Thursday 31 July 2014

العمل يبرىء ألمي




العمل يبرىء ألمي
غرزات في وجه اللامبالاة العالمية تجاه السوريين

لويس ميغيل أُورتادو- صحيفة الدياريو الإسبانية


أنشأت شذا مشغلاً لمساعدة البعض من آلاف السوريين المشرفين على التسول في تركيا بفضل تبرعات مواطن لها مقيم في الولايات المتحدة.
تركيا هي البلد الأكثر إنفاقاً في استقبال السوريين، لا تسميهم "لاجئين"، بل "ضيوف، ولا  تمنحهم الترخيص بالعمل.
"أفعل ما بوسعي. لا أستطيع مساعدة الجميع. أتمنى لو استطعت. شيء أفضل من لا شيء، لكنني لن أستسلم"، تقول شذا.
اسطنبول (تركيا)- توجِّه يدا شوزن الغرزة بالحيوية نفسها التي تعبر بها عن نفسها، بتركية متقنة، بين كُفَّة وكُفَّة: "والدتي تركمانية ووالدي عربي. وها أنا ذا، كما ترين"، لا تبدّل الابتسامة. تتدلل، تبحث عن الوضعية الأفضل من أجل الصورة. "هناك حيث تراها. هل لاحظت؟، في مقعدها المتحرك، تمكنتْ من الهرب إلى هنا من اللاذقية"، توضح شذا بركات.
شذا بركات. من آل بركات الذين كان عليهم أن يهاجروا من إدلب (في شمال غرب سوريا) بعد المذبحة التي بدأت في 1982، على يدي حافظ الأسـد (والد بشار الأسد)، بحق الأخوان المسلمين. هناك، فقدت شذا والدها. مذبحة آل الأسـد الأخيرة أودت في تشرين الأول| أكتوبر 2012 بابنها، عمر، وبعد شهور قليلة بزوجها، أيمن. "كان شاعراً وكاتب كتب أطفال محترماً جداً"، تروي شذا مبتسمة.
"العمل يبرىء ألمي"، تقول شـذا بركات التي بالرغم من أنها قاربت الخمسين عاماً إلا أنها شاخت بسبب البؤس. تعرض، مفتخرة، المحل الذي استأجرته قريباً من أحد الشوارع الرئيسية في ضاحية الفاتح الاسطنبولية. في الداخل، تعمل شوزن ومحمد وعلاء الدين ومحمود وسط الخيوط وفضلات القماش. أم حسين تطهو وتجهز الشاي. صغيرتها لا تترك العدو بين آلات الحياكة إلا للصلاة.
المحل له نوافذ كبيرة في الطابق الذي على مستوى الشارع. هناك توجد، بجوار الزجاج، آلتا خياطة، تحيط بهما طاولة عمل كبيرة. إلى جانبها، أريكة وطاولة صغيرة للاستراحة. الطابق تحت الأرضي، الذي يُدخل إليه عبر سلالم مرتفعة، له نافذة صغيرة فقط لاستقبال بعض الهواء من الخارج. في الآخر ركبوا نظام تهوية يسمح بتهوية المنطقة. في الصالة، المدهونة بكاملها بالأبيض لمكافحة رهاب الأماكن المغلقة، ست آلات حياكة تصطف ثلاث ثلاث.
بدون إذن عمل ولا وضعية لاجئين
في تركيا يوجد 760000 من اللاجئين السوريين المسجَّلين، رغم أن كل شيء يشير إلى أن الرقم أكبر. صاروا أقلية أولئك الذين يعيشون في 22 مخيماً منتشراً في المحافظات الجنوبية من البلاد. رغم أنها أنفقت أكثر من 700 مليون دولار (514 مليون يورو) من جيبها الخاص، وهو ما يجعلها الحكومة الأكثر سخاءً من بين الذين استقبلوا اللاجئين السوريين، إلا أن أنقرة -التي لا تسميهم "لاجئين"، وإنما "ضيوف"-، لا تعطيهم وضعية اللاجئين وفق معايير الأمم المتحدة.
الأتراك لا يلتزمون أيضاً بتوصيات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة بضمان أذونات العمل لهم. هذا ما يُترجم، في حدائق اسطنبول ودواراتها، بوجود مئات العائلات التي تعيش حياة قاسية بالاستناد إلى طلب إلإحسان مع نظرات مشبعة بعدم الفهم. في هذه المدينة فقط يوجد حوالي مائة ألف، بحسب منظمات غير حكومية.
يحذِّر الناشطون من المخاطر الجدية للإقصاء الذي يعاني منه اللاجئون السوريون، الذين عانوا بالفعل فصولاً من الطرد من الأحياء والضرب وحتى حرق مساكنهم العشوائية البائسة على أيدي موظفين بلديين. الشعب التركي، المعارض بغالبيته للسياسات المطبقة من قِبَل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في سوريا، لم يبد مظاهر قبول كبيرة بالواصلين حديثاً.
"المختارون" لمشروع شذا
"السوريون يحتاجون مالاً من أجل العيش"، تسوِّغ شذا جازمة. لهذا افتتحت، قبل شهر، مشغلاً للحياكة. إنه الثاني الذي تقف وراءه. "قبل عامين افتتحنا واحداً في الريحانية -مدينة تركية على الحدود مع سوريا-. اليوم يعمل هنالك حوالي ثلاثين أرملة، لكن توجد مائة أخرى يعملن من بيوتهن. نقدم لهن المواد الخام وهن يصنعن القطع على أيديهن. انظر...."، ترينا بفخر، بالصور، بعض القطع بالألوان الحية.
