Friday 24 March 2017

سـوريا: مأساة تدوم أكثر من ستة أعوام




سـوريا: مأساة تدوم أكثر من ستة أعوام

نعومي راميريث دياث - موقع: كوارتو بودير



في حفل جوائز الأوسكار الأخير، الذي سيسجله التاريخ مقترناً بالزلة الكبيرة عند إعلان الفيلم الفائز بالجائزة القيمة، كان هناك حدث بارز آخر: الفيلم القصير "الخوذ البيضاء" الذي نال جائزة أفضل وثائقي قصير. عمليات البحث على غوغل ارتفعت إلى الذروة: ما هي الخوذ البيضاء؟ فيما وراء السعادة التي قد تستلزمها حقيقة التركيز على عمل الإنقاذ الجبار الذي يقوم به هؤلاء المتطوعون في سـوريا،مغامرين بحيواتهم لإنقاذ الضحايا -وفي مناسبات لا تحصى، الجثث- من تحت الأنقاض، فإن حقيقة أنها جائزة سينمائية تخفي واقعا مظلماً: المأساة السورية، التي نقرأ هذه الأيام أنها "دامت أكثر من ستة أعوام"، تحولت إلى عَرْض.

الخوذ البيضاء، كمنظمة، وليس كأبطال في فيلم وثائقي، من غير التخلي عن التشديد على العمل الجدير بالثناء الذي قام به المخرج أورلاندو فون اينسيدل- كانوا قد رشحوا لجائزة نوبل للسلام في 2016. لكن لم يكن مقدراً لهم أن يفوزوا بها أو يبدو أنهم لم يكونوا يستحقونها كما استحقتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قبل ثلاثة أعوام. في عام 2013، توجت تلك المنظمة بالجائزة المذكورة لعملها في مراقبة وتوثيق سحب الأسلحة الكيميائية من سـوريا، بعد مذبحة الغوطة المروِّعة في ضواحي دمشق فجر الحادي وعشرين من آب|أغسطس 2013.

في تلك الليلة التي لم يكن فيها ما يكفي من الدفاع المدني والفرق الطبية، المصدومين بحجم وجدة الهجوم، ونفدت فيها الأدوية، قضى ما يقرب من ألف وخمسمائة شخص. هكذا روى قبل عدة أسابيع في مدريد طبيب سوري عاش الأحداث وفقد عدة رفاق لم يحتموا بما فيه الكفاية أثناء نقلهم أو معالجتهم للضحايا. الناشطة الشيوعية المعارضة لنظام الأسد، سميرة خليل، المخطوفة من قبل مليشيا مناهضة للثورة في أواخر ذلك العام نفسه، وصفت في يومياتها عن حصار دوما 2013 تلك المأساة بأنها الوحيدة التي تحقق فيها دفن الأجساد كاملة وليس أشلاء ممزقة، رغم أن الكثيرين لم يمكن التعرف إليهم لأن عائلات بأكملها لقيت حتفها.

كان للمنظمة الفائزة بنوبل مهمة وحيدة: سحب الأسلحة الكيميائية من سوريا، وتغطية الجريمة المرتكبة من قبل قوات النظام –رغم أنه لم ينشر حتى تاريخه أي تقرير يشير مباشرة إلى المسؤول، فإن المؤشرات أكثر من كافية لكي تكون مخطئة، بالنظر إلى النطاق والمقذوفات والإحداثيات- والسماح باستمرار مذبحة الشعب السوري التي "دامت أكثر من ستة أعوام". جدير بالذكر أنه في الأعوام الثلاثة الأخيرة، لم يتوقف تسجيل هجمات ضد السكان المدنيين بالأسلحة الكيميائية، دع عنك الأنواع الأخرى من الأسلحة.

في مقابل هذا، لم يكن أصحاب الخوذ البيضاء، المقصوفون من قبل قوات النظام وحلفائه عندما يتوجهون لمناطق الإنقاذ، والذين ماهت روسيا في مناسبات متكررة –ومن مصادر حكومية رسمية- بينهم وبين القاعدة، وشعارهم "من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً"، لم يكونوا مستحقين للاعتراف بعملهم. المضمون لا يدخل في الحساب، وإنما الشكل. يومياتهم لا تعني شيئاَ؛ أما الفيلم عنهم، فهو نجاح.

يومياتهم هذه التي "دامت أكثر من ستة أعوام" تجوهلت على نحو ممنهج وما زالت متجاهلة على الصعيد الدولي. يجري الحديث عن المدنيين كما لو أن ما يحدث في سـوريا هو كارثة إنسانية، أو زلزال، أو تسونامي، أو إعصار. آن الأوان للوقوف وقول: كفى!

