Monday 30 September 2013

شـكوك حول سـوريا




شـكوك حول سـوريا


ناعومي راميريث دياث و لاورا رويث دي ايلبيرا - صحيفة الباييس الإسبانية




كثيرون هم الذين يؤكدون، في أواخر أيام الصيف هذه، أنهم ضائعون فيما يخص تطورات الصراع في سـوريا. بحقٍ، يشككون بالمقالات التي يمكن قراءتها في الصحافة، المتناقضة كثيراً والمشحونة بالايديولوجيا؛ يرتابون بتلك التي تحملهم على التقليل من شأن المعلومات التي تصلنا من ذلك البلد، كتلك الخاصة بالهجوم الكيميائي في الحادي والعشرين من آب| أغسطس في الغوطة. يطرحون شكوكاً من نوعيات مختلفة. هل بشار الأسـد ديكتاتور حقيقةً؟ هل كان نظامه قمعياً بالدرجة التي يصورونه بها؟ هل يتعلق الأمر بثورة حقاً؟ هل من بديل لبشار الأسـد؟ من هو؟

واحد من الأسئلة الأكثر تردداً يتعلق بطبيعة المعارضة لبشار الأسـد، والتي هي، بالنسبة للبعض، ليست إلا خليطاً من "المتمردين" المنتسبين إلى القاعدة، وهي، بالنسبة لآخرين، سديم يصعب فهمه. الأكيد هو أن معارضة بشار الأسـد، ذات طبيعة غير متجانسة، إضافة إلى كونها سيّالة (مائعة)، ذلك أنها كانت تتحول مع ترسخ الصراع. أساليبها وميدان عملها تتموضع في ثلاثة مستويات -المدني، السياسي، والعسكري- رغم أنه في بعض الحالات تتغلغل بعض المجموعات  في الأخرى.

المعارضة المدنية، التي أصبحت هشة في الوقت الراهن لكنها ما زالت موجودة وخلاقة (كما يظهر ذلك تقرير حديث لمبادرة الإصلاح العربي)، توجد في أصل الثورة. في الواقع، ليس أمراً غير مجدٍ تذكُّر أن الاحتجاجات الأولى كانت بامتيازٍ عفويةً، وشعبيةً، وسلميةً. الرجال والنساء الذين تظاهروا هناك في آذار| مارس 2011 طالبوا بالكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية. خلال شهور كانت صيحتهم الرئيسية "سلمية"، رافضين استخدام الأسلحة، مستلهمين لا عنف سابقيهم في تونس ومصر. بمواجهة تلك المطالبات رد النظام بالعنف والقمع، الأمر الذي زاد من عدد المتظاهرين وساهم في خلق وحدة عابرة للطبقات والمناطق.

من بين أولئك المتظاهرين الأوائل خرج الناشطون المدنيون، غالبيتهم شبان من غير ذوي الخبرة ولا سابقة لهم في العمل النضالي أو التعاوني. تولى هؤلاء مسؤولية تنسيق الاحتجاجات، إطلاق حملات للمقاومة المدنية (الإضرابات العامة أو مقاطعة شركات محددة)، أو نقل الجرحى إلى المستشفيات الميدانية السرية. كل العمل التنظيمي كان يتم في لجان تنسيق أُنشئت لهذا الغرض في الأحياء والقرى والمدن، في محاولة لبناء استراتيجية مشتركة في السياق الصعب للتقسيم الناجم عن الحواجز العسكرية والحصار المفروض على بعض المدن والأحياء وانقطاعات التيار الكهربائي وخطوط الاتصالات.

في وقت لاحق ظهرت المجالس المحلية، المتموضعة بشكل رئيسي في المناطق "المحررة" -بكلمة أخرى، تلك التي لم تعد تحت سيطرة النظام-. تلك المجالس كانت تهدف إلى الحلول محل الدولة. تولت مسؤولية الخدمات العامة (جمع القمامة أو إدارة المدارس) ونسقت مع المجموعات المسلحة المسؤولة عن الأمن. محافظتا إدلب والرقة تبرزان في هذا السياق. تستمر أيضاً كل أنواع الجمعيات، ومن بينها فإنّ الخيرية والإنسانية هما الأكثر عدداً بالنظر إلى التردي في شروط حياة السكان المدنيين.

