Tuesday 24 April 2018

سـوريا: الصمت والنعيق



سـوريا: الصمت والنعيق

ليلى نشواتي - موقع الدياريو الإسباني


الأربعاء، التاسعة صباحاً. تدعوني مجموعة من شباب أنشأوا وسيلة إعلامية جديدة وأكن لهم مودة كبيرة، تدعوني للتحدث عن سـوريا. عندما يخبرونني بمزيد من التفاصيل، أتبين أن المتحدث الثاني الذي سيكون ضيفهم على الطاولة هو أستاذ جامعي معروف لا يدخر جهداً، كلما وجد فرصة، للثناء على عشيرة الأسـد، الديكتاتورية الوراثية التي مضى على الشعب السوري أكثر من خمسين وهو يعاني منها. الأستاذ، المعجب المقر بإعجابه بآل الأسـد، يضفي عليهم الشرعية على الملاً نافياً جرائمهم متذرعاً بأن النظام هو في الحقيقة ضحية للامبريالية الأمريكية، وفي السر يدلي بتعليقات تتجاوز حد البشاعة.  
"أعزائي، مضى زمن منذ أن وضعت خطوطاً حمراء معينة على مشاركتي في النقاشات"، أجيب مؤسسي الوسيلة الإعلامية الجديدة (شباب، أذكياء، ممتلؤون حماساً)". تماماً مثلما أقاطع منكري الهولوكوست أو الصهاينة الذين ينكرون الوجود التاريخي لفلسطين، أرفض كذلك المشاركة في فعاليات حيث تُعطى الكلمة لمنكري جرائم نظام الأســد في سـوريا".
الأربعاء، السابعة مساء. تطلب مني وسيلة إعلامية معروفة قريبة من الطروحات التقدمية ومن اليسار (ومن يعلم الآن ماذا تعني هذه الكلمة) تحليلاً حول عمليات القصف الكيميائية الأخيرة في منطقة الغوطة. الصور تبعث على القشعريرة وقد مرت أيام وأنا أتفادى مواجهتها، لذا فإنني في الوقت الراهن أشك في استطاعتي تقديم تحليل في مستوى الورطة الموحلة التي آلت إليها سـوريا. سأحتاج إلى قراءة الكثير، والقيام ببعض المقابلات، والاتصال بكثير من الناس على الأرض وقريباً منها، وتفحص المواد المختلفة التي أخذت بالوصول إلي.... "أنا أتفهم ذلك" تجيبني بكثير من اللطف المسؤولة عن القسم الدولي في الوسيلة الإعلامية. "ما يحدث هو أنه تصلنا كثير من المقترحات لمقالات من أناس يدعون أن كل شيء هو مونتاج من صنع الولايات المتحدة الأمريكية ويتعامون تعامياً كلياً عن مسؤولية الأسـد عن المذابح ضد المدنيين في البلد. نود أن تكتبي أنت شيئاً انطلاقاً من دقتك ومعرفتك بالبلد".
أفكر في ذلك، أفضِّل أن لا يكون تحليلاً دوغمائياً، أو طائفياً، أو واحداً من تلك المدائح في الامبريالية الروسية في الشرق الأوسط التي تفرض نفسها، لكن قواي تتخاذل في مواجهة الصور والقصص التي تصلني يومياً من الغوطة. كما تتخاذل عند غالبية من أعرفهم من الصحافيين والناشطين والمدافعين السوريين عن حقوق الإنسان، أو القريبين من سـوريا، بعد سبعة أعوام من الانتفاضة الشعبية، والثورة المسلحة، والحرب، ومع كل القوى الجيواستراتيجية الساعية وراء تعزيز مصالحها على حساب الشعب السوري. لا يتخاذل، بالمقابل، أولئك الذين يحللون البلد عن بُعد، مختزلين أي شكل من أشكال المعارضة إلى الإرهاب، غير مبالين بالسوريين، متجاهلين الديناميات الداخلية، والمعاناة، والخسارة، والمقاومات اليومية للسكان المدنيين. لا أعلم إذا كنتم قد لاحظتم. من ينعقون بالكاد يعرفون سـوريا. من يعرفونها، بالكاد يتحدثون عنها الآن.
لم يعد محتملاً الضجيج، والبروباغندا، ورؤية العالم في محورين، وتحليل الصراعات كما لو أنها مباريات كرة قدم يجب أن يُشَجَّعَ فيها أحد الفريقين. هناك من يشجع فريق الولايات المتحدة الأمريكية|إسرائيل|العربية السعودية وهناك من يشجع فريق روسيا|إيران. في هذه المقاربات السوريون غائبون، ليسوا جزأً من التحليل، كما لو أنه لا يوجد ناشطون ومثقفون وأكاديميون ورجال ونساء سوريون من  جميع المشارب الاقتصادية والاجتماعية لديهم ما يساهمون به في حاضر ومستقبل بلدهم.
