Wednesday 12 September 2012

سـوريا، قبر الإعلام والمعلومات



سـوريا، قبر الإعلام والمعلومات

توماس الكوبيرو- صحيفة "لا بانغوارديا" الإسبانية


تلقى الإعلام والمعلومات الضربة القاضية في هذه الحرب السورية المروعة. قلة مصداقيتهما كانت نتيجةً، في المقام الأول، للجهل العميق لنظام كالبعث كان قد كرَّس دائماً نمطاً بوليسياً وحشياً، مطارِداً ومروِّعاً شعبه خلال أعوام، ولميلِه للتعذيب والسرية. لكنه أيضاً امتلك في أصله برنامجاً اجتماعياً، تعليمياً، مجدداً، "ثورياً" وفق مؤسِسَيه المنسِيَّين ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، ودعوة اجتماعية، عروبية، علمانية، كانت تسعى إلى رفع المهانة عن المجتمع العربي الجريح في كرامته. كانت أزمنة سياسية مختلفة جداً في الشرق الأوسط، مع زعيم مصري كاريزمي، شعبوي، مناهض للاستعمار، هو ناصر، وحزب ذي طبيعة تقدمية، عقائدية، علمانية، هو البعث، الذي استولى على السلطة في انقلابات عسكرية في سوريا والعراق.
سقوط الناصرية بطابعها التسلطي والبوليسي والبعث المتحول إلى بنية فوقية ايديولوجية يُتَلاعَبُ بها من قِبَل العلويين الأقلويين السوريين، ومن قِبَل الجيش، غيَّر اتجاه التاريخ لهذين الشعبين.
إن سوريا، بسبب تكوينها المعقد من الجماعات الدينية والاثنية مع توازناتها الصعبة، مثل لبنان والعراق، وبسبب تاريخ استعماري مهين حديث أثناء الانتداب الفرنسي الذي اقتطع منها، على سبيل المثال، منطقة لواء اسكندرونة، التي سلمها حكام باريس إلى جمهورية أتاتورك التركية الفتية، كانت بلداً يصعب فهمه، وغالباً ما كان محبوباً قليلاً. ومن المفيد هنا أن نتذكر الكتاب الجيد الذي كتبته "روسا ريغاس" تحت عنوان "نور الشام".
عناد النظام الدمشقي، ذو المظهر السوفييتي، المنقوع بروح قبلية وعصبية كما وصفه جيداً ميشيل سورا -سوريا كان لها دائماً سمعة سيئة في الغرب- زاد من عجزه عن الانفتاح على الصحافة الأجنبية المُعتبَرة عدائية أو مشبوهة، والخاضعة منذ زمن طويل لرقابته ومراقبته القاسية. وعندما جاء زمن المظاهرات السلمية الثورية المناهضة للحكومة، وبعدها الثورة المسلحة، لم يعرف كيف يفسر، ولا كيف يتواصل مع الخارج، مكثراً من صوره النمطية عن كونه ضحية مؤامرة دولية غادرة.
دمشق، بخلاف بيروت، لم تكن قطُّ مقراً لوكالات الأنباء العالمية ولا للمراسلين صحفيين، بسبب غياب الحرية. لقد كتبتُ في مناسبة أخرى أن بداياتي كمراسل في الشرق الأوسط في خريف عام 1970 اتسمت بالإحباط من عدم الحصول على تأشيرة سورية تمكنني من الكتابة عن انقلاب القصر العسكري الذي قام به الفريق حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي، مطيحاً بالقادة البعثيين ذوي الاتجاهات الايديولوجية المتشددة، نور الدين الأتاسي وصلاح جديد، اللذين كانا في الحكم.
