Wednesday 31 July 2013

سـوريا ليست وطناً للأطفال




سـوريا ليست وطناً للأطفال

خوسيه ميغيل كالاتايود- صحيفة الباييس الإسبانية



كل شي بدأ مع مجموعة من الأطفال. كانت الأيامَ الأخيرةَ من شباط| فبراير 2011 وكانت أسابيع قد انقضت على بدء الاحتجاجات في بعض البلدان التي شكلت ما نسميه اليوم الربيع العربي. كانت حكومة تونس قد سقطت وكان العالم قد شاهد مباشرةً كيف تمكن المصريون المحتشدون في ساحة التحرير بالقاهرة من الإطاحة برئيسهم حسني مبارك من السلطة.

وهكذا فإن ما فعلته في تلك الأيام مجموعة من الفتية في درعا، المدينة الصغيرة في جنوب سوريا، واحد من الأنظمة الأكثر تسلطاً في المنطقة، قد حدث حينها من غير أن يلتفت إليه أحد. "إنه دورك، يا دكتور"، كتب أحدهم على الجدران قريباً من مدرسته، مشيراً إلى الرئيس السوري، بشار الأسد، الذي درس طب العيون. "الشعب يريد إسقاط النظام"، كتب آخر.

الشرطة السرية ذهبت إلى المدرسة، استجوبت واعتقلت عدة أطفال. وآخرون أخذوهم من بيوتهم. الآباء وناس آخرون من درعا اكتشفوا أن الأطفال القُصَّر كانوا يتعرضون للتعذيب في السجن وطالبوا بإطلاقهم في الحال. الشرطة ردت بالاهانات والضرب. حينئذ بدأت الاحتجاجات ضد الشرطة والحكومة، وأخذت بالامتداد إلى مدن أخرى. في الثامن عشر من آذار| مارس، أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين في درعا وقتلت أربعة أشخاص، حسب هيومان رايتس وتش.

انفجرت الاحتجاجات مع آلاف من الأشخاص الذين ينشدون "ما في خوف، ما في خوف، بعد اليوم ما في خوف!". بدأت الثورة في سـوريا، وسرعان ما تحولت إلى حرب أهلية.

اليوم، بعد انقضاء أكثر من عامين، وثقت الأمم المتحدة موت أكثر من 6500 طفل، إلا أن العدد الحقيقي يمكن أن يكون أكثر من ذلك بكثير. "يقتلونهم، يقطعون أعضاءهم، يتم تجنيدهم، يُعتقَلون، يُعذَّبون" هكذا وصفت ليلى زروقي، الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاعات المسلحة، عندما قدمت هذا التقرير في أواسط حزيران| يونيو. الأطفال في سوريا "يدفعون الثمن الأكبر" كضحايا مقارنة بضحايا أي نزاع آخر في العالم، حسب زروقي، التي تتهم كلا الجانبين باستخدام القصَّر كـ "انتحاريين أو دروع بشرية". في المجمل، أكثر من مائة ألف شخص قضوا، أكثر من ثلثهم من المدنيين، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهي منظمة يوجد مقرها في المملكة المتحدة.

"بالفعل ثمة انطباع بأن عدد الاصابات بين الأطفال مرتفع جداً، وهذا يمكن أن يعود فقط إلى أن السكان المدنيين لا يتم احترامهم من قبل أي من الأطراف"، يعلق ايتور زبالغوجيزغوا، المنسق في أطباء بلا حدود في سـوريا والمدير العام السابق لهذه المنظمة غير الحكومية. حسب ما يقوله فإن ما يقرب من أربعين بالمائة من الجرحى والقتلى في عيادات أطباء بلا حدود في سوريا هم ممن تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً.

عندما يصل المرء إلى مدينة مثل حلب، إحدى أكثر المدن تضرراً خلال النزاع، يبدو المشهد مليئاً بالأنقاض، بثقوب أحدثها الرصاص، بالقمامة، بقطط الشوارع، بالبنايات  المهدمة، وهياكل السيارات المحترقة، لكن أيضاً، بأطفال لا شيء لديهم ليفعلوه إلا اللعب بين الأطلال في الشارع في برد الشتاء القارس أو في حر الصيف القائظ.

