Tuesday 22 January 2013

الطاغية بانديراس والطغاة العرب




الطاغية بانديراس* والطغاة العرب

خوان غويتيسولو – صحيفة الباييس الإسبانية




يمكن قراءة وتفسير سقوط الطغاة العرب على ضوء رواية "الطاغية بانديراس" وسلالتها الخصبة -من "ظل الزعيم" لمارتين لويس غوثمان إلى "أنا الأعلى"، "خريف البطريارك"، "حفلة التيس" وحفنة من الروايات الأخرى-. التنوع في الأحوال التاريخية التي ألهمت هذه الروايات ينعكس في طائفة من الطروحات الأدبية. لكن بينما مات الطغاة على الجانب الآخر من الأطلسي في أَسِرَّتهم والبعض منهم وهم مازالوا متشبثين بالسلطة، نجد الآخرين في ما يُسمى ربيع 2011، وقد هرب أحدهم على وجه السرعة بعد عشرين يوماً من الاشتباك، وقبع الآخر في السجن، وأُعدِم الثالث من غير محاكمة، وتوارى الرابع بعد عملية تفاوضية عسيرة ومميتة. أما الخامس، الذي ما يزال باقياً في مكانه على حساب حرب أهلية بعشرات الآلاف من الضحايا، فسأتناوله لاحقاً.

إن موت سانتوس بانديراس في قلعة سانتا في الاستعمارية، عندما سقط ممزقاً برصاص الثوار بقيادة فيلومينو كويباس، أكثر شبهاً بموت القذافي، سواء من حيث المسرح الذي يستدعيه سور الساحة الخضراء حيث كان العقيد الليبي الراحل يخطب في مؤيديه، أو من حيث نهايته العنيفة. يكثِّف بايي إنكلان في يومين قصة الإطاحة الديكتاتور ولا يعالج مشكلة ما أو من سيكون بعده. الأسئلة التي نطرحها اليوم بشأن تونس، مصر، ليبيا واليمن هي تلك التي يصوغها خوان رودريغيث في مقدمته النقدية المتميزة لرواية بايي إنكلان في النسخة الموجودة بين يدي: "ماذا يحدث عند موت الطاغية؟ من يتولى إدارة انتصار الثورة".

عندما بدأتْ مظاهرات الاحتجاج السلمية في درعا عقب قتل أحد المراهقين بسبب "جريمة" الكتابة على الجدران ضد النظام، كانت استجابة الحركة الشعبية على نهج الربيع العربي. كان باستطاعة بشار الأسـد اختيار التفاوض مع المعارضين بغية إنجاز عملية انتقال ديموقراطية متفق عليها -كتلك التي يمثلها روكي ثيبيدا في رواية بايي إنكلان- لكنه ترك فرصة الحصول على منفى مريح تفلت منه، واتبع نموذج القمع الوحشي لوالده قبل ثلاثين عاماً، فلجأ إلى قوة السلاح. بدايةً، بطلقات البنادق على المتظاهرين، ووفقاّ لازدياد عدد هؤلاء وتصميهم، بواسطة المروحيات وصواريخ سكود والقصف بالطائرات. لقد سلَّح كذلك آلافا من أبناء ملته العلويين -الشبيحة ذوي الصيت الشائن الذين يقودهم أبناء عمومته- واستثار بذلك ثورة عامة، صمدت، بالرغم من تسليحها الفقير، بفضل الانشقاقات العديدة والمتزايدة للضباط والجنود من الأغلبية السُنية. في صيف 2011، تحولت الانتفاضة في مدن ومناطق سورية مختلفة إلى حرب أهلية قاسية. أتباع فيلومينو كويباس في الطاغية بانديراس كانوا يعدون بالعشرات. رؤوساء وقادة الثورة يطالبون بالإطاحة بسلالة الأسـد الحاكمة التي أغرقت بالدماء التطلعات إلى الحرية.