كان دخول الصحفيين أمراً صعباً على الدوام -كنت أتقدم بصفتي محامياً في طلبات التأشيرة- في الأوقات العادية، لذا فلا غرابة في هذا الفصل التاريخي المؤثر أن يزداد صعوبة، أمام صحافة اتخذت، بوجه عام، جانب الثوار المعدودين أبطال ثورة عفوية وشعبية، ضد دكتاتورية وراثية دموية وفاسدة، معتمدة على أقلية من  شعبها.
كان يجب أن تنقضي شهور دامية حتى تظهر، شيئاً فشيئاً، الحقيقة المعقدة لهذه الحرب، الحيوية لسوريا والشرق الأوسط. قادة المعارضة عرفوا منذ البداية كيف يفتحون أبوابهم للموفدين الصحفيين الخاصين الذي استطاعوا ويستطيعون رواية قصص حياة ونضال الثائرين، وزيارة جيوبهم، والشهادة على حدوث المجازر والفظائع وعمليات القمع العسكرية، في جو غالباً ما يكون مثيراً على نمط رائج للإعلام بوصفه عرضاً show.
كنا قلة نحن الصحافيين الذين استطعنا الحصول على تأشيرة للدخول إلى سوريا، حيث نطاق عملنا، بدون الفضول المرَضي ومغامرات زملائنا، ضيوف الثوار، هو أكثر تقييداً بسبب استحالة الخروج من العاصمة. وعليه، فإن أصوات الجنود والمقاتلين، وقبل كل شيء، السكان المدنيين بأقلياتهم، بالكاد تجاوزت ما هو أبعد من حدودها. من يقيِّم، على سبيل المثال، المعارضة الداخلية للنظام؟ المعلومات الواردة من الناطقين باسم المعارضة المستقرين في الخارج، ومن الرسائل التي لا تُحصى على اليوتيوب أو الفيس بوك، تم تقييمها بشكل دائم تقريباً على أنها موثوقة، بينما الأخبار الصادرة عن المراكز الحكومية تم نعتها، برمتها، بأنها دعاية محضة.
هذه الظاهرة من التضليل والإرباك، غير القابلة للقياس، حجبت بشكل أكبر التاريخ الحقيقي لصراع حوّلته التدخلات الأجنبية على هذا الجانب أو ذاك إلى أحجية دولية متفجرة. كل نوع من التكهنات، من التحليلات المبكرة المعلنة عن سقوط الأسـد، عن انشقاقات كبار مسؤولي النظام، من الأخبار التي تؤكد الانتصارات الحاسمة للثوار، تعزز المعلومات السلبية حول سوريا. إن وجود الشبكات الاجتماعية التي لا قدرة لأحد على السيطرة عليها فاقم من خطر فصام هذه الأمة المختارة ككبش فداء في المشاريع المعقدة حول الشرق الأوسط. وكائنة ما كانت مشاعرنا، وآراؤنا، فإننا يجب أن نبكي لموت ولدمار هذا البلد. من الشائع القول إن الضحية الأولى للحرب هي المعلومة. أما في سوريا، ولترقد في سلام، فقد حفروا قبرها.