العفوية المشار إليها سابقاً في المظاهرات الأولى، التي فاجأت ليس النظام فقط وإنما أيضاً بعض المعارضين السياسيين المُحيَّدين على مدى أكثر من أربعين عاماً من الديكتاتورية وبشكل خاص بعد مذبحة حماة المحزنة الشهيرة في 1982 التي سحقت تمرداً ضد النظام، أدت إلى التأخر في تشكيل معارضة سياسية صلبة. معارضون من ألوان مختلفة، وفي حالات كثيرة متنافسون، انتظموا في مجموعة واحدة أطلق عليها المجلس الوطني السوري (آب| أغسطس 2011)، وفي وقت لاحق، ليس من دون صعوبات واستجابةً لطلبات المجتمع الدولي بهدف تلقي بعض المعونة، تم توسعته لتشكيل ما يسمى بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية (تشرين الثاني| نوفمبر 2012). بالرغم من أن هذه المجموعة هي من يتفاوض مع المجتمع الدولي، فإن وجودها وتأثيرها على الأرض متواضعان (ليسا غير موجودين). في الواقع، إن الشعبية الأولية للأول من هذين الجسمين، الذي اعترف المتظاهرون بشرعيته في إحدى جُمَعِهِم، أخذت تضمحل تدريجياً بسبب نقص المباردة، والانقسامات في داخله، وعدم فعاليته (على سبيل المثال ساعة تشكيل حكومة في المنفى). يجب ألا ننسى، من جانب آخر، وجود الأحزاب الكردية، التي انفصلت بغالبيتها عن هذه التشكيلات ذات الاتجاه القومي، مفسحة الطريق، من بين آخرين، للمجلس الوطني الكردي.

الدور الذي تلعبه المعارضة المدنية والسياسية أخذ يتناقص، بالرغم من ذلك، مع تزايد القمع من قبل النظام وتدويل الصراع. هذا ما يقودنا إلى تفحص النوع الأخير من المعارضة، المعارضة المسلحة. مكَوَّنةً من تشكيلات متعددة بمشاريع ورؤى مختلفة، يجب ألا ننسى أن أصلها كان انشقاق عناصر الجيش النظامي الذين رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين السلميين. من أولئك المنشقين الأوائل سيولد الجيش السوري الحر، متحملاً المسؤولية في البداية عن حماية المظاهرات وبعد ذلك، عقب مداولات طويلة، عن شن الهجمات على النظام. إلى هؤلاء انضم سريعاً بعض المدنيين الذين قرروا حمل السلاح تجاه القمع المتنامي.

وهكذا بدأت بالظهور كتائب جديدة بطريقة غير مسيطر عليها، بعضها تحت المظلة الواهنة للجيش السوري الحر، وقيادته موجودة في تركيا، لكنها لا تستطيع زعم السيطرة الفعالة على كل ما يحدث على الأرض، وبعضها أكثر استقلالية مع رفضها لسلطة الجيش الحر. إلى كلا المجموعتين يجب أن تضاف الكتائب المشكلة من العسكريين والمدنيين الكرد الذين لا يثقون تماماً بالجيش الحر، المرتبط بالائتلاف السوري الذي يتجاهل خطابه القومي العربي الصفات المميزة والتطلعات الاستقلالية للشعب الكردي. رغم تنسيق جهودهم مع الجيش الحر في مرات متعددة، كما في حلب، فإن المناطق ذات الغالبية الكردية هي تحت حماية كتائب من الأكراد أنفسهم.

إلى هذه الكتائب المحلية أخذ ينضاف، منذ عام 2012، مقاتلون متضامنون مع القضية السورية، جهاديون يرون في سـوريا أرضاً للجهاد ضد نظام كافر (فلنتذكر أن الأسـد ينتمي إلى الطائفة العلوية) وجماعات مرتبطة بشكل واضح بالقاعدة، سواء تحت القيادة المركزية للظواهري أو مع دولة العراق الإسلامية (على سبيل المثال جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام)، الذين استحوذوا على عناوين الصحافة العالمية رغم أنهم في نظر العديد من الخبراء لا يمثلون أكثر من خمسة عشر بالمائة من مجموع الثائرين المسلحين. تلك المجموعات التي لم تُستقبل بشكل سيء في البداية من قبل السكان المدنيين في المناطق المحررة، التي كانوا يقدمون لها المساعدات والطعام، هي اليوم محارَبَة بقوة من قبل المعارضة المدنية وقد لعبت دوراً رئيساً في مواجهات ضد الجيش السوري الحر والكتائب الكردية. ظاهرين ومشهديين بشكل خاص، يركز الجهاديون اليوم على فرض رؤيتهم للمجتمع بالقوة في المناطق التي يسيطرون عليها أكثر مما يركزون على متابعة قتالهم للجيش السوري النظامي.

الخلاصة، بمواجهة الرؤى الأحادية والتبسيطية للمعارضة السورية، نرى أن هذه الأخيرة لا تقتصر على الجهاديين أو الإسلاميين، ولاحتى الثوار المسلحين، وإنما هي معارضة متعددة وسيَّالة وفعالة في جبهات متعددة. هذه المعارضة، المدنية في بدايتها، هي قبل كل شيء ثمرة عامين ونصف عام من القمع والحرب المفتوحة اللاحقة وهي تبيّن فقط مدى تعقيد الصراع السوري.