في سوريا نحن لا نواجه أزمة "دامت أكثر من ستة أعوام". في سوريا يجري ارتكاب جرائم ضد الإنسانية منذ عقود. الصور سيئة الصيت للأجساد المشوهة والمعذبة التي تمكن "سيزار" من إخراجها من سوريا والتي تمكن الكثيرون من خلالها من التعرف، ليس بدون جهد، على أحبائهم، أو التقارير عن التعذيب الممنهج في السجون (بما فيها أحدثها عن صيدنايا) لا تروي شيئاً لم يكن يحدث في السبعينات أو الثمانينات والتسعينات. فمراجعة وجيزة لأدب السجون للكتاب السوريين تقدم وصفاً جيداً   عن الأحوال التي ما زالت تتكرر اليوم: التعذيب للمتعة، واحتقار الحياة الإنسانية.

هذا الاحتقار للمدنيين الذين قرروا يوماً ما أخذ زمام أمورهم وقول لا لنظام سيسجله التاريخ كمثال عن السينيكية (الكلبية) الدولية، ليس، بالتالي، شيئاً جديداً. هذه السينيكية (الكلبية)، التي تُرَى بوضوح خاص منذ 2011، تصبح فحشاً مطلقاً في حالة روسيا التي انتزعت الحق في تقديم مسودة دستور لبلد ساهمت في تدميره بعناية: قصف المستشفيات بكثير من الدقة سوف يجلب لها جائزة دولية ما بكل تأكيد.

في الدستور المذكور، في نهايته تقريباً، مواربةً، لا يُلْحَظً فقط أن الأسـد يمكنه العودة لترشيح نفسه لرئاسة الدولة، بل، بالنظر إلى الطبيعة شبه التأسيسية لهذه الماغنا كارتا، سيكون له الحق في استنفاد ولايتين دستوريتين أخريين من سبعة أعوام، الحد الأقصى المسموح في الدستور نفسه. ذلك يعني أن الراعي الرئيس لسياسة الأرض المحروقة في البلد، بشار الأسـد، سيكون بإمكانه البقاء رئيساً حتى عام 2030 تقريباً. والمأساة التي "دامت أكثر من ستة أعوام" -و"مأثرتها" الأحدث هي الاستيلاء على حلب بعد شهور من الحصار والقصف العشوائي على السكان المدنيين، ما دفع بالناشطين في مناطق أخرى إلى التماس  إخلاء الناشطين، المدنيين والمقاتلين- يمكن أن تمتد لخمسة عشر عاماً إضافياً على الأقل.

كانت حلب الفصل الأحدث فقط في سياسة التشريد القسري للسكان المدنيين الذين يقيمون في مناطق خارج سيطرة النظام. كلا، بل لقد كانت الفصل الأخير المتلفز: إخلاء مناطق من الغوطة في أوائل عام 2017 مر مرور الكرام. فازت حلب بالأوسكار وخسرت الغوطة نوبل. ففيما كانت الغوطة تعاقب، كان التركيز منصباً على قطع مياه الشرب عن قلب دمشق (تحت سيطرة الأسـد)، لكن ما كان يُشَارُ إلى المذنب، الذي لم يكن أحداً آخر غير النظام وحلفائه. لكن، وللمفارقة، إن كل هذا لم يبعد ولو للحظة واحدة الانتباه الإعلامي عن شخص الأسـد، الذي يولِّد استهواءً خاصاً على الصعيد الدولي، والذي يجعل منه نموذجاً خطراً لحكام من العالم بأكمله،  كما يعبر عن ذلك بحق سانتياغو ألبا.

كلا، في آذار|مارس 2017 لا نتحدث عن مأساة "دامت أكثر من ستة أعوام" –أيضاً لا يمكننا الاحتفال كثيراً بالنظر إلى التواطؤ الدولي- ضد كرامة شعب. على أية حال، إن التأريخ لبداية الثورة في آذار|مارس هو نوع من التوافق الضمني، ذلك أنه في شباط| فبراير 2011 كان ثمة مظاهرة. فشهيرة هي تلك الحادثة في سوق الحريقة وسط دمشق في السابع عشر من شباط|فبراير 2011، عندما اقترب مَنْ كان وزيراً للداخلية آنذاك من المكان ليقول: "لكنْ يا شباب، هذا ليس أمراً جيداً، هذه مظاهرة!". ذلك الفصل، الهزلي تماماً في الحقيقة، يظهر الدرجة الضئيلة من الحرية (هذا إن وُجِدَتْ أصلاً) للتعبير سياسياً في "دولة البربرية" كما عرفها ميشيل سورا في الثمانينات -دافعاً حياته ثمناً لهذه الجرأة- وذلك بالرغم من أن المتظاهرين في السوق لم يقولوا شيئاً آخر غير "الشعب السوري ما بينذل" و "الموت ولا المذلة".

كلا، الشعب السوري لا يُذل. الشعب السوري ليس بطلاً لقصة تلفزيونية. الشعب السوري هو ضحية لنظام متسلط لم يدم "أكثر من ستة أعوام" فقط، بل لقد مضى عليه جيلان في السلطة مخرساً كل كلمة مناهضة له، وقاد جنون عظمته البلد إلى الفوضى، سامحاً بأن يتسلل إليه "كل شياطين الأرض"، كما ستقول سميرة الخليل التي ننتظرها.














https://www.cuartopoder.es/tribuna/2017/03/18/siria-una-tragedia-dura-ya-mas-seis-anos/9962