حتى خريف العام نفسه كان اتجاه الأحداث مشابهاً لتلك التي جرت في ليبيا واليمن، متجاهلاً حقيقة أن كل بلد من بلدان الكشكول العربي له تاريخه الخاص، وهياكله السياسية والدينية، ومجتمعه المندمج أو القَبَلِي إلى هذه الدرجة أو تلك. أتذكر أن تفاؤلي في ذلك التاريخ -كانت قناعتي أن أيام النظام السوري معدودة-، عارضه محقاً ديبلوماسي إسباني، مطلع جيداً على التعقيد الاثني والديني الذي تم توحيدة من قبل حزب البعث قبل ستين عاماً، بتشكك حذر. لقد جادل بأن الأقلية العلوية التي تنتمي إليها عشيرة الأسـد، الأقلية التي تحتكر كل السلطة العسكرية والسياسية، سوف تحافظ على تماسكها، وتحظى بدعم متحفظ من الطبقة الوسطى المدنية ومن الأقليات الدينية الأخرى، الخائفتين كليهما من مرحلة ما بعد أسدية تحل فيها ثيوقراطية شبيهة بالسعودية محل الدولة العلمانية.

في "رحلاتي الدمشقية" المنشورة على صفحات هذه الجريدة (11-7-2010) لاحظتُ أنه إذا كانت النزعة القومية الوحدوية العربية للبعث قد تحولت إلى المعقل الطائفي لعشيرة، فإنها حافظت على الأقل على التعايش بين الأغلبية السنية والمجتمعات الشيعية، المسيحية، الكردية، والدرزية بخلاف صراع الطوائف الدموي الذي تغذى ويتغذى على المدنيين العزّل في العراق. اليوم، أصبح هذا التعايش السلمي متداعياً. المواجهة بين الفرعين الرئيسين للإسلام تتبع نمط الأحداث في البلدان المتجاورة. فبينما يحظى الثوار السُنة بدعم تركيا ومصر والعربية السعودية، يبقى الأسـد في السلطة بفضل إيران والتواطؤ المستتر بالكاد من حكومة المالكي العراقية ولبنانيي حزب الله. أسوأ من ذلك بعد، يُخشى أن تمتد الحرب إلى كامل الشرق الأدنى وأن تحرقه في حال حدوث هجوم استباقي من إسرائيل على إيران. العالم كله يمكن أن يخرج خاسراً في هذا التدويل للأزمة: تركيا، جرَّاء دعم الأسـد لمتمردي حزب العمال الكردستاني، لبنان مع حرب أهلية طائفية جديدة؛ الأردن مع زعزعة الاستقرار الناتجة عن سيل اللاجئين السوريين؛ إسرائيل بسبب تصلب بيئتها المحيطة المعادية (تركيا، مصر) الناتج عن احتلالها الاستعماري عديم الرحمة للأراضي الفلسطينية (استراتيجية انتحارية على المدى المتوسط أو البعيد).

سـوريا اليوم هي ساحة معركة يتواجه فيها متطوعو جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، الباسداران الإيرانيون وعناصر من ميليشيات حزب الله مع المتطوعين الإسلاميين القريبين من الأخوان المسلمين ومتطرفين من القاعدة (ما يغذي دعاية الأسـد حول الهجمات الإرهابية المفترضة و"المؤامرة الأمريكية الصهيونية"). كما في يوغسلافيا السابقة قبل عشرين عاماً، لم يعد السوريون يُعَرَّفُون بانتمائهم إلى دولتهم وإنما بانتمائهم الديني، وكما في البوسنة، فإن تدويل الأزمة يؤثر على القوى الكبرى وعلى من في حمايتها: مواجهةً بين الولايات المتحدة وروسيا، مورد الأسلحة الرئيسي للأسـد؛ بين العربية السعودية ومَلَكيات النفط الخليجية وإيران آيات الله. على خلفية الفظاعات التي يرتكبها يومياً جيش وشرطة وقَتَلَة الديكتاتور نرى تكراراً للتناقضات والنفاق من المجتمع الدولي. من واشنطن التي تدعم الثوار السوريين رغم تحالفها مع طهران والتي، كالاتحاد الاوروبي العاجز والجامعة العربية البائسة، تقتصر على التنديد بالإيماءات والكلمات بالمصير البائس الذي يحل بالسكان المدنيين على يدي البرودة الدموية للأسـد. وإذا ما تعمقنا أكثر في تلك الصهارة المربكة؛ من ذا الذي يعتقد أن العربية السعودية وأمراء الخليج يناضلون من أجل الديموقراطية بينما هم يجسِّدون المثال الأسوأ للثيوقراطيات في عالم الإسلام؟

فلنعد إلى البداية: مع تشبثه بالسلطة، أشعل الأسـد النار في وطنه على حساب أكثر من ستين ألف ضحية. وبخلاف سانتوس بانديراس فإنه لم يهلك في يوم واحد: فهو، اليوم، لا يزال في قلعته في سانتا في محاصراً بشكل تدريجي، لكن مصيره النهائي -إما بالهروب غير المشرِّف إلى روسيا، أو الإعدام من غير محاكمة على طريقة القذافي، أو بالمثول على طريقة ميلوسوفيتش أمام محكمة الجنائية الدولية- بات محسوماً.