حضَّرت شذا المشروع، أعدَّت الميزانية، وتقدمت لأحد الرعاة. "تمكنا من الوصول إلى سوري مقيم في الولايات المتحدة قام بسداد كلفة الإعداد وإيجار المحل لمدة ستة شهور وآلات الحياكة"، كما تقول. "كل فترة أرسل له صور عملنا، قريباً سيأتي لزيارتنا من أجل التحقق من سير المشروع" كما تقول. تُظهِر صورةً تبدو فيها ميزانية مكتوبة باليد. "تجهيز وانطلاق المشغل كلفنا 25 ألف دولار (18360 يورو)".
بهدف استنساخ النموذج الذي يشتغل في الريحانية، اختارت شذا بدقة ونزاهة الأشخاص الذين توظفهم. أم حسين، أرملة ولديها ابن مات في حلب، بالكاد تستطيع إعالة والدها المريض. محمود كان عليه أن يفر من دمشق، لتفادي الاعتقال، تاركاً وراءه ابنته، رضيعة في الشهر الخامس من عمرها وتحتاج لعملية في الظهر. يتدبر أمره جيداً بين الأقمشة، رغم أنها لم تكن صنعتَه قط. الصعوبة كانت أكبر بالنسبة لعلاء الدين الذي رغم صمته يستمع إلى نصائح الآخرين ليقوم بالخياطة. "بالقليل من الحظ، سيمكننا توظيف حتى عشرين شخصاً"، تُسَرُّ بركات. "أبحث عنهم من خلال مجموعات الفيسبوك، أو بالاتصالات مع المعارف".
بنقود الراعي يشترون المواد الخام من أجل صناعة الألبسة. حوالي ثلاثين من الأثواب النسائية في اليوم وبلوزات أخرى كثيرة. الأمر التالي هو تصريفها. تمكنت شذا من جعل مؤسسات متعاونة أمريكية وبريطانية وسعودية تشتري القطع المنتَجة في مشغل الريحانية. وفي الوقت الراهن تمكنت من جعل مؤسسة العون الإنساني، المعروفة باستئجارها لسفينة مافي مرمرة، تشتري جزأً من البضاعة المُصنعة.
ماذا يوجد وراء "Made in Turkey
توجد عشرات مشاغل الألبسة المنتشرة في أقبية اسطنبول، وهي تنتج قسماً كبيراً من الثياب التي نرتديها والموصوفة بـ"صنع في تركيا". بعضها أمكنة كئيبة، بدون تهوية حتى، يُعمَل فيها من الشروق إلى الغروب برواتب بخسة.
الكثير من الموظفين في تلك الأماكن هم أفغان، أوضاعهم غير قانونية، هاربون من مأساتهم الخاصة، والذين يُرفَض أيضاً منحهم وضعية لاجىء حسب معايير الأمم المتحدة. إلا أن الحرب السورية، التي بدأت قبل ثلاثة أعوام والتي حصدت أكثر من 160000 قتيل، دفعت كذلك عدداً كبيراً من الضحايا إلى هذه الزوايا.
الراتب الشائع في أي من هذه المشاغل المستترة، لقاء عشر ساعات يومياً، يتراوح حول 600 ليرة تركية. الحد الأدنى للأجور في تركيا هو 800 ليرة تركية (277 يورو). "في الريحانية ندفع 700 ليرة تركية (240 يورو) في الشهر. لكن تكلفة المعيشة في اسطنبول أكثر ارتفاعاً، وهكذا يجب علينا أن ندفع أكثر. ما زلتُ لا أعلم كم سيمكنني أن أدفع لهم"، تفكر شذا بصوت مرتفع. "خلال بضعة شهور، بعون الله، سأتمكن من إيجاد حل".
"أنا لا أحتفظ بسنتيم واحد"، تدافع شذا بركات عن نفسها، وتعترف أن الحكومة (التركية)، تنظر إلى الجانب الآخر، تجاه نشاطات كالتي تقوم بها، بالنظر إلى استحالة تسجيل السوريين في نظام الضمان الاجتماعي التركي. في مشغلها يعملون حوالي عشر ساعات. هذه الوسيلة الإعلامية استطاعت التحقق من أن إيقاع العمل في مشغل بركات هو أقل بشكل ملحوظ من مشغل آخر يسيّره هارون، وهو مواطن من أصل أفغاني يمتلك مشغلاً في ضاحية زيتينبورنو القريبة.
تشتكي بركات من أن التمويل للنشاطات المساعدة للاجئين كالخاص بها يمر بأوقات صعبة منذ أن أضافت المملكة العربية السعودية الأخوان المسلمين إلى قائمة "المنظمات الإرهابية. "المال الذي يصل من الكويت لا يبلغ عشرة بالمائة من الميزانية الإجمالية، ولن نتكلم عن أوروبا. فمن هناك لا يصل أي شيء" تقول آسفة. "السوريون تخلى عنهم العالم أجمع. حياتهم صارت مزرية". للمرة الأولى، تقطب حاجبيها وتتَّقد نظرتها: "أفعل ما بوسعي. لا أستطيع مساعدة الجميع. أتمنى لو استطعت. لكن لن أستسلم. موافق؟".





