Wednesday 29 August 2012

النموذج اليمني لا يصلُح في سـوريا



النموذج اليمني لا يصلُح في سـوريا

خيسوس نونييث بيّابيردي** – صحيفة الباييس الإسبانية

يبدو أن ثمانية عشر شهراً بعد الانفجار السوري قد فرضت سلوكاً مُعمَّماً يقتصر، من جانب أول، على إحصاء الموتى في جبهة حرب تتسع تدريجياً باتجاه لبنان والعراق، ومن جانب آخر، على الشهادة على غياب إرادة المجتمع الدولي للتصرف بحسم أكبر وعلى عجز المعارضة عن الانتصار على نظام مصمم على المقاومة مهما كان الثمن. في غضون ذلك، يفضِّل كثيرون الإيحاء إلى أنفسهم بفكرة أن أيام بشار الأسـد معدودة في انتظار انهيار داخلي للنظام لا يحدث.
في غياب خيارات أكثر وضوحاً، وبصرف النظر عن حاجات وآمال الشعب السوري المنتفض ضد الديكتاتور، بدأت تشق طريقها في بعض الدوائر الديبلوماسية (من ضمنها واشنطن) فكرة أن الخروج من النفق يمر عبر تطبيق النموذج اليمني. بدايةً، يفترض هذا الطرح أن النموذج اليمني ناجح وأنه توجد أوجه شبه كافية بين كلا البلدين تجعل هذه التجربة ممكنة. لكن الواقع يظهر لنا على الفور أن الافتراضين لا يصحان. فاليمن اليوم هو أقرب ما يكون للتحول إلى دولة فاشلة منه إلى دولة ديموقراطية. تحت القيادة الرسمية لمنصور هادي، المعاون القريب للمطاح به علي عبد الله صالح، لم يحقق البلد تقدماً على الصعيد الأمني مع وجود بؤر النزاع التي يغذيها انفصاليو الجنوب، والمتمردون الحوثيون في الشمال، والفرع المحلي للقاعدة. كذلك لم يستطع النظام الجديد تحسين أحوال السكان الذين يبلغون 24 مليون نسمة. فهل سيقبل معارضو الأسـد بتعيين رجل من النظام لخلافته في مرحلة انتقالية -العميد مناف طلاس، على سبيل المثال- بينما تُضْمَنُ له الحصانة الكاملة؟
خلف واجهة عبد ربه منصور هادي، يحافظ صالح على نفوذ كبير في المشهد السياسي والاقتصادي اليمني. فهو لا يحظى بمكتب في العاصمة ويحتفظ برئاسة الحزب الحاكم الرئيسي، المؤتمر الشعبي العام، وحسب، بل إن قيادات المؤسسات الأكثر أهمية للسلطة الوطنية مازالت في أيدي أقربائه. فهل من الممكن تخيل أو الرغبة بالشيء نفسه بالنسبة للأسد؟ وإذ يتولى نجل صالح رئاسة الحرس الجمهوري في صنعاء، فهل يمكن لداعية الحرب ماهر الأسد أن يفعل الشيء نفسه في سوريا؟
في الحالة اليمنية كان ممكناً توقيع الاتفاق الذي أعدَّته العربية السعودية، مع الموافقة الأمريكية، لأنه كان هناك ممثل واضح للجهة المعارضة، اللواء علي محسن. لكن الحال ليس هكذا ضمن معارضة سورية تتميز حتى اليوم بالانقسام والوزن المتنامي لأخوانٍ مسلمين لمّا يحظوا بالثقة الدولية. وإذا أضيف إلى ذلك حقيقة أن بقية أقليات البلاد مازالت لم تتخذ موقفاً علنياً ضد نظام يرونه شراً أقل من الهيمنة السُنية المحتملة، فإننا نستطيع أن نفهم أنه لن يكون سهلا أبداً الجمع بين المصالح المختلفة لكل هؤلاء اللاعبين الفاعلين (ليسوا اثنين فقط، كما في الاتحادات القَبَلِيَّة لحاشد وبكيل اللتين تسيطران على الحياة اليمنية).
في اليمن تتوالى اليوم المظاهرات، التي يلعب الدور الرئيسي فيها الشباب الذين يستمرون في معارضة الاتفاق الذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني| نوفمير الماضي، وكذلك الوقائع العنيفة بين المتطلعين إلى السلطة، كتلك التي شهدها هذا الشهر بعد المحاولة الفاشلة لهادي منصور لإزاحة القيادات العسكرية الرئيسية المرتبطة بصالح. إن قواعد اللعبة السياسية في كلا البلدين لا تواتي القطاعات الضعيفة المؤيدة للديموقراطية ومن السهل الافتراض أنه في سوريا أيضاً قد يتم إقصاء هؤلاء عن حوار وطني محتمل، بل إنهم هم أنفسهم قد يقررون عدم الانضمام إلى مهزلة يتخيلونها وفية لأكثر المُسَلَّمات اللامبيدوسية  قِدماً. "اللامبيدوسي كلمة تطلق على السياسي الذي يتنازل أو يقوم بإصلاح بعض البنى القائمة في سبيل المحافظة على الأشياء كما هي بدون تغيير حقيقي".
إن الإصرار على فكرة النسخة اليمنية من أجل سوريا يمكن تفسيره فقط في ضوء مبدأ السياسة الواقعية Realpolitik الأكثر فجاجة. فأولئك الذي يدافعون عنها (النسخة اليمنية) لا يفكرون في تعزيز ظهور دولة الحق والقانون التي تعمل على تحقيق رفاهية وأمن المواطنين. بل على العكس من ذلك، فوفقاً لمقتضيات عملية توريقٍ (تكفيلٍ) للعلاقات الدولية تعيدنا إلى الحرب الباردة، فإن ما يشجع مسعاهم هو تحقيق الاستقرار، مهما كان الثمن كذلك، من أجل الحصول على محاور أكثر قبولاً، يمكن أن يضمن السيطرة على ترسانة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، والحيلولة دون تأثير الدومينو الذي يصدر العنف وعدم الاستقرار إلى المنطقة (مع إسرائيل معنياً أول بذلك).
إذا ما آل هذا النهج إلى التطبيق، فإن الديموقراطية وحقوق الإنسان ومطالبات أخرى كثيرة سيكون عليها أن تبقى متوقفة، كما في اليمن، إلى أجل غير مسمى.