* الطاغية بانديراس: رواية للكاتب الإسباني رامون ديل بايي إنكلان، تصف سلوك ديكتاتور أمريكي جنوبي هو سانتوس بانديراس وبداية حركة شعبية تنتهي بإسقاطه.

















http://elpais.com/elpais/2013/01/16/opinion/1358353718_679710.html

Sunday 20 January 2013

الشتاء ونقص الذخيرة يجمِّدان الجبهات في معركة حلب




الشتاء ونقص الذخيرة يجمِّدان الجبهات في معركة حلب

انتونيو بامبلييغا – صحيفة الباييس الإسبانية


حلب (سـوريا): الأبنية تبكي أنقاضاً وتنزف زجاجاً على أرض لم تعد تستطيع الاستمرار في ابتلاع المزيد من الأنقاض والدمار. هذا هو المشهد الكئيب في كرم الجبل، أحد أحياء حلب، عاصمة سوريا الاقتصادية. اللونان الرمادي والأسود يصبغان السماء وجدران الأبنية الكبيرة المنقوشة بالخروق الناتجة عن الشظايا. إنه، ربما، واحد من الأحياء الأكثر معاناة من مدفعية النظام السوري في مدينة حلب. "هنا استعملوا كل شيء، من الطيران حتى المدفعية الثقيلة مروراً بالهاون والمروحيات وبراميل الـ تي ان تي" يعلق عبد الله، الناشط السوري. الصمت يقطعه  صوت المياه  المتدفقة من الأنابيب المثقوبة بفعل شظايا القذائف.
"بعض السكان عادوا إلى بيوتهم، لكنهم قليلون جداً. الحي خالٍ بشكل كامل، إنه الأكثر شبهاً بمدينة أشباح"، يؤكد أبو حسن، المقاتل الشاب الذي يرافق الصحفي (كاتب التقرير) في عدة شوارع من هذا الحي. "منذ أسابيع والجبهات ساكنة، ليس لدينا ذخيرة لشن هجمات، وهم متفرغون لقصف مواقعنا بشكل متقطع. لكن في الأيام الأخيرة بالكاد تبادلنا إطلاق النيران. الشتاء جمَّد الحرب..."، يقول جازماً وهو واقف أمام حافلة حمراء، نوافذها أصبحت هشيماً، موضوعة في منتصف الشارع.
على بعد خمسمائة متر، في حي العرقوب، الحالة أسوأ. هياكل من المعدن والحجارة مشقوقة طولياً، مبعثرة في الجادّة. وضع الجيش السوري الحر عدداً من شاحنات القمامة كمتاريس مرتجلة، بالإضافة إلى ساتر ضخم -مليء بثقوب صغيرة من الرصاص-يمتد بين جانبي الشارع من أجل إعاقة رؤية القناصة الذين وضعهم النظام في عدة بنايات في هذه المنطقة. الرصاصات تصطدم بجدار قريب.."منذ أسابيع لم نتحرك من مكاننا، ولا حتى أطلقنا النار. هم يطلقون النار بين الحين والآخر، لكنني أعتقد أنهم يفعلون ذلك بسبب الملل ولأنهم يريدون تذكيرنا بأنهم مازالوا موجودين هناك"، يعلق أحمد، الأكثر تمرساً من بين مجموعة من الجنود الثائرين الذين يدفئون أيديهم الخشنة بمدفأة تنفث ألسنة لهب مخيفة.
الرصيف  في الشارع الرئيسي في منطقة "عزيزة" أصبح موحلاً جراء الأمطار الهاطلة أخيراً. برك كبيرة تولدت بفضل الحفر التي صنعتها قذائف الهاون. "مضت علينا خمسة شهور في هذا المكان، إنه موقع استراتيجي لأنه من هنا يُحصل على رؤية كاملة للطريق الذي يصل المطار بالمدينة. إنه الطريق الوحيد الذي يملكه النظام لتحريك الإمدادات والذخيرة والجنود إلى المناطق الواقعة تحت سيطرته"، يؤكد قائد إحدى الكتائب. "إذا قطعنا الطريق حكمنا على النظام بالهزيمة، لكن الأمر معقد جداً لأنهم وضعوا ثلاث نقاط تفتيش في الطريق مع أكثر من خمسمائة جندي ونصف دزينة من العربات المصفحة"، يشرح لنا. تحوَّل مطار حلب إلى ميزان حرارة يقيس حرارة المعركة على المدينة، المنتصر سيخطو خطوة مهمة نحو النصر النهائي.