http://elpais.com/elpais/2013/09/25/opinion/1380104964_211340.html

Friday 20 September 2013

سـوريا والفحش الأخلاقي




سـوريا والفحش الأخلاقي

أولغا رودريغيث- صحيفة الدياريو الإسبانية


يجري الحديث عن تدخل عسكري وشيك في سـوريا. ثمة من يأسف لعدم حدوثه من قبل، ولعدم قيام الولايات المتحدة وحلفاءها بالرد حتى الآن. لم يكن قلة اكتراث، بل كان بالأحرى رهاناً استراتيجياً محسوباً.
منذ أكثر من عامين تدعم روسيا وإيران النظام السوري عسكرياً. بدورها، قوى غربية مختلفة، كما حلفاؤها في الشرق الأوسط، تتدخل في سـوريا بطريقة سرية نوعاً ما، مزودة الثوار بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية. فرنسا والولايات المتحدة، بين آخرين، قدمتا مساعدة عسكرية لمجموعات المعارضة المسلحة. وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والاستخبارات البريطانية تعملان على الأرض وتقدمان المساعدة للثوار السوريين والنصح لبلدان الخليج حول المجموعات التي ينبغي أن تقوم بتسليحها.
العتاد القتالي المقدم إلى الثوار الذين يقاتلون الأسـد وصل بشكل رئيسي عبر بلدان الخليح وتركيا، وتم قياسه بدقة منذ 2011، لكي لا يحوز هؤلاء على أسلحة ثقيلة. بهذه الطريقة استطاع الثوار الإيذاء لكنهم لم يستطيعوا الإطاحة بحكومة الأسـد؛ حازوا على القدرة الكافية من أجل المقاومة لكن ليس من أجل الانتصار. وهكذا، استمر الصراع في مستوى يسمح للجانبين بالصمود، مع استنزاف نفسيهما. إنها نقطة العطالة، الوضع غير المحدد الذي ناسب حتى اللحظة بعض الفاعلين الدوليين المتورطين بطريقة أو بأخرى في النزاع.
ليس هذا شيئاً جديداً. في الثمانينات، عندما اندلعت الحرب بين إيران والعراق، قدمت واشنطن الدعم والسلاح والمعلومات العسكرية لبغداد، واستعمل صدام حسين بالفعل غاز السارين الأمريكي ضد السكان الإيرانيين والأكراد. لكن، ضمن استراتيجية اللعب المزدوج قدمت الولايات المتحدة أيضاً وبشكل سري السلاح لإيران بين 1985 و1987 عبر شبكة لنقل الأسلحة الأمريكية والإسرائيلية نظمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
بعائدات هذه الصفقة، دعمت واشنطن قوات الكونترا النيكاراغوية ومقاتلي حرب العصابات الأفغان الذين كانوا يقاتلون القوات السوفياتية في أفغانستان. عُرِفت العملية باسم "إيران غيت". بهذه الطريقة ساهمت الولايات المتحدة في إطالة أمد الحرب بين بغداد وطهران، بهدف استنزاف بلدين استراتيجيين نفطيين وجعلهما خارج اللعبة. إذا خسر كلاهما، تكسب واشنطن.
البحث عن مباراة شطرنج يسودها التعادل
في الحالة السورية يُعتبر انتصار أحد الطرفين، خسارة للولايات المتحدة (ومعها إسرائيل). إنها الفرضية المقبولة لدى دوائر سياسية وديبلوماسية غربية معينة. لهذا تم الرهان على حرب الاستنزاف، على نقطة العطالة، على الوضع غير المحدد. والآن بعدما حقق الأسـد بعض المكاسب على أعدائه، يعلن الغرب مستوى جديداً من التدخل في سـوريا.
هكذا عبَّر عن ذلك هذا الأسبوع، بلا حياء، ادوارد لوتواك، من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، في مقالة منشورة في نيويورك تايمز:
"نتيجة حاسمة لصالح أيٍ من الطرفين ستكون أمرأ غير مقبول بالنسبة لواشنطن. انتصار نظام الأسـد المدعوم من إيران سيزيد من قوة ومركز إيران في الشرق الاوسط بأكمله. بينما انتصار المعارضة، المسيطر عليها من قبل الفصائل المتطرفة، سيطلق موجة أخرى من إرهاب القاعدة.
توجد نتيجة واحدة فقط يمكن أن تكون في مصلحة الولايات المتحدة: السيناريو غير المحدد. الإبقاء على جيش الأسـد وحلفائه، إيران وحزب الله، في حالة حرب ضد المقاتلين المتطرفين المصطفين مع القاعدة، أربعة أعداء لواشنطن سيكونون متورطين في حرب فيما بينهم".
زَبَدُ النوايا الحقيقية
لو كنا نعيش في عالم مثالي لأمكننا الاعتقاد في خيرية السياسة الدولية. لكانت الحروب شكلت بعثات السلام التي لا ينفك الزعماء الغربيون عن الحديث عنها، ولتحركت الحكومات مدفوعة فقط بالدفاع عن مصالح المواطنين. لكن عالمنا يبعد كثيراً عن أن يكون مثالياً.
التاريخ، تلك الأداة الضخمة لتحليل حاضرنا أيضاً، يثبت لنا أنه في بعض الأحيان تكون الروايات الرسمية لإحدى الحكومات هي الزبد الذي يغطي مواقفها الحقيقية. وأنه وراء المواقف العلنية الإيثارية ظاهرياً تختفي سياسات غير شرعية وإجرامية. وأنه تحت الخطابات الرسمية باسم الدفاع عن حقوق الإنسان تتحرك المصالح الاقتصادية والجيوبوليتيكية.
لا نحتاج لكثير من البحث لكي نعثر على أمثلة:
دعم الولايات المتحدة للانقلابات العسكرية والديكتاتوريات في أمريكا اللاتينية في أعوام الستينات؛ الأكاذيب لتبرير غزو وتمزيق العراق، الحجج لغزو واحتلال أفغانستان، الإنكار الممنهج لجرائم الحرب، لقتل المدنيين، إقامة مراكز التعذيب المنتشرة  في كل أنحاء العالم، قبول أوروبا برحلات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، استعمال الطائرات غير المأهولة -درون- لتنفيذ عمليات قتل خارج نطاق القضاء، استخدام اليورانيوم المخصب، بيع الأسلحة لحكومات ديكتاتورية وقمعية صريحة، ولائحة أخرى طويلة.
للمصادفة، اعترفت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية هذا الأسبوع بشيء كان معلوماً: دروها في الانقلاب الذي أطاح في عام 1953 برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، المنتخب ديموقراطياً والذي أمم النفط الإيراني الذي كانت تستغله حتى ذلك الحين بشكل رئيسي المملكة  المتحدة.
مؤخراً أُعلِن أيضاً عن عقد تزود بموجبه الولايات المتحدة القنابل العقودية للملَكِيَّة المطلقة في العربية السعودية، التي تزود الثوار السوريين بالسلاح.
الحكَم الوحيد
القوى الغربية تدعي مرة أخرى تنصيب نفسها حكما نزيهاً يجب استدعاؤه عندما تسوء الأمور. تقدم نفسها "حلالة" للمشكلات عبر استخدام القنابل وزخم عمليات عسكرية "نظيفة وعادلة وقصيرة" (هذا ما قالوه عن العراق، حتى لا ننسى).
الولايات المتحدة وحلفاؤها لا يبدون مستعدين لانتظار تقارير مفتشي الأمم المتحدة قبل مهاجمتهم لسـوريا، ما يشكل سابقة خطيرة.
نظام الأسـد مسؤول عن القمع، عن آلاف الضحايا، لكن في هذه الحالة لم يثبت حتى الآن أنه من قام بالهجوم بالأسلحة الكيميائية. يمكن أن يكون، وهو بالفعل واحد من ستة بلدان لم توقع اتفاقية السيطرة على الأسلحة الكيميائية (جارته، إسرائيل، لم تصدق عليها).
لكن الجدي- والقانوني- سيكون انتظار استنتاجات الأمم المتحدة عن الهجوم، وبعده، البحث عن عن خيارات بديلة عن استخدام لغة القنابل. عكس ذلك، سيكون الرهان مرة أخرى على حرب غير شرعية، لن تحظى بإجازة مجلس الأمن الدولي.
إذا تصرفت الولايات المتحدة وحلفاؤها كـ "حكم وحيد" لتقرير إذا ما كان ينبغي الهجوم على بلد ما أو عدمه، فإن أمة أخرى يمكن أن تطالب بالـ "حق" نفسه في الغد.
"االفواحش الأخلاقية" الأخرى
رئيس الوزراء البريطاني، دافيد كاميرون، قال إن الهجوم بالسلاح الكيميائي في سـوريا هو أمر "مقيت ومرفوض على الإطلاق"، الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند أعلن أن "فرنسا ستعاقب من قتل الأبرياء بالغاز"، ووزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، أكد أن استعمال الأسلحة الكيمائية هو فحش أخلاقي.
بوسعنا التساؤل عما إذا كان استخدام الفوسفور الأبيض في الفلوجة (العراق) من قِبَل الولايات المتحدة فحشاً أخلاقياً أو عملاً "مقيتاً ومرفوضاً". بالتالي يصبح أمراً مشروعاً الطرح المتعلق بمعاقبة أولئك الذين قتلوا الأبرياء بالغاز، كما دافعت عن ذلك فرنسا، مثل إسرائيل في غزة أو الولايات المتحدة في الفلوجة.
أن تتحدث عن الفحش الأخلاقي دولة قتلت وجرحت وعذبت وخطفت أو حبست بدون تهمة مئات آلاف الأشخاص، في العقد الأخير فقط، فهو أمر مثير للدهشة. أن تحاول قوى تشرع الخطف والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والسجون مثل غوانتامو تنصيب نفسها مرة أخرى زعيمة لحقوق الإنسان والحريات يبدو نوعأً من الهذيان. وأن يذهب حامل لجائزة نوبل للسلام للرهان مرة أخرى على الحل العسكري فهو أمر يظهر الإطار الغرائبي (الأورويلي) الذي نوجد فيه.
وسط متاهة المصالح الداخلية والإقليمية والدولية يوجد الشعب السوري، ضحية للعنف، داخل صراع يتحمل مسؤوليته أيضاً الأطراف الفاعلون الإقليميون والدوليون المتورطون منذ البداية.
في هذين العامين الأخيرين، تسببت الحرب في سـوريا في سقوط مائة ألف قتيل ومليونين من اللاجئين، أكثر من مليون منهم هم من الأطفال. لكن يبدو أن هؤلاء القتلى والنازحون لم يكونوا حتى هذه اللحظة "فحشاً أخلاقياً".
ثمة الكثير من الأسئلة لا جواب عليها:
بأية كيفية ستساعد القنابل الغربية الشعب السوري؟
كيف سيتم تجنب سقوط ضحايا مدنيين (آخذين في الاعتبار السوابق المأساوية)؟
هل أخذ بعين الاعتبار أن الاشتراك المفتوح لعدة بلدان في النزاع قد يرفع مستوى المواجهة في المنطقة؟
كيف سيُحال دون استخدام المزيد من الأسلحة الكيميائية في المستقبل؟
وبعد هذين اليومين من الهجمات، ماذا؟ هل هي حرب الاستنزاف مرة أخرى، السيناريو غير المحدد، التدخل السري؟
أو على العكس من ذلك، المزيد من القصف، المزيد من الهجمات، المزيد من الحرب، في القرن الحادي والعشرين، كطريق نحو السلام، فيما يُدار الظهر لطرق أخرى، وسياسات أخرى؟