في الخلفية يُسمع دوي الانفجارات، الطلقات النارية، تُشاهَد طائرة مروحية، وتتصاعد أعمدة الدخان في الأفق، الكبار والصغار يتطلعون إلى السماء ترقباً لظهور إحدى طائرات النظام المقاتلة. "الفتية يذكرون كثيراً موضوع الطائرات، الأمر الذي يتفق مع الخوف الجماعي الذي نشعر به جميعاً هناك، ربما كانت أكثر ما يخيف... إنها تصيب جميع الناس بالرعب"، يقول زبالغوجيزغوا.

"عمليات القصف عشوائية جداً وفي الأسابيع الأخيرة يطلقون المدافع الرشاشة خلال الليل في كل المنطقة الشمالية من حلب.. يصل إلينا كثير من الأطفال المصابين، كثيرون... ويلفت الانتباه أنهم لا يبكون، قلما يشتكون، إنهم الأقل صخباً. حتى أنا كنت لأبكي من الألم، ولكن الأطفال، يصلون صامتين، وخائفين"، يواصل المنسق في أطباء بلا حدود كلامه.

"يوجد فعلاً ذلك الانطباع بأن الأطفال، نظراً لكثرة ما شاهدوا بالفعل من أشياء، هم كالمخدرين بالنسبة إلى ما يحيط بهم"، يتفق مع ذلك سيمون انغرام، رئيس الاتصال من أجل الشرق الأوسط في اليونيسيف، الذي يحتفظ بكادر عامل في سوريا منذ ما قبل الأزمة. "ترى الأطفال يصفون بشكل طبيعي جداً الأشياء والصور والأصوات المرعبة والتجارب التي مروا بها".

بالإضافة إلى كونهم الضحايا الرئيسيين للحرب، فإن هناك المزيد من القصَّر الذين يستلمون بندقية ويشاركون بها كمقاتلين أو يساعدون بطريقة أخرى الجنود والثوار في ساحة المعركة. "هذا صحيح، هناك فتية، إذا لم يكونوا يفعلونه تحت الضغط، فإنهم يفعلونه لأنهم يريدون العودة إلى بيوتهم ولأنهم يريدون المشاركة في الحرب، وهناك أشخاص يستغلونهم"، يصف انغرام، الذي يتذكر أن استخدام القصَّر في النزاعات المسلحة محظور في الشرعة الدولية.

لكن ليس الرصاص أو القنابل أو الشظايا وحسب هي ما يهدد الصغار. فهناك أمراض كانت قبل الحرب تحت السيطرة، كالحصبة، بدأت تعود بقوة نظراً إلى انقطاع برامج التلقيح وانهيار النظام الصحي، وفق ما تلفت إليه أطباء بلا حدود. أيضاً ظهرت في شمال سـوريا اللاشمانيا، التي تنتقل بواسطة بعوضة تعيش بين القمامة. هذا المرض يؤثر خاصة على الأطفال والشباب، وهو ناتج عن طفيليات تعتاش، حرفياً، على الجلد واللحم ويمكن أن تشوه الشخص المصاب به. ثمة أخطار أخرى على الأطفال هي السل، التيفوئيد والكوليرا، التي يُخشى أن تظهر الآن في الصيف.

علاوة على ذلك، هنالك حوالي ستة ملايين شخص كان عليهم عليهم مغادرة منازلهم بسبب العنف. مليون ونصف مليون تحولوا إلى لاجئين في بلدان أخرى، فيما يواصل الباقون الهرب من الحرب في داخل سوريا. مرة أخرى، غالبية النازحين هم من الأطفال. في محافظة إدلب، انتهى مئات من الأشخاص إلى اللجوء إلى الكهوف، حيث بالكاد يتوفر الماء أو الطعام وينامون على الأرض مباشرة، بدون فُرُش. في بعض الأحيان يحدث أن لا  ينجو الصغار في عمليات الهروب هذه، كما وثقت المنظمة غير الحكومية Save the Children  في تقرير نشرته الشهر الماضي، حيث تروي كيف أن طفلاً عمره اثنا عشر عاماً مات وهو ينزف في الشارع، مليئأ بالجروح التي تسببت بها الحشرات، متروكاً من المجموعة التي كان يهرب معها. أو كيف أن بعض الصغار سحقوا تحت مدنيين كانوا يهربون راكضين من القصف، أو كيف أن طفلاً آخر عمره اثنا عشر عاماً قطعوا رقبته عند نقطة تفتيش.