http://blogs.lavanguardia.com/beirut/siria-la-tumba-de-la-inforrmacion/

Saturday 8 September 2012

سـوريا: الرابحون والخاسرون



سـوريا: الرابحون والخاسرون

انخِل تافايا ** - موقع: اتينيا

قبل فترة ليست بالقصيرة، أكثر من عام، بدأتُ أعلن عن آرائي ومشاعري حول المأساة السورية. كان رأيي حينذاك -ومازلت على الرأي نفسه اليوم- أن الولايات المتحدة، مصحوبة على وجه الخصوص بتركيا، كان يجب أن تتصرف لسببين أساسيين: إعطاء المصداقية لمبدأ المسؤولية عن الحماية، والحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. لم يحدث هذا كما هو واضح، على الأقل في الشكل الذي تخيلته، وبعد التحقق من ذلك يوماً بعد يوم، وهو أمر محبِط، تركتُ الكتابة عن الموضوع.
فلنستعرض الوضع. بعد فترة أولية كان نظام الرئيس الأسـد يستخدم فيها وسائله الحربية المدرّعة "فقط" ضد السكان المدنيين الثائرين، أصبحنا الآن أمام استعمال شائع للمروحيات والطائرات الحكومية بدون قيود، ويبدو أنه فقد الخوف من منطقة حظر جوي محتمَلة كتلك التي فُرضت على ليبيا. لم يبق إذن، في خزَّان الأهوال، إلا الأسلحة الكيميائية، لكنها قضية كبيرة حتى بالنسبة إلى الأكثر قسوة من بين القادة.
الثوار تقدموا في الاستخدام الفعال للحرب النفسية وينشرون صوراً -بعضها فظيع- عن طريق الهواتف المحمولة أساساً، محاولين استمالة الرأي العام العالمي إلى جانبهم. بعد فترة طويلة، حاولت الحكومة تقليدهم ناقلةً رسالة –أضيق نطاقاُ وأقل مصداقية- مفادها أن الفظائع يرتكبها الطرفان.
من المشكوك فيه أن الثوار كانوا سيستطيعون تلقي السلاح والمعلومات بطريقة فعالة، ما لم يكن لديهم دعم سري من إدارة أوباما، وهو أمر، من ناحية أخرى، قد يكون متسقاً -في حالة تأكيده- مع تفضيلاتها للوسائل السرية، التي استُخدِمَت بشكل ممنهج في مسارح نزاعات أخرى. وبالمثـل، فإن استغلال نقطة الضعف الأساسية لجيش آل الأسـد -الانشقاقات- يظهِر دلالات على أنها تتم بتحفيز من قِبَل الأمريكيين. وفي هذا التزويد بالسلاح وتشجيع الانشقاقات، من الواضح أن العربية السعودية وقطر وتركيا، على الأقل، يساهمون بحماسة.
قد تكون اللحظة الراهنة، أمام النهاية المتوقعة لنظام الأسـد، هي لحظة إعداد القائمة المؤقتة للخاسرين والرابحين في كل هذه المأساة. ولسوء الحظ، في الوقت الراهن، فإن قائمة الخاسرين هي أكبر بكثير من القائمة الأخرى.
فلنبدأ إذن مع الخاسرين:
الشعب السوري مع عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من اللاجئين هو، من دون شك، الخاسر الأكبر في كل ما يحدث. التعايش المستقبلي يبدو أمراً مشكوكاً فيه -ذلك أن الاعمال الانتقامية ستكون أمراً محتوماً- بدون أن يكون أي عامل خارجي قادراً على منعها على الأرجح.
إيران تثبت عدم قدرتها على أن تدعم بطريقة فعالة، لا "بالحُجَّأج، ولا بالسلاح، النظام الزبائني العلوي. الحلم الفارسي بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط يتلاشى، وهو أمر سيدخله "زبائن" آخرون في حساباتهم.
تركيا تشاهد كيف أن سياستها الخارجية القائمة على مبدأ "صفر مشكلات" مع جيرانها تتحول إلى علاقة مشـكِلة مع كل هؤلاء الجيران. وتطلعها إلى السيطرة على العالم الإسـلامي -السُني خاصةً- يثبُت أنه غير قابل للتطبيق. وكذلك فإن سياستها الداخلية تجاه القضية الكردية سوف تتدهور أيضاً كما هو مُتوقَّع.
الصين، و روسيا على وجه الخصوص، تراكِمان سوء صيت ضخماً في العالم العربي بسبب سلوكهما في مجلس الأمن في هذه القضية برمتها، وفي الآن ذاته يظهِران شعوراً بالضعف وغياب الشرعية الداخليين.
الولايات المتحدة، بسلبيتها، صعَّبت من إمكانية تحولها إلى لاعب فاعل في سوريا ما بعد الأسـد والحيلولة بالتالي دون تقسيم ممكن للبلد، مع انعكاسه على عدم الاستقرار في المنطقة كلها. حالياً هي بعيدة أيضاً عن أن تكون بطل مبدأ مسؤولية الحماية.
لبنان -وهو عرضة دائماً للعدوى السورية-  مع القوة الأكثر قدرة فيه -حزب الله- يائسة على الأرجح.
لنراجع القائمة القصيرة للرابحين المؤقتين:
مصر الأخوان المسلمين المعتدلين، لكن النشطين -حالياً-. فجمود تركيا يجعل الرئيس مرسي مدركاً بوضوح لفرصة التطلع إلى قيادة العالم الإسلامي، أمر ما كان ممكناً مع الرئيس السابق مبارك، والتي يمكن أن تساعده في الوضع الداخلي الصعب.
القاعدة -في لحظة هبوط عام- لن تترك هذه الفرصة تمر-كما فعلت في عراق ما بعد الحرب- دون أن تُشعِر "بمساعدتها" للثوار بأساليبها الانتحارية المميزة والقاسية، صائدةً في الماء العكر ومستفيدةَ من آلام الآخرين.
وهكذا تنتهي -في الوقت الحالي- القائمة الطويلة للخاسرين والقصيرة للرابحين المُفتَرَضين التي قادتنا إليها سلبية إدارة أوباما والتي لم أُدرج فيها الشهود العاجزين: إسرائيل والأوروبيين الذين تتناقص فعاليتهم يوماً بعد يوم، مع رئيس فرنسي جديد بعيد ايديولوجياً عن التوجهات التدخلية لسلفه، ورئيس وزراء بريطاني واهن أكثر اهتماماً بإنقاذ "الجنيه" من انهيار اليورو منه عن إحياء أمجاد استعمارية ماضية. أما عن الأوروبيين الآخرين، فلا داعي للكلام أصلاً.




** الأدميرال أنخل تافايا هو نائب سابق لرئيس الأركان في البحرية الإسبانية والقيادة البحرية لحلف الناتو في جنوب أوروبا.




http://www.ateneadigital.es/RevistaAtenea/REVISTA/articulos/GestionNoticias_9915_ESP.asp

Wednesday 5 September 2012

سوريا، عقل اللامعقول



سوريا، عقل اللامعقول

خوسيه مانويل غارثيا مارغايو - وزير خارجية إسبانيا
صحيفة "لا راثون" الإسبانية

في كل الأسابيع نتلقى معلومات عن مأساة جديدة في سوريا. قبل بضعة أيام فقد ثلاثمائة مواطن سوري حياتهم في كبرى المجازر منذ أن بدأت الأزمة قبل ستة عشر شهراً.  المعارضون سارعوا إلى إدانة بشار الأسد، المتعنت في الاحتفاظ بالسلطة حتى ولو على حساب استنزاف بلده. من جانبه، أعلن النظام عن تطهيره المنطقة من بقايا الإرهابيين المرتزقة محتفظاً بسيطرته على دمشق وحلب. بين هذا وذاك، معاناة المواطنين في حي العمال في داريا. صور المقابر الجماعية وصلت إلى بلدنا مع رسالة استغاثة تبعث القشعريرة.
عادت إدانة إسبانيا وبلدان أخرى كثيرة لتسمع صوتها بصدى كبير. تحدثت بلدان الاتحاد الأوروبي بصوت واحد، وهو أمر مشجع، من وجهة نظر بناء سياسة مشتركة. الشيء نفسه حدث مع الغالبية العظمى للبلدان الأمريكية اللاتينية، بلدان الخليج، وبلدان المغرب العربي الكبير. في قمة البلدان غير المنحازة التي أقيمت في طهران، دان الرئيس الإسلامي الجديد لمصر، محمد مرسي، القمع الذي تقوم به الحكومة السورية، وهي حليف وثيق لطهران. قال مرسي: "الشعب السوري يناضل بشجاعة سعياً إلى الحرية والكرامة الإنسانية" وأضاف: "يجب علينا أن نكون واعين بشكل كامل إلى أن ما يحدث لن يتوقف ما لم نتصرف. أنا هنا لأعلن دعمنا الكامل لسوريا حرة ومستقلة عليها أن تبدأ في أسرع وقت ممكن عملية انتقال سياسي نحو نظام ديموقراطي يحترم إرادة الشعب وفي الوقت نفسه يحول دون أن تنزلق سوريا نحو حرب أهلية أو نحو مواجهات طائفية".
أتفق مع مرسي في أنَّ على المجتمع الدولي أنْ يتصرف بشكل عاجل. فمن أجل هذا تحديداً أنشئت مجموعة أصدقاء الشعب السوري، التي تضم أكثر من ثمانين بلداً، والتي شاركت إسبانيا في كل اجتماعاتها التي عُقدت في تونس واسطنبول وباريس. وفي نيسان| ابريل من العام الجاري دُعِيت إسبانيا للمرة الأولى لتشكل جزأً من "المجموعة الأساسية" المؤلفة من البلدان الأكثر فاعلية. إنه دليل آخر على أن إسبانيا عادت بقوة إلى المسرح الدولي. للأسف فإن هذه الجهود لم تستطع أن تدفع الأمم المتحدة للتحرك بشكل فعال. صحيح أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تبنّت في الثالث من آب| أغسطس، وبدعم هام من من 133 صوتاً، قراراً كانت إسبانيا راعياً مشاركاً له، يدين حكومة دمشق بسبب استعمالها الأسلحة الثقلية ضد شعبها. لكنَّ أقلية من البلدان (اثنا عشر بالتحديد) بقيت على دعمها للنظام وصوتت ضد الإدانة فيما امتنع واحد وثلاثون بلداً عن التصويت لأسباب مختلفة.
هذا الغياب للتوافق يكتسب أهمية حيوية في مجلس الأمن، حيث استخدمت روسيا والصين في مرات متكررة حقهما بالنقض من أجل وقف قرارات هادفة لزيادة الضغط على النظام السوري. في هذه الظروف، يبدو أمراً قليل الاحتمال أن يدعم المجلس إنشاء ممرات إنسانية آمنة أو ملاذات للجوء لاستقبال المدنيين الهاربين من الحرب، دع عنك إقامة منطقة حظر جوي، وهو أمر قد يتطلب اتخاذ إجراءات عسكرية قوية.
