Saturday 31 January 2015

في سـوريا لم يتبقَ شيء لأحد




في سـوريا لم يتبقَ شيء لأحد

ايبا كورباتشو و لاورا بالاغيه- بريوديسمو أومانو: (20-01-2015):

(مقابلة مع أيتور ثابالغوخياثكوا، الرئيس السابق لبعثة أطباء بلا حدود في سـوريا خلال العامين الأخيرين، المدير العام السابق لأطباء بلا حدود إسبانيا والممثل الحالي لأطباء بلا حدود في تركيا.

مع انقضاء أكثر من ثلاثة أعوام ونصف العام على بداية الأزمة، حصدت حرب سـوريا حتى الآن حياة مائتي ألف شخص في الحد الأدنى.

برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أعلن في كانون الأول| ديسمبر إلغاء المساعدة الغذائية لأكثر من 1,7 مليون من اللاجئين السوريين، مشيراً إلى نقص التمويل. في الساعة الأخيرة، تمكنت حملته من تأمين المساعدة حتى شهر كانون الثاني| يناير فقط).

                                         ******************

لاورا بالاغيه: هل السوريون وحدهم؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: لقد تركوهم وحدهم. لم يكن هناك رد فعل لا حاذق ولا لبيب. الاتفاق الذي توصل إليه لنزع الأسلحة الكيميائية كان يهم الغربَ؛ والحكومةَ السوريةَ لتتمكن من كسب الوقت بغية البقاء طرفاً محاوراً ضرورياً. يحدث الشيء نفسه مع القصف على تنظيم الدولة الإسلامية. لا يستفيد السكان المدنيون بشيء، على العكس، فحيث لم تكن تسقط القنابل صارت تسقط الآن أيضاً.

ايبا كورباتشو: أكثر من سبعة ملايين من السوريين نزحوا من منازلهم إلى أخرى داخل البلد وأكثر من ثلاثة ملايين لجأوا إلى بلدان مجاورة. شعب في هروب متواصل.

أيتور ثابالغوخياثكوا: إنه الصراع ذو العدد الأكبر من القتلى، الجرحى، النازحين واللاجئين منذ الإبادة الجماعية في رواندا وحرب البلقان. معاناة لم تُرَ منذ أوائل التسعينيات.

لاورا بالاغيه: كنتَ رئيساً للبعثة في عدد كبير من البلدان، بم يتميز الصراع في سـوريا؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: يتعلق الأمر بحرب ذات بيئة مدنية تحدث في منطقة ذات كثافة سكانية مرتفعة. كانت بلداً ذا دخول متوسطة، هوى مستوى المعيشة فيه بشكل قاسٍ. إلى كل هذا، يضاف الموضوع الراهن، سـوريا هي مركز رئيس في أزمة العالم الإسلامي.

لاورا بالاغيه: السوريون الذي يعبرون حدود البلد يأتون من مدن مختلفة، مثل حلب، ثانية كبريات مدن البلاد اكتظاظاً بالسكان  وواحدة من أكثرها حصاراً.

أيتور ثابالغوخياثكوا: ولأنه لم يبق لهم خيار آخر. من الصيف إلى اليوم، يصل أشخاص لم يكن يخطر في بالهم أن ينتهوا لاجئين في تركيا أو لبنان. لقد استنفدوا، في هذه الأعوام،  كل مواردهم المالية ويصلون، بحقيبة واحدة، فقط. لم يتبق شيء لأحد.

لاورا بالاغيه: ما هو الوضع الذي شاهدتَه في حلب؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: هناك مستوى من الدمار قابل للمقارنة فقط بصور الحرب العالمية الثانية. إنها تصبح  خاوية نظراً إلى الهجمات المتواصلة بالبراميل المتفجرة التي بدأتها حكومة الأسـد في أواسط عام 2013 وإلى ظروف الحياة المستحيلة في المدينة.