النزوح القسري جراء العنف يستتبع وجود أطفال صغار مضى عليهم عامان بدون الذهاب إلى المدرسة. في الأجزاء من المدن والقرى الواقعة تحت سيطرة الثوار هنالك متطوعون يحاولون تنظيم أنفسهم من أجل تقديم بعض الدروس. منظمات إسلامية مثل الأخوان المسلمين أو أحرار الشام، المنظمة بشكل جيد، تفتتح مدارس، مدارس قرآنية، في المناطق التي تكون تحت نفوذها وسلطتها. في غضون ذلك، تُستخدم المدارس المدنية في الوقت الحالي لأغراض عسكرية. في شرق حلب، في مدرسة تشغلها كتيبة ثاثرة، يروي أحمد إدريس، شاب في الخامسة والعشرين من عمره، يروي بابتسامة كيف كان يدرس هنا وهو طفل، في القاعة نفسها التي ينام فيها الآن مع رفاقه قبل الانطلاق إلى الجبهة كل يوم.

البناء متسخ والجدران التي تحيط بالبهو نصف مدمرة. في الجانب الآخر، عدة أطفال   يجمعون الكتب والدفاتر من بين الأنقاض. لكن ليس من أجل القراءة، إنما لاستخدامها  كوقود للطبخ واتقاء للبرد. لكن يوجد أيضاً صغار مستعدون لأي شيء في سبيل العودة إلى المدرسة.

"قبل بضعة شهور، تعرفت إلى طفلة في الخامسة عشرة من عمرها في مخيم للاجئين في لبنان حيث كانت تتوق للعودة إلى سوريا لأداء امتحاناتها. كانت تبكي إحباطاً ذلك أن والديها لم يتركاها تعود إلى مدينتها لأن الأمر كان شديد الخطورة"، يروي انغرام من اليونيسيف. "الأرقام خادعة، معلومات الأمم المتحدة تتحدث عن حوالي أربعة ملايين طفل تأثروا بشكل جدي بالحرب بشكل أو بآخر. لكن من منظور أكثر اتساعاً، يبدو من الواضح أن كل قاصر، كل طفل سوري، قد تأثر، ولو بسبب دمار النسيج الاجتماعي في سوريا"، كما يوجز انغرام.

"لم تعد هناك طفولة... تنظر في عيونهم وفي تعبيرات هؤلاء الأطفال وترى بوضوح أنهم يمرون بشيء مرعب تماماً. حتى لو كانوا يلعبون، وحتى لو بدوا في الظاهر أنهم ما زالوا أطفالاً، فيمكنك أن ترى أن في داخلهم شيئا أصبح محطما"، كما يصور الوضع انغرام، الذي يتحدث عن "جيل ضائع من الأطفال السوريين".

عودة إلى حلب، إنه يوم عادي، بعيداً عن خط الجبهة. الناس يمشون في الشارع، يمرون أمام المحال التجارية. سيارات وشاحنات صغيرة متداعية تتنافس على الإسفلت المليء بالثقوب. الفتية يلعبون بين أنقاض وحطام البنايات المقصوفة. من بعيد تُسمع الانفجارات. في الشارع، الجميع ينظرون بين الفينة والأخرى إلى السماء ترقباً لظهور إحدى طائرات النظام.

فجأة، تسقط قذيفة هاون على أحد المساكن ويقتل الانفجار ويجرح عدة أشخاص ويترك الشارع ملطخاً بالدم. ربما أتت من المطار، وهو ليس ببعيد جداً، حيث النظام والثوار يتواجهون منذ شهور. السكان يحملون الأجساد في السيارات، في الشاحنات، كيفما كان، على وجه السرعة، إلى إحدى العيادات الطبية الصغيرة السرية التي فُتِحت بعد دمار مستشفى دار الشفاء في تشرين الثاني| نوفمبر. اثنان من الأجساد على الأقل هما لأطفال. قد يكونان من الجرحى أو ربما يكونان من الموتى.

يقترب الناس من باب العيادة، هنالك مدنيون، ثوار، أسلحة، ضجيج الأبواق، دماء. هنالك أناس يصرخون من الغضب ويمشون بخطوات كبيرة من هنا إلى هناك. هنالك آخرون ينظرون هادئين بصمت. امرأة تبتعد عن المشهد بشفتيها المزمومتين وبنظرة مليئة بالعجز، الإنهاك، الخوف، والغضب والتسليم. تأخذ بيدها طفلاً صغيراً، ابنها بالتأكيد، عمره أربعة أو خمسة أعوام، ينظر إلى الخلف، باتجاه مدخل العيادة التي يدخلون إليها الأجساد الدامية. يبقى الطفل ملتفتاً برأسه، وفمه وعيناه مفتوحة فضولاً، فيما تبتعد به والدته من هناك بسرعة، تجره تقريباً. 






http://elpais.com/elpais/2013/07/12/eps/1373622471_219957.html

Thursday 18 July 2013

إلى الحرب بثياب سوداء حتى القدمين




إلى الحرب بثياب سوداء حتى القدمين

لاورا بارو- صحيفة الباييس الإسبانية


أكثر من مائة وخمسين امرأة يقاتلن في حلب بعد تجنيدهن من قبل ربة منزل تحولت إلى مقاتلة


تجلس رحاب والبندقية بين ساقيها؛ مدفع البندقية موجه إلى السقف بينما تتسلى بمنظارها. "أنا أكتسب الخبرة، نزور جبهات مختلفة"، تقول صاحبة الصوت الخفيض الفخور من على أريكة في ملجأْ آمن على جبهة الصاخور، بجانب الطريق الى المطار في حلب. في الخارج تدوي قذيفة أُطلِقَت عبر الباب وهي، مرتدية الأسود من القدمين إلى النظارات الشمسية، لا تبالي. هي أيضاً أطلقتْ قذائف صاروخية، كما توضح، إلا أنها لا تعلم ما إذا كانت قتلت أحداً ما، تفترض رحاب أن طلقة ما لا بد أن تكون قد أصابت في إحدى المرات.
المرأة الثلاثينية تشكل جزأً من الكتيبة النسائية الوحيدة حصراً في عاصمة الشمال السوري، حيث المعارك ضد الجيش الموالي للأسد تستمر منذ أن بدأ الثوار الهجوم في تموز| يوليو 2012 من أجل الاستيلاء على المدينة. طائرات النظام لم تتوقف عن التحليق فوق حلب، حيث القصف مازال يسبب الاهتزاز تحديداً بعد دعوة المؤذن للإفطار، الطعام الذي ينهي الصيام في رمضان.
كذلك لم تتوقف المواجهات على بعد أقل من مائة متر بين الجنود الموالين للأسد والثوار. في هذه الأيام، رحاب تحتفل: إنها الذكرى السنوية الأولى لها كمقاتلة، منذ أن وصلت إلى المدينة في رمضان الفائت. عام من القتال وجهاً لوجه ضد عساكر مدربين، تماماً مثل أكثر من مائة وخمسين امرأة مقاتلة يحملن السلاح في حلب، كلهن تحت قيادة أم فادي. "ندعوها "ماما" "، تشدد رحاب.
شهرتها تسبقها، على الأقل في الغرفة حيث ينتظر مقاتلو الجبهة التي تسيطر على المنطقة  وصولها قبل الجلوس مع "حارستين شخصيتين". "اعتدتُ القتال مع رجال من كل المجموعات"، تقول أم فادي، ثلاثة وأربعون عاماً، "كلهم يعرفونني".
في حزيران| يونيو، بعد وقت قليل على حملات الجيش السوري ضد المتظاهرين المدنيين التي حولت احتجاجا سلمياً إلى حرب أهلية أسقطت أكثر من ثلاثة وتسعين ألف قتيل، وفق الأمم المتحدة، قررت أم فادي، ربة المنزل ذات الأطفال العشرة (الأخير، بالكاد يبلغ عاماً واحداً)، قررت الذهاب إلى درعا، قلب الاحتجاجات ضد دمشق، مع شقيقها. "لم يكن باستطاعتي الانتظار أكثر" تقول "ماما"، "ليس من السهل أن ترى الوضع، الناس الذين يموتون، ولا تفعل شيئاً، إذا لم يكن ابني، فهو ابن جاري".
"ذهبتُ إلى الجبهة من دون أي تدريب"، تضحك، "وبدأتُ بحمل الذخيرة من جانب إلى آخر". "ماما" لم تكن تطلق النار بعد، لكنها راكمت ما يكفي من الجرأة على الخط الأول لكي تأمر بالصمت شقيقها، المقاتل في صفوف غرباء الشام، عندما يقاطعها. "رأيتُها تحمل البندقية وكانت تفعل ذلك بشكل جيد ما دفعني لحمل سلاح أكبر"، يقول طه، المحارب المخضرم، ممازحاً، "لا يمكنني أن أكون أكثر فخراً".
عندما عادت بعد عام إلى بيتها، في حلب، للمشاركة في الهجوم، كانت قد أصبحت معروفة وبدأت عشرات من المتطوعات بالطرق على بابها. "أنا أشجعهن فقط، لا أحرضهن، هن يأتين إلي".
وُلِدت الكتيبة بسبب حاجة لوجستية. "كنا نحتاج إلى الفتيات من أجل تفتيش النساء"، يقول أبو مظفر، قائد جبهة الشباب السوري، المتموضعة في حي الصاخور. هكذا قفزت النساء من المطابخ في مؤخرة الجيش، حيث كن يجهزن الوجبات لأبنائهن وأزواجهن واخوتهن، إلى حواجز التفتيش المنتشرة في شوارع المنطقة الثائرة "من أجل القبض على الشبيحة الذين كانوا يتحركون مرتدين ثياب النساء"، حسب ما تقول أم فادي.
مشيهن بالحجاب والعباية حتى الكاحلين يجعل هؤلاء النسوة في دائرة الضوء، بعيداً عن مظهر البدلات العسكرية لمقاتلات أخريات مثل المقاتلات الكرديات في وحدات الحماية الشعبية الكردية YPG  المنتشرات على طول الحدود التركية، في الطريق نحو الرقة، شمال شرق سوريا. النساء أيضاً في حالة حرب. "إنهن أفراد في الجيش السوري الحر"، يقول أبو مظفر، "ليس هناك ما يدعوهن للخوف والبقاء في البيت".
رحاب كانت واحدة من الأوليات في الالتحاق بعدما وصلت حديثاً من حمص، حيث كانت تدعم الثورة بالقيام بالأعمال الانسانية، إلى أن فقدت عائلتها كلها. "كنا خمسة فتية وست فتيات، كلهم ماتوا"، كما تقول. وحيدةً، قررت حمل السلاح. "جئتُ إلى حلب للقتال وتعرفت إلى "ماما" ".
حالتها ليست استثنائية. ربيعة، سبعة وعشرون عاماً، فقدت زوجها في بابا عمرو، إحدى الجبهات الأكثر شراسة في حِمص، الواقعة على الطريق الذي يصل العاصمة السورية بطرطوس، على الساحل ذي الغالبية العلوية (طائفة عائلة الأسـد). "كنا نقاتل معاً"، تقول. كان ذلك قبل أن تعثر على ابنها ذي العامين ونصف العام ميتاً في السرير جراء طلقة من قناص متموضع مقابل نافذتها.
"عندما وصلتُ" تواصل رحاب، "اكتشفتُ أن كل المقاتلين هم أخوتي وأن كل الفتيات أخواتي". "بل صار لدي "ماما" "، تقول مشيرة إلى أم فادي، "هم قدموا لي كل شيء"، حتى زوجاً تشاركه البيت وخط النار.
لكن الذاكرة تغلبها. "أفتقد حارتي، أرضي، بيتي وجيراني"، تبكي وراء حجاب أسود يغطي وجهها بالكامل "أفتقد عائلتي، وآمل بالعودة إلى حمص والصلاة في مسجد خالد بن الوليد (المسمى على اسم واحد من فاتحي سوريا المسلمة ومركز الاجتجاجات في المدينة، المتعرض للقصف في 2012)". حملتها الثورية تحولت إلى انتقام. "آمل أن يسقط النظام وأن تصبح سوريا حرة"، "بكبر حجم المعاناة في سـوريا، كذلك هو كرهي لبشار".







http://internacional.elpais.com/internacional/2013/07/14/actualidad/1373818639_979411.html