تلك التحليلات من على بعد، المختزلة للآخر، التي تكثر اليوم، هي في الواقع انعكاس مروع لواقع البلد: سـوريا ما عادت للسوريين والسوريات. المطالبات بالحرية والعدالة والكرامة التي دفعت أشخاصاً كثيرين إلى شوارع سـوريا وبقية بلدان الشرق الأوسط مضى وقت على إخمادها وخطفها وسحقها من قِبَل مصالح جيواستراتيجة للقوى الكبرى، وخاصة روسيا وإيران وتركيا و(على نحو شديد التقلب منذ البداية) الولايات المتحدة الأمريكية. اختطاف البلد يسير جنباً إلى جنب مع اختطاف العدالة (لا أحد يخضع للمحاكمة، لا أحد يطلب العفو من أحد، ليست هناك عملية مساءلة ولا مصالحة محتملة في الأفق)، مع اختطاف الذاكرة ("لم تكن هناك انتفاضة شعبية"، "لم تكن هناك مقاومة سلمية"، "كل السوريين الذين يعارضون الأسـد هم إرهابيون")، مع اختطاف التاريخ، لماضي وحاضر البلد، ومستقبله.
نحن الذين نحافظ على خطاب إدانة للفاشيات المحلية (الأسـد،داعش) وللتدخلات الخارجية (روسيا، الولايات المتحدة، إيران، العربية السعودية، تركيا، إسرائيل...)، وما نزال نحاول إعلاء صوت السوريين في داخل البلد وفي الشتات، نواجه عنفاً يجد صداه المصم للآذان في قنوات للانترنت وهو لم يتوقف عن الاشتداد في الأعوام الأخيرة. صارت الإهانات يومية، وكذلك الاعتداءات والمضايقات من جانب أشخاص لا يعرفون البلد عموماً، ولا المنطقة ولا تاريخها ولا سياقها السياسي، ولا دينامياتها الداخلية ولا لغتها.
أولئك الذين يعرفون البلد يلتزمون الصمت أكثر فأكثر. صمت معجون بالصدمة، بخسارة شاقة، يستحيل استيعابها. يتهيأ المرء لفقد والدة، أو والد، يمكنه أن يتحمل فقدان أخ، أو صديق، أو عضو من أعضاء جسمه، لكن ليس وطناً. فكرة أن تفقد وطناً لا تلائم، لسنا مبرمجين لاستيعاب ذلك. هو ألم لا يكتمل في الحقيقة، لأن العنف لا يتوقف، والحصانة من العقاب لا تنفك تزداد، والجرح يبقى مفتوحاً. لكنه صمت معجون أيضاً بالتأمل أمام العنف الساحق، باحترام الضحايا والخجل أمامهم، والذين لا يعلم المرء ماذا يقول لهم، ماذا يقدم بمواجهة تفاقم الحصانة من العقاب. "لا يوجد عدل، لا تنتظريه"، هل سأكون قادرة على قول ذلك لنورا، زوجة باسل خرطبيل، مؤسس Creative Commons وأحد عرابي الانترنت السورية، الذي قتلته قوات النظام السوري؟
نحن الذين نعرف البلد والمنطقة، نتنحى جانباً أكثر فأكثر. نصمت. الضجيج يصم الآذان، والعنف، وغياب التعاطف، والصيحات، والنعيق في كل فضاءات الانترنت التي يجرؤ المرء على أن يطل عليها والتي تكتسب على نحو مخيف بعداً ذكورياً وكارهاً للنساء عندما يكون المتحدث، إضافة إلى كونه متخصصاً في شؤون الشرق الأوسط، امرأةً.
أختار عدم ذكر الروابط هنا، لكنني أشجعكم على إلقاء نظرة على حسابي في تويتر أو أية شبكة اجتماعية أخرى أو فضاء آخر يذكر فيه اسمي أو عملي، على التعليقات على أي واحد من مقالاتي في هذه الوسيلة الإعلامية، على هذا المقال هنا عندما تنقضي بضع ساعات على نشره. تعليقات ذكورية، فاشية، عنصرية، كارهة للنساء، تسخر من الضحايا وتصفق لمسؤولين عن جرائم ضد الإنسانية. نعيق، أراه، أكثر فأكثر، بدون رؤية. لقد طبَّعتُهُم. صاروا من يوميات عملي، وأعمال كل الأشخاص الذين نحاول أن نقدم الفروق الدقيقة بغية فهم البلد، ولهم علاقة مباشرة باللامبالاة، والافتقار إلى التعاطف مع الضحايا، وبالحصانة من العقاب التي لا تنفك تنمو وتتزايد.
ورغم ذلك، إن مواصلة الكلام عن سـوريا هي اليوم أكثر ضرورة من أي وقت آخر. لأن التاريخ الذي لا يُفهم سوف يتكرر، لأننا عندما نحتاج آليات لحماية المدنيين سوف لن يوجد أي منها لأحد، لأن الحصانة من العقاب التي تتفاقم في سوريا تؤثر علينا جميعا رجالاً ونساء. ولأنه فيما يصبح النعيق مصماً للآذان، لا أحد يستمع إلى الضحايا.








