Sunday 30 December 2012

هجوم ديبلوماسـي




مقالة افتتاحية في صحيفة الباييس الإسبانية 28-12-2012

هجوم ديبلوماسـي

الضعف المتزايد للأسـد يتيح لموسكو دوراً أساسياً في البحث عن حل في سـوريا


الخسارة المتواصلة للأرض من قِبَل دمشق، والتقدم العسكري للثوار واستخدامهم المطرد الأكثر فعالية للسلاح، وضعف النظام الديكتاتوري الذي تشير إليه انشقاقات متتالية لرتب عليا (آخرها، للواءٍ في الشرطة العسكرية مسؤولٍ عن منع إتمامها) تغذي العاصفة  الديبلوماسية في الأيام الأخيرة بحثاً عن حل سياسي للأزمة الأكثر عنفاً من بين تلك التي تطبع بطابعها صحوة العالم العربي.
موسكو، داعمة دمشق بامتياز، التي يصل إليها غداً وسيط الأمم المتحدة والجامعة العربية، الإبراهيمي، بعد مقابلته مع الديكتاتور السوري، تحصل على دور رئيس في هذه الدوامة. من الواضح أن شيئاً لم يتغير في الموقف الروسي حول سوريا، باستثناء حقيقة أن نائب وزير خارجيتها أشار للمرة الأولى إلى أنه لم يعد ممكناً استبعاد انتصار عسكري للمتمردين. ليس وارداً، مع ذلك، إيجاد حل للأزمة يحتفظ بأي دور للأسـد، كما يسعى إلى ذلك الكرملين من أجل عدم إعطاء انطباع بأن "موقفه" يتزعزع تجاه التغيير الحتمي للنظام. الجبهة المعارضة السورية، التي نالت اعترافاً غربياً وعربياً واسعاً كممثل لشعبها، نقلت بشكل لا لبس فيه للإبراهيمي أنها لا تقبل أي دور للطاغية الدموي. بات مصير الأسـد محسوماً بعد حوالى عامين وما يقرب من خمسين ألف قتيل على ما كان قد بدأ احتجاجاً سلمياً ضد نظام ديكتاتوري وراثي. إن مصيره الشخصي، حتى لو بدا في المدى القريب بأنه العقدة المستعصية للحل، يصبح غير ذي صلة بالموضوع بشكل متزايد.
الأمر الأكثر أهمية وفق أية وجهة نظر هو الحيلولة دون انحدار هذا البلد العربي إلى الفوضى المطلقة حالما تتم تصفية نظام الطغيان. إن إطالة أمد هذا الصراع الوحشي، التي ساهم فيها بشكل حاسم عدم فعالية مجلس الأمن ونفاق القوى الغربية، أخذ يحوِّل سوريا إلى مسرح يزداد انفلاتاً، حيث تتحارب مجموعات وفصائل، بعضها جهادية، ذوات أهداف ومشاريع مختلفة. هذا الظرف يجعل من الملح إيجاد تفاهم بين القوى الدولية والإقليمية، يذهب إلى ما هو أبعد من البلاغة اللفظية. كذلك فإن من المهم لروسيا، كما هو لجيران سـوريا وبطبيعة الحال لأوروبا والولايات المتحدة، الحفاظ على وحدة البلاد والحؤول دون أن تقع ترساناتها الكيميائية في أيدي الإرهابيين أو أن يجتاح حمام الدم على نحو مميت لبنان أو الأردن.