** المدير المشارك لمعهد الدراسات حول النزاعات والعمل الإنساني  .IECAH




http://internacional.elpais.com/internacional/2012/08/27/actualidad/1346084745_799779.html

Sunday 26 August 2012

"فلينتقم الله من الأسـد!"





"فلينتقم الله من الأسـد!"

أوسكار غوتييرث غاريدو – صحيفة الباييس الإسبانية

إعزاز – سـوريا: لا تحول الملامح القاسية المعذبة التي تركتها السنون على وجه زينب سيد علي، رغم الألم الذي تحمله بداخلها، دون ارتسام ابتسامة شكر لمن يستمع إلى قصتها المرعبة. ثلاثة من أبنائها العشرة فقدوا حياتهم منذ أن بدأت الثورة في آذار| مارس 2011. تعيش زينب، مع أسرتها، في إعزاز، البلدة السورية الأولى بعد المعبر الحدودي مع تركيا. وتستمر في إيمانها بالثورة. تجلس وسط صالة بيتها تحكي بالتفصيل، كشاهد محايد، كيف سقط أبناؤها الثلاثة. وتتقن الرواية عندما تتذكر عُمَر، البالغ ثمانية وعشرين عاماً. "دخل العناصر عندما كان يتناول الطعام معي وحاول الهرب" تحكي زينب، مندفعة في روايتها بالقوة التي تحرك بها يديها من جانب إلى آخر.
كان عمر هو الأكثر شباباً من بين الثلاثة الذين قُتِلوا في إعزاز على أيدي جماعات موالية للأسد. عندما أحس أنهم دخلوا إلى بيته، قفز إلى منزل شقيقته الذي كان يوجد فيه عندئذ زبانية النظام. لدى سؤالهم عن مكان ابنها، أنكرت هذه الأم ذات السبعين عاماً أي معرفة لها به. "فتّشوا المنزل، وجدوا سُلَّمَاً يتجه للأعلى واتهموني بتركه ليخرج منه الإرهابيون (الصفة التي يطلقها النظام على الثوار)". لا تنكر زينب انتماءها إلى الثورة وتعترف بفخر أنها قدمت الطعام لأعضاء من الجش السوري الحر. "كان الله في عون الجيش السوري الحر" تردد في مناسبات عدة. خرجت مجموعة المداهمة في إثر عمر وزينب على أعقابهم في محاولة لثنيهم. ما عُثِر عليه عند الباب كان زخَّة من الطلقات النارية التي تركت آثارها على البيت كما تركت إصابات عدة في ركبتها وكاحلها.
إثر اعتقاله، بعد مضي أربع ساعات فقط، ظهرت جثة عمر في مقبرة المدينة مشوهة الوجه. الذين شاهدوه هناك يصفون جسداً عليه آثار التعذيب والطلقات النارية. لدى معرفته بالخبر، التحق شقيقه محمود، البالغ ثمانية وثلاثين عاماً، بالجيش السوري الحر. وفي عملية دعم لمساعدة مجموعة من المنشقين انتهت حياته. كان الابن الثالث لزينب سيد علي الذي يُقتَل منذ أن بدأت الثورة ضد النظام. الأول والأكبر، أحمد، ذو الاثنين وأربعين عاماً، مات بطلقة في الرأس بعد أن وُشِي به، كما تقول العائلة، من قِبَل موالين للأسـد باعتباره مشاركاً معتاداً في المظاهرات المنادية بالديموقراطية.
كيف هي مشاعرها تجاه الثورة بعد فقدان ثلاثة من أبنائها؟ "أرجو الله أن يدمر هذا النظام"، تجيب حاسمةً زينب سيد علي.






http://internacional.elpais.com/internacional/2012/08/12/actualidad/1344803399_645630.html

