Monday 28 October 2013

ثوار مدينة متمردة




ثوار مدينة متمردة

ألدو ساودا- موقع: ريبليون



الوصول إلى مدينة منبج ليس مهمة سهلة. ليس ذلك لأن المدخل إلى أحد المراكز الحضرية الرئيسية تحت سيطرة الثوار السوريين خلو من الطرق المعبدة أو لأنه بعيد جداً. إن "غازي عنتاب"، أحد المراكز الصناعية الرئيسية في الجارة تركيا، التي تملك مطاراً دولياً، هي على بعد ثلاثين دقيقة فقط من المدينة. لكن التحديات للوصول إلى منبج هي شيء آخر؛ فعزل الثورة جعل من المناطق الحرة في البلاد جزراً سياسية وعسكرية حقيقية، مقطوعة عن بقية العالم.   

العبور من تركيا إلى شمال سـوريا، كما في أي مكان آخر، يمكن أن يتم بطريقة شرعية أو غير شرعية. لكن وجود ختم الجيش السوري الحر على جواز سفرك قد لا يكون فكرة حسنة. العبور جرياً عبر حقول الزيتون على الحدود، متجبناً على الدوام ما أمكن ذلك الألغام الأرضية ودوريات الجيش التركي، هو بشكل أكيد البديل الأفضل للدخول إلى البلد.

تقريباً كل المدن المحررة في شمال سوريا هي صغيرة، فقيرة إلى أقصى الحدود، وفي عدد كبير من الحالات، يقطنها القرويون. في الواقع، إن تسميتها بـ "مدن" هو مبالغة. هي في غالبيتها العظمى قرى تضم القليل من السكان. حتى مدينة منبج، بالرغم من سكانها الخمسمائة ألف تقريباً (نصفهم، هم لاجئون من أنحاء أخرى من البلاد) هي أكثر شبهاً بقرية كبيرة.

المناطق الداخلية في محافظة حلب، التي كانت عاصمتها مسرحاً لمعارك شرسة منذ بداية الثورة، تميزت دائماً بفقرها. تاريخياً، كانت االمناطق البعيدة عن العاصمة دمشق مهجورة من قبل نظام الديكتاتور بشار الأسـد. وإذا كانت الحالة قبل الثورة سيئة، فإنها ازدات سوءاَ بعد الحرب. مستشفيات منبج تعاني نقصاً مزمناً في الأدوية، هنالك انقطات مستمرة للكهرباء، وفوق كل شيء، لم يعد هناك المزيد من الوظائف. المدينة الجارة حلب، عاصمة المحافظة والمركز الاقتصادي للبلاد، كانت مصدراً مهماً للوظائف بالنسبة لسكان منبج. اليوم لم تعد كذلك. الخراب الناجم عن الحرب جعل من أكثر من ثمانين بالمائة من الصناعات في المدينة تتعرض للدمار. أضف إلى ذلك، عمليات القصف الجوي المستمرة من قبل نظام الأسـد وهدفها الرئيسي هو ترويع السكان المدنيين.

كل السلطة للمجالس الثورية!

في داخل حلب، قوة الثورة يُشعَر بها في الهواء. شبان ناشطون، كانوا حتى أيام قليلة خلت يقودون التظاهرات، يديرون المدن اليوم. كثيرون هم طلاب سابقون تركوا، بسبب الثورة، حيواتهم اليومية للانخراط في قضية. يُضاف إليهم الشعب الفقير والعامل في المنطقة. بواسطة المجلس الثوري، وهو جبهة كانت تنظم في البداية التظاهرات المناوئة للأسـد وتطورت لتصبح هيئة ذات سلطة مزدوجة، يدير ناشطو منبج حياتهم.

أربعون عاماً من الديكتاتورية الوحشية كانت تعني، إلى وقت قريب، أن فكرة المناقشة المفتوحة للمشكلات السياسية في الشارع هي شيء غريب كلياً عن السكان المدنيين.

في المجالس الثورية يوجد تفاعل قليل بين الناشطين والسواد الأعظم من سكان المدينة. لكن الفضاء، بالفعل، مفتوح للقطاعات الأكثرتسييساً من المجتمع التي تريد المشاركة.

النقص في حضور النساء هو أمر لا ينُكر في المجلس، ولكن في مدينة محافظة، متدينة وإقليمية، حيث تُشاهد النساء علناً بصعوبة، المشكلة لا يمكن أن تُنزع من سياقها. إن مجرد وجود مجلس للناشطين يحاول إدارة مدينة ذات خمسمائة ألف نسمة بشكل ديموقراطي، وسط فوضى الحرب، يمثل إحدى التجارب السياسية الأكثر راديكالية في القرن الحادي والعشرين.

غياب الانضباط بين المقاتلين يجعلهم في أحيان كثيرة لا يحترمون قرارات المجلس، مضعفين هيئات السلطة المزدوجة. لكن، توجد كتائب تعلن التزامها بمركزية القرارات الصادرة عن المدنيين، وتعمل بشكل شامل على تنفيذ قراراتها. كجزء مكمل من هذا الموزاييك، توجد مجموعات مسلحة تستخدم المدينة فقط كقاعدة للاستراحة قبل الذهاب إلى جبهة المعركة.

طابور الأسد الخامس

الاضطراب والفوضى، ثمرتا غياب المركزية الديموقراطية عند المقاتلين، هما جزء فقط من المشكلة السياسية العسكرية الموجودة في منبج. اليوم، ليس في الكتائب غير المنضبطة للجيش السوري الحر حيث يوجد التهديد الرئيسي للثورة، وإنما في تنظيم أكثر شؤماً وغموضاً: القاعدة. أحد فصيليها الموجودين في شمال سـوريا، الدولة الإسلامية في العراق والشام، حرك جزأ معتبراً من قواه لتولي قيادة المدنية. متصرفاً بشكل غير أمين في الصفوف الخلفية، حاول تنظيم "الدولة الإسلامية" الاستحواذ لنفسه على المناطق الحرة في البلاد.

وفقاً لأعضاء تنظيم الدولة أنفسهم، فإن المعركة المركزية للقاعدة لا تدور حول المواجهات مع الطاغية الأسـد، وإنما على إقامة دولة إسلامية في المنطقة. هذا يساعد في تفسير بيع الوقود للنظام من آبار البترول التي تسيطر عليها الجماعة. على النقيض من قسم كبير من جماعات الإسلاميين الراديكاليين، فإن مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام قلما يُشاهدون في معارك ضد النظام، حيث يتحركون، بشكل حصري تقريباً، في المناطق المحررة فعلاً من قبل الثورة.

مكوناً في قسم كبير منه من متطرفين من مناطق مختلفة من العالم، يُنظر إلى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" من قبل السكان المدنيين المحليين على أنه جسم غريب عن المجتمع. لا يوجد، بأي شكل من الأشكال، دعم جماعي للقاعدة في محافظة حلب. لكن، بسبب امتلاكهم لجماعة سياسية-عسكرية مركزية بشكل كبير ومنضبطة، غنية بمواردها المادية وذات هدف سياسي محدد جيداً، فإن مقاتلي تنظيم الدولة تقدموا في عملية الاستيلاء على الأرض.

أكثر من أي وقت مضى، فتح غياب تنظيم سياسي-عسكري في المنطقة، مركزي بشكل ديموقراطي، وجدير بتقديم بديل حقيقي للعمال السوريين، فتح المجال لمجموعات مختلفة مضادة للثورة لامتطاء نضال الشعب.

تنفتح في سـوريا مرحلة ثورية واسعة في البلاد، ستُعرَفُ نتائجها على المدى البعيد وحسب. ومهما حاولت القاعدة والأسـد وبوتين وأوباما، بكل ما في وسعهم لخنق الثورة، في منبج، كما في بقية البلاد، فإنها تستمر أكثر حياة مما كانت في أي وقت مضى.











http://www.rebelion.org/noticia.php?id=175220&titular=los-revolucionarios-de-una-ciudad-rebelde-

Wednesday 23 October 2013

أن تعرف أو لا تعرف، تلك هي المعضلة





أن  تعرف أو لا تعرف، تلك هي المعضلة

سانتياغو ألبا ريكو- موقع: عيش


(هذا النص هو تقديم لتقرير "تمكين المقاومة الديموقراطية في ســوريا " الصادر عن مبادرة الإصلاح العربي Arab Reform Initiative  ).

ليس بالوسع نكران أن ما بدأ في سـوريا كثورة شعبية سلمية -على خطى تونس ومصر- في سبيل الكرامة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية قد تحول إلى صراع دولي تحجب فيه الاصطفافات الطائفية والمصالح الأجنبية بشكل متزايد الدافعَ الأصلي وفاعليه المحليين.
في مناسبات أخرى سردتُ أسباب هذا التحول في الاهتمام، الذي هو في جزء منه حقيقي وفي الجزء الآخر وهمي. الأسباب الحقيقية هي ثلاثة على الأقل. الأول، بلا شك، هو القمع الشرس للديكتاتورية، الذي قتل وأبعد أو سجن في عامين عدة أجيال -مئات آلاف الأشخاص- من الناشطين والقادة الديموقراطيين، مدعوماً بالسلاح من روسيا وبالتعاون العسكري مع إيران وحزب الله. الثاني يتعلق بتدخل القوى الخارجية، ولا سيما العربية السعودية، التي مولت وتمول القطاعات "الثائرة" الأكثر رجعية؛ بكلمة أخرى، المجموعات الجهادية القريبة من القاعدة، التي أطلق سراح الكثير من أعضائها في السجون السورية من قبل بشار الأسـد نفسه في الأشهر الأولى من الثورة. كما هو معروف، هذه الكتائب الإسلاموية، التي ما زالت أقلية، اكتسبت أهمية متزايدة بسبب قدرتها العسكرية على الأرض، ما يحولها إلى مركز جذب للكثير من الشباب المقاتلين، اليائسين جراء نقص سلاحهم. كل الشهادات تشير إلى أن هذه المجموعات، وخاصة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة، تستولي على المناطق المحررة من قبل كتائب أخرى ويحاولون فرض "القانون الإسلامي" بواسطة الخوف، معززين إضافة إلى ذلك الانقسامات الطائفية، في استراتيجية تفيد فقط مقاصد النظام في القضاء على الثورة الديموقراطية وإضفاء الشرعية على الديكتاتورية.
السبب الثالث يتعلق بنقص الدعم والتضامن اللذين كان ضحية لهما القطاعات الديموقراطية  -العلمانيون، الإسلاميون المعتدلون، ومن اليسار- الذين أطلقوا شرارة الثورة. فقط الأكثر ديماغوجية في مناهضة الإمبريالية (anti-imperialism) داخل الصالونات يمكنها اليوم أن تنكر أن الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط لم ترد قط التدخل عسكرياً في سـوريا بل إنها بالفعل وفيما وراء التصريحات البلاغية، ساهمت قليلاً جداً في تقويض نظام دمشق: هدفها كان إضعافه أكثر مما كان الإطاحة به، مع التفكير الدائم في إسرائيل، كما تظهر ذلك مبادرة نزع سلاح سـوريا الكيميائي، التي تطمئن الدولة الصهيونية فيما تعيد إضفاء الشرعية على بشار الأسـد وتمنحه هدنة لشهور كثيرة، إن لم تكن لأعوام. أما اليسار العربي والدولي، فقد راوح ما بين العجز واللامبالاة والدعم الصريح للديكتاتورية.
فيما يخص الأسباب "الوهمية" لهذا الانزياح في الاهتمام، يجب أن نلفت إلى دور وسائل الإعلام، التجاري منها والبديل. بعد انقطاع قصير إبان الانتفاضات الأولى، عندما اكتشفت وسائل الإعلام الغربية وجود ديكتاتوريات في العالم العربي و–ضدها- شعوب لديها طموحات ديموقراطية، استعيد الوضع الطبيعي في أسوأ حالاته: بسبب الكسل تارة، والتلاعب تارة أخرى، تعود الإسلاموفوبيا اليوم لتحتل مركز الأخبار والتحليلات. القاعدة تعود بقوة، ليس فقط لأن الديكتاتورية الأسدية والحرب الأهلية وفرتا لها أرضية مؤاتية (كما حدث من قبل في عراق الغزو الأمريكي) وإنما أيضاً لأن التهديد