http://elpais.com/elpais/2012/12/27/opinion/1356639094_925706.html

Monday 24 December 2012

من قنابل حِمص إلى قنابل حلب





من قنابل حِمص إلى قنابل حلب

مونيكا بريتو – موقع: كوارتو بودير

حلب -(سـوريا): أبو فواز وزوجته مريم افترض كل واحد منهما أن الآخر في عداد الموتى طيلة شهرين لا نهاية لهما. هي، المصابة بشظية في قدمها، بقيت محاصرة جرّاء الهجوم الكبير على حِمص في مستشفى خاص بحي الإنشاءات، بينما كان هو يلتحق، مع أولاده وأحفاده وصهره، بعملية إخلاء المدنيين من بابا عمرو، حيث كانوا يقيمون، عبر النفق الذي قُصِفَ آخر الأمر.
"اعتقدتْ أسرتي أنني كنتُ ميتةً لأن المستشفى تعرض للقصف بعد بعض الوقت ولأن قناصاً كان يوجد في مواجهته" تقول هذا المرأة المعتدة، المتجلببة بثياب سوداء، بينما تلمس مشتتة الذهن الضمادة التي مازالت تغطي قدمها اليسرى."وأنا اعتقدتُ أنهم قد ماتوا لأنني علمت أن الجيش كان قد دخل إلى بابا عمرو. أحدهم أخبرني أن كل العائلة تعرضت للإبادة في المذبحة عندما تم تصفية ستين مدنياً عند نقطة تفتيش عسكرية بينما كانوا يفرون من الحي. عندما استطعنا أخيراً الاستماع إلى أصواتنا في الهاتف، كانت مأساة حقيقية. بالكاد استطعنا الكلام، بكينا فقط".
في الحقيقة، كان سقوط بابا عمرو قبل سبعة أشهر بداية رحلة التغرب لهذه الأسرة المؤلفة من تسعة أعضاء. بعد النجاة من الهجوم على النفق -يؤكد أبو فواز أنه كان واحداً من الذين سحبوا الصحفية الفرنسية المصابة اديث بوفييه- أقاموا لمدة اثني عشر يوماً في بلدة شنشار قبل أن  ينتقلوا إلى بيت في مسكنة قرب حماة، فراراً من هجمات جديدة. لكن مهما هربوا، كان العنف يلاحقهم. في حماة، دخل الجيش إلى البيت الذي يقيمون فيه وعادت الأسرة إلى لملمة مقتنياتها القليلة للاتجاه شمالاً. عندما وصلوا إلى حلب، قبل ثلاثة شهور، كانت المعارك بين الجيش السوري الحر وقوات بشار الأسـد في ذروتها. ولدهم، تشرح مريم وعيناها مغرورقتان بالدموع، أصيب في رقبته برصاصة قناص. بعد أيام قليلة: سيموت جراء الإصابة.
الزوجان وأقاربهما يتقاسمون اليوم طابقاً من ثلاث غرف -لا يزيد عن خمسة وأربعين متراً مربعاَ- في كتلة سكنية بحلب مخصصة لعائلات النازحين. يتعلق الأمر بمائتين من الشقق، ثلاث وسبعون منها يشغلها أناس قدموا من جميع أنحاء البلد، فروا من محافظاتهم وافترضوا أن المدينة التجارية الرئيسية السورية –المنيعة على العنف حتى الصيف الماضي- ستكون المكان الأكثر أماناً في البلد. كان ذلك قبل أن يحتل الجيش السوري الحر الشوارع في صراع عسكري مازال –بعد ثلاثة أشهر ونصف- لم يحسم بعد.
ما من قطعة أثاث تزين غرف أبو فواز، حصيرتان فقط في الغرفة التي تمثل غرفة المعيشة وغرفة النوم. في غرفة ملحقة، تشي بعض الصُرر بوضعهم كنازحين. المسؤولون عن المكان يروون أن سوريين أثرياء في الخارج، متعاطفين مع الثورة الأولية، يدفعون دورياً نفقات المائتي منزل المخصصة للذين، مثل أبو فواز وأسرته، فقدوا كل شيء. "منزلنا سُوي بالأرض. تخلينا عن حصر الأضرار بعد سقوط القنبلة الثانية من الطيران وبعد قذيفة الهاون الثالثة".