Friday 17 August 2012

إيران من دون الأسـد



إيران من دون الأسـد

دانييل راخميل – موقع: اتينيا

مع بداية الربيع العربي، حاولت إيران من غير أن يحالفها النجاح تزعُّم ايديوجية الثورات التي اندلعت في الشرق الأدنى. وبعد أكثر من عام ونصف من التغيرات، يقصي اللونُ السياسي للحكومات الجديدة الناشئة وكذلك الثورة السورية الراهنة بلادَ فارس عن تطلعاتها لتزعِّم المنطقة. واليوم، فإن المصير النهائي للأزمة السورية سوف يقلب ميزان القوى الذي قد تحوزه إيران بصورة مباشرة.
عندما ملأت المظاهرات ميدان التحرير في القاهرة في أوائل العام 2011، رأت إيران الفرصة سانحة لتكون نموذجاً للحكومات الجديدة الناشئة. لكن الخطاب الرسمي الإيراني بدعم الثورات في البلدان المجاورة كان تعسفياً ومنحازاً تماماً منذ انطلاقة الربيع العربي. ففي شباط| فبراير 2011، وبالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية والثلاثين لبداية الثورة الإسلامية في إيران، كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يقدم التبريرات عن الحاجة إلى التغيير في المنطقة، وفي الوقت نفسه لم يكن يسمح، مستخدماً القبضة الحديدية، بالحد الأدنى من مساعي إحياء الحركة الخضراء المحبطة. وفي حالة الثورة السورية، كانت معارضته لأي تغيير للنظام في دمشق مستمرة منذ البداية.
الاغتباط الأولي بإمكانية قيام حكومات جديدة تكون أكثر قرباً من طهران، تحوَّل اليوم إلى قلق متنامٍ بمواجهة أوضاع إقليمية جديدة مضادة لها أكثر من أي وقت مضى. وككل بلدان المنطقة، تعي إيران أنها لا تستطيع البقاء منيعة أمام كل رياح التغيير التي تعصف في   الشرق الأدنى.
بالرغم من أن النجاح الحاسم للقمع الذي مارسته السلطات الإيرانية قد أفلح في إنقاذ إيران من حالة عدم استقرار شديدة، فإن الخلافات حول الكيفية التي تُقاد بها البلاد في أزمنة التغيير هذه تهدد نظام آيات الله مرة أخرى. وإذا ما سقط نظام الرئيس السوري بشار الأسـد في النهاية، فسيعاد فتح الخلافات الإيديولوجية التي سُجِّلَت في نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أُجريت في آذار| مارس 2012.
سـوريا: حجر الزاوية
الصراع الحاد الذي يجرى اليوم في سوريا هو انعكاس للانحدار الذي لا يمكن وقفه    الذي يتعرض له نظام بشار الأسـد. وقد سمحت الثغرات الأخيرة في الجهاز العسكري والأمني للبلد، وكذلك الفرار المستمر لذوي المناصب العليا، بإمكانية البدء في الحديث عن نهاية قريبة للنظام السوري. لكن، إلى إن تحصل سيطرة كاملة على دمشق وحلب، لن يكون ممكناً إعلان النصر النهائي.