الإسلاموي، مع مجموعة الكليشيهات التي ترافقه، يناسب بشكل أفضل رؤية للعالم كان يبدو أنها صارت وراءنا. لسوء الحظ، إلى هذه الإسلاموفوبيا المغلفة بالأفكار النمطية، التي اشتكى منها اليسار دائماً كأداة للتدخل الاستعماري الجديد، انضمت اليوم بعض القطاعات المفترض أنها مناهضة للإمبريالية والتي تفضل تبسيطاً متسقاً على معرفة صادقة للواقع. وهكذا، لا وسائل الإعلام التجارية ولا البديلة كان لها أي اهتمام بمعرفة ما يجري داخل سـوريا؛ ما عدا استثناءات معدودة، أعاد الجميع إنتاج النمط الثناني نفسه: بمواجهة نظام دمشق (السيء بهذه القدر أو ذاك، حسب تعدد الروايات)، فإن كل المعسكر المسمى "ثائراً" سيُرى مقتصراً على حشد من الإسلامويين الشرسين المستعدين لفرض الشريعة بالوسائل الأكثر إجراماً. انتصار هذا النوع من التفكير هو في الحقيقة انتصار لبشار الأسـد ومحزن جداً- كما أشار إلى ذلك قريباً الصحفي اللبناني خالد صاغية- الاستماع إلى قطاع من اليسار مستخدماً ضد التدخل الأمريكي المتوعِّد في سـوريا الحججَ ذاتها التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التدخل عام 2003 في العراق: الصراع ضد الإرهاب الإسلاموي.
ولهذا، هو مهم جداً التقرير المُعد من قبل مبادرة الإصلاح العربي Arab Reform Inintiative، وهي منظمة تأسست في 2005 مدعومة وممولة من قبل كوكبة غامضة من مراكز البحوث والمؤسسات، بعضها أكثر استقلالاً من الأخرى (من مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية المصري إلى مشروع الشرق الأوسطUS Middle East Project  الأمريكي إلىCasa Arabe البيت العربي الإسباني). مديرته التنفيذية ومؤلفة التقرير، بسمة قضماني، هي باحثة سورية، متخصصة في المنطقة، وكانت خلال بضعة شهور، عضواً وناطقاً باسم المجلس الوطني المعارض لنظام دمشق. مؤهلاتها كما عملها يجعلانها مصدراً مخوَّلاً بغض النظر عن اتفاقنا أو عدمه مع أفقها الايديولوجي، الأكثر ليبرالية، بطبيعة الحال، منه ماركسياً. سيقدر القارئ أهمية بحثها بقراءته النتائج: في لحظة لا يريد أحد فيها أن يتذكر الدافع الديموقراطي الأصيل للثورة السورية ويبدو فيها أن الكل يفضل رؤية نوع واحد من الثوار فقط، فإن "تمكين المقاومة الديموقراطية في سـوريا" -عنوان البحث- يكشف كل التعقيد والغنى ضمن مجموعات المعارضة المسلحة للديكتاتورية. الغاية غير الخافية للبحث هي الحصول على المساعدة للقطاعات الديموقراطية التي تناضل على الأرض في الوقت نفسه ضد النظام وضد الجهاديين؛ ولهذا يجب أن نذكرها، نسميها، نحدد هويتها، نعرِّفها، نقيِّم قدراتها: إنها معرفة، في آخر الأمر، يمكن أن تكون مزدراة فقط من قبل أولئك الذين لا يريدون انتصار الديموقراطية في سـوريا، من قبل أولئك الذين يرغبون -بشكل أكثر صراحة- بانتصار الديكتاتورية أو أولئك الذين، في كل الأحوال، يفضلون فكرة بسيطة، ولو كانت خاطئة، على معرفة مفصلة للواقع يمكن أن تُضطرهم لاحقاً للانحياز. إذا كان الأمر يتعلق بتشبثنا بأوهامنا الإيديولوجية، فلنترك هذا التقرير جانباً؛ وإذا كان الأمر يتعلق بالمعرفة -الشرط الأساسي لكل مشروع تحرري- فإن بحث مبادرة الإصلاح العربي يضع في أيدينا أداة قيِّمة جداً لإرشادنا في ضباب ســوريا الدامي.