http://www.eldiario.es/zonacritica/Siria-intervencion-ONU-rebeldes-EstadosUnidos_6_169443068.html

Monday 16 September 2013

"لا هم إرهابيون، ولا النزاع السوري هو حرب أهلية"




"لا هم إرهابيون، ولا النزاع السوري هو حرب أهلية"

خوان لويس فيزنانديث لوبيث- صحيفة الدياريو الإسبانية


أسامة أبا زيد، سوري يبلغ واحداً وثلاثين عاماً، كان يتجه يوم الجمعة الماضي إلى الفندق الذي يقيم فيه خلال زيارته لمدريد. انقطع طريقه عند مروره بساحة سول، حيث كانت الأعلام السورية ترفرف وسط صيحات ضد التدخل "الإمبريالي" للولايات المتحدة. "لم أستطع إخفاء دهشتي عندما رأيت تلك الأعلام الرسمية لنظام الأسـد". يتذكر. نيته في عرض علم الثورة أثار مشاعر بعض الحاضرين، الذين بدأوا بالضرب والشتم. الحادث أسفر عن جروح مختلفة للشاب السوري، لكنه يؤكد أن ذلك ليس أكثر ما يؤلمه.

قصة أبا زيد، المتحدِّر من درعا، تعكس صورة حقيقية للرعب الذي عاشه شعبه خلال عقود. تاريخ تأمله الشاب من الخارج، حيث رحل قبل عشر سنوات بحثاً عن الحلم الذي حالت بلده دونه. عيناه تومضان عندما يتذكر كيف أخذ يعرف بموت أصدقائه وأقربائه: "علمت بوفاة ابنة عمي، خمسة وأربعون عاماً، وبوفاة عمي عندما رأيت فيديو على الفيسبوك. مدينتي كانت واقعة حينها تحت الحصار، وهكذا لم تكن هنالك أية طريقة للتواصل معهم. خلال أربعة أسابيع عشتُ حالة الشك لعدم معرفتي ما إذا كانت والدتي وأشقائي ما زالوا على قيد الحياة".

يتذكر كيف أن الاحتجاجات في مصر بدأت تلهب مشاعر الأكثر يفاعة: "في أحد الأيام، رددت مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والرابعة عشرة صدى سقوط حسني مبارك ورسموا لوحة جدارية كان يمكن أن يُقرأ فيها "جاء دورك يا دكتور" في إشارة إلى الأسـد. رد فعل النظام كان اعتقال الأطفال، بعضهم من عائلة أبا زيد. يصف أسامة بصوت مرتجف كيف "عانوا من تعذيب رهيب في السجن خلال أسبوعين. اقتُلعت أظافرهم". يحمل مسؤولية ذلك لعاطف نجيب، رئيس جهاز الأمن في درعا وابن خالة الأسـد.

درعا مسرحاً للثورة

مدينة درعا هي المسرح الذي يرصد فيه أبا زيد البوادر الأولى للثورة. المظاهرة الأولى حدثت في الثامن عشر من آذار| مارس 2011. "المطلب الأقصى كان القضاء على الفساد، لم تكن ضد النظام أو الأسـد نفسه. لكنَّ الجيش رد بالرصاص وقتل شابين". سلسلة من الهجمات والجنازات تبعت هذا الفصل.

في الثلاثين من آذار| مارس، توجه الرئيس إلى الشعب عبر البرلمان بهدف طمأنته. بالنسبة لأبا زيد، تمخض الخطاب عن "نكتة خلت من الاعتراف بالضحايا وتعامل الأسد مع شعبه كإرهابيين. هذا ما جعل بؤرة الاحتجاج تنتقل باتجاه الأسـد نفسه".