بينما تظهر انشقاقات النخب عن النظام السوري الهشاشة المتزيدة لنظام الأسد، الذي يزداد ضعفاً ساعة بعد ساعة جراء الاستنزاف الناتج عن المواجهات الحادة مع المعارضة، فإن التصريحات الأخيرة الداعمة للأسـد من جانب الديبلوماسية الإيرانية، تفصح عن أهمية  الخاتمة السورية بالنسبة لإيران. وبالرغم من عدم تشاطرهما الشروط السياسية نفسها، فإن هذين البلدين يعانيان عزلة متزايدة في إقليم يزداد عداؤه لهما باطراد. في بيئة من الإقصاء من قِبَل الغرب ومن غالبية بلدان المنطقة، تعتمد سوريا أكثر فأكثر على الدعم الذي تستطيع أن توفره لها إيران. هذا الدعم يمر عبر الإرسال المنتظم للقوات والفرق الخاصة والأموال والمستشارين بغية إخماد الثورة، أو عبر المحاولات الديبلوماسية من أجل فرض حل يمر عبر خروج مُتوافق عليه للأسـد.
راهنت إيران على سوريا باعتبارها حجر الزاوية في تطلعاتها الإقليمية قبل وبعد بداية الثورة. فبالنسبة إلى طهران يمثل الحفاظ على سيطرتها على سـوريا القدرة على امتلاك طريق مباشر إلى البحر المتوسط بالتزامن مع زيادة وجودها في لبنان، حيث يوجد حليفها حزب الله. إن سوريا هي حجر الزاوية الذي سيحدد معالم مستقبل طهران. وبالطريقة نفسها، يمكنها أن تكون الجيب الذي يكبح التطلعات الإقليمية التي حافظت عليها إيران منذ أعوام والتي حملت بلاد فارس مؤخراً على تعزيز وجودها في ما كان يُعدُّ عدوها التاريخي سابقاً: العراق.
حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي شكلت حليفا جديداً في خريطة النفوذ الإقليمية التي كانت ترغب بها إيران وتمر عبر العراق، سوريا أو لبنان. وفي ضوء الوضع الراهن، لا تريد إيران التخلي بسهولة عن حليفها الأسـد ذلك أن أكلاف خسارتها لدمشق مرتفعة إلى درجة كبيرة جداً. من جانب آخر، في حال بقاء نظام الأسد أو حكومة جديدة قريبة من طهران، فإن العزلة الإقليمية والدولية ستحول سوريا إلى بلد أكثر اعتماداً على إيران.
الوضع الحالي في سوريا أكّد مرة أخرى المطامح الإيرانية المعروفة. لكن النهاية المرجحة للأسد تمثِّل نقطة تحوّل في مسيرة الصعود الإقليمية التي حافظت عليها إيران باتجاه وضع   انحدار جديد سيكون فيه حلمها الكبير بمنطقة للنفوذ أول المتضررين. بالتوازي مع ذلك، وفي ضوء عدم اليقين المتزايد، يحاول هذا البلد البحث عن حلفاء آخرين داخل الخارطة السياسية الجديدة التي يشكلها الربيع العربي. بين المرشحين المستقبليين يوجد الرئيس المصري المنتخب حديثاً، محمد مرسي. إلا أن اللون السياسي والإيديولوجي للأخوان المسلمين، وكذلك المساندة التي يقدمها هؤلاء للمعارضة السورية، لا يسهل المحاولات الإيرانية للتقارب.
أخيراً، إن تداعيات خروج الأسـد ستوثر بشكل مباشر على إيران واضعةً المزيد من الضغط على الاقتصاد الإيراني الراكد. وبغض النظر عن التداعيات الجيوبوليتيكية التي سيحملها سقوط الأسـد، فإن خروجاً قسرياً للنظام السوري سيمثل ضربة قاسية للساحة    السياسية الوطنية الإيرانية. إنه عامل مهم في عدم الاستقرار السياسي سيعيق بشكل أكبر، مع العقوبات الدولية المستمرة، مشروع طهران النووي المثير للجدل.






