Thursday 31 May 2012

مذابح في سـوريا


مقالة افتتاحية في صحيفة الباييس الإسبانية -28-05-2012

مذابح في سـوريا
الأمم المتحدة تدين مذبحة الحولة بدن الإشارة إلى المسؤول عنها


إن وقف مذابح المدنيين في سـوريا ضرورة ملحة. لكن ذلك لن يكون ممكناً بدون سقوط نظام الأسـد الدموي. وحتى بهذا، لا توجد ضمانة للسلام. فمذبحة الحولة -كانت هناك مجزرة أخرى البارحة في مدينة حماة القريبة- حيث مات أكثر من مائة مدني، بينهم 49 طفلاً و39 امرأة، حققت، أخيراً، التوافق بالإجماع في مجلس الأمن، متضمناً روسيا والصين، على إدانتها "بأشد العبارات الممكنه". لكن لم يتم الإشارة إلى المسؤولية. تقر الأمم المتحدة بتدخل الدبابات والمدفعية، ما يعني أن النظام ترك بصماته، ولذلك عادت لتطلب منه عدم استخدام الأسلحة الثقيلة في قمعه (رغم أن بعض الضحايا تم قتلهم بالمسدسات) وسحب قواته العسكرية من المدن.
يواصل نظام الأسـد خسارة الدعم الدولي. وقد حاول مبعوث الأمم المتحدة، الأمين العام السابق كوفي أنان، مرة جديدة بالأمس في دمشق إعادة إحياء خطته لوقف إطلاق النار، التي ستتبعها مفاوضات سياسية، لكن دينامية الأحداث تذهب في اتجاه آخر. فمن وراء الدعوات إلى وقف العنف، تصل الأموال والسلاح إلى الثائرين من الخليج. وحتى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذان لا يرغبان بالتدخل رسمياُ، قد يكونان مساهمَين في تنظيم تدفق الأسلحة والمعلومات إلى الثوار.
تحاول حكومة دمشق بكل الوسائل أن تحول دون أن يصبح الثوار أقوياء في أي جزء من أجزاء البلاد. وبالرغم من عدم وجود مستقبل له، فإن المقاومة هي انتصار بالنسبة إلى الأسـد. إن عدم عسكرة الأزمة أصبح مستحيلاً. والحقيقة هي أن الحرب الأهلية تسير قدماُ، حتى لو كانت الاحتمال الأسوأ لمجتمع معقد اثنياً ولإقليم غير مستقر. خلف ثورة الغالبية ضد نظام عديم الرحمة تتحكم به أقلية تحظى بالدعم، يوجد أيضاً التوتر العام في المنطقة بين الشيعة والسنة و، بعبارة جيوبوليتيكية، بين إيران والعربية السعودية.







http://elpais.com/elpais/2012/05/28/opinion/1338229519_652295.html

Tuesday 29 May 2012

سـوريا: جريمة وخطيئة


سـوريا: جريمة وخطيئة

انريكي باثكيث – صحيفة لاريوخا الإسبانية


يؤشر مقتل اثنين وتسعين سورياً (من بينهم اثنان وثلاثون طفلاً) في الحولة يوم الجمعة الماضي إلى ما يمكن أن يكون حداً فاصلاً بين "قبل" و"بعد" في هذه الأزمة الطويلة، وما لم يحصل تغيير كلي مستبعد في سلوك النظام وتوضيح مقبول لما حدث، فسيكون، إضافة إلى كونه مأساة، خطيئة سياسية خطيرة جداً.
السبب وراء زعم كهذا يرجع، وفق ما هو مفترض منذ البداية، إلى التأكد من أن درجة الوحشية الممارَسة في عمليات القتل، واغتيال قُصَّر في السن في بيوتهم، واللجوء إلى الأسلحة البيضاء وإلى سادية غير معتادة، تشير إلى أن مرتكبي المذبحة ليسوا جنوداً، وإنما هم المقاتلون شبه العسكريين التابعون للنظام، أي الشبيحة.
فهؤلاء المتنمرون "الشبيحة" القساة يدينون بطاعة عشائرية علَوية صارمة، بمعنى أنهم ينتمون إلى الأقلية التي تسيطر على مفاصل السلطة في البلد وكل الجهاز العسكري والأمني الضخم. وهذه التسمية (الشبيحة) جاءت من اللقب الشعبي الذي أُطلق عليهم. لقد كانوا فاعلين جداً في عمليات القمع، لكن ما حدث يوم الجمعة ضرب رقماً قياسياً: فالمدينة، الواقعة عملياً تحت سيطرة المعارضة المسلحة، كانت قد شهدت مظاهرة ضخمة مناوئة للحكومة فقُصفت بالمدفعية وقذائف الهاون من ضواحيها... وبعد ذلك دخل الشبيحة حيز العمل.
الطوابق السفلى للنظام
في سـوريا يعلم الجميع أن واحداً من أعمدة نظام عائلة الأســد، إضافة إلى التضامن الطائفي والعائلي والعشائري العلَوي، البرعم المتميز من الشجرة الشيعية، هو التحكم بموارد الاقتصاد السوري، المركزي إلى درجة كبيرة بالرغم من عملية التحرير (اللبرلة) التي خضع لها منذ وصول بشار إلى السلطة قبل اثني عشر عاماً.
واحد من أبعاد هذا الاقتصاد، المعبًّر عنه بشكل مهذب في وسائل الإعلام، هو ما يُوصف بـ "البرجوازية التجارية السُنية في دمشق وحلب"، لكنّ هناك بعداً آخرَ، هو شبكات التهريب والابتزاز في مدن الموانئ الساحلية، تحت السيطرة شبه السياسية للنظام نفسه.
هؤلاء، مع المخبرين الذين يغطون كامل التراب الوطني، هم الطبقة السفلية للنظام والحاضنة التي يُجند منها الشبيحة.
تحت هذه السيطرة غير الرسمية التي تخلق ولاءات أكثر مما تخلق من سياسات، يبقى قسم معتبر من تجارة التجزئة، مازال يعتمد على إجازات الاستيراد البالية، ويتجلى في الأسواق السورية التقليدية الجميلة، ابتداء من سوق الحميