Monday 26 November 2012

سـوريا: ثورة، حرب أهلية، أو حرب عالمية؟



سـوريا: ثورة، حرب أهلية، أو حرب عالمية؟

سانتياغو ألبا ريكو – صحيفة: دياغونال الإسبانية


صورتان تلخِّصان بشكل مؤلم العشرين شهراً المنقضية منذ بداية الثورة السورية. الأولى هي، في الواقع، سلسلة من الصور التي تغطي دورة الحياة القصيرة لحسام أرمنازي: شاباً حليقاً في جامعة ألمانية، طبيباً متمرناً بالمعطف الأبيض، متطوعاً في مخيم للاجئين في تركيا، مقاتلاً في الجيش السوري الحر. في الصورة الأخيرة، حسام، الذي كان قد اعتقد بإمكانية التغيير في بلده بشكل سلمي وفي سبيل ذلك سُجن وعُذب عند رجوعه من أوروبا، أصبح جثماناً ملتحياً على نقالة، مصحوباً ببندقية كلاشينكوف عديمة الجدوى.
الصورة الأخرى هي لوحة فنية أفقية. في الأعلى يُشاهد ثمانية شبان مبتهجين، يرتدون قمصاناً مع العلم السوري في مظاهرة سلمية ضد النظام الديكتاتوري. يقول العنوان :"هكذا بدأنا، ولم تفهمنا". في الأسفل، الشبان أنفسهم يظهرون أيضاً ملتحين، جادين وقساة، بسراويل عسكرية ومسلحين بالبنادق، فوق جملة مرعبة: "هذا ما صرنا إليه. الآن من المؤكد أنك تفهمنا".
قمع الأسـد
القمع الوحشي للنظام السوري والعسكرة التي لا مفر منها للمقاومة كان لها ثلاثة آثار مرعبة، سعى إليها بشار الأسـد عمداً في استراتيجيته للبقاء بأي ثمن. الأول يتبين بسرعة كتلك التي تطلق بها النار: آلاف من الشبان مثل حسام أرمنازي، الأكثر وعياً وحساسية، الأفضل تأهيلاً، المفترض أن يقودوا سوريا عادلة وديموقراطية (هؤلاء لو كانوا إسبانيين فسيكونون جزأً من حركة M 15، وسيتظاهرون أمام البرلمان وسيناضلون ضد الرأسمالية) هم اليوم موتى، سجناء، أو في المنفى. المأساة نفسها التي أنتجها الغزو الأمريكي للعراق أنتجهتا في سـوريا حكومتها ذاتها وبالوسائل نفسها: تعذيباً واغتيالاً وقصفاً من الجو على السكان المدنيين.
الأثر الثاني، غير المنفصل عن الأول، له علاقة بتطييف الأزمة والانتهاك المتزايد لحقوق الإنسان من كلا الطرفين. إن غياب قيادة عسكرية موحدة، والتأثير المتفشي للإسلاموية الراديكالية، والإيذاء ذا الطابع الهوياتي، كل ذلك انتهى إلى أن يؤدي الرد العسكري ضد الديكتاتورية إلى إعادة إنتاج، في نطاق أضيق، لإجراءات النظام، في آلية مشؤومة يصعب فيها غالباً التمييز بين الدفاع المشروع والانتقام والجريمة. الإعدامات بناء على إجراءات مختصرة للشبيحة، المدانة من قبل منظمات دولية، والخطف الأخير للصحافي اللبناني فداء عيتاني كانا هدفاً لإدانة قاسية من قبل لجان التنسيق المحلية، التي بدت عاجزة، رغم ذلك، عن أن تنتج قيادة أخلاقية للنضال المسلح.
المعارك التي جرت قبل أيام في حلب بين الجيش السوري الحر ومقاتلين أكراد، -وهؤلاء وأولئك هم، في الوقت نفسه، معارضون للديكتاتورية- تأتي لتعقد بشكل أكبر هذا الحشد من المواجهات المتقاطعة التي تبعد يوماً بعد يوم الحلم الأصلي لسوريا موحدة، عادلة، وديموقراطية.
الأبعاد الدولية
الأثر الثالث هو، من غير شك، تدويل الأزمة، ومما يعطي مؤشراً جيداً على أبعادها المهدِّدة أزمةُ اللاجئين والتوتراتُ مع تركيا والاعتداءُ مؤخراً في لبنان على وسام الحسن. كل الإقليم أصبح متورطاً في نزاع جيو استراتيجي غير مسؤول يلتهم الثورة وكل الأطراف فيه تتصرف بطريقة فاحشة ومشينة: روسيا، إيران، وحزب الله دعماً سياسياً وعسكرياً لديكتاتورية بشار الأسـد. الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجييراً لتفجر النظام البطيء والمسيطر عليه لمصلحة إسرائيل. تركيا، مع أصابعها المحترقة في مشكلتها الخاصة مع الأكراد، محاولة بسط نفوذها الإقليمي. قطر والعربية السعودية تمويلاً وتسليحاً للإسلاميين "الأمميين" وتأجيجاً للعصبيات الطائفية في إطار حربهم الباردة الخاصة مع إيران. العالم كله يصب الزيت في الوقت نفسه الذي يحاول فيه منع الانفجار.
النتيجة مأساوية، ليس فقط في عدد الموتى والدمار المادي. فهذا التدويل، الذي لايستطيع أحد توقع عواقبه أو السيطرة عليه، ضعضع الزخم التوحيدي، الديموقراطي، والعروبي لما يدعى "الربيع العربي"، وأحيا المجموعات الجهادية المحتضرة المتفرعة عن القاعدة. الخطر كبير إلى درجة الترحيب بأية فسحة يمكن أن توقف حمام الدماء، دمار سـوريا، وحرباً إقليمية أو عالمية.
السيء في العنف الوحشي هو أنه يساوي بين الخصوم ويعصرن (يحدِّث) كل الذاكرات. لكننا لا نستطيع أن نخدع أنفسنا ونقول إننا لا نتذكر كيف بدأ هذا الجنون. لا نستطيع أن نوزع التبعات أو أن نلتجاً إلى علاقات القوة والأنظمة الجيو استراتيجية. نعلم في أي جانب توجد العدالة، الحق، والبطولة. كل شيء بدأ قبل عشرين شهراً مع آلاف من الشبان الذين، رافعين للعلم السوري، تظاهروا -ومازالوا يتظاهرون- للكرامة، للديموقراطية والعدالة الاجتماعية، وتعرضوا لإطلاق النار والسجن والتعذيب على أيدي نظام ديكتاتوري يقصف اليوم من الجو-كما تشير إلى ذلك السخرية المؤلمة لإحدى اللافتات- كل الأراضي السورية. كلها، ماعدا الجولان المحتل من قبل إسرائيل.







www.diagonalperiodico.net/Siria-revolucion-guerra-civil-o.html

Tuesday 20 November 2012

المزيد ضد الأســد



مقالة افتتاحية في صحيفة الباييس الإسبانية - 15 - 11 - 2012

المزيد ضد الأســد

من الأهمية بمكان أن تحصل الجبهة المعارضة السورية الجديدة على المصداقية داخلياً وخارجياً


واحدة من نقاط ضعف الثورة الشعبية السورية، بعد ما يقرب من عشرين شهراً على بدايتها، هي المعارضة المنقسمة والمتواجهة، والأكثر التفاتاً إلى الزعامة والنزاعات  الداخلية منها إلى المواجهة المشتركة ضد بشار الأسـد. هذا النقص في المصداقية لما يُدعى بالمجلس الوطني السوري، الذي مضت عقود على الكثير من أعضائه وهم خارج هذا البلد العربي، مصحوباً بوفرة الميليشيات المسلحة غير المترابطة التي تقاتل ضد النظام، هي واحدة من الحجج التي تشهرها القوى الغربية المترددة، وواشنطن على رأسها، لعدم الانخراط عميقاً في مساعدة الثائرين ضد الطغيان.
من هنا أهمية التشكيل الجديد في قطر لكيان معارض جديد أكبر حجماً و ذا قابلية لقيادة العملية الانتقالية والتحول إلى نواة حكومة عند سقوط الطاغية. القوة السياسية الوليدة، التي اعترفت بها فرنسا للتو كممثل وحيد للشعب السوري، تشمل قادة شباناً على الأرض، وتحل محل المجلس الوطني السوري – الذي يذوب فيها – وهي أساساً ثمرة للضغط الديبلوماسي من الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين. رئيس الائتلاف هو رجل دين معتدل، وعقله  المدبر هو النائب السابق رياض سيف، سجين الأسـد لأعوام، والذي يحظى باحترام داخل سـوريا وخارجها.
في المشهد المأساوي الراهن، فإن التحديات أمام التحالف المعارض الجديد هائلة، بدءاً ببقائه هو نفسه على قيد الحياة وبتحقيق التمثيل للفسيفساء الاجتماعية والطائفية السورية الذي يتيح له التحول إلى محاور وحيد، سياسي ومالي، وعسكري أيضأً. هذا الجانب الأخير يُعَدُّ حاسماً، ليس فقط لأن المساعدة التي تصل الآن إلى المجموعات المسلحة المختلفة تأتي من رعاتها المعنيين في العالم العربي، مع مصالح طائفية أساساً، وإنما أيضاً لأن واحدة من حجج القوى الديموقراطية في عدم تزويد الثوار السوريين بالأسلحة هي الخوف من وقوعها في الأيدي الخطأ، في حرب مُختَرقة بشكل متزايد من قِبَل "الجهادية".







http://elpais.com/elpais/2012/11/14/opinion/1352923948_272741.html