Sunday 14 September 2014

البوصلة السورية





البوصلة السورية

ليلى نشواتي- صحيفة الموندو الإسبانية


في ربيع 2011، عندما احتل المواطنون السوريون الشوارع للمطالبة بالحريات والحقوق، انتقلت سـوريا من كونها ثقباً إعلامياً أسود إلى الأزمة الأكثر تغطية إعلامية في التاريخ. سيل لا يتوقف من المحتويات يُغرق منذئذ قنوات الانترنت المختلفة، وقد أُنتجت غالبيتُها من قِبَل المواطنين أنفسهم، المتطلعين إلى إيصال احتياجاتهم التعبيرية المقموعة خلال عقود. هذه السردية الأصلية، التي تصطدم مع عرض عالمي للأزمة تحتكره قراءات جيوبوليتيكية وعسكرية وهوياتية، هي اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى من أجل توجيهنا في خضم تعقيدات هذا البلد.

إن سرديات كتلك الخاصة ببلدة كفرنبل الصغيرة، بلافتاتها الساخرة التي يتم تشاركها على الفيسبوك وتويتر وعدد لا حصر له من المدونات والمساحات الرقمية، تقدم رؤية جماعية للأعوام الثلاثة الأخيرة في سوريا، مع موضوعات أساسية تختلف عن تلك التي تحتل العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام العالمية. فبينما يشكل الإعلان عن تدخل أمريكي في صيف عام 2013، والهجمات بالأسلحة الكيميائية، وتفجر تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة بعضَ المعالم البارزة في الرواية العالمية، تُظْهِرُ الأصلية عمليةَ بناء ذاكرة جماعية سورية، كانت مقموعة خلال عقود. فهول الأعوام الماضية يتردد صداه في المأساة الحالية للمعتقلين، في التكتيكات الدعائية، في عمليات التعذيب في سجون النظام، وفي الإصرار على شرعية مطالبات السكان المدنيين، الذين تخلى العالم عنهم.

في هذه الرواية الجماعية، هامة هي، كما الأهوال المنطلقة من عقالها في البلد، الردود الشعبية على تلك الأهوال والتعبيرات المختلفة عن المعارضة والمقاومة اليومية الموجهة سواء ضد ديكتاتورية الأسـد أو ضد تلك الأشكال الجديدة من الطغيان التي تمثلها القاعدة وانشقاقاتها. عظيمة هي، كإخضاع النساء الذي تسعى إليه مجموعات متطرفة، أصوات كصوت "نصيرة الرقة"، سعاد نوفل، التي واجهت بلافتاتها النظام أولاً وتنظيم الدولة الإسلامية لاحقاً. هامة هي، كتهديد التنوع العرقي والديني، حملات التضامن الشعبية التي تحتضن هذا التنوع. لافتة جداً، كتدمير البلد، هي إعادة البناء التي تنفذها، على المستوى المحلي والأصغر منه، مجموعات من الناشطين على الأرض مثل كش ملك، التي أطلقت هذا الأسبوع حملة “Chance4Change” "فرصة للتغيير"، من أجل جمع التبرعات لتمويل خمسة عشر مدرسة في المناطق المحررة للعام الدراسي القادم.

إن بناء هذه الذاكرة الجماعية يأتي مترافقاً مع ازدهار فني وإبداعي يتخلل الانتفاضة السورية كما بقية الانتفاضات في المنطقة. بعد سنوات من الرعب والصمت، يتجسم التوق إلى التعبير في رسوم جدارية تزين الجدران المتداعية، في لوحات وتصميمات كتلك الخاصة بمنيف عجاج، ياسر أبو حامد، أو يارا نجم، في أغاني المقاومة التي تبدأ من النوتات الموسيقية الأكثر كلاسيكية لمالك جندلي إلى الهيب- هوب المقاتل لفرقة Syrian-Palestinian refugees of Rap  أو فرقة الموسيقا Anarchadia. في أعمال وثائقية كالتي أنجزها الراحل باسل شحادة وفي الأعمال التلفزيونية الجديدة المُعَدَّة ليوتيوب التي تسعى إلى الحلول محل الرواية الرسمية التي صُدِّرَت خلال عقود إلى جميع البلدان الناطقة بالعربية. أيضاً في التظاهرات التي تجوب البلد كل أيام الجمع، في أعمال الفنانين التقليديين مثل أكرم أبو الفوز، الذي يصنع قطعاً فنية من بقايا الصواريخ والقذائف. سِجِلّ لكل هذه المبادرات يمكن العثور عليه في بوابة SyriaUntold، التي تسعى إلى المساهمة في تسجيل الذاكرة التاريخية السورية.