كلمات الرئيس السوري تبعتها طلقات رصاص الجنود. "بعد ذلك بيومين فقط، أرسل الأسـد الجيش إلى مدينتي. ولمدة أربعة أسابيع لم يستطع السكان المدنيون الوصول إلى الماء أو الطعام"، يواصل كلامه متأثراً. بمواجهة هذه الحالة الطارئة كان سكان القرى المجاورة هم من هب لنجدتهم بالرغم من تحذيرات الجيش: "في أيديهم كانوا يحملون الطعام فقط لكن القوات المسلحة قتلت حوالي 1500 شخص".

يؤكد أبا زيد أن العنف لن يخنق روح الثوار. "هل سنتوقف؟ كلا. بهذا المعنى، نحن لا نريد انتقاماً، وإنما استعادة الكرامة. نريد العودة إلى ماض كريم، كان يتعايش فيه السُنة والعلويون والكاثوليك بسلام. تلك هي الثروة الكبيرة لبلادي". لا يخفي كذلك رفضه للأسـد عندما يعتبرهم إرهابيين: "الناس الذين يقاتلون هم مهندسون، أطباء، أناس ذوو تعليم عال. بعد القتال، الغالبية سيعودون إلى أعمالهم. إنها قضية دفاع عن النفس. لأن أحدأ لن يقوم بذلك نيابة عنهم".

يرفض الشاب السوري أيضا عبارة "الحرب الأهلية" كطريقة لتوصيف النزاع. "هنا لا يوجد طرفان. ليس هناك مواجهة أيديولوجية أو دينية. الأمر يتعلق ببساطة بعنف يمارسه ديكتاتور ضد شعبه". من هم إذاً الموالون للأسد؟. أسامة يقسمهم إلى مجموعتين: "الذين يريدون الحفاظ على مصالحهم والخائفون".

التجمع في ساحة سول

"السياسة لا تقوم على الإحسان، وإنما على المصالح". بهذه الطريقة يفسِّر أبازيد قلة اهتمام المجتمع الدولي. "لماذا يغضب العالم عندما يموت ألفا شخص باستعمال الأسلحة الكيميائية؟ أين كانوا عندما كان يتم قتل 150000 آخرين بنوع آخر من السلاح؟"، تساءل أسامة عندما شاهد مائتي متظاهر تجمعوا في الساحة المدريدية للاحتجاج ضد "الحرب الإمبريالية".

"هل أنا مؤيد لتدخل الولايات المتحدة؟ علي أن أعرف قبل ذلك الهدف الذي يسعون إليه". بالنسبة لأبا زيد، فإن الإدراة الأمريكية "تريد أن تري العالم أن هناك خطوطاً حمراء يجب عدم تجاوزها"، وكذلك حماية مصالحها ومصالح حلفائها. في هذا السياق، يجد الدفاع عن حقوق الإنسان مكانه فقط في البلاغة اللفظية. "الدعم الأمريكي للثوار هو مجرد دعم إعلامي".

تلك القناعات كانت ما حمله على التوقف في ساحة سول. هنالك كانت ترافقه شابة إسبانية، كانت ترفع لافتة بالعربية تحمل رسالة :"لا لحرب الإبادة الأسدية ضد الشعب". بعض السوريين الذين تجمهروا حول تمثال كارلوس الثالث بدأوا بالامتعاض من وجود اللافتة.

قرر أسامة الانضمام إلى الشابة في مطالبتها، عارضاً عَلَمَ المعارضة السورية، الذي يستعيض عن المستطيل الأحمر في العلم السوري بآخر أخضر. مجموعة من ثمانية رجال، إسبان وسوريين، انقضوا عليه. كان على الشرطة أن تتدخل للحيلولة دون تفاقم الأمور. بالرغم من جروحه، يبدو أبا زيد فخوراً بالحفاظ على عَلَمه: "إنه العَلَمُ الذي سبق وصول آل الأسـد إلى السلطة، رمز سـوريا المستقلة".













http://www.eldiario.es/internacional/Occidente-Guerra-Siria-guerra_0_171833352.html