http://www.ateneadigital.es/RevistaAtenea/REVISTA/articulos/GestionNoticias_9708_ESP.asp#

Sunday 12 August 2012

الانهيار التدريجي للنظام السوري



الانهيار التدريجي للنظام السوري

لاورا رويث دي ايلبيرا- موقع: ريبليون


منذ عدة أسابيع يتغير اتجاه الرياح في سوريا. نظام بشار الأسـد لن يسقط غداً، أو بعد غد، لكن أساساته تصبح أكثر ضعفاً بصورة خطيرة. بعد ستة عشر شهراً من الموت واليأس، كان صعباً خلالها تخيلُ الطريقة التي يمكن أن يصل بها أبطال الثورة السورية إلى تهديد النظام البعثي الاستبدادي القديم، بدأت المعارك في دمشق وحلب: القتال القريب يجري حالياً في عز النهار في بعض الشوارع من جنوب العاصمة وفي القلب الاقتصادي للبلاد، حلب. أدى دخول الدبابات إلى هرب آلاف السوريين، الطائرات المروحية تحلق فوق الأحياء الشعبية والتاريخية كالميدان في دمشق، بعض هذه الأحياء تعرضت أو تتعرض للقصف والتدمير. السيطرة الحديدية التي كان يتمتع بها النظام حتى فترة قريبة على المدينتين الأكبر والأكثر سكاناً في سوريا هي عرضة للخطر بشكل متزايد. في هذا السياق، يتساءل الكثيرون كم من الوقت مازال بإمكان بشار الأسـد وتابعيه أن يصمدوا. فيما يلي خمسة عناصر يبدو أنها ترهص بأن نهاية النظام تقترب بصورة محتومة.
خلال العام الأول من الثورة ترددت البورجوازية التجارية في دمشق وحلب ورجال الأعمال في هاتين المدينتين في الانحياز إلى جانب المتظاهرين. ولقيت الدعوات الأولى إلى الإضراب العام استجابة ضعيفة في الأسواق التاريخية لهاتين المدينتين بينما، في مدن أخرى مثل حِمص، أغلق معظم أصحاب المحال التجارية أبواب محالهم. قد يحظى النظام بالدعم والتمويل، الهامين، من هاتين الركيزتين للاقتصاد السوري. لكن رغم ذلك فإن الوضع سوف يتطور بمقدار ما يتزايد القمع، ويتدهور الاقتصاد، وتتقلص منافع المبيعات والسياحة. في الثامن من شهر آذار| مارس 2012 تم إنشاء "مجلس الأعمال السوري"، الذي شكلته مجموعة من رجال الأعمال السوريين بغية تقديم "دعم غير مشروط للثورة". هذا الواقع هو مقدمة تشي بما سوف يتأكد في شهر أيار| مايو مع الاستجابة الكبيرة لإضراب عام جديد في دمشق وحلب: الانشقاق المتزايد للطبقة التجارية وطبقة رجال الأعمال السوريتين. العاصمتان الإدارية والاقتصادية للبلاد تنقلبان تدريجياً إلى جانب الثورة.
بموازاة ذلك، تتسارع الانشقاقات في أوساط الجيش. فإلى آلاف الجنود ومئات الضباط  الذين انشقوا منذ شهر آذار| مارس 2011 ينضاف في الأشهر الأخيرة العديد من العقداء والعمداء والألوية، كثيرون منهم سينضمون مباشرة إلى صفوف الجيش السوري الحر. الأكثر أهمية (وإثارة للجدل) منهم هو مناف طلاس، صديق طفولة بشار الأسـد وابن مصطفى طلاس (وزير الدفاع السوري القديم)، الذي أعلن انشقاقه عن الجيش النظامي في الخامس من تموز| يوليو ولجأ إلى فرنسا، التي أخذ مئات المثقفين والناشطين والمعارضين السوريين يستقرون فيها منذ بداية الثورة. في شهر حزيران| يونيو ينشق أيضاً الطيار الحربي الأول، الذي هبط بطائرته في الأردن وطلب اللجوء السياسي. أهمية هذه الانشقاقات حاسمة ذلك أنها لا تعزز من قدرات الجيش السوري الحر وتضعف الجيش النظامي وحسب، بل إن لها كذلك أثراً جاذباً وبعداً رمزياً أساسياً. التفكك التدريجي للجيش هو مرآة لتفكك النظام نفسه.