فيما يخص السلع الأساسية، لا أحد يقوم بتغطيتها. "نعيش على الإحسان والتبرعات الخاصة"، يواصل الرجل البالغ من العمر واحداً وخمسين عاماً، الجالس متربعاً بينما ولده الصغير عارف، البالغ اثني عشر عاماً، يتابعه بنظراته. "منذ شهر لم نعرف طعم اللحم. قبل بضعة أسابيع، كانت هناك أيام ما أكلنا فيها إلا الخبز، وفي أحد تلك الأيام لم نأكل شيئاً طيلة اليوم" بالرغم من ذلك، تصر الأسرة على تقديم الشاي الساخن للزوار متبعة سنن الضيافة العربية.
المساعدة الوحيدة التي يتلقاها النازحون يقوم بتوزيعها جهاد أبو محمد في مدرسة مجاورة، حيث عشرة من صناديق الطحين والخميرة ذات المصدر التركي تتكدس في زاوية بانتظار حملها إلى الأسر المحتاجة. "كل المساعدات الإنسانية نحضرها من تركيا" يوضح لنا جالساً خلف مكتب في ما كان يجب أن يكون غرفة سكرتارية هذا المركز. تم تحويل المكان إلى نقطة توزيع مساعدات في أواخر تموز| يوليو، أوائل رمضان، عندما شن الجيش السوري الحر -الذي يشارك أعضاؤه في تحمل المسؤولية في المدرسة- هجومه.
"في البداية أقام الناس في منازل خاصة، لكن جاءت لحظة لم تعد تكفي فيها وبحثنا عن منشآت أوسع" يواصل أبو محمد. "في هذا الحي لدينا خمسمائة أسرة، ونقدِّر أننا قدمنا المساعدة إلى ألفي أسرة أخرى (حوالى عشرة آلاف شخص وفق أدنى التقديرات) فقط في هذا الجزء من المدينة" يقول مشيراً إلى حي كرم الجبل. الوضع في تدهور كامل: وفق تقديرات المكتب الإنساني للأمم المتحدة، فإن عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة إنسانية من أجل البقاء سيتجاوز العدد الحالي المُقدر بمليونين ونصف مليون إلى أربعة ملايين في العام القادم. وعدد اللاجئين خارج سوريا، أربعمائة ألف حالياً، يمكن أن يصل إلى سبعمائة ألف في أواخر عام 2012 والنازحون الداخليون يُقدر عددهم بمليون ونصف مليون.
عمليات القصف التي يقوم بها النظام ضد الصفوف من أجل الخبز، المنتشرة في كل المدينة نظراً للنقص الحاصل، حولت هذا المنتج إلى الأكثر طلباً في المركز. "نقدر أن ثلاثمائة شخص ماتوا منتظرين في الصفوف أمام المخابز" يقول جهاد. "هذا ما يفسر أن كثيرين يفضلون المجيء إلى هنا للحصول عليه قبل الذهاب إلى المحال التجارية. في الشهر الأخير، كانت تحضر ثمانون عائلة إلى المركز فقط من أجل البحث عن الخبز". وجود هذه المدرسة ضروري من أجل إعداد هذه السلعة الرئيسية، ذلك أنها توزع الخميرة. "إذا حدث شيء ولم يستطع الخبازون الحصول عليها، لن يكون هناك خبز في اليوم التالي" يقول هازاً كتفيه.
أوجه القصور الأساسية في المركز، حسب ما يقول المسؤول عنه، هي حليب الأطفال والأدوية. أسرة فادي تضيف حفاظات الأطفال إلى القائمة بينما يتعلق ابنهم عمر بجهاز التلفزيون حيث تبث قناة تلفزيونية سورية معارضة صور جثث مضرجة بالدماء. "الحقيقة، نحن نحتاج كل شيء. لا أعلم كيف سمنضي فصل الشتاء" يتمتم مضيعاً التعبير. في البيت الذي يشغلونه، المكون من غرفتين، رائحة البول تفوق كل ما عداها. ربما كان ذلك عائداً لكون المنزل في الطابق الرئيسي من البناء. الظروف المعيشية ليست صحية.