ايبا كورباتشو: كيف يصل اللاجئون من الناحية المعنوية؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: إنهم أناس أكثر ضعفاً بكثير من أولئك في بداية الحرب. لقد كانوا يعانون خلال وقت أطول بكثير. قسم كبير منهم هم إلى درجة كبيرة أكثر تأثراً وتعرضاً للصدمة جرَّاء ما شاهدوه وعاشوه.

لاورا بالاغيه: المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في واحد من أواخر تقاريرها، تشير إلى أن مخيمات اللاجئين يمكن مشاهدتها من السماء. إذا حلقنا وتتبعنا الحدود السـورية، ما هي الصورة التقريبية التي سنحصل عليها؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: إذا حلقنا فوق الحدود الأردنية، سوف نرى الزعتري. إنه واحد من أكبر مخيمات اللاجئين في العالم. لم أره لكنني أعلم أنه هناك. بالنسبة إلى لبنان، يجري طرح إغلاق الحدود إذ لم يعد بوسعه تحمل المزيد من السكان. علاوة على ذلك، إنه واحد من البلدان الأكثر ضعفاً تجاه الموضوع الطائفي.

لاورا بالاغيه: وفي العراق، أي سوري كان سيتخيل الانتهاء لاجئاً في بلد غارق في الحرب؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: في الواقع، لقد بدأ حضور أطباء بلا حدود في سـوريا اعتباراً من العام 2005 في دمشق معتنية بالأطفال والنساء العراقيين الذين كانوا يفرون من الحرب. لم يكن لدينا آنئذ أي مشروع في سوريا مفكرين بأن ما حدث سوف يحدث. أثناء الاحتجاجات السلمية ما كنا نفعله كان الاستجابة للطلبات التي كان يقدمها الأطباء المستقلون لمعالجة الأشخاص الذين لم يكونوا يريدون الذهاب إلى المستشفيات لأنهم كانوا يشعرون بأنهم مهددون.

لاورا بالاغيه: تركيا، الحدود الأخيرة والبلد الذي تعرفه بشكل أكبر. بمن تعتنون هناك؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: نحن لا نعمل في مخيمات اللاجئين التي تتوفر فيها أوضاع حسنة نسبياً والتي تستقبل حوالي مائتي ألف شخص. نحن نركز على اللاجئين غير المسجلين مدنياً، والذين هم بالنسبة إلينا الأكثر ضعفاً.

لاورا بالاغيه: ما هي حقيقة الوضع؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: من كل كتلة اللاجئين غير المسجلين، الموجودين في المرائب، الأبنية نصف المشيدة، الناس الذين يعيشون في خيام في الجبل..... نحن، في تركيا، ما نفعله لهم هو التمويل ومساعدة كل الجانب التقني والطبي في منظمة تركية ما. ثمة عيادة عند الحدود نفسها حيث نعتني بكل اللاجئين مجاناً. وبشكل خاص، الناس الذين لا تتاح لهم نوعية أخرى من العناية.

لاورا بالاغيه: كيف يفهم الصغار والصغيرات العالم وهم الذين ترعرعوا مع الحرب كوضع اعتيادي؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: لديهم قدرة كبيرة على الانزواء. يفعلون ما فعله الأطفال على الدوام في الحرب. يلعبون لعبة إطلاق النار بدون أن يكونوا مدركين تماماً لما يعنيه ذلك. ما لفت انتباهي عند العناية بالأطفال الجرحى هو أنهم قلما يبكون. ليس ذلك لأنهم لا يتألمون، بل إنهم لا يفهمون ما الذي يجري. مَنْ سأكون أكثر قلقاً بشأنهم هم الفتيان الذين يبلغون حالياً الرابعة عشرة من أعمارهم.

ايبا كورباتشو: ويستطيعون القتال...

أيتور ثابالغوخياثكوا: لن تكون لهم القدرة حتى على استعادة دراستهم. واحتمالات أن يؤول أمرهم إلى الموت، السجون، أو ممزقين على جدار ما هي كبيرة جداً.