http://aish.com.es/otras-voces/siria/570

Wednesday 16 October 2013

"نوبل" مثيرة للجدل




"نوبل" مثيرة للجدل

ايغناثيو ألباريث أوسوريو- موقع: ذي اوبجيكتيف
 


فأجأ منح جائزة نوبل للسلام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية القريبَ والبعيد، من بين أسباب أخرى لأن مهمتها في سـوريا بدأت لتوها. تدمير الترسانة الكيميائية السورية (أكثر من ألف طن من غاز السارين والخردل الموزعة في خمسين موقعاً) تبدو مهمة معقدة، بالنظر إلى انغماس البلاد في حرب أهلية دامية وإلى أن النظام فقد السيطرة على جزء غير قليل  من الأرض.

لا شك في أن الجائزة تعني إشادةً للولايات المتحدة وروسيا، اللتين تفاوضتا في سباق مع الزمن بغية التوصل لتدمير أسلحة الدمار الشامل السورية. كذلك لا يمكن نكران وجود عناصر إيجابية في هذا الاتفاق، مثل أن هذه الأسلحة لن تعود لتُستخدم ضد السكان المدنيين، لكنَّ له آثاراً سلبية أيضاً، ذلك أنه يعترف بالنظام السوري محاوراً، وبالتالي، يقدم له نَفَساً جديداً في وقت حساس بشكل خاص.

بالإضافة إلى ذلك ستكون ضرورية تسعة شهور على الأقل من أجل إكمال تدمير تلك الترسانة. خلال هذه الفترة سيكون النظام السوري محصناً، ذلك أن بقاءه أمر لا غنى عنه من أجل ضمان إنجاز الاتفاق. في غضون ذلك سيمكنه الاستمرار في استخدام الأسلحة التقليدية (بما فيها صواريخ سكود وطائرات الميغ) بهدف سحق المواقع الثائرة واللجوء إلى قوات أجنبية (حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني) لضرب المعارضة.

إذا انطلقنا من قاعدة أن تدمير الأسلحة الكيميائية لن ينهي الحرب الأهلية السورية، فإن منح جائزة نوبل للسلام لمهمة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية يبدو عملاً استعراضياً يهدف إلى إرضاء الولايات المتحدة وروسيا ومكافأتهما على استراتيجيتهما بالتطويل غير المحدد للحرب السورية.









http://theobjective.com/blog/es/Subjetivo1/controvertido-nobel

Friday 11 October 2013

الجمود كخيارٍ أفضل




الجمود كخيارٍ أفضل

خوان غويتيسولو- صحيفة الباييس الإسبانية


منذ تحوّل الاحتجاجات الحاشدة على عذاب بعض المراهقين المذنبين بجريمة رسم بعض اللوحات الجدارية ضد طاغية دمشق إلى حرب على المدنيين ذات طابع طائفي متنام بين الفرعين الرئيسين للإسلام والتي أصحبت الأقليات الدينية الأخرى المستقرة في سوريا لآلاف السنين رهينة لها، فإن المذبحة اليومية للأبرياء أمام السلبية غير المشرِّفة للبلدان الديموقراطية أفسحت المجال لسلسة من الالتباسات كتلك التي تجادل مفضلة عدم تسليم السلاح إلى الثوار بناء على الخوف المبرر من وقوعها في أيدي المتطرفين، متهربة من حقيقة أنه إذا كان ثمة متطرفون في ســوريا حالياً فإن ذلك يرجع بالتحديد إلى عدم تسليم تلك الأسلحة قبل عامين إلى أولئك الذين لم يكونوا كذلك. بموازاة ذلك، كان لإطلاق تسمية الارهابيين من قبل الأسـد على الذين كانوا يتظاهرون عزلاً ضد سلطته العائلية العشائرية القوية كان له أثر ضار في خلق إرهابيين حقيقيين كأولئك الذين في جبهة النصرة وجماعات أخرى منتسبة إلى القاعدة، وهو تغيير يصب في مصلحته ويبعد خطر تدخل عسكري موجّه لإنهاء المذبحة التي حصدت حتى الآن أكثر من مائة وعشرة آلاف ضحية.