كل حياة الطفل الصغير عمر كانت محكومة بالهرب. بعد شهر من ولادته غادروا منزلهم، الواقع في حي باب السباع، في حِمص، بسبب مضايقات القوى الأمنية. "علويو الأحياء المجاورة كانوا قد ارتكبوا مذابح ضد المدنيين، وكانت هناك شائعات عن أن الدبابات تحتشد للدخول إلى الحي. هربنا، نحواً من مائة أسرة، وبقيت واحدة فقط في الحي".
فادي، البالغ سبعة وثلاثين عاماً، وزوجته وابنه استقروا مؤقتاً في دير بعلبة، البياضة والوعر قبل التوجه إلى حلب. " قيل لي إنهم في حلب يضعون بيوتاً تحت تصرف اللاجئين من حمص وقررنا أن نجرب الأمر، والداي لجأآَ أيضاً إلى هنا وأفضِّل أن أكون قريباً منهما" يشرح فادي. "المشكلة أنه لا أحد من الأسرة بقي لديه مال".
في ممرات البناء ذي الشقق البسيطة، تتوالى العبارات المدهونة على الجدران ضد النظام. "يلعن روحك يا حافظ" تقول واحدة. "ارحل، كلب إيران" تقول أخرى مشيرة إلى بشار. "الله يحمي الجيش الحر". واحدة أخرى تفصل: "ملعون يا حافظ، ملعون من جاء بك إلى هذا العالم، ملعون من يؤيدك". من أحد المنازل يخرج يوسف، الخياط ذو الواحد والأربعين عاماً، وهاتف جوال في يده. يدخل ليرينا منزله على أمل أن تجلب الشكوى مساعدة، "كنت مستعداً لبيع هاتفي الجوال من أجل الحصول على الطعام" يقول خجلاً. "قبل عشرين يوماً، تهدم منزلي. أدت قذيفة إلى سقوط الطابقين العلويين فوق منزلنا وهدمه. أعطونا حينذاك نصف كيلو من اللحم والشاي، كيلو من السكر وآخر من الطحين، كلها نفدت ولم يبق لدي ما أطعم به أسرتي، نحتاج إلى الكهرباء، الثياب، أواني الطبخ، نحتاج كل شيء. لا أعلم حتى من أين أبدأ"  يقول يائساً محطماً.
"لم أكن مع الثورة ولا مع النظام. أريد فقط أن يتركونا نعيش" يضيف.
يؤكد فادي أنه في الأسابيع الأولى من المظاهرات، في آذار| مارس 2011، لم يكن يتعاطف معها إطلاقاً. " كنت أفكر: لكنْ ماذا يريدون؟ لم أتدخل مطلقاً في السياسة، ولم أكن أفهم لماذا يريدون للأشياء أن تتغير. لكن أصدقائي لم يكونوا يفكرون بطريقة مماثلة وكانوا يخرجون في المظاهرات". عندما سقط ثلاثة منهم صرعى بطلقات الجيش، قرر الرجل الانضمام إلى الاحتجاجات. "لو كنت أعلم أن كل هذا الدم سيسيل، لكنت ساندتهم منذ البداية. يحكمنا مجرمون ويجب علينا أن نتخلص منهم. سننتصر وسوف ينال من فعل بنا هذا ما يستحقونه على أيدينا" يخلص قائلاً بنبرة انتقامية.
"أنا، في البداية، لم أكن أؤيد الثورة، إلى يوم أن جاءت قوى الأمن إلى منزلي وأخذوا أشقائي. عندما أطلق سراحهم، قررنا الانضمام إلى الثورة" يقول أبو فواز. الذي يؤكد أنه فقد، من القرابة القريبة والبعيدة، ثمانية عشر عضواً من عائلته، بمن فيهم اثنان من أولاده: فواز، ثلاثة وعشرون عاماً، ومحمد، ثمانية عشر عاماً. زوجته وواحدة من بناته أصيبتا في القصف. "أنا مستعد الآن للموت، مع كل أسرتي، في سبيل إسقاط هذا النظام الذي لشد ما أكرهه". لكن النسوة لا يشاركنه هذا الرأي. زوجة فادي، أم عمر، تؤكد أنها، في بعض الأحيان، تحن إلى الزمن الماضي. "في السابق لم يكن لدينا أمل لكن كان لدينا أمان. الآن لدينا أمل لكن ليس لدينا أمان" تحاول أن توضح. أم فواز هي الوحيدة التي تتنكر للثورة بشكل صريح "ليس هناك ثورة تستحق تقديم حياة أولادي" تقول والدموع في عينيها. 





http://www.cuartopoder.es/elfarodeoriente/de-las-bombas-de-homs-a-las-bombas-de-alepo/3585

Friday 21 December 2012

الدائرة تضيق حول الأسـد




الدائرة تضيق حول الأسـد

خيسوس نونييث بيَّابيردي – صحيفة الباييس الإسبانية


أي تنبؤ حول حل الأزمة التي تعانيها سوريا منذ اثنين وعشرين شهراً لا يزال أمراً محفوفاً بالمخاطر، لكن بات جلياً الآن أن كفة الميزان تميل بشكل متزايد لمصلحة من يسمون بالثوار. سواء في الميدان السياسي أو في الميدان العسكري -المترابطين بشكل لا فكاك منه- تتراكم الأخبار التي تشير إلى أن الدائرة أخذت تضيق حول نظام مصمم على المقاومة مهما كلف الأمر، واعياً أنه بالنسبة إلى المدافعين عنه فإن الأمر يتعلق بحرب حياة أو موت.
في الميدان السياسي تتوالى الاعترافات بالائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، مع رجل الدين المسلم معاذ الخطيب على رأسه (رغم أن الشخصية المحورية فيه هي نائب رئيسه رياض سيف). بعد انطلاقته في الاجتماع المنعقد في الدوحة (11 تشرين الثاني| نوفمير)، في محاولة جديدة لتوحيد قوى المعارضة، فإن مجلس التعاون الخليجي وتركيا، فرنسا وبلدان أخرى من الاتحاد الأوروبي، ومؤخراً الولايات المتحدة وبقية البلدان الثمانين المكونة لمجموعة أصدقاء سوريا، أخذت تضفي الطابع الرسمي على تسميته ممثلاً وحيداً (للشعب السوري). على الصعيد الداخلي، الأكثر أهمية هو أن الائتلاف قد تمكن من دمج المجلس الوطني السوري (منبر المعارضة السابق) وأضاف ممثلين عن المحافظات الأربع عشرة في سوريا، وكذلك ممثلين أكراداً، وحتى ممثلا علوياً. كان هذا بالتحديد هو التحدي الرئيس لمعارضة كانت حتى ذلك الحين منقسمة بشكل خطير -مع غالبية من المنشقين المنفيين ووزن ملحوظ للفرع المحلي من الأخوان المسلمين-، الأمر الذي كان يُترجم إلى ميزة لمصلحة النظام وإلى مقاومة ملحوظة لحكومات عديدة لقرار تقديم المساعدة لهذه المعارضة.
في موازاة ذلك، يبدو أن هناك تعزيزاً لعملية جمع المجموعات المسلحة المختلفة حول مجلس أُسِس في اجتماع تم عقده في أنتاليا (تركيا) في الخامس من شهر كانون الأول| ديسمبر. القادة الـ 550 الثائرون الذي حضروا الاجتماع المذكور اتفقوا على إنشاء هيئة  قيادية مؤلفة من ثلاثين عضواً، مع العميد سالم إدريس قائداً عسكرياً. يجدر بالذكر أيضاً أنه لا جماعة جبهة النصرة (المصنفة إرهابيةَ من قِبل واشنطن) ولا أحرار الشام (الجهادية) كانتا مدعوتين للقاء.
إذا تم تطبيق هذا القرار بشكل عملي، فإن بوسعنا أن  ننتظر زيادة ملحوظةً في القدرات القتالية لقوات لم تكن قد حققت حتى الآن تنسيقاً فعالاً في جهودها للإطاحة عسكرياً بنظام مازال يحتفظ، على وجه الخصوص، بتفوق جوي واضح. على أية حال، إذا كانت هذه المجموعات المسلحة، إلى ما قبل شهور قليلة، مُكَوَّنةَ بالكاد من تلك المجموعات من المنشقين سييء التسليح، فإنها اليوم تضم مقاتلين من خلفيات مختلفة، عرقية أو دينية أو ايديولوجية، مع خبرة مهمة متراكمة في حرب غير نظامية ومع ترسانة متطورة تحتوي قطعاً من المدفعية وحتى MANPADS (أنظمة دفاع جوية محمولة).
ليس مستغرباً أن تُوَلِّدَ هذه السلسة من الأحداث قلقاً عميقاً لدى النظام، بالقدر الذي يلاحظ، علاوة على ذلك، عجزه عن كبح ديناميةٍ تُفاقم من الأزمة الاقتصادية وتنتقص من وسائل دعم مقاومته (سيطر الثوار على عدة حقول نفطية في شرق البلاد ووسعوا نطاق عملهم حتى العاصمة والطريق الحيوي باتجاه البحر المتوسط). كرد فوري، من جانب أول، بدأ المبعوثون الخاصون للأسد بالاتصال مع بعض الحكومات الأمريكية اللاتينية بغية استطلاع إمكانية توفير ملاذ للرئيس السوري والدائرة الأكثر قرباً منه، في حال هزيمته في نهاية المطاف. من جانب آخر، عادت دمشق لنشر التهديدات حول استعمال ترسانتها الكيميائية -مشيرة إلى جاهزية الصواريخ المحملة برؤوس كيميائية- بالرغم من عدم تخليها عن موقفها الرسمي بأنها لن تستخدم هذه الأسلحة أبداً ضد السكان المدنيين.
أكثر من كونها تهديداً حقيقياً –مستبعداً جداً بالنظر إلى الصعوبات التقنية الهائلة في استعمالها، والأثر الضعيف الذي قد يكون لها ضد ثوار لن يكونوا بسهولة هدفاً مريحاً في أي وقت من الأوقات، والإدانة الدولية الإجماعية التي ستزيد من صعوبة محافظة موسكو وبكين وطهران على دعمهم لنظام سيتم توصيفه على أنه مرتكب للإبادة الجماعية- فإنه بوسعنا تفسير تلك الشائعة على أنها محاولة لثني المساندة الخارجية الممكنة للائتلاف المعارض والمجلس العسكري عن المضي قدماً تمويلاً وتسليحاً. في هذا السياق، يجب تفسير الإجراء المتخذ من حلف الأطلسي بنشر بطاريات صواريخ مضادة للصواريخ (باتريوت) على الأراضي التركية، استجابةً لطلب قدمته تركيا، يجب تفسيره على أنه، في الآن نفسه، رسالة رادعة إلى دمشق ورسالة دعم تجاه تركيا التي لم تكن قد استلمت حتى الوقت الراهن إشارات إيجابية بما فيه الكفاية من الحلف (لا عند إسقاط المقاتلة التركية من قبل القوات المسلحة السورية ولا بعد الهجمات العرَضية التي تبعته).