http://www.eldiario.es/desalambre/Puntadas-esperanza-refugiados-Siria_0_269123648.html

Sunday 6 July 2014

إخفاقات في الاستراتيجية




إخفاقات في الاستراتيجية

لويس باسيتس- صحيفة الباييس الإسبانية


في البداية جزيرة القرم والآن العراق. إلحاق ناجز وتقسيم في الأفق. في كليهما، خرق لقاعدة اللعب الوحيدة الصحيحة، شرعية الأمم المتحدة، التي ترفض تغيير الحدود وإلحاق الأراضي؛ كما تمنع الحرب الوقائية، الغزو والاحتلال اللذين مارستهما الولايات المتحدة في العراق منذ 2003 حتى 2013.
لم يحدث قط منذ نهاية الحرب البادرة أن واجهنا تعديلاً للحدود كذلك الذي بدأ بين روسيا وأوكرانيا والذي يدنو في الشرق الأدنى. الهوامش في الحالة الأولى محدودة: في الحد الأقصى، يمكن لروسيا أن تأخذ قطعة أخرى قبل تهدئة الأزمة مع أوكرانيا. في الشرق الأدنى لا يُعرف حتى أين تبدأ وأين تنتهي تلك الحدود سريعة العطب: العراق يواجه خطر التجزؤ إلى ثلاث قطع، سـوريا أيضاً تعاني "قوة النبذ" centrifugation الطائفي، ولبنان نفسه سيكون متأثراً بالانقسامات.
الخرائط المرسومة في القرن العشرين هي محل تساؤل في القرن الحادي والعشرين: الحد الداخلي للامبراطورية السوفييتية؛ والثمرة التعسفية للقسمة الاستعمارية للشرق الأدنى المتفق عليها بشكل سري في 1916، بين مارك سايكس من وزارة الخارجية البريطانية وفرانسوا جورج بيكو من وزارة الخارجية الفرنسية، التي أعطت اسماً لخطوط الفصل التي تركت معاً وفي حال اضطراب، شيعة وسنة، ومسيحيين ومسلمين، من غير أن ننسى الأكراد، الدروز ومجموعات اثنية أخرى كثيرة.
ليس بالوسع تجاهل الكوارث السياسية كما لو أنها عمل من أعمال الطبيعة. فالكارثتان اللتان نواجههما حالياً هما ثمرتا الحماقة الاستراتيجية لمن كانوا في موقع القيادة من الناحية الاسمية، وواشنطن في المقدمة. منذ سقوط سور برلين، عشنا وأضعنا هدنة الـ 25 عاماً التي أهدتها لنا عطالة استقرار العالم ثنائي القطب. بناء علاقات مستقرة مع روسيا وإحلال السلام والدمقرطة في الشرق الأدنى كانت المواد التالية. لكن النجاح فيها كان ليتطلب وضوحاً استراتيجياً في الأهداف وإرادة في سبيل بلوغها.
حسناً، لا هذا ولا ذالك، إخفاق في كليهما. يثبت ذلك العلاقةُ الغربيةُ المتقلبةُ مع إيران الأصولية: أولاً، دعم صدام حسين في الحرب ضد إيران، وفيما بعد، الهدية الجيوبوليتيكية بالإطاحة بالديكتاتور العراقي؛ والآن، التحالف الذي لا مفر منه من أجل الدفاع ضد القاعدة، الذي سينقذ النظام الإجرامي للسوري بشار الأسـد.
إحدى مفارقات زمننا هي التفاوت بين وفرة التجربة والمعرفة والقدرة المحدودة التي نظهرها لاحقاً عند ترجمتها إلى قرارات واستراتيجيات صائبة. ثمة الكثير من الفكر المتراكم، وهو ما تعنيه (خلية تفكير، بيت خبرة: (think tank، لكن هناك إرادة ضعيفة من أجل تحويله إلى عمل فعّال.






http://internacional.elpais.com/internacional/2014/06/18/actualidad/1403114950_721410.html