الانشقاقات العسكرية المتزايدة تترافق إضافة إلى ذلك مع الانشقاقات الأولى المهمة في الهيئة الديبلوماسية وفي الحكومة. الأول في إعلان استقالته العلنية كان السفير السوري في العراق، نواف الفارس، وهو بعثي قديم ذو سيرة مهنية طويلة،  وقد دعى في الثاني عشر من تموز| يوليو الجنود وذوي الرتب العليا في الجيش السوري إلى "الانضمام بشكل فوري إلى الثورة". تلاه بشكل سريع السفيرة السورية في قبرص، لمياء الحريري، وزوجها، عبد اللطيف الدباغ، السفير في الإمارات العربية المتحدة، وديبلوماسيون آخرون في عُمان والمملكة المتحدة. على المستوى الوزاري، رئيس الوزراء السوري، رياض حجاب، يفر مع كامل عائلته إلى الأردن، حيث أعلن انشقاقه في السادس من آب| أغسطس. رغم أن هذه الشخصيات "ثانوية" -ذلك أنها لا تملك سلطة حقيقية ولا تلعب دوراً رئيسياً في جهاز النظام-، فإن انشقاقاتها تظهر مرة أخرى الانهيار التدريجي لسلطة بشار الأسـد.
الأكثر أهمية بعدُ على المستوى العملي والتكتيكي هو التطور الذي شهدته المناطق والمعابر الحدودية مع تركيا والعراق في الأسابيع الأخيرة. فمن بين سبعة مواقع تصل سوريا بتركيا على طول أكثر من ثمانمائة كيلومتر من الحدود المشتركة، أصبحت ثلاثة على الأقل في أيدي المعارضة السورية. من جانب آخر، وحسب مصادر رسمية عراقية، فإن جميع المواقع الحدودية التي تجمع البلدين قد تكون اليوم في أيدي الجيش السوري الحر. إن الاستيلاء على هذه المواقع الحدودية سيسهل من غير شك دخول الأسحلة إلى البلد، وكذلك خروج الآلاف من اللاجئين المدنيين، وحركة المقاتلين والعسكريين الذين انشقوا. لكنَّ السيطرة على المناطق الحدودية لا تهم الجيش السوري الحر وحكومة بشار الأسـد فقط وإنما أيضاً الجماعات الكردية، الأمر الذي يزيد من تعقيد العلاقات الهندسية المتغيرة بين حكومة أردوغان التركية، نظام بشار الأسـد السوري، المجلس الوطني السوري (الهيئة الرئيسية في المنفى للمعارضة السورية)، والمكوِّن المدني للثورة. وبالفعل، فقد استولت لميليشيات كردية مسلحة، يمكن أن يوجد داخلها عناصر من حزب العمال الكردي (التركي)، على بعض المناطق الحدودية الحدودية لكردستان السورية، وهو أمر شديد الخطورة في نظر الحكومة التركية.
أخيراً، وكما قلنا سابقاً، فإن معارك دمشق وحلب، اللتين كانتا تبدوان قبل بضعة شهور غارقتين في هدوء نسبي، قد بدأت. السيطرة على عدة أحياء من هاتين المدينتين توجه ضربة قاسية لسلطة بشار الأسـد، الذي كان قد فعل كل ما بوسعه لإبقائهما على هامش الثورة. وسواء أكان الجيش السوري الحر قادراً على صد هجمات الجيش الموالي لآل الأسـد أو أن تلك الأحياء، على العكس من ذلك، قد تم "استعادتها"، فإن النظام أصبح محكوماً عليه بالموت. لقد وصلت الثورة إلى قلبه، كما تُظهِر ذلك العملية التي حدثت في أواسط شهر تموز| يوليو والتي لقي فيها عدد من شخصيات النظام ذات الوزن الثقيل حتفهم. لقد تغيَّر توازن القوى بشكل لا رجعة فيه.
في هذا السياق، يبدو سقوط بشار الأسد، أكثر من أي وقت مضى، مجرد مسألة وقت. ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ -الفوضى؟ تفكك البلد؟ حرب أهلية شاملة؟ نظام عسكري أو ميليشياوي؟ أو عملية انتقال سياسي سلمية؟- هذا هو السؤال الذي يتعين طرحه الآن.