Wednesday 11 September 2013

رحلة إلى جحيم الزعتري




رحلة إلى جحيم الزعتري

آنا غارّالدا- صحيفة الكونفيدينثيال الإسبانية


الزعتري (الأردن)- إنه مخيم اللاجئين السوريين الأكبر في الأردن، الذي يستضيف حتى اللحظة ثلاثة مراكز مشابهة (الرابع سيبدأ في العمل بين أواخر أيلول| سبتمبر وتشرين الأول| أكتوبر). إنه كبير إلى درجة أنه تحول إلى رابعة كبريات المدن في البلاد. هنا، في الزعتري، يعيش، حسب السجلات، مائة وثلاثون ألف شخص، ما يجعله ثاني أكبر مخيم للاجئين في العالم (بعد مخيم الداداب، في شرق كينيا). "الكونفيدنثيال" قامت بزياته لتروي كيف يعيش سكانه، بماذا يحلمون، وماذا خلفوا وراءهم.
"ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها الأسـد الأسلحة الكيميائية"
بالرغم من الحَر والغبار وسهولة التسليم في مكان الوجود فيه هو بقاء على قيد الحياة أكثر مما هو حياة، يظهر محمد مسرح الشعر ومشذب اللحية... في الزعتري، علاوة على محال بيع الخضار الصغيرة أو الأسواق المتواضعة، فإن الأكثر إقداماً افتتحوا أيضاً بعض محالّ الحلاقة.
هذا الرجل البالغ أربعة وثلاثين عاماً كان يعيش في ضواحي دمشق. وصل إلى ثاني أكبر مخيم للاجئين في العالم في آذار| مارس من هذا العام، بعد أن أمضى أربعين يوماً مختبئاً في بعض القرى القريبة من الحدود مع الأردن، حيث كان ينتظر الوقت الأكثر أماناً من أجل العبور إلى الجانب الآخر. "بعد ذلك بخمسة أيام قصفوا قريتي بالأسلحة الكيميائية"، يؤكد.
حسب تقرير أعدته لجنة الاستخبارات المشتركة البريطانية، ونشرته حكومة ديفيد كاميرون في التاسع والعشرين من آب| أغسطس الماضي، يُعتَقد أن نظام بشار الأسـد قد يكون استخدم الأسلحة الكيميائية في حوالي 14 مناسبة منذ 2012 . المرة الأخيرة، في الحادي والعشرين من آب| أغسطس ضد غوطة دمشق، القريبة من قرية محمد.
"أصبح الأمر معروفاً الآن، لكنه استخدمها في مرات أخرى"، اليوم، هذا السوري ذو النظرة الفخورة يفكر فقط في إمكانية العودة إلى بيته. "هذا العذاب يجب أن ينتهي"، يضيف. إلى جانبه، لاجئون آخرون ينتظرون صابرين فراغه من الكلام ليرووا قصصهم.
"أفضِّل الموت في بلدي قبل أن أموت في مخيم للاجئين"
أكثر ما يفاجىء في هلال هو بشاشته. وجدناه يمشي وحيداً في واحد من عشرات السبل المغبرة التي تشكل مخيم الزعتري. في عامه السابع والخمسين، هذا الرجل المنتمي إلى محافظة درعا يحمل حقيبة سوداء صغيرة معلقة على كتفه وفيها كل متاعه. يقترب منا. "فليعلم العالم أن الناس ترحل من هنا أيضاً"، يشرح فيما يقترب. "أنا سوف أعود إلى مدينتي، إلى بيتي في سـوريا، أفضِّل الموت في بلدي قبل أن أموت هنا".
هلال، الذي مضى عليه في الزعتري خمسة شهور، يتوجه ماشياً إلى قسم الشرطة الواقع في مدخل المخيم. إلى هناك يجب أن يحضر كل أولئك الذين يريدون مغادرة مدينة اللاجئين هذه من أجل التسجيل وضمهم إلى القائمة. بشكل دوري، يقوم الجيش الأردني بتجميعهم ويوفر لهم وسيلة للنقل (حافلات ركاب وشاحنات بضائع) لإعادتهم إلى الحدود. في حوالي 380 كيلومتراً من خط ترسيم الحدود الذي يوجد بين الأردن وسوريا، ثمة أكثر من أربعين معبراً غير شرعي يدخل ويخرج منها اللاجئون
"ألا تخاف من العودة؟"، نسأله. "كلا، إطلاقاً. ما عدنا نخاف". من السهل أن تتخيل هلال ضاحكاً... نظرته وتعبيرات وجهه تنبىء عن طبيعة محببة. الآن يودع بابتسامة أيضاً، لكنها حزينة هذه المرة. يسلم باليد بينما يبتعد. يواصل طريقه بسرعة، كائناً ما كان هذا الطريق.
"خرجنا من سـوريا لأنه لم يعد لدينا شيء لنأكله أونشربه"
في ظل الأمن الذي توفره إحدى البوابات، على جانب واحد من الشوارع الرئيسية في الزعتري، تجلس خولة مع أولادها الأربعة. واحد منهم ما زال طفلاً رضيعاً، بالكاد تمكن رؤيته لأن والدته تحميه بإخفائه تحت الثياب، في حضنها. إنها الطريقة الوحيدة لحمايته من ملايين ذرات الغبار التي تضرب في كل لحظة ملجأها المرتجل، في الزاوية. "وصلنا قبل خمسة أيام من إدلب (شمال غرب سوريا)"، تشرح هذه المرأة البالغة ستة وثلاثين عاماً وهي جالسة على الأرض.