http://elpais.com/elpais/2012/12/17/opinion/1355752132_225334.html

Sunday 16 December 2012

سوريا، نهاية النفق




سـوريا، نهاية النفق

لويس باسيتس – صحيفة الباييس الإسبانية


الثورة السورية نفق طويل، لا نهاية له، أكثر طولاً من أي واحد آخر في فترات الحداد والدم التي دخلت فيها البلدان التي أطاحت بالديكتاتوريات في الجغرافيا العربية. مضى عليها الآن واحد وثلاثون شهراً، منذ أن انطلقت شرارتها الأولى، وحصيلتها مخيفة، أكبر بكثير من تلك التي تمخضت عنها حرب تحرير ليبيا، المتمثلة في ما بين 10000 و15000 حياة بشرية مفقودة وفق تقديرات الأمم المتحدة. سوريا تتجه نحو رقم أربعين ألف ضحية، مليونين من النازحين من منازلهم، نصف مليون من اللاجئين، وقدراً من دمار المدن والبنى التحتية والتراث، لا يمكن إصلاحه في حالات كثيرة.
المواجهة الطويلة شديدة القسوة بين النظام والمعارضة هي حرب استنزاف حقيقية، ينتصر فيها من يمتلك قدرة أكبر على الصبر والتحمُّل. أظهرت المعارضة بوضوح أنها لن تنثني، بالرغم من التصعيد العسكري الهادف لإخماد حركة بدأت مجرد مظاهرات مدنية في كل أيام الجمع، تحولت سريعاً إلى ثورة عنيفة مع هجمات على مراكز الشرطة ومرافق رسمية وانتهت كحرب أهلية مع  كتائب عديدة،  جيدة التجهيز والتنظيم، تتمكن من تحرير أراض واحتلال مرافق عسكرية بطريقة ثابتة.
المقاومة التي أظهرها النظام مذهلة أيضاً، في وضعه أمام جبهتين، عسكرية داخلية وديبلوماسية دولية، فيما يضيق حصاره وتتزايد عزلته. تفسير ذلك لا يتم إلا بالإحالة إلى سمته كديكتاتورية عسكرية، مجهزة جيداً لمهام مروعة كالتي يقوم بها حالياً، والمساعدات من روسيا وإيران، والتصميم والقسوة للمجموعة القائدة حول طبيب العيون القديم بشار الأسـد، الذي رباه والده وسلفه، حافظ الأسد، للدفاع حتى الموت عن السلطة الأُسَرِيَة   العلوية المُستولى عليها عام 1970. تلك هي العناصر التي ضمنت حتى عام2011 الاستقرار الحجري لبلد أقليات، تتمحور حوله كل عوامل التوتر والمصالح التي تعبر الشرق الأدنى: شيعة وسنة، صهيونية وقومية عربية، أصولية وعلمانية، بل تُشاهد فيه، كظلال، القوى التي تواجهت قديماً في الحرب الباردة، من جانب أول موسكو ومن الجانب الآخر واشنطن.
يؤخذ في الحسبان أيضاً عجز المجتمع الدولي عن التصرف كما فعل في ليبيا. لقد أخفقت محاولات فتح الطريق باتجاه إقامة منطقة حظر جوي أو حماية السكان المدنيين، التي تتطلب قراراً من الأمم المتحدة من أجل توفير غطاء قانوني لاستخدام القوة التي ستسمح بتطبيقه. موسكو وبكين ليستا مؤيدتين لهذا، لكن بلداناً أخرى كثيرة تعتبر أن المهمة التي قادها الناتو تجاوزت التفويض الدولي مع عمليات قصف لم تكن في سبيل حماية المدنيين وإنما لتوجيه الحرب في مصلحة الثوار. تلك السابقة أرخت بثقلها ضد إعادة اللعبة الليبية وألجأت إلى تصوُّر حل كذلك الذي طبق في كوسوفو، بدون تفويض دولي جراء موقف موسكو.
في غياب القرار، أخذت الحرب الأهلية السورية تدخل في مرحلة جديدة، يعتبرها البعض حاسمة. النظام فقد السيطرة الأرضية على مناطق واسعة من البلاد، بما فيها ضواحي من العاصمة دمشق. المجموعات المسلحة حققت نجاحات عسكرية صغيرة، كالاستيلاء على أكثر من دزينة من قواعد الجيش، مع مرفقاتها من السلاح، أو قطع نشاط المطار الدولي في دمشق. وفق بعض المراقبين، فإن الدولة المسيطر عليها من بشار الأسـد على وشك التحول إلى فصيل مسلح آخر من بين الفصائل الكثيرة التي تقاتل، حتى بين بعضها البعض أحياناً، للسيطرة على الأرض.
على الصعيد الدولي هو نظام متعفن، قادته بالكاد يستطيعون التحرك من داخل عاصمتهم. اجتماع البارحة في مراكش، الذي اعترفت فيه أكثر من مائة دولة بالهيئة الجديدة الموحدة للمعارضة، المدعوة بالائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، هو صفعة للأسد تفتح طريقا جديداً نحو سقوطه. هذا الطريق قد يكون تحرير جزء من الأرض الوطنية، وإقامة حكومة مؤقتة وفتح طرق الإمداد الدولي للأسلحة والمعونة من أجل حل أزمة الحرب على أيدي السوريين حصرياً، بدون عمليات قصف ولا جنود أجانب.
رغم عدم الوصول إلى هذه النقطة بعد، فإن التوحد والاعتراف الدولي بالمعارضة واستثناء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لمجموعة مقاتلة قريبة من القاعدة، تبدو أنها الخطوات السابقة على الإمداد بالأسلحة الثقيلة التي تحتاجها المعارضة من أجل الدخول في مرحلة أكثر حسماً. كثيرة هي الشكوك والأخطار التي ما زالت تترصد السوريين في نفقهم، لكن الآن فقط تُلحَظ بقعة ضوء تعلن نهايةً عسى أن تكون أكثر قرباً مما نعتقد.





http://internacional.elpais.com/internacional/2012/12/12/actualidad/1355342358_334767.html