Friday 28 February 2014

تكنولوجيا وبيولوجيا




تكنولوجيا وبيولوجيا 

خوان خوسيه مِيَّاس- صحيفة الباييس الإسبانية


للوهلة الأولى، تبدو عضواً اصطناعياً انتزع بعنف من جسم صاحبه. قِطع من ساق أو من ذراع صناعيين ربما داسا على لغم مضاد للأفراد. يتبين فيما بعد أن لا، فهما، بكل بساطة، آلتا تصوير فوتوغرافي. من أين، إذن، ذلك الإحساس العضوي؟.  لماذا يقلقنا حضورهما كثيراً كما يفعل جسم مصاب بجرح خطير؟ ربما بسبب الدماء. تنزفان كما لو أن عصف قنبلة قد فجرهما من الداخل ومن شقوقهما يسيل الآن النسغ الحيوي الذي كان يجري في شرايينهما حتى وقت قريب. تعطيان انطباعاً بأن الدم يأتي من الجروح الداخلية للآلتين، وليس من جسم مالكهما. بهذا المعنى، حتى لو كانتا راقدتين، فإنهما تبدوان أكثر حياة مما نستطيع تخيله على الإطلاق. آلتان قادرتان على إظهار هذا النوع من التقرحات تخلتا عن كونهما مجرد تكنولوجيا لتتحولا، وإن مؤقتاً، إلى حدث بيولوجي.
حسناً، إن صاحبهما كان ملحم بركات، المصور ذا السبعة عشر عاماً الذي سقط  قتيلاً في حلب، حيث كان يعمل لرويترز. فتى ذو ولع مفرط بالصحافة المصوَّرة في الحرب، وفق التعبير المصكوك. كاميرتاه بقيتا من بعده، متأنسنتين بالطريقة المثيرة التي تظهر في الصورة. نريد أن نفترض أنهما، بعد عبورهما بورشة التصليح، ستستمران في العمل بكامل طاقتيهما، حتى لو كانت عيون أخرى هي التي ستطل منهما على هدفها. ستتغير الأيدي، والجسم، ستكونان عضواً اصطناعياً لشاهد مختلف. لكنهما باتتا تشكلان جزأ من السيرة الذاتية لبركات كما يشكل البنكرياس الخاص بي جزأ من سيرتي الذاتية الخاصة.





http://elpais.com/elpais/2014/02/04/eps/1391531015_976276.html

Tuesday 25 February 2014

ما هو المُشترَك بين فنزويلا، أوكرانيا، وسـوريا؟




ما هو المُشترَك بين فنزويلا، أوكرانيا، وسـوريا؟

ليلى نشواتي- صحيفة الموندو الإسبانية


ثلاثة سياقات مختلفة جداً من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. جمهورية بوليفارية، ديموقراطية برلمانية، وجمهورية وراثية يتقدم للانتخابات فيها حزب وحيد، يحصل فيها بشكل ممنهج على 99 بالمائة من الأصوات. ورغم ذلك، يصعب عدم التفكير في سـوريا، الحالة الأكثر تطرفاً للقمع ضد المتظاهرين العزَّل في العقود الأخيرة، لدى رؤية الصور من الميدان الأوروبي Euromaidan بأوكرانيا وصور الطلاب الذين استقبلتهم العيارات النارية على أيدي السلطات في فنزويلا.
التعسف في استخدام القوة من قبل السلطات ومحاولات إسكات التعبيرات عن الاستياء هو اتجاه يتقدم في العالم كله. قوانين مكافحة التظاهر التي أقرت في بلدان متباينة مثل مصر، البحرين، إسبانيا، كندا، المملكة المتحدة، والمكسيك، تشير إلى زيادة في القيود على حرية التعبير والتجمع، وإلى تقدم باتجاه التسلطية التي لم تعد حكراً على الديكتاتوريات. القيود على من يعبرون علناً عن استيائهم من السياسات الحكومة وانتهاكات حقوق الإنسان ظهرت أخيراً في قمع الاحتجاجات في فنزويلا وأوكرانيا، وفي كلتيهما حكومتان اختيرتا في صناديق الاقتراع.
مشاعر الرفض تجاه الرئيس يانوكوفيتش، مترافقة مع الأزمة الاقتصادية، عدم المساواة الاجتماعية، الفساد، الفقر، والتدهور في الخدمات الاجتماعية هي محركات التمرد الشعبي في أوكرانيا، وفق ما يقوله ممثل لنقابة العمال المستقلين في هذا البلد. في فنزويلا، قلة المواد الأساسية، معدل التضخم الأكثر ارتفاعاً في العالم وعدم الأمان -تُعد كاراكاس ثانية أكثر مدن العالم خطورة-، جنباً إلى جنب مع اعتقال المتظاهرين، كل ذلك خلق شروطاً ملائمة للانفجار الاجتماعي. بكلمات رونالد دينيس، الوزير التشافيزي السابق، فإن الثورة البوليفارية، المطروحة كمركز سيادي، ساعٍ إلى الديموقراطية والمشاركة، قادت إلى بورجوازية صغيرة احتكرت السلطة السياسية وهي تعيق الشفافية والمشاركة الشعبية المباشرة، "خالقة تناقضاً لا رجعة فيه  بين الدولة والشعب في نضاله".
محاولة إسكات الاحتجاجات لا تتم فقط عبر القوة، وإنما أيضاً عبر نزع الشرعية عن أولئك الذين يشاركون فيها. السلطات الأوكرانية أشارت إلى المتظاهرين بشكل متكرر باعتبارهم "إرهابيين". في الأسبوع الأخير فقط، وصف نيكولاس مادورو الطلاب الفنزويليين بـ "الفاشيين" و"الحشرات" و"العُثّ" و"الأمراض المعدية". صفات تذكر بـ "الجرذان" التي قارن بها القذافي من كانوا يتظاهرون ضد حكومته، و"الجراثيم" التي شبههم بها الأسـد.
لا يفاجىء هذا الانحراف باتجاه المزيد من القمع ونزع الشرعية عن المطالب المواطنية. فالانتهاكات في الشرق الأوسط والعنف ضد الانتفاضات الشعبية التي آلت إلى مراحل انتقالية صعبة في بعض الحالات وإلى حروب مفتوحة في أخرى،  جعلت السقف أكثر ارتفاعاً.
إن إفلات النظام السوري من العقاب (الحصانة)، وهو المسؤول عن موت أكثر من مائة ألف شخص، وعن نزوح الملايين، وعن فتح الطريق للقاعدة إلى بلد معروف بتنوعه الديني، العرقي، والثقافي، قد رفع عتبة ما هو المجتمع الدولي مستعد للقبول به. فأن يتمكن نظام آل الأسـد من الذهاب بعيداً جداً ويستمر في كونه فاعلاً دولياً شرعياً يرسل رسالة خطرة إلى بقية القادة السياسيين، منتخبين أو غير منتخبين، شرعيين أو غير شرعيين. الحصانة تتقدم، يوماً بعد يوم، في العالم كله، وأوكرانيا وفنزويلا هما المثالان الأكثر حداثة ولفتاً للانتباه.
الرقابة والتلاعب الإعلامي   
في السياقات الثلاثة نجد أنفسنا أمام تعتيم إعلامي يصعِّب، إلى درجة كبيرة أو صغيرة، الوصول إلى الحقيقة على الأرض. إغلاق وسائل الإعلام وصفحات الانترنت والقنوات العالمية التي كانت تبث عبر الأقمار الصناعية، كالكولومبية NTN24 ، في فنزويلا، التي يضاف إليها التهديدات ضد الـ  CNN؛ تدخل السلطات وتضييقها على حرية الصحافة في أوكرانيا؛ كل ذلك يجد في سوريا المثال الأكثر تطرفاً. فإلى مراقبة الاتصالات، والرقابة على الانترنت وانقطاعها، يضاف الاعتقال، الاغتيال، وخطف الصحافيين، الذين يواجهون قيوداً على دخول البلاد منذ وصول البعث إلى السلطة .
بمواجهة القيود، تولى المواطنون بأنفسهم السيطرة على نقل ما يجري على الأرض، الأمر الذي نجم عنه تدفق هائل من المادة الوثائقية التي يتم مشاركتها عبر الانترنت، تدفق رافق أيضاً حركات احتجاج أخرى كالـ M15  و Occupy Wall Street. هذا التوثيق المواطني يوفر مقاربة قيِّمة جداً في الكثير من الحالات، لكنه يتضمن أيضاً تلفيقات وتلاعبات بالأحداث في سياق من الفوضى والحصانة المتنامية.
الضجيج الناجم حول الاحتجاجات والصعوبة عند التحقق من بعض المحتويات حمل بعض المحللين على التشكيك ليس فقط في محتويات محددة، وإنما في الاحتجاجات بحد ذاتها، وفي شرعيتها. بكلمات الصحفي الفنزويلي لويس كارلوس دياث،"صورك المزيفة تخدم يسار الكافيار لإغلاق الأعين تجاه فنزويلا"، في إشارة إلى سلسلة من الصور الكاذبة وُضعت في أيام التظاهرات الأولى، والتي خدمت الحكومة ومن يساندها في تجاهل تغطية الأحداث الحقيقية.
نحن الذين نتابع عن قرب، منذ أعوام، الواقع السوري، نجد أنفسنا يومياً أمام هذا الرفض المؤسس على زيف الصور الذي يشير إليه الصحفي الفنزويلي. رفض مؤسس على وجود البروباغندا وعلى صعوبة فهم سياق غارق في الصخب والتلفيقات، لكن أيضاً على رؤية للعالم في محورين جيوبوليتيكيين لا يمكن التوفيق بينهما.
قراءات جيواستراتيجية
في تحليل الانفجار الشعبي السوري كما في الفنزويلي أو الأوكراني، تكثر المرشِّحات (الفلاتر) الجيواستراتيجية التي تشكك ليس في شرعية الاحتجاجات المواطنية، بل، في الحالات الأكثر تطرفاً، في وجودها نفسه. خنادق إيديولوجية هي إرث الحرب الباردة تحدد أية مطالبات وأية حركات اجتماعية تستحق أو لا تستحق المساندة، التضامن، والتعاطف. شيء شُوهد بوضوح في تحليل الانتفاضات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
هذه القراءات القائمة على رؤية للعالم في محورين تتجاهل النسيج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لكل بلد، تعقيدات مطالبه، والتوترات الداخلية. بسبب التموضع الإيديولوجي في بعض الحالات، بسبب الجهل المحض لتلك التعقيدات في حالات أخرى، يتم تبسيط مطالبات وحركات بمجموعها.
في فنزويلا كما في أوكرانيا وسـوريا، توجد محاولات واضحة لتوظيف الاحتجاجات والمطالبات الشعبية، سواء من قِبَل جزء من قطاعات المعارضة السياسية أو من قِبَل القوى الخارجية. الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا وبقية القوى تلعب أوراقها من أجل تشجيع أو إسكات الاحتجاجات لمصلحتها. لكن، لا الألعاب السياسية الداخلية ولا الخارجية تنزع الشرعية عن التعبير عن الاستياء الشعبي الذي يتقدم في العالم كله، مع تزايد محاولات قمعه.
سـوريا، فنزويلا وأوكرانيا ليست قابلة للمقارنة، لا في سياقها السياسي والاجتماعي، ولا في شرعية حكوماتها، ولا في في مستوى القمع. سـوريا هي مثال متطرف، ينفع في أن يكون مؤشراً على زيادة الحصانة (الإفلات من العقاب)، الرقابة، عدم حماية المواطنين، وعلى المدى الذي يمكن أن تصل إليه حكومة بدون أن تُحَاسَب على ذلك كله. هي أيضاً العيِّنَة الأكثر وضوحاً على أن المرشِّحات (الفلاتر) الجيوبوليتيكية لا تكفي لفهم تعقيدات السياقات والتوترات الداخلية، وسردية مواطنية توثِّق وتتشارك في مطالباتها الخاصة. سردية تشكك في أوجه القصور في الحقوق والحريات فيما وراء البروباغندا والمناخل الإيديولوجية والرؤى الاختزالية.





http://www.elmundo.es/internacional/2014/02/21/5307921e268e3e262a8b4572.html

Tuesday 18 February 2014

غارثيا مارغايو يريد لسـوريا مرحلة انتقالية كالإسبانية




غارثيا مارغايو يريد لسـوريا مرحلة انتقالية كالإسبانية

ايثيكييل مولتو – صحيفة الباييس الإسبانية

حل النزاع السوري يمر عبر العملية الانتقالية الديموقراطية الإسبانية. شدد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإسباني، خوسيه مانويل غارثيا مارغايو، ظهيرة هذا اليوم في مقر جامعة أليكانتي على البحث عن "أدولفو سواريث و رودولفو مارتين بيَّا" في دمشق، من أجل التمكن من تصحيح الوضع في هذا البلد.
ذكَّر الوزير بأن إسبانيا كانت مثالاً في عقد الثمانينات للانتقال السياسي الديموقراطي في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية، بينما توجد في سوريا في الوقت الراهن أوجه شبه متعددة مع الحرب الأهلية الإسبانية.
"كانت هناك رؤيتان متعارضتان لإسبانيا ومصالح متباينة لقوى دولية وتم إنجاز مصالحة معينة"، قال الوزير الذي نصح، فيما يخص الحالة السورية، بنيل الحرية أولاً وبعد ذلك يُدعى إلى الانتخابات. "الدستور الإسباني كان من الجميع وللجميع، والحل السوري يجب أن يكون من السوريين، بالحوار وإخراج المتطرفين"، ذكَّر الوزير على طاولة مستديرة أقيمت ظهيرة اليوم بمقر جامعة أليكانتي، في صالة محتشدة بالجمهور، ولاسيما من ذوي المناصب العامة من الحزب الشعبي (الحاكم حالياً في إسبانيا).
شدد الوزير في حديثه على أن تبحث المعارضة السورية المنقسمة عن "تواطؤ" أعضاء من نظام بشار الأسـد لا تكون "أيديهم ملطخة بالدماء"، لأنه بهذا فقط ستكون "مصالحة" هذا الشعب ممكنة، حسب خوسيه مانويل غارثيا مارغايو.
في النقاش الذي دار في بيت المتوسط Casa Mediterraneo إلى جانب سفراء فرنسا وروسيا في إسبانيا، اقترح الوزير أن تقوم الدول الغربية المنخرطة في البحث عن حل في سوريا "بتليين" مواقف المعارضة المنقسمة، فيما سيعود إلى روسيا والصين القيام بما يلزم مع نظام بشار الأسـد، بهدف أن يتمكن الطرفان من الوصول إلى نقطة مشتركة.
ضمن الخط الذي عبر عنه خلال الشهور الأخيرة، أصر الوزير على وجوب العمل من أجل أن تكون المعارضة أكثر تمثيليةً وأن تدمج مجموعات لا تشعر، يوماً بعد يوم، بأنها تتماهى مع الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، المحاور الذي يعترف به المجتمع الدولي ممثلاً شرعياً للشعب السوري.
لكن في هذا الائتلاف، ذكَّر غارثيا مارغايو، يغيب البعض، كهيئة التنسيق، الحركة المعارضة التي يتساهل معها النظام، والأحزاب الكردية، و"آخرون كثيرون لا يشعرون بأنهم ممثلون تماماً من قِبَل الائتلاف".
وكما صرَّح الوزير خلال مداخلته في مؤتمر السلام بين الحكومة والمعارضة في مونترو (سويسرا)، المعروف بجنيف 2، فإن الأولوية في سـوريا هي التوصل إلى وقف لإطلاق النار "كلي أو جزئي" يسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى 6,5 مليون سوري يحتاجونها بشكل عاجل.
شدد الوزير على تحرير السجناء السياسيين، و"المطالبة بالاحترام الصارم للقانون الإنساني الدولي"، "إخلاء المدارس والمستشفيات من المظاهر العسكرية بشكل فوري"، ملاحقة حالات التعذيب والعنف الجنسي، وطرد القوات الأجنبية التي تقاتل على التراب السوري.
حالما تتوفر هذه الشروط، يتوجب على حكومة العملية الانتقالية الديموقراطية التي توافق عليها المجتمع الدولي في جنيف 1 أن تشرع في "حوار من أجل المصالحة الوطنية"، وحماية الحقوق الأساسية، وتشكيل أحزاب معتدلة وهي، بنظر مارغايو، مَن يجب أن يكون لها الدور الرئيس.






http://ccaa.elpais.com/ccaa/2014/02/04/valencia/1391531181_641991.html

Tuesday 4 February 2014

عودة إلى السياسة الواقعية




عودة إلى "السياسة الواقعية"


خوسيه ايغناثيو تورّيبلانكا- صحيفة الباييس الإسبانية


كان هناك وقت، ليس ببعيد جداً، قررنا فيه نحن الأوروبيين التضحية بتعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان في شمال أفريقيا في سبيل الاستقرار والأمن. ولتبرير أنفسنا استخدمنا فزاعتين: بينما كنا نلوح بإحدى اليدين بمصالحنا الأمنية، التي تتقدمها مصلحتنا بالحصول على التعاون في الصراع ضد الإرهاب الجهادي والسيطرة على تدفق الهجرة، كنا نشهر باليد الأخرى المأساة الحاصلة في الجزائر في أعوام التسعينات لكي نجادل بأنه حتى لو أن انتخابات نزيهة كانت فكرة طيبة إلا أنها بالتأكيد ستحمل إلى السلطة أولئك الذين سيحاولون تدمير الديموقراطية.

متمترسين خلف هذا الخليط من المخاوف والمصالح، بنينا سياسة دعم غير مشروط لأنظمة المنطقة قائمة على تقارب فكري غريب: بالنسبة لمؤيدي السياسة الواقعية realpolitik ، التي تصر على أن المرء يتلاءم مع ما هو موجود، فإن الاختيار بين الديكتاتوريات العلمانية الحليفة والثيوقراطيات المعادية للغرب ليس موضعاً للشك. بدورهم، لم يكن هنالك بالنسبة لليبراليين أي سبب للافتراض بأن أنظمة المنطقة لم تكن ستتبع المسار الكلاسيكي في التحديث، الذي يؤكد على أن التطور الاقتصادي هو الذي سيأتي، على المدى الطويل، بالديموقراطية. صقور وحمائم، لا فرق: في أية حالة من الحالتين، المصالح الأمنية للأوروبيين ستكون مصونة.

بطبيعة الحال، شكك بعض المتشائمين في هذه المقاربة، محذرين من خطر أنهم بهذه السياسة، التي أضعفت الديموقراطيين وقوَّت الاسلاميين، يخاطر الأوروبيون بالبقاء بدون أمن وبدون حرية. لكن برغم الأدلة على أن أنظمة المنطقة كانت تتراجع من الناحية السياسية والاقتصادية، متحولة إلى جمهوريات وراثية فاسدة، واظب الأوروبيون على دعمهم لها، بل إننا قدمنا لتونس، تحت الرئاسة الإسبانية، وضعاً متقدماً في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.

الربيع العربي قلب قواعد النقاش، مانحاً الأوروبيين فرصة ثانية لوضع الأمور في نصابها. لكن هذا الربيع لم يأت بالنتائج المرجوة. باستثناء تونس، الوضع ليس مشجعاً جداً: المَلَكيات في المغرب والأردن والخليج تمكنت من الإفلات من ضغوط التغيير؛ ليبيا يبدو أنها تنزلق نحو الفوضى، مصر عادت تحت وصاية الجيش، والأسـد، حتى لو لم نقلها بصوت مرتفع، كسب في سـوريا. الخبر، المعلن عنه في هذه الأيام، عن قيام وكالات الاستخبارات الأوروبية بالحج إلى دمشق لجمع معلومات حول مقاتلي القاعدة الذين يقاتلون هناك، يقول كل شيء. كما القذافي في حينه، استخلص الأسـد أنه بتخلصه من السلاح الكيميائي وبقمع الجهاديين يمكنه الاستمرار في قمع شعبه. أوروبا تعود إذاً إلى السياسة الواقعية realpolitik. وكما يُشَاهد في مقاومتها لتوفير الملاذ للاجئين السوريين، فإنها تفعل ذلك حتى بدون أن تزعج نفسها بإصلاح الخلل.
















http://internacional.elpais.com/internacional/2014/01/16/actualidad/1389887131_930046.html