بالعودة إلى قلب المدينة، في حي العامرية، فقد استطاع الثوار التقدم بمواقعهم. إلا أن حالة الحي مروعة. وإذا كانت أكثر من دزينة من البنايات بقيت قائمة على قدميها، فتلك معجزة. بنايات منهارة بشكل كامل تتناثر على الأرصفة. المتاريس والأكياس الرملية في كل مكان  هي شواهد صامتة على واحدة من الجبهات الأكثر ضراوة في هذه الحرب. "تمكنا من تحريك الجبهة عدة كتل  في الشهرين الأخيرين"، يعلّق أبو مصطفى مشيراً بإصبعه باتجاه الغرب. الثمن المدفوع للتقدم عدة مئات من الأمتار كان الدمار العملي لكامل الحي وعشرات من الجنود القتلى. "ثمن قليل إذا أخذنا في الحسبان أننا استطعنا طرد جنود النظام من الحي وأوهنِّا روحهم المعنوية لأننا بالكاد بدون أسلحة واستطعنا الانتصار"، يختم كلامه. 
إذا كانت العامرية هي الوجه، فإن سيف الدولة هي القفا في هذه المعركة بالنسبة إلى الثورة. هنا خسر الثوار بعض الأرض بالمقارنة مع شهري أيلول| سبتمبر وتشرين الأول| اكتوبر. "في الليل تكون المعارك شديدة الضراوة ويقصف الجيش خطوطنا الخلفية، نحن أيضا نستعمل الهاون في الرد عليهم، لكن الوضع يسوء كل يوم"، يؤكد أحد الثوار. "في بعض المناطق استطعنا طرد العديد من القناصة، لكنهم ازدادوا قوة في شوارع أخرى"، يعلِّق بينما يتابع طريقه نحو الخط الأمامي.
في الليل، ذيول الصواريخ تمخر السماء وتُسمع الانفجارات بشكل واضح في الحي. تدمرعشر من القذائف سلام السكان الذين عادوا إلى هذا الحي. والثوار يردون على الهجمات بنيران الرشاشات والأسلحة الخفيفة. في الليل، تتأجج المعارك.
سلوك الشوارع التي تقود إلى صلاح الدين -واحد من أوائل الأحياء في حلب حيث اندلعت المعارك- هو توغل في مدينة مليئة بالحياة، لكن الحياة أخذت تخلي مكانها شيئاً فشيئاً للظلمة التي تشكلها الأبنية. النهار رمادي وبعض أشعة الشمس الخجولة فقط تقع على الأنقاض التي تفرش الشارع. "منذ شهر تقريباً ونحن لا نتقدم، والسبب هو أنه باتجاه الشمال يعيش مئات المدنيين والنظام يستخدمهم دروعاً بشرية، إذا هاجمنا فمن الممكن أن نقتل الكثير منهم، ولهذا قررنا الذهاب نحو الغرب للإحاطة بهم من الخلف"، يؤكد الشاب سمير، ذو السبعة عشر عاماً.
في حي الإذاعة، هناك تعادل بين جنود النظام والثوار. "من هذه البناية نسيطرعلى مواقعهم من أجل تمرير المعلومات إلى جنودنا، نحاول تحديد مواقع القناصة من أجل تنظيف المنطقة والتقدم بمواقعنا"، يعلق أبو ياسر. "الهدف هو محاولة الاستيلاء على مركز المدينة لأن النظام سيخسر حلب؛ حاولنا شن  هجوم ما وراء خطوط السكة الحديدية لكن قناصة النظام يوقفون أي هجوم، لذلك قررنا تطهير المناطق من الرماة وبعد ذلك الاستيلاء على مركز المدينة للهجوم"، يقول مؤكداً.
في المدينة القديمة، شبعت الحرب من التهام الكثير من الأبنية. في الطريق إلى الخط الأمامي للقتال تُسمع أصوات الطلقات بوضوح. الشوارع مقفرة والأرض مفروشة بالقمامة وفوارغ الطلقات المتفرقة. "لا نستطيع هدر الذخيرة. ولهذا فالجبهة ساكنة. منذ أكثر من أسبوعين لم نتقدم ولا شبراً واحداً على الأرض وهم ليسوا مستعدين لمغادرة مواقعهم لمهاجمتنا"، يعلِّق أبو فراس.
"الجيش لا يريد استخدام المشاة ضدنا لأنهم يعلمون أن ثمانين بالمائة من الجنود سينشقون وسينضمون إلى الجيش السوري الحر، ولهذا فإن الخيار الوحيد المتبقي لديهم هو قصفنا بالليل والنهار"، يؤكد. يزداد القصف إصراراً على مواقع الثوار. " كل يوم يطلقون علينا ما بين عشرين وثلاثين مرة قذائف الهاون والمدفعية الثقيلة... وكل ما لديهم. إنها خرطوشتهم الأخيرة لمحاولة الانتصار علينا. إنها مسألة وقت قبل أن نستولي على القلعة وعلى المدفعية التي لديهم هناك في الداخل"، يعلِّق محمد سعيد، قائد كتيبة شهداء تادف. الحرب تنضج على نار هادئة.






http://internacional.elpais.com/internacional/2013/01/16/actualidad/1358328275_871248.html

Wednesday 16 January 2013

ثقة الأسـد مفهومة




ثقة الأسـد مفهومة

ماريو لابورييه إيغليسياس - مجلة اتينيا الإسبانية


في الأسابيع الأخيرة بُنِيَتْ آمال حول إمكانية التوصل لحل ينهي الحرب الأهلية في سوريا. من المعلوم أنه من دون الدعم من روسيا ومن حزب الله سيكون موقف النظام الذي يقوده بشار الأسد غير قابل للدفاع عنه. ولهذا فقد بدا أن تصريحات كبار المسؤولين في روسيا وزعيم ميليشيا حزب الله الشيعية اللبنانية لصالح الشروع في عملية تفاوض تشير إلى أن شيئاً ما كان يتحرك في الاتجاه الصحيح.

رغم ذلك، فإن هذه الآمال قد تبخَّرت فجأةً بعد الخطاب الذي ألقاه الأسـد في السادس من كانون الثاني| يناير. فأمام حضور من المخلصين المتحمسين، أكد الرئيس السوري أنه مستعد للحوار، لكن فقط مع أولئك "الذين لم يخونوا سوريا"، الأمر الذي يترتب عليه الإقصاء الفوري لكل المعارضة المسلحة. وبنبرة متحدية، قدم الأسـد خطة لحل سياسي للحرب التي تعصف بسـوريا. هذا الحل سيمر عبر ثلاث مراحل: الأولى: تلتزم البلدان الأجنبية بالتخلي عن التمويل والتزويد بالأسلحة وتوفير الملجأ للعناصر المسلحة. الثانية: تدعو الحكومة لمؤتمر حوار وطني بهدف صياغة دستور جديد يخضع لاحقاً للاستفتاء. الثالثة: تُشكل حكومة جديدة ويُعلن عفو عام.

كان هذا هو الظهور العلني الأول للأسـد منذ أن منح في شهر تشرين الثاني| نوفمبر الماضي مقابلة لقناة تلفزيونية روسية أكد فيها أنه "سيعيش ويموت" في سـوريا. تلك المداخلة المتلفزة وخطاب الأحد الماضي يؤشران إلى أن الأسـد، بعد عامين تقريباً من الثورة، مازال يثق في أن الحرب في سوريا ستصب في صالحه. السؤال الذي يُطرح هو إذا ما كانت هذه الثقة ثمرة للعيش غريباً عن واقع بلده، كما تتبنى ذلك المعارضة السورية وقسم كبير من المجتمع الدولي، أو أن لها، على العكس من ذلك، أساساً ما.

 كما كان متوقعاً، مع مرور الشهور، فإن المجموعات المسلحة المعارضة للحكومة اكتسبت مزيداً من القوة بفضل السلاح المستلم من ملكيات الخليج السُنية وهم الأعداء المعلنون لنظام الأسـد. وهكذا، تمكن الجيش السوري الحر من الاستيلاء على مناطق واسعة من البلاد على طول الحدود مع تركيا، وأحياء محددة في دمشق، علاوة على مهاجمته لِبُنىً تحتية استراتيجية حيوية كحقول البترول، والمطارات، أو القواعد العسكرية.

بالرغم من ذلك، أخذت القوات النظامية والميليشيات الموالية للأسد تتكيف في انتشارها وتكتيكاتها بغية التصدي لقوات المعارضين. مازال النظام يسيطر على المدن الكبرى والطرق الرئيسية باتجاه الساحل، في الوقت نفسه الذي يستخدم فيه تفوقه الكاسح في القوة النارية لتدمير المناطق في أيدي الثوار. القوة الجوية والمدفعية، بما فيها استخدام صواريخ سكود -والفاتح A 110 ربما، الصاروخ ذو المصدر الإيراني الذي يبلغ مداه ثلاثمائة كيلومتر والأكثر دقة بكثير من صواريخ سكود- تضرب ليس فقط مواقع المجموعات المسلحة وإنما أيضاً المنشآت المدنية، كمحطات الوقود والمخابز، بهدف المفاقمة من نقص الوقود والغذاء في تلك المناطق. ينبغي ألا ننسى أيضاً أن النظام مازال يمتلك، كملجأْ أخير، ترسانة من الأسلحة الكيميائية -البرنامج السوري لهذا النوع من الأسلحة يتضمن غاز الخردل، السارين، العامل VX  والتابون-. رغم تحذير الولايات المتحدة من أن استخدام هذه الأسلحة يشكل "خطاً أحمر"، فلا يمكن استبعاد أي خيار إذا بدأ نظام الأسد في الانهيار، وإلا فسيعتبر نفسه آمناً من عمليات انتقامية. بعض وسائل الإعلام العالمية أشارت إلى قيام القوات السورية، في أيام ماضية، بخلط المواد الكيميائية لغاز السارين وأنها كانت تقوم بـتعبئة قنابل من زنة خمسمائة رطل لتحميلها لاحقاً على الطائرات المقاتلة.

كل ذلك يبدو أنه يشير إلى أن الوضع في ساحة المعركة يميل للاستقرار، وأن تدخلاً عسكرياً خارجياً فقط يمكن أن يطيح بالنظام السوري. لكن هذا الاحتمال يبدو أكثر بعداً من أي وقت مضى. فموسكو وبكين ترفضان بشكل كلي أي تحرك مسلح يهدف إلى تحقيق تغيير في النظام. في بعض التصريحات الحديثة التي أدلى بها إلى وكالة انترفاكس أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: "سنستمر في معارضة المحاولات لشرعنة عملية تغيير النظام تحت راية "مسؤولية الحماية"، ونؤيد حل المشكلات  بالوسائل السياسية الديبلوماسية مع احترام السيادة، وسلامة الأراضي، والمساواة بين جميع الأمم".

أضف إلى ذلك، أن تجذر النزاع، ووصول مقاتلين أجانب من ذوي الايديولوجيا الجهادية للقتال إلى جانب الثوار، جعل الولايات المتحدة، مع البلدان العربية المناوئة للأسد، تعيد النظر في الاستراتيجية الواجب اتباعها. في هذه البلدان يوجد قلق كبير من أن يوفر سقوط النظام السوري فرصة مثلى للقاعدة لإنشاء "فرع" آخر لها في سـوريا، ومن وقوع الأسلحة الكيميائية في أيديها، على وجه الخصوص. في أواخر كانون الأول| ديسمبر أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية جبهة النصرة -واحدة من أكثر المجموعات الجهادية نشاطاً في سوريا- كواحدة من المنظمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة في العراق.

والحال هكذا، يبدو أن العمل الديبلوماسي الذي قام به الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية قد حقق تقارباً في المواقف بين واشنطن وموسكو، لا يتضمن، كشرط للبدء في محادثات سلام بين الأطراف، الانسحاب الفوري للأسـد من المشهد السياسي. هذا التوجه الجديد في الموقف الدولي ستبرهن عليه الشكاوى المتزايدة لعناصر الجيش السوري الحر من توقف وصول المساعدة الخارجية، العسكرية منها والاقتصادية على حد سواء.

وأخيراً، يبدو أن التطورات التي تشهدها الحرب في سوريا تقدم الحجج التي تسوِّغ ثقة الأسـد بقدرته على البقاء في السلطة. وفي كل الأحوال، تتزايد الحاجة الملحة أكثر فأكثر إلى فتح قنوات للتفاوض للحيلولة دون استمرار سوريا –بكلمات الإبراهيمي- في الانزلاق نحو الجحيم.


















http://www.revistatenea.es/RevistaAtenea/REVISTA/articulos/GestionNoticias_11586_ESP.asp

Saturday 5 January 2013

مأساة اللاجئين السوريين:"شقيقتي وَلَدَت في الشارع، تحت النجوم"




