Thursday 28 July 2016

خابيير كوسو في سـوريا




خابيير كوسو في سـوريا


مقابلة الأسـد بحثاً عن السلام، والنكران المنهجي للمجازر، والتعذيب، والاختفاء، وكل ما هو موثق بما فيه الكفاية، يمكن أن يرجع فقط إلى شيئين: الكلبية أو الجهل.


نعومي راميريث دياث- موقع قناة SER الإسبانية


قبل بضعة أيام وصلنا خبر مفاده أن النائب عن اليسار المتحد (الإسباني) في البرلمان الأوروبي، خابيير كوسو، بصحبة عضوين آخرين في البرلمان نفسه، قد سافر إلى دمشق للاجتماع مع بشار الأسـد واستكشاف إمكانيات السلام في سـوريا. فعل ذلك بمبادرة ذاتية وبعد شهور من التحضير. الخبر كان يمكن أن ينتهي هنا، ويكون الأمر متعلقاً بوساطة دولية من نمط الوساطات التي قام بها الموفدون العديدون للأمم المتحدة الذين، بخلاف كوسو، كانت لديهم، على الأقل، البصيرة للاجتماع مع ممثلين عن المعارضة السياسية السورية. لكن دور كوسو ينطوي على أكثر من ذلك بكثير.
بداية، ظهر الخبر في موقع اليسار المتحد، ما يعني توريط وإلزام الحزب بأكمله ويحول الحالة إلى اتخاذ موقف واضح لا لبس فيه من قِبَل هذا التشكيل. آخذين في الحسبان أنه في الانتخابات السابقة في السادس والعشرين من حزيران|يونيو الماضي شكَّل اليسار المتحد جزأً من ائتلاف Unidos Podemos (متحدين نستطيع)، فإن زيارته تورط أيضاً أعضاء ذلك الائتلاف، الذي يبدو قادة بوديموس Podemos  واليسار المتحد IU، حتى هذه اللحظة، مستعدين للحفاظ عليه.
إلى هنا، لا شيء كان ينبغي أن يقلق القارىء، وبالتحديد، المصوِّتين والناشطين في هذا الائتلاف. لكن، ثمة تفصيل صغير: لقد دافع خابيير كوسو بضراوة، مثل كثيرين من منصة   اليسار المتحد -وبالتحديد المرتبطون بالحزب الشيوعي الإسباني PCE، لكن ليس حصراً-   منذ آذار|مارس 2011، (عندما اكتشفوا وجود سوريا في الخريطة بفضل ثورة شعبية خرجت للمطالبة بشيء أساسي جداً مثل الكرامة بمواجهة الديكتاتورية الأسدية الحديدية) دافع عن "الحكومة الشرعية الديموقراطية السورية"، التي يترأسها بشار الأسـد.    
أكثر من ذلك، في الأشهر الأولى، أو ربما خلال عام كامل، أنكروا ما كان يحدث في سـوريا، مستندين في خطابهم إلى "مصادر بديلة"، تحت شعار أنّ "الحقيقة هي ثورية": كل شيء سُجِّل في مواقع معدة في قطر، مقر قناة الجزيرة. على ما يبدو، لقد تمكن بلد صغير من أن يؤوي في حواياه كل الجغرافية السورية، بأعرافها وعاداتها، من دون أن يؤثر ذلك على وتيرة حياة قاطني هذا البلد نفسه.
في عام 2012، عرض خابيير كوسو نفسه شريط فيديو يتساءل عن صحة هجمات النظام على السكان المدنيين، في نوع من المرافعة دفاعاً عن نظام بشار الأسـد، بغية إظهار براءته والمؤامرة التي تحاك ضده.
عند حدوث مذبحة الكيميائي في 2013، المثبتة بما فيه الكفاية في تقرير لم يكن عليه أن يشير إلى المذنب الواضح، دعا اليسار المتحد إلى تظاهرة -حيث كانت الغالبية الساحقة للأعلام الشيوعية- ضد العدوان الامبريالي، تحت شعار "لا للحرب على الشعب". من المضحك، في أقل تقدير، أن يقلقهم هجوم أمريكي محتمل لم يحدث قط وليس المجازر اليومية ضد هذا "الشعب".
لماذا توجَّب على السيد كوسو الدفاع عن نظام قادر على كل ذلك وأكثر من ذلك بكثير، مثل رمي البراميل المتفجرة على السكان المدنيين؟ الجواب بسيط: يوجد هالة قداسة قوية جداً حول النظام، الذي يعلن عن نفسه مناهضاً للامبريالية وصديقاً للشعب الفلسطيني (الذي كان قد أرسله في أيار|مايو 2011 إلى موت مؤكد في تظاهرة لا سوابق لها على الحدود مع الجولان: أراد أن يرسل رسالة إلى إسرائيل بأنه على الاستقرار في سوريا يعتمد استقرارها، وليس على استعادة الأراضي المحتلة قبل عقود).
بهذا، ببساطة، كسب الديكتاتور الأكثر دموية في التاريخ المعاصر، الخليفة الجدير لوالده- الذي تفوق عليه بأشواط- دعم قطاعات واسعة من اليسار (وللمفارقة، رغم أنه لدوافع أخرى لا تلائم الحالة لكنها مرتبطة بشدة بالإرهاب الذي رعاه هو نفسه، من اليمين الأكثر تطرفاً).
صحافيون مشهورون، خاطروا بحياتهم من أجل رواية ما كان يحدث، كمونيكا بريتو أو خابيير اسبينوسا، الذين كانوا من أوائل من قفزوا على حاجز الرفض الممنهج لتأشيرات دخول وسائل الإعلام إلى الأراضي السورية، شُتموا جراء عملهم. الهجوم الذي قضى على حياة ماري كولفين، التي حدَّدت أُسرتها للتو بالأسماء والكنى الأشخاصَ الذين عملوا على التخلص منها، كان يمكن أن يقضي أيضاً على حياة سميِّ كوسو (الصحفي خابيير اسبينوسا)، الذي نجا في واحدة من مصادفات الحياة، ولو أن حظه خاب لاحقاً لعدة شهور. ذلك الهجوم ارتكبه النظام السوري، الذي جعل من الصحفيين وكل من يحمل آلة تصوير هدفاً له منذ اليوم الأول.
نالت مونيكا، للسخرية، جائزة خوسيه كوسو للصحافة على عملها الرائع كمراسلة منذ أن أمضت أعياد ميلاد عام 2011 في حِمْص. تلك الجائزة تحيي ذكرى مقتل شقيق كوسو في العراق؛ رغم ذلك، سفير السلام هذا يبدو أنه يميز بين كيفية موت بعض الصحافيين وكيفية موت آخرين تبعاً لمن يقتلهم، وهذا، من وجهة نظر موضوعية، يعني تنازلاً مطلقاً عن القيم التي كان يجب أن يدافع عنها ذلك اليسار؛ ومن بينها، الكرامة. كرامة أنكرها هو نفسه على السوريين الذين انتفضوا ضد الأسـد، إذ هم، وفقاً له، إما إرهابيون أو عملاء للامبريالية الأمريكية (وليس للامبريالية الروسية، لأن روسيا ليست امبريالية).
مقابلة الأسـد بحثاً عن السلام، والنكران المنهجي للمذابح، والتعذيب، والاختفاء، وكل ذلك الذي هو موثق بما فيه الكفاية، يمكن أن يرجع فقط إلى شيئين: الكلبية أو الجهل. سيكون جميلاً التفكير بأن الأمر يتعلق بالثاني.









http://cadenaser.com/ser/2016/07/14/internacional/1468486680_118095.html