https://www.eldiario.es/tribunaabierta/Siria-silencio-graznidos_6_760533958.html

Wednesday 18 April 2018

الخطوط الحمر في سـوريا



الخطوط الحمر في سـوريا

رافائيل بيلاسَنْخوان – موقع البريوديكو الإسباني


دعونا لا نندفع في انتقاد الهجوم بالصواريخ الأمريكية والفرنسية والبريطانية في سـوريا كما لو أنها السبب في سيناريو جديد يمكن أن يجلب المزيد من المعاناة والألم. القصف ليس هو الحل على الإطلاق، لكن إذا كان الجيش السوري قد استعمل أسلحة كيميائية ضد شعبه، متجاوزاً ذلك الخط الأحمر الذي تحظره قوانين الحرب الدولية، فإن الحيلولة بكل السبل دون أن يبقى السكان المدنيون عرضة للإبادة هو واجب ملزم ويمكن أن يشمل ذلك هجوماً بالأسلحة لتفادي المزيد من المذابح بالأسلحة الكيميائية.

كم مرة يجب أن تتكرر الوحشية؟ رغم المسافة، يبقى هتلر أو ستالين أو الإبادة الجماعية في رواندا في  الذاكرة فصولاً مخزية حيث كان لتدخلٍ في الوقت المناسب أن ينقذ أرواحاً كثيرة. الممارسات الإجرامية لبشار الأسـد في سوريا لا تختلف كثيرأ ورغم احتمال أن الرد قد لا يكون عسكرياً وحسب، فإنه لأمر مقلق أن يواصل القتل العشوائي، وأن يستمر في التعذيب الممنج لكل معارضيه، وأن يستعمل، إضافة إلى ذلك، الغازات الكيميائية للقتل من الجو، هنالك حيث لا يستطيع جنوده الدخول بالدم والنار.

وهم محض

لو أن تلك المائة من الصواريخ دمرت الترسانة الكيميائة أو قلصتها إلى حد معتبر فهذا جيد، لكن، بخلاف السلاح النووي، فإن إعداد الأسلحة الكيميائية ليس أمراً معقداً وادعاء وضع حد للتهديد بمهاجمة المنشآت هو وهم محض. في أفضل الأحوال سيكون هذا العمل غير ذي صلة، وفي أسوأها سيكون إشارة إلى الأسـد ليدرك بأن يديه مطلقتان بمواجهة عجز الغرب وغياب خطة لإنهاء مذبحته. لأن حقيقة الصواريخ هي أنها كانت فقط عملاً للاستعراض، بغية حفظ ماء الوجه بدون الدخول في تقييم ولو حتى واحدة فقط من المشكلات التي ينبغي مواجهتها من أجل الحيلولة دون أن تودي مجازر جيدة  كل يوم بالأطفال والأمهات الأبرياء، وآلاف من المدنيين لا يريدون إلا العيش بسلام.

ما يحتاجه السوريون ليس دليلاً بالخطوط الحمر، بل أن نتحمل مسؤولية لاجئيهم بينما تفتح طاولة مفاوضات دولية بين الدول المتورطة في الصراع. هجوم ديبلوماسي جديد -مع التهديد بالسلاح إذا كان ضرورياً- لإجبار الحكومة السورية على القبول بممرات إنسانية تصل إلى المناطق المحاصرة وتفتح الطريق أمام المنظمات الدولية للمساعدة. لكن عندما نكون عاجزين حتى عن حماية اللاجئين الذين نطردهم من حدودنا، إذا أريد الترويج لفكرة حماية السكان المدنيين العزل، فإن الإشارة المنطلقة مع كل واحد من تلك الصواريخ هي كذبة كبيرة.