إلى يمينها، ابنتها ذات الأعوام الخمسة تنظر بفضول، لكنها لا ترد على السلام بابتسامة. إلى شمالها، طفل آخر لا يزيد عمره عن عامين يلعب على الأرض بزجاجة من البلاستيك فارغة. كل الصغار مغطّون بطبقة من الغبار، سميكة بشكل خاص في الشعر والأقدام. "خرجنا من سوريا لأنهم كانوا يقصفوننا كل يوم و لم يعد لدينا شيء لنأكله أو نشربه"، توضح خولة مغطية نفسها بحجابها الأسود. "هنا سنمضي قدماً؛ سأبحث عن عمل إذا احتاج الأمر، أي عمل، لكننا بأمان هنا"، تضيف.
من بين حوالي 560000 لاجىء سوري يستقبلهم الأردن، ما يقرب من سبعين بالمائة هم من النساء والأطفال، وُفق معلومات الأمم المتحدة. خولة تؤكد أن الأسوأ في الزعتري هي الأرض القاحلة والمجدبة للصحراء التي يوجد فيها، فضاء قدمته الحكومة الأردنية الهاشمية ويشغل ثلاثة كيلومترات مربعة من محافظة المفرق.
طائفة من الأمراض
الصغير إبراهيم (عشرة أعوام) يرقد وحيدأ في واحد من الأسرَّة في المستشفى العسكري الفرنسي في الزعتري، أحد ثلاثة مراكز صحية تتوزع في المخيم (بجانب واحد مغربي وآخر بإدارة سعودية، إضافة إلى منشآت تُدار بواسطة منظمات غير حكومية مثل أطباء بلا حدود أو أطباء من العالم). هنالك انتهى قبل بضعة أسابيع إثر احتراق خيمته بعد أن انقلب في داخلها موقد الغاز الذي كان يعد الشاي عليه.
ظروف الحياة الصعبة في المخيم توسع سلسلة الأمراض المعالجة من قبل أطباء المستشفى العسكري: الإسهال، التهاب الكبد، السالمونيلا، الالتهابات التنفسية، إلى آخره. "بالإضافة إلى ذلك، توجد مشكلات أخرى"، يشرح جي. ليرال، الطبيب العسكري مدير المستشفى، "الأطفال (حوالي 60000 في كل المخيم) يروق لهم الصعود إلى الحافلات الصغيرة وهي تمشي، وبعضها صدئة أو في حالة سيئة، ما يسبب لهم جروحاً وكسوراً". معلومة: ربع الأطفال السوريين النازحين يذهبون إلى المدرسة.
الحالات الأكثر خطورة التي تصل إلى المخيم تُحول عادة إلى مستشفيات أردنية عامة تقع خارج المخيم. الغالبية العظمى منها تعمل في أقصى طاقتها، ما دفع الأردن إلى طلب مساعدة المجتمع الدولي في مناسبات عديدة.
"في سوريا كان لدي كل شيء. لم أتخيل نفسي قط بهذه الحالة"
من خارج بيته مسبق الصنع (بعض اللاجئين تمكنوا من استبدال مساكن صغيرة بخيامهم)، نلاحظ بسام وهو يرقع بعض السراويل. هذا الرجل ذو الثمانية والستين عاماً يعمل خياطاً، أو هذا ما كان يتخصص فيه على الأقل في سوريا، عندما كان يعيش في درعا. على طاولته توجد آلة الخياطة التي قد تكون أكبر عمراً من صاحبها.
بالرغم من عمره، كان على بسام أن يستأنف مهنته القديمة. يؤكد أن المساعدة المقدمة من المنظمات الدولية "لاتكفي للحياة". أسعار الأغذية حلقت عالياً. "في سوريا كان كيلو البطاطا يكلف ما بين عشر إلى خمس عشرة ليرة (حوالي عشر سنتيمات من اليورو)، هنا في الزعتري يكلف أكثر من مائتين (حوالي ثلاثين سنتيماً). صناديق المؤن التي تقدمها الأمم المتحدة، بالتنسيق مع الحكومة الأردنية، تتضمن فقط الأغذية المعلبة (المعكرونة، السكر، المعلبات...). الفواكه و الخضار والبقول يجب البحث عنها خارجاً.
يتأثر بسام. "ما تخيلت قط أنني سأرى نفسي هكذا في هذا العمر"، يقول متأسفاً. "في سوريا لم يكن لدي الكثير، لكنني لم أكن في حاجة إلى شيء". يروي الرجل المسن كيف بدأت الاحتجاجات، التي آلت إلى حرب أهلية، في مسقط رأسه. "كان ذلك بسبب انعدام المساواة"، كما يوضح.
يحكي عن وضعه الخاص. ذات يوم، حضر أحد زبائنه إلى محله للخياطة. "سألني كم واحداً من أبنائي لديه عمل. أجبته بأن لدي سبعة، كلهم لديهم مهن لكن لا أحد منهم يعمل". كل أبناء زبونه، في المقابل، كان لديهم وظيفة. "كان لديه واسطة، شقيقه كان نائباً في البرلمان عن درعا"، هكذا اشتعلت الشرارة.
يتجنب بسام الحديث عن حرب طائفية في بلده. "هذه ليست المشكلة الأصلية. إنها الامتيازات التي يمتلكها المرتبطون بالنظام"، كما يؤكد. الآن هو يحلم فقط بإمكانية الموت في بيته...






http://www.elconfidencial.com/mundo/2013-09-09/viaje-al-infierno-de-zaatari_26204/