في رسم كاريكاتوري منشور قبل بضعة أسابيع في انترناشيونال هيرالد تريبيون يُشاهد جبل من الجماجم معبأة في أكياس بلاستيكية مختلفة وعليها ملصقات عن موتى بسبب الطيران، بسبب المروحيات، المدفعية، الدبابات، الرشاشات، الهاون، إلى آخره، وإلى جانب ذلك الجبل زوج من الجثث المنفصلة. موظفان من الأمم المتحدة يتأملان ويقولان: "هذان يبدو أنهما ماتا بسبب الغاز، يجب أن نفعل شيئاً". الفكاهة المروعة في الأقصوصة  تضع الإصبع على الجرح باستدعاء العلاقة المعقدة والغامضة الموجودة بين المعايير ذات الطبيعة الإنسانية وذات الطبيعة القانونية، بين الأسلحة التقليدية والأسلحة المحظورة. فيما لم يؤد الاستخدام المكثف للنوع الأول في سـوريا، كما حدث في البوسنة، إلى تدخل عسكري للقوة العسكرية الأولى على الكوكب، فإن استخدام الثانية وفق أوباما كان ليؤدي إليها تحت مظلة الشرعية الدولية، شرعية خلفيات غامضة بدورها إلى درجة أن المنتصرين في الحرب العالمية الثانية الذين يشكلون مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لا يتفقون ولو على عملية عقاب محددة. مواجهاً معضلة الاختيار بين السيء والأسوأ (تداعيات هجوم جوي في المسرح المتفجر فعلاً في المحيط السوري)، اختار الرئيس الأمريكي الانسلال طالباً موافقة الكونغرس، سحب بوتين من كمه العرض بتدمير الترسانة الكيميائية تحت السيطرة الأممية (عملية تمنح متنفَّساً طويلاً للأسـد) وقدم العون بالمناسبة لأوباما متيحاً له إنقاذ ماء وجهه. بعد لعبة الشطرنج البارعة هذه من القيصر الروسي، أصبح الوضع تعادلاً وهو ما يواتي كل الأطراف الفاعلة في الصراع، مع الاستثناء الجلي للشعب السوري البائس.

من بين جميع المقالات التي قرأتها حول الموضوع في الفترة الأخيرة بدا لي أن أكثرها مطابقة للحقيقة القاسية هي تلك التي كتبها ادوارد لوتووك، عضو مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي الشهير، المنشورة في نيويورك تايمز والمعاد نشرها في اللوموند. ببراغماتية باردة تقصي كل اعتبار إنساني ومحاججة قانونية يشرح بوضوح ماهية مصالح بلاده بعد التجارب المريرة في أفغانستان والعراق. انتصار الأسـد، كما يقول، سيقوي المحور الشيعي لحزب الله وإيران، وهو ما سوف يشكل ضربة خطرة لواشنطن وحليفتها إسرائيل. انتصار المتمردين المتطرفين سيجعل الجهادية تمتد إلى كل الشرق الأدنى والجزيرة العربية. وبناءً عليه: يمكن للولايات المتحدة أن تحبذ حلاً واحداً فقط: التعادل المُمدَّد. ولهذه الغاية، يواصل كلامه، "ينبغي تسليح المتمردين عندما تكون لقوات الأسـد اليد العليا ووقف هذا التزويد (بالسلاح) عندما يكون المتمردون في موقع الأفضلية".

بالمختصر، ينبغي تركهم يتقاتلون حتى الاستنفاد المتبادل، حتى لو دام ذلك سنوات. فيما هم يقتتلون فيما بينهم سوف نتمتع بسلام نسبي.

ماكيافيلي ما كان ليعبِّر بطريقة أفضل من دون الانشغال قيد أنملة بمصير ملايين الضحايا في بلد مدمر. لكن كما يقول المثل السائر القديم: سوء الاستعمال لا يحول دون الاستعمال المناسب.










http://internacional.elpais.com/internacional/2013/10/07/actualidad/1381166074_963706.html