يعلم بشار الأسـد أنه ليست هناك خطوط حمر لأن زمناً قد انقضى منذ أن فقد الغرب أخلاقيات هذه المعركة. وإن كسبها ليتطلب السير في طريق آخر. أو ربما إنه ليس الشيء نفسه أن تخنق بغاز السارين سكاناً محاصرين وأن تحكم عليهم بعذاب مشابه، بإغراقهم في البحر الأبيض المتوسط، بينما يُدفع إلى المافيات ويُقْتَطَعُ من المنظمات التي تحاول منع حدوثه؟ أين هي الخطوط الحمر؟ 






https://www.elperiodico.com/es/opinion/20180415/rafael-vilasanjuan-lineas-rojas-siria-6760216

Monday 2 April 2018

عارُ غربٍ جبان



عارُ غربٍ جبان

راؤول كوندي – صحيفة الموندو الإسبانية
05-03-2018


تسببت المذبحة المشينة في الغوطة، بعد عمليات القصف بالطيران السوري والروسي، في سقوط ستمائة قتيل، وفقاً للأمم المتحدة. وبعد سبعة أعوام، فإن حال الوهن الشديد للنزاع في سوريا هو هكذا بحيث تخيفنا اللامبالاة التي نقبل بها الفظاعة. إن سلوك القوى الغربية، العالقة بين الجيوبوليتيك والوداعة تجاه المجرم بشار الأسـد، قبيحٌ وجبانٌ وعقيم. فهي لا تقوم بتصفية نظام الرئيس السوري، ولا تبدد إمكانية حرب شاملة بين إسرائيل وإيران هي مفتاح الموضوع. وبخلاف بوتين، فإن ترمب يرى رقعة الشرق الأدنى مهمة ولكنها ليست ذات أولوية. لا أحد يبدو مهتماً بوقف مذبحة صارت صورة مصغرة عن عار عصرنا.






http://www.elmundo.es/opinion/2018/03/05/5a9c28d7ca4741df148b45e0.html

Sunday 1 April 2018

الصفحة الفارغة



الصفحة الفارغة

نوريا اسيتا – صحيفة البريوديكو الإسبانية


في شهر آذار|مارس الجاري اكتملت سبع سنوات على بداية الحرب السورية. يُقدَّر بأن عدد الضحايا هو أربعمائة ألف على الأقل، وأن اثني عشر مليوناً من الأشخاص كان عليهم أن يفروا من بيوتهم، وأن أربعمائة ألف آخرين هم محاصرون في مناطق محاصرة كالغوطة الشرقية، حيث الحالة الإنسانية هناك حرجة بصورة خاصة.
أعترف أنه كان علي اللجوء إلى المعلومات المتوفرة على الانترنت لتذكر منشأ هذه الحرب. من المخيف التفكير بأن الشرارة التي أشعلتها كانت اعتقال مجموعة من المراهقين رسموا على الجدران شعارات ثورية ضد نظام بشار الأسـد.
تعاقبت إخفاقات محاولات وقف إطلاق النار منذ عام 2016 وكذلك نداءات المنظمات الإنسانية الدولية. إن واحداً من الألغاز الإنسانية الكبرى هو مشاهدة الكيفية التي نستطيع أن نصل فيها إلى أن نكون أصماء إلى هذه الدرجة تجاه صيحة الاستغاثة من الأخ خِيرت كابالاري، مدير اليونيسيف في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. لقد أصدر بياناً يائساً في أواخر شباط| فبراير الماضي وكان، بالمعنى الحرفي للكلمة، فارغاً. تصدرته جملة "ليس هناك كلمات يمكنها أن تنصف الأطفال القتلى وأمهاتهم وآباءهم وأحباءهم" وأنهاه متحدياً المعتدين بالعثور على كلمات تسوِّغ فظاعاتهم.
منذ أيام وأنا أفكر في ذلك. لا أعلم ما إذا كانت طريقة جيدة للفت الانتباه أو أنه الاعتراف بعجزه عن تقديم جواب آخر؟ أكان استفزاراً ليقدم المسؤولون عن الكارثة تفسيراً أو قبولاً بهزيمة الكلمة؟ هل سيكون له تأثير أكبر من صورة الطفل الذي يخرج رأسه من داخل الحقيبة والتي تصدرت صفحات الكثيرمن الصحف والنشرات الإخبارية؟ ربما نعم. ثمة الكثير من الضجيج من حولنا وسيكون أمراً جيداً في بعض الأحيان أن نتذكر أن عدداً كبيراً من المغنين الذين يصدرون أرق الألحان يحدثون أثراً جاذباً في الجمهور أكبر بكثير مما لو قاموا بالغناء بأعلى أصواتهم.
إن هذا الفراغ في الصفحة الفارغة هو ما يجب أن يُملأ بالأسئلة التي نعلمها فعلاً وبالجرأة في ردودنا.





https://www.elperiodico.com/es/opinion/20180330/la-pagina-en-blanco-articulo-nuria-iceta-guerra-en-siria-6725457