في ذلك الوعي بتاريخها الخاص، وفي التعبيرات الفنية والإبداعية التي لا تعد ولا تحصى، تكمن قيمة السردية الشعبية للبلد. ينبغي الإصغاء إليها بانتباه من أجل الاسترشاد بها، كما البوصلة، في حالة الفوضى التي آلت إليها سـوريا.










http://www.elmundo.es/internacional/2014/08/22/53f7801eca4741c4568b458e.html

Wednesday 3 September 2014

في أي قرن نعيش؟




في أي قرن نعيش؟

خوان غويتيسولو- صحيفة الباييس الإسبانية


إلى أي مدى سوف تصل همجية الكلبية السياسية والتعصب الديني اللذين يؤديان إلى هروب مئات الآلاف من الأشخاص للنجاة بأرواحهم من القصف والتهديد بالإبادة؟
انتصار الأسد الاستراتيجي عند التخلي عن مخزونات أسلحته الكيميائية الزائدة عن اللزوم ومتابعة الدك بلا رحمة بالمدفعية والبراميل المحملة بالمتفجرات في المناطق التي ما تزال تحت سيطرة من ثاروا في عام 2011 على انتهاكات ديكتاتوريته يُظْهِرُ أن هدفه بالقضاء على هؤلاء، المنقسمين إلى مجموعات صغيرة على خلاف فيما بين بعضها البعض وغير القادرة على تقديم بديل سياسي موثوق، قد نُفِّذَ طبقاً لخططه: اختزال الصراع إلى مواجهة بين من هم معه وبين إرهابيي أمس من القاعدة وإرهابيي اليوم من الدولة الإسلامية في العراق والشام. بكلمات أخرى، وضع الولايات المتحدة وحلفائها بمواجهة الاختيار بين السيء والأسوأ.
كنتُ قد انتويت عدم كتابة المزيد حول إخفاق المجتمعات العربية المضطهدة في توجيه توقها للمزيد من الحرية والعدالة نحو خارطة طريق ديموقراطية تفرق بين المجال الديني والسياسي، لكن ظهور الخلافة الإسلامية المعلن عنها في الموصل يُدخِل عنصراً جديداً ومميتاً في الحروب الطائفية التي تدمي اليوم الدول التي أُنشِئت في نهاية الحرب العالمية الأولى على أنقاض الامبراطورية العثمانية في اتفاقات سايكس-بيكو.
عرض العودة إلى القرن السابع كمثال سياسي أعلى في كل ميادين المجتمع هو جنون خالص، لكن هذا، كما نعلم، تنتقل عدواه بسهولة والدليل على ذلك هم الثلاثة آلاف جهادي أوروبي المنضوين تحت الراية السوداء لتنظيم الدولة الإسلامية. المواعظ الملتهبة للخليفة المنصب ذاتياً لا يمكن النظر إليها باستخفاف. احتلال مناطق واسعة من سـوريا والعراق، بعد حمله جيش بغداد المنهار معنوياً على الهرب وتطويقه وترويعه لمعاقل الجيش السوري الحر، يظهر أن التهديد حقيقي. وتفسخ مجتمعات الشام وبلاد الرافدين بسبب الصراعات الطائفية في هذه النسخة الجديدة من حرب الثلاثين عاماً -أو المائة؟- يستميل أسوأ حالات التطرف. تستفيد اليوتوبيا الرجعية من قيمة الرموز واتساع مدى التكنولوجيات الجديدة. فقطع رأس الصحفي الأمريكي جيمس فولي أمام الكاميرا، الذي يستنسخ عملية قطع رأس دانييل بيرل من قِبَل القاعدة في باكستان، يحتوي عَمْدَاً على كل عناصر أفلام الرعب: القناع، السكِّين، اعترافات الضحية قبل الإعدام المُخرَج جيداً.
بعد الاستيلاء على الموصل بدون قتال، صار في حوزة تنظيم الدولة الإسلامية أسلحة فعالة وأموال جاءت من نهب المصرف المركزي العراقي، وهو يطبق بشكل حرفي برنامجه المسكوني القروسطي. المسيحيون مجبرون على الاختيار بين التحول (إلى الإسلام) أو مصادرة أموالهم وفي بعض الأحيان الموت. إعدام مئات منهم والحكم بالعبودية على نسائهم هو تحديث مريع لقوانين الحرب القديمة عند البدو في الفترة قبل مجيء النبي (محمد). إن جرائم الأسـد ضد الإنسانية والقمع العنيف للسُنَّة عبر أفعال المالكي المشؤومة هي حجتهم الفضلى. والتعايش القديم بين الأديان في إطار سياسي مشترك يتراجع أمام الكراهية والدمار والموت. ربما يكون المثال الأكثر قسوة على ذلك هو الخاص بالايزيديين. لقد تعرفتُ قبل أعوام على واحد من أعضاء هذه الملة وقد لفتت انتباهي بقوة تحولاتُ مجتمعهم على مدى القرون. مجموع أساطيرهم، طقوسهم، محرماتهم، تختلف عن المسلمين والمسيحيين وتتلاقى مع الديانة الزرادشتية القديمة.
الآن يهربون مشتتين عبر شمال شرق سـوريا وكردستان وسط لا مبالاة عامة. صفحة من التاريخ الإنساني (أو اللا إنساني) تتعرض لخطر الاختفاء معهم: مع أولئك اللاجئين الذين انقطعت بهم السبل في جبل سنجار الصخري الذين تلقي عليهم المروحيات الأمريكية برحمة رزم الأغذية وقناني المياه.
من يعش ير: في أي قرن نعيش؟






http://internacional.elpais.com/internacional/2014/08/27/actualidad/1409157427_190163.html