك يعرفون ذلك." كما يشرح ساموندس في جامعة فالنسيا، قبل ساعات قليلة من المشاركة في اختتام حملة لا يمكن وقف الربيع التي نظمتها منظمة العفو الدولية.
تقييمه للربيع العربي
تونس هي البلد حيث يوجد المستوى الأكبر من الدعم للتغيير الناتج عن ما يُسمى بالربيع العربي، وفق ما يقوله الباحث. "من السابق لأوانه تحليل كل النتائج ومدى تقبُّل حقوق الإنسان في عدد كبير من البلدان"، يواصل معقباً باللغة الإسبانية التي تعلمها خلال سفره عبر أمريكا اللاتينية. أما عن لبنان، وهو واحد من وجهاته المتكررة، فيشير ساموندس إلى أنه ما لم يتغير النظام السوري فلن يكون هناك تغيير حقيقي في هذا البلد المتوسطي، ذي "النظام السياسي شديد الخصوصية"، بالنظر إلى تأثير نظام الأسـد الديكتاتوري عليه.
عاد نيل ساموندس مؤخراً إلى لبنان والأردن. وكان قد استطاع في العام الماضي الدخول إلى سوريا بطريقة سرية "لعدة ساعات فقط". إنه الآن في مقر إقامته في لندن بانتظار العودة إلى الشرق الأدنى.






http://internacional.elpais.com/internacional/2012/05/30/actualidad/1338392817_576660.html