لقد انتهى وقت الأسـد، لم يعد يمكنه البقاء في السلطة ولا حتى دقيقة أخرى. عليه أن يفسح المجال أمام عملية انتقال سياسي. وإذا كان صحيحاً أن ضراوة الهجمات التي يقوم بها جيشه قد ازدادت فإن ضعف النظام يزداد أيضاً. الهجوم على قمة القيادة العسكرية في الثامن عشر من تموز| يوليو في دمشق، الذي أنهى حياة وزير الدفاع من بين آخرين، يعكس هذا الضعف. أضف إلى ذلك أن الانشقات، سواء أكانت في صفوف العسكريين أو بين قادة النظام أو السفراء أو كبار الموظفين، تتضاعف، حتى وإن لم تبلغ إلى الآن حد التصدع الكامل.
على المعارضة أن تستغل الأسابيع القادمة من أجل بناء توافق سياسي قادر على الحؤول دون أن يُتَرجَم سقوطُ النظام إلى فراغ في السلطة يمكن أن يُستغل من قِبل الجهاديين لزرع أنفسهم في البلد. ينبغي بناء توافق مفتوح على كل القوى السياسية في الداخل والخارج، باستثناء أولئك الذين لا يرفضون بشكل صريح العنف والإرهاب وسيلةً للوصول إلى أهدافهم السياسية. توافق قادر على ضمان وحدة أراضي البلاد والأقليات العرقية، بما فيها الأكراد، والأقليات الدينية، ومن ضمنها الميسيحيون. في الثاني والثالث من شهر آب| أغسطس الماضي حضر مائتا ممثل للمعارضة المؤتمر المنعقد في القاهرة بهدف السير في هذا الاتجاه، وإن بدون نجاح حتى اللحظة. في اليوم السابع والعشرين من الشهر نفسه، كان المجلس الوطني السوري يستكشف إمكانية تشكيل حكومة انتقالية يمكن إقامتها في بعض المناطق المحررة. في اليوم التالي صرح الرئيس فرانسوا أولاند أن فرنسا ستكون مستعدة للاعتراف بحكومة تمثيلية شاملة يمكن أن تتحول إلى محاور وحيد يمثل الشعب السوري. اعتراف سنناقشه في السادس من أيلول| سبتمبر الجاري في الاجتماع الذي سنعقده في قبرص نحن وزارء خارجية الاتحاد الأوروبي. لقد كانت إسبانيا فاعلة جداً على مدار الأزمة السورية. كنا البلد الأول الذي استدعى سفيره للتشاور في كانون الثاني| يناير الماضي. ألغينا نشاطات سفارتنا في دمشق في السادس من آذار| مارس، وأخيراً، بعد المذبحة المروعة في الحولة، طردنا سفير سوريا في إسبانيا في التاسع والعشرين من أيار| مايو.
ما يهم الآن هو المستقبل. لا يمكن استبعاد سيناريو حرب طويلة أو حتى بلقنة سوريا. وقد عبّر عن ذلك بوضوح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف: "بصرف النظر عن الرأي الذي يملكه كل واحد في النظام السوري، فإنه ليس من الواقعي التفكير في استسلام أحد الطرفين، بينما يستمر في القتال في الشوارع". في الوقت الراهن، كل الخيارات مطروحة. إسبانيا ستدعم تلك الخيارات التي تكون مجدية، في إطار الشرعية الدولية، في إنهاء العنف المسلح وإطلاق عملية سياسية اقتحامية ترضي تطلعات الشعب السوري، كما فعلنا نحن قبل خمسة وثلاثين عاماً من اليوم. بطبيعة الحال فإن ما لا يمكنه الانتظار هو المساعدة الإنسانية للمدنيين. فبعد ستة عشر شهراً من النزاع المسلح، وصل عدد الضحايا إلى عشرين ألفا، واللاجئون في البلدان المجاورة تجاوزوا الآن مائة وثمانين ألفاً، ويحتاج مليون ونصف مليون من الأشخاص إلى مساعدة إنسانية عاجلة. في آذار| مارس قدمت إسبانيا دفعة من أربعمائة ألف يورو، وُجهت أساساً إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بسبب وجودها في الداخل السوري حيث الاحتياجات العاجلة أكبر حجماً. وبالرغم من كل القيود على الميزانية، فإننا سنقوم بجهد جديد من أجل مساعدة السكان المدنيين في الداخل واللاجئين الذين يتم استقبالهم في البلدان المجاورة مثل الأردن، تركيا أو لبنان. إن التزامنا مع الشعب السوري مستمر، وسنواصل المساهمة في سبيل إنهاء الأزمة والانتقال نحو نظام تعددي وديموقراطي يتسع لكل حساسيات التنوع الرائع الذي يثري الروح الألفية لهذا البلد.






http://www.larazon.es/noticia/8603-siria-la-razon-de-una-sinrazon-por-jose-manuel-garcia-margallo