Monday 30 June 2014

عندما يكون لديك دائماً خوف من الموت




عندما يكون لديك دائماً خوف من الموت

ردينة الكندي – صحيفة الباييس الإسبانية


امرأة سورية تروي تجربتها منذ أن بدأت الحرب في بلدها إلى أن وصلت إلى إسبانيا

اسمي ردينة الكندي، عمري ثلاثة وثلاثون عاماً، أنا من سـوريا ومضى عليَّ عام في إسبانيا، في مركز للاجئين. CEAR اللجنة الإسبانية لمساعدة اللاجئين أتاحت لي الفرصة للتعبير عن الأشخاص اللاجئين في إسبانيا وسوف أروي لكم قصتي.
من الصعب جداً أن تروي ثلاثة أعوام من الحرب في بضع دقائق. كما تعرفون، بدأت الثورة في الثامن عشر من آذار| مارس 2011 في جنوب سـوريا، لكن ليس في دمشق. دمشق بدأت بالتعرض للهجمات من قبل الجيش والدبابات في الأول من نيسان| أبريل، في المنطقة الشمالية، حيث كنت أعيش. كان حياً سكنياً في وسط منطقة عسكرية. الأشخاص  الستة الأوائل الذين قتلوا في دمشق كانوا من حارتي. هكذا كنت شاهدة خلال ثلاثة أعوام، لكن في مناطق أخرى لم يكن يحدث شيء.
في وقت لاحق، ازدات الأمور سوءاً، وبعد بضعة شهور، لاحظنا حصول نقص في البنزين، الخبز، الحليب، الأدوية وكثير من الأشياء... للحصول عليها عليك أن تقف في الصف وتنتظر لساعات، وبعد ذلك لأيام، وإذا حصلت في النهاية عليها، ستكون غالية جداً. في مرات كثيرة كنا نضطر للبقاء في المنازل بسبب الهجمات... أضف إلى ذلك أننا كنا نسمع أصوات القصف وإطلاق النار طيلة اليوم.
عدد الأشخاص القتلى والمعتقلين كان يزداد من يوم إلى آخر. أمضينا ليالي كثيرة خائفين من أن يأتي أحد ويقتلنا، حتى إننا، أحياناً، كنا نتخيل كيف سنُقتل، إن بسكين أو بطريقة أخرى، ومن الذي سيقتلونه أولاً. لا يمكنكم أن تتخيلوا كيف هي الحياة هناك، دائماً لديك خوف من الموت، ممن قد يأتي ويقتلك أو يغتصبك، لديك خوف من الجوع، من رؤية الناس نائمين على الأرصفة، من الجثث في الشوارع التي التهمتها الكلاب... ولا تعتقدوا أنني أبالغ عندما أقول لكم ذلك. هنالك قدر هائل من التفاصيل، التي لن يكون لدي الوقت لأذكرها كلها و، في الوقت نفسه، لا أريد أن أتذكرها أيضاً. الواقع هو أكثر إيلاماً مما ترونه في التلفزيون.
قبل الحرب كان كل شيء على مايرام. كان لدينا أعمالنا، دراساتنا، أصدقاؤنا ومنازلنا. أنا كنت أعمل في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سـوريا، وكنت أدرُس الحقوق. لكن بعد الحرب فقدت عملي ولم أستطع الاستمرار في دراستي. فقدت الكثير من أصدقائي، بعضهم قُتِلوا وآخرون اعتُقِلُوا.
غادرنا منزلنا مرتين. في الثانية كنا الأسرة الوحيدة التي بقيت في البناء، الذي كان محاطاً بالجنود، في اللحظة التي قررنا فيها المغادرة لم نستطع لأنهم كانوا قد قطعوا الطريق ولم يكن بوسع أحد المغادرة. انتظرنا إلى اليوم التالي، وعندما خرجنا، كانت القذائف تُسمَع من جميع الجهات. كانت المرة الأخيرة التي رأيت فيها منزلي. لم أستطع العودة، حتى اليوم، لا أحد يستطيع الدخول إلى تلك المنطقة. تركنا كل شيء وراءنا: المال، الثياب.. كل شيء. أخذتُ فقط الوثائق الهامة. بعد أربعة شهور قررتُ مغادرة سـوريا ووصلت إلى إسبانيا في الثاني عشر من حزيران| يونيو 2013.
القصة لاتنتهي هنا، وإنما من هنا حيث تبدأ بالضبط. قصة أن تكون لاجئاً. بالفعل، أن تكون لاجئاً ليس خياراً: نحن وجدنا أنفسنا مجبرين على الفرار من بلدنا. الآن نحن في وسط اللاشيء: لا نستطيع العودة إلى الوراء ومن الصعب جداً المضي إلى الأمام. فجأة، في يوم ما تجد نفسك في بلد آخر، في ثقافة أخرى، بلغة مختلفة وعليك أن تبدأ من الصفر. لدينا الكثير من المخاوف والكثير من الأسئلة: هل ستقبلنا الحكومة (الإسبانية)؟ هل ستساعدنا في وقت لاحق أو لا؟ من أين يجب أن نبدأ؟ كيف سيمكننا تعلم لغة جديدة والعثور على عمل في شهور قليلة؟ هل سنستطيع العيش حالما نغادر مركز الاستقبال التابع لـلجنة الإسبانية لمساعدة اللاجئين CEAR ؟ هل سيقبلني هذا المجتمع كشخص لاجىء أو لا؟ وربما يكون هذا هو السؤال الأكثر أهمية، كيف ينظر الناس إلى اللاجىء بشكل عام؟ آمل أن تؤخذ بالحسبان المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية للاجئين.
في الختام، ما أود قوله كلاجئة هو أنه كان لدينا حياة طبيعية، مثلكم، كان لدينا أعمال، أصدقاء، أُسر... بطبيعة الحال، كلنا بشر مهما كانت الجنسية، اللغة أو الدين. لكن للأسف، فقدنا كل شيء في ظرف دقائق والآن لم يعد لنا شيء، إلا أملنا بأن كل شيء سيتحسن وسنعمل قصارى جهدنا لكي نكون أفضل. و، بالطبع، هناك ثلاثة اشياء لا أتمناها لأحد، وخاصة للأطفال: الحرب، الجوع، والخوف. ذلك كان الأسوأ.




http://elpais.com/elpais/2014/06/20/planeta_futuro/1403257980_973605.html

Saturday 28 June 2014

الحرب تلاحقنا منذ عام 2011




الحرب تلاحقنا منذ عام 2011

ناتاليا سانتشا- صحيفة الباييس الإسبانية


بيروت - لبنان: بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب، تلاشت آمال آل حلوم بالعودة إلى منزلهم. فمما كان بيتهم لم يبق ولا حجر واحد جراء القذائف. رحلة هذه الأسرة، التي تتكون من ولدين صغيرين وامرأة عجوز، تشبه رحلات أسر أخرى كثيرة، في هروبهم المستمر، ففي البداية كانوا نازحين في ســوريا والآن يذهبون من مدينة إلى أخرى لاجئين في لبنان. "كنا نعيش في حِمص وفي نهاية 2011، العام الأول للأزمة، ذهبنا إلى الضواحي. عندما وصلت المواجهات إلى هناك، انتقلنا مع بعض الأقارب إلى القُصير. لاحقتنا الحرب من جديد وعبرنا بشكل غير شرعي إلى أن وصلنا إلى عرسال (المدينة اللبنانية على الحدود الشرقية مع سـوريا)"، يروي مأمون، كبير الأسرة، البالغ ثلاثة وأربعين عاماً.

قبل أسبوعين انطلق آل حلوم من جديد، هذه المرة من شرق لبنان إلى شماله. "هنالك أكثر من مائة ألف سوري في عرسال. إلى المخيم الذي كنا فيه وصل العديد من الرجال المريبين وبدأوا المشاجرات، وإطلاق الرصاص، والتهديدات. فضلنا حزم حقائبنا وغادرنا لتجنب المزيد من المشكلات". يشرح مأمون، الذي استهلك في ثلاث سنوات كل مدخراته ويقوم فقط بأعمال صغيرة متفرقة في مجال  البناء.

يستقبل لبنان ثلث الثلاثة ملايين لاجىء سوري، بحسب معلومات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة. الحكومة اللبنانية تقدم رقماً أكبر، حوالي المليون ونصف المليون، ما يعادل ربع سكانه (قبل الأزمة السورية، كانوا 4,5 مليون). مع تدهور عائدات السياحة والركود الاقتصادي، صار العثور على عمل مهمة مستحيلة في لبنان. حسب البنك الدولي، وصلت  فاتورة اللاجئين بالنسبة لبلد الأرز إلى 5,500 مليون يورو منذ عام 2011. حِمل بدأ الكثير من السكان المحليين بالشعور به وأخذوا يظهرون رفضاً متزايداً تجاه مجتمع اللاجئين السوريين. "المشكلات تُلحظ بشكل أكبر الآن، خاصةً منذ أن تخلت المنظمات الدولية غير الحكومية عن دفع مساعدات بدل إيجار للبنانيين الذين كانوا يستقبلون اللاجئين. تلك هي المشكلة الكبرى حالياً. أخشى أن الكثير من السوريين سينتهون إلى الشارع"، يوضح على بدوي، رئيس بلدية قرية الرامي، على الحدود الشمالية مع سـوريا.

دانا سليمان، الناطقة باسم المفوضية العليا لللاجئين في لبنان، تؤكد أن الوكالة خصصت 660 مليون يورو في عام 2013  للإنفاق على اللاجئين السوريين في لبنان. "لا نعتقد أن بإمكانهم العودة إلى سـوريا في المدى المتوسط. نواصل التفاوص مع الحكومة اللبنانية على إنشاء عدة مخيمات بسعة عشرين ألف لاجىء لكل واحد منها"، تشرح لنا على الهاتف.

أبو فارس، في الخمسينيات، اختار منطقة أقل ازدحاماً عمرانياً مثل جنوب لبنان، حيث يشتغل عاملاً مياوماً. "أتقاضى يورو واحداً في الساعة"، يقول متأسفاً بينما يسحب الخيار ويضعه في صندوق. لا يبدو مدركاً بأنه أفضل حظاً في الريف، حيث لا يندر الطعام، من أولئك الذين فروا إلى المدينة. في بيروت، يتسكع مئات الأطفال في الشوارع مسارعين إلى الإشارات الضوئية ليقدموا الزهور في مقابل قليل من النقود. فيما جادات مركز المدينة مكتظة بنساء يتسولن بينما يرضعن أولادهن أمام اللامبالاة المتزايدة للمارَّة، المتعودين الآن على تفاديهن.

أمام هذا الوضع، أنهت الحكومة اللبنانية سياسة الأبواب المفتوحة. ستقبل فقط اللاجئين الذين يصلون من مناطق القتال. "مع الإجراءات الجديدة لا أعلم إن كانوا سيتركونني لأعود. يجب علي كل شهر أن أشتري في دمشق دواء والدي، المريض بالقلب. ما عادوا يعطوننا المزيد ممن المساعدات، وأقراص الدواء تكلف هنا 180 يورو وفي سوريا 30"، يقول حسام، اللاجىء في بيروت.

بمواجهة الضرورة العاجلة للحاجات المادية يبقى العبء النفسي جانباً. خالد، الابن الأكبر لمأمون، ذو العشرة أعوام، يروي بشكل طبيعي مشاهد الحرب وبتر الأعضاء، أو انهمار القذائف. خلفه، تقوم والدته بترتيب الممتلكات القليلة في الغرفة التي ستكون بيتهم الثاني عشر في الأعوام الثلاثة الأخيرة.












http://internacional.elpais.com/internacional/2014/06/20/actualidad/1403288136_711540.html

Monday 9 June 2014

مهزلة في سـوريا




مقالة افتتاحية في صحيفة الباييس الإسبانية بتاريخ 08-06-2014

مهزلة في سـوريا
الأسد يعرض خيالاً انتخابياً، فيما يقاتل ألفان من الأوروبيين ضد نظامه

ككل الديكتاتوريات التي تحاول فرض واقعها الخاص بصرف النظر عما يجري حقيقةَ، نظم النظام السوري انتخابات رئاسية. رئيس الدولة، بشار الأسـد، حصل على 88,77 بالمائة من الأصوات مع مشاركة 74,4 بالمائة حسب المحكمة الدستورية السورية. يتعلق الأمر بأفعال ومعطيات كانت لتدفع إلى السخرية لو لم تكن بسبب تحول سـوريا إلى واحدة من كبريات المآسي في ما مضى من القرن الحادي والعشرين. حرب أهلية بدون بصيص أمل بالانتهاء، مع 200000 قتيل، 130000 من المعتقلين المختفين، 4 ملايين من النازحين الداخليين و3 ملايين لاجىء.
تعنت نظام دمشق في تشبثه بالسلطة على حساب تدمير البلد العريق، كما عاين ذلك على الأرض موفدو الباييس الخاصون، هو واحد فقط من العوامل التي تفسر حمام الدم. العجز، وغالباً اللامبالاة، من جانب المجتمع الدولي لوقف الحرب أو وضعها على طريق الحل خدما الأسـد على أكمل وجه في تشبثه بهدفه في عدم الركون إلى أي حل سلمي. فالذين كان بوسعهم فعل شيء من أجل حل المشكلة -بدءاً بروسيا إلى الولايات المتحدة، مروراً بالصين، الاتحاد الأوروبي والبلدان العربية- تحملوا كلفة عدم إطفاء نار الحرب ومحاولة الحد من آثارها. هكذا حدثت مشاهد خاصة بالعصور الوسطى، كصلب مسيحيين على أيدي الميليشيات الإسلاموية (؟؟)، الإعدامات الجماعية للسجناء، والموت العشوائي للمدنيين.
بلدان مجموعة الدول الصناعية السبع G7 أدركت أنه يوجد في سـوريا حوالي 2000 أوروبي -يقاتلون مع الإسلاميين المتشددين- مكتسبين تجربة في القتال تتفوق على تلك التي لدى الغالبية العظمى من عساكرهم. تهديد لن يكون افتراضياً البتة عندما سيعود هؤلاء المحاربون إلى بلدانهم الأصلية. وقد لا يكون الأكثر نبلاً من بين الدوافع، لكنه خطر جدي بما فيه الكفاية للانشغال بشكل جدي بالسلام في سـوريا.




http://elpais.com/elpais/2014/06/08/opinion/1402249765_704850.html