http://www.rebelion.org/noticia.php?id=154246&titular=siria-el-desmoronamiento-progresivo-del-r%E9gimen-

Friday 3 August 2012

معركـة حلـب



معركـة حلـب

مقالة افتتاحية في صحيفة الباييس الإسبانية - 3 - 8 - 2012

المعارك من أجل السيطرة على حلب، المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في سـوريا، والتي يستخدم فيها بشار الأسـد المدفعية والدبابات والطائرات ضد السكان المدنيين، تُفاقِم من مأساة هذا البلد العربي. وبالقدر الذي يتسع فيه نطاق الحرب الأهلية وتزداد ضراوتها، تزداد الفظائع وتتعمق الكارثة بين المدنيين، مع مئات آلاف الفارين وعشرات الآلاف على حافة الجوع، وفق ما تحذر منه الأمم المتحدة.
بعد أكثر من أسبوع على قيام النظام السوري بزج كل ما يملكه ضد المدينة الشمالية التي يسكنها مليونان ونصف مليون نسمة، لم تصل معركة حلب إلى خاتمة حاسمة. الثوار يحافظون على مواقعهم وهناك المئات من القتلى والجرحى. الأســد، الأقل غطرسة باطراد، يعتبر أن حلب قضية جوهرية لأن خسارتها يمكن أن تمثل ضربة استراتيجية ونفسية غير قابلة للانعكاس.
إن أبعاد الحرب الأهلية السورية وتباينها الذي لا يُحتَمَل يجعل تدخلاً خارجياً، يذهب إلى ما هو أبعد من إرسال الأسلحة إلى الثوار من قِبَل تركيا وقطر أو من المساعدة المحدودة من المخابرات المركزية الأمريكية التي أذن بها الغامض أوباما، يجعله أمراً لا يمكن تأجيله. ومثل كل قوة ذات قاعدة شعبية، فإن الثوار السوريين، رغم جرأتهم، يفتقدون إلى التسليح والانضباط الضروريين من أجل هزيمة جيش مُجَهَّز ويملك رخصة بالقضاء على مواطنيه.
الشلل الغربي، الذي تغذيه المخاطر قريبة المدى، زاد من أبعاد الإرهاب. والولايات المتحدة بشكل خاص، بعد عام تقريباً من المبادرات الديبلوماسية العقيمة، التي شهدت عليها بالأمس استقالة كوفي أنان، يجب أن تكون في مقدمة ذلك المسعى وأن تقيم تعاوناً رسمياً مع الجيش السوري الحر.
تتحول الثورة الشعبية بشكل سريع إلى حرب طائفية. ومع، أو بدون، نهاية واضحة في حلب، ستنطوي إطالة أمدها على مخاطر ضخمة تتعلق بانتقال العدوى، وعدم الاستقرار الإقليمي، والدور المتنامي للجهادية. إن السماح بهذا هو ارتهان خطير لسوريا التي يجب أن تنبثق بعد سقوط الطاغية.





http://elpais.com/elpais/2012/08/02/opinion/1343934773_322752.html