ايبا كورباتشو: هل يتابع اللاجئون صيرورة الحرب أو، كما في حالة الحرب الأهلية الإسبانية، يقولون شيئاً مثل "فلتنته الحرب الآن، ولينتصر من ينتصر"؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: الناس الذين شاهدوا انقضاء ثلاث سنوات من الحرب لا يرون ضوءاً في نهاية النفق وما يريدونه هو أن تنتهي ليتمكنوا من إعادة بناء حيواتهم. غياب الأمل في تخفيف حدة النزاع أو تسوية سياسية يسبب لهم أذى كبيراً.

ايبا كورباتشو: من خلال أطباء بلا حدود لا بد أنكم شاهدتم قصصاً للتغلب (على الصعاب) والاجتياز. هل سيمكنك أن تقدم لنا شيئاً منها؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: الحقيقة هي أنه ليس لدي أخبار طيبة.

ايبا كورباتشو ولاورا بالاغيه: ولا واحدة؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: لا. يوجد نقص في الوسائل من أجل إعادة التأهيل البدني والنفسي. مقابل كل قتيل هناك ثمانية جرحى لا يمكن ضمان شيء من الحياة الطبيعية لهم. ثمة ندرة في الأدوية والمواد. حالياً الجانب السلبي يفوق ويتجاوز بكثير. يصعب عليَّ أن أتذكر قصة يمكنها أن تتنزع مني ابتسامة.

لاورا بالاغيه: إذن سنسألك عما هو نقيض ذلك تماماً. وجه، أو اسم وسمته هذه الحرب.

أيتور ثابالغوخياثكوا: أحمد. كان عاملاً في أطباء بلا حدود. كان يخاطر بشكل دائم. ناقلاً فرق العمل من مكان إلى آخر، ضامناً عملها، أو في المفاوضات الصعبة مع المجموعات المسلحة. وقبل بضعة شهور، انفجرت قنبلة بينما كان يتبضع في السوق. مات وهو يشتري بعض البرتقال.

لاورا بالاغيه: إنه نزاع تقل فيه كثيراً المعلومات على الأرض، ربما تكون القصص الإنسانية هي المفتقدة. من خلال أطباء بلا حدود تجعلون رؤية وجوه من السكان المدنيين أمراً ممكناً في مشروع "تكلفة الحرب". ما هي صورتك الخاصة؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: بالنسبة لي، إن صورة الشهور الأخيرة ستكون الأطفال الذين يستحمون في الحفر التي تسببها القذائف. تبدو لي آخر الابتكارات في إعادة الاستخدام. "أنت تسبب الحفر لي لكي تخرب الطريق وأنا أستحم عندما تمطر أو عندما تنفجر أنابيب المياه". ما يعني أن الحياة تتجاوز كل شيء، وليحدث ما يحدث، فإن الحياة تنتصر في آخر الأمر.

ايبا كورباتشو: حياة يرون أنفسهم مجبرين على كسبها. الشتاء السوري البارد هو عائق إضافي. كيف تتم مواجهته لموسم آخر؟

أيتور ثابالغوخياثكوا: بالنسبة لمن أمضى ثلاثة أعوام وهو يعيش في خيمة، فإن هذه لن يمكنها أن تتحمل مثلما فعلت في العام الأول. كل شتاء هو ضربة أخرى لهؤلاء الناس الذين لا يعلمون متى سينتهي كل شيء. وسط المواجهات التي تحدث في المناطق الكردية، قصف التحالف، هجمات الحكومة على مدينة حلب وهجمات المعارضة في الجنوب، فإن الحقيقة هي أن احتمالات النزوح واللجوء لعدد أكبر من السكان تكون مرتفعة.








http://periodismohumano.com/cooperacion/en-siria-ya-no-le-queda-nada-a-nadie.html