مأساة اللاجئين السوريين:"شقيقتي وَلَدَت في الشارع، تحت النجوم"

مونيكا بريتو – موقع: كوارتو بودير


المصنع (لبنان) – في لبنان، البلد الذي يستقبل مائة وخمسين ألف لاجىء سوري ومائة وخمسين ألفاً آخرين من العمال الذي يحملون الجنسية نفسها ممن لا يستطيعون العودة إلى بلدهم في حالة الحرب، تبدو الأزمة التي يستدعيها الوجود الكبير للنازحين ذات عواقب لا يمكن التنبؤ بها. فحكومة بيروت، المسيطر عليها من تحالف 8 آذار الموالي لسوريا، ترفض رسمياً وضعية اللاجئين لهؤلاء الفارين من سوريا -لأسباب سياسية، حيث أن دمشق أيضاً لا تعترف بأنهم خرجوا لاجئين، وكذلك لأسباب اقتصادية، ذلك أنها بهذا تتخلص من عبء تجهيز مخيماتٍ للاجئين-، والتضامن الفردي للبنانيين هو ما يغيث معظم الهاربين من البؤس المطلق.

لكن بعد عشرين شهراً على بداية الثورة التي تحولت إلى نزاع أهلي، فإن الإرادة الطيبة للبنانين بلغت أقصى طاقتها. في القسم الأكبر من المساكن في عكار والبقاع تُسْتَقْبَلُ الأسر السورية -في حالات كثيرة، عدة أُسَر-، وكل الشقق التي يمكن أن تعرض للايجار-بأسعار أعلى من المعتاد- تم استئجارها من قبل سوريين، والفراغ المادي في بلاد الأرْز الصغيرة لم يعد فيه متسع. والأسوأ لما يأت بعد. الهجوم على مخيم اللاجئين الفلسطينيين في اليرموك، القريب من دمشق، سبَّب تدفقاً كبيراً للفلسطينيين السوريين على لبنان الأمر الذي أثار أسوأ المشاعر في أوساط قسم من السكان، ماتزال تحتفظ بذاكرة حية لانتهاكات الفصائل الفلسطينية على الأراضي اللبنانية خلال الحرب الأهلية التي دامت خمسة عشر عاماً وارتكبت خلالها جميع الأطراف جرائم وحشية. الرعب وصل إلى الطبقة السياسية، التي لمَّحت إلى وجوب إغلاق الحدود (والعيون) أمام المأساة السورية.

تحذّر تقديرات الأمم المتحدة من أن عدد اللاجئين قد يصل، في حال استمر المعدل الحالي، إلى ثلاثمائة ألف في الصيف القادم. العبء الاقتصادي لم يعد ممكناً تحمله من قِبَل العائلات اللبنانية، والحمل السياسي جراء وصول الأزمة إلى كل منزل، ودفع بلد، هو ذاته غير مستقر ومنقسم إلى درجة كبيرة، نحو المزيد من الطائفية، يبدو انتحاراً. تدرس الحكومة حالياً خطة وطنية لمعالجة التدفق الكبير للسوريين، يمكن أن تتضمن مخيمات للاجئين، إلا أنها تشرط ذلك بتقديم المجتمع الدولي للتمويل. على أية حال، لقد فات الأوان. فمئات العائلات، التي لا تملك مدخرات تسمح لها بالاستئجار، ولا أقارب أو أصدقاء يستقبلونها في منازلهم، اضطرت إلى البحث عن مظلات بلاستيكية وجذوع خشبية يمكنهم بواسطتها تشييد خيم -في مواقع يجب استئجارها أحياناً- توفِّر مأوى لأسرهم: إنه نوع من مخيمات مرتجلة لا تريد السلطات أن تنشئها.

مثال جيد على ذلك هي أسرة فياض، العامل الموسمي ذو التسعة والأربعين عاماً والمعيل لزوجة وأحد عشر طفلاً. مسكنه، إذا سميناه كذلك تجاوزاً، مؤلف من أخشاب متفاوتة، وأكياس مفتوحة، ومواد بلاستيكية عادية، يفترض أن تحمي العائلة من درجات الحرارة المنخفضة. عندما تفتح الستارة البلاستيكية التي تقوم بدور الباب، فإن رائحة الخشب المحترق وغياب التهوية تستحضر الخوف من الأمراض التنفسية. "جئنا في حافلة، بما علينا من ثياب، كنا نفكر بأننا سنعود في بضعة أيام بعد أن نكسب بعض المال لأنه لا يوجد عمل في سوريا. لكن الموسم انتهى ولانستطيع أن نعود إلى سوريا بسبب الحرب". يقول الرجل بينما يلوح ببعض الكماشات التي يحاول من خلالها تدبير تمديدات كهربائية يُحتَمَل أن تكون خطرة.

في الوقت الراهن، من أجل شراء الطعام، يقوم الآباء والأبناء بجمع البلاستيك والخشب والمعادن لبيعها وفق أوزانها. ملابس الأطفال بالية ومن الواضح أنها ليست كافية من أجل الشتاء القارس في الجبال. الجولة في مكان الإقامة هذا كانت سريعة ومحزنة: تم تقسيم المكان، بفواصل بلاستيكية، إلى ثلاث غرف: واحدة للوالدين، وأخرى للجيش الصغير من الأطفال، وصالة تقوم بدور المطبخ وغرفة الجلوس. ليس هناك سجاد، تُشاهد فقط بعض الفرش والأغطية مشكلة كامل الديكور. في الخارج، بين بحر من الطين والماء، يوجد طريق من الحجارة يقود إلى المرحاض الوحيد، الذي يتقاسمه سكان الخيم الاثنتي عشرة المتشابهة الموجودة في الموقع.

أما محمد أبو رامي، وهو والد لثلاثة أبناء، فقد وصل قبل شهر ونصف من محافظة دمشق هارباً من الحرب. انتهى أمره إلى الاجتماع مع والدته وشقيقيه وشقيقتيه، كل مع أسرته الخاصة، في موقع المصنع الحدودي، وتعيش العائلة الآن في سبعة خيم منحها لهم "تاجر سوري مستقر هنا" في ظروف معيشية استثنائية. في كل المخيم غير القانوني توجد مدفأة واحدة، تعمل على الديزل، وتكلفته تقسم على الجميع، ذلك أن المكان لا يشكل غرفة نوم لعائلتين وحسب، بل صالة مركزية للجميع، وخاصة من أجل الطفلين الصغيرين: معاذ، سبعة وخمسون يوماً، ورائد، اثنان وأربعون يوماً. "شقيقتي وضعت مولودها في الشارع، تحت النجوم" يقول أبو رامي بينما المشار إليها، أزهار، توافق بقوة."زوجتي وخالتي ساعدتاها في الولادة". 

كانت اللحظات الأسوأ منذ أن وصلوا إلى لبنان، عندما لم يجدوا مكاناً ينامون فيه. "وجدنا قطعاً من لافتة بلاستيكية وركَّبتها على قدر استطاعتي لتكون سقفاً"، يقول أبو رامي. خارج الخيمة، كان المطر الغزير يضرب القماش مسرباً الماء. "كان ذلك عندما رآنا ذلك الرجل السوري الثري وساعدنا على الاحتماء". "الآن لا تتوفر البيوت ولا الغرف، حتى لو كنت تستطيع الدفع"، يتدخل جمال أبو هبة، واحد من أشقائه، الواصل قبل عشر ساعات فقط بصحبة زوجته وابنته. "الحكومة اللبنانية لا تريدنا هنا" يضيف. العائلة، ككل العائلات المستقرة في خيم، تفتقر إلى الكهرباء، والمياه الصالحة للشرب -لديهم أحواض على المدخل من أجل جمع مياه الأمطار- والغاز من أجل الطبخ. "نحن نطبخ على الحطب" يشرحون لنا. "بيتنا تعرض للدمار بسبب القصف، هنا لا يوجد مخيمات للاجئين...أين يفترض بنا أن نذهب؟" يتساءل الشقيق الآخر، أيمن أبو يوسف، الذي يُقرَأ في وجهه الأسى الأشد وطأة. "نفكر في العودة ليلاً ونهاراً، فهذا إذلال ندفع ثمنه من صحتنا. أولادي سيمرضون هذا الشتاء"، يقول متأسفاً. الصعوبات تجعل الكثيرين يخططون للعودة إلى ما تبقى من بيوتهم، في سوريا المضطربة."عندما ذهبت إلى المستشفى للولادة، رفضوا حتى استقبالي" تتمتم أزهار. "إذا كنت سأموت في جميع الأحوال، فإنني أفضِّل الموت في بلدي".










http://www.cuartopoder.es/elfarodeoriente/mi-hermana-dio-a-luz-en-la-calle-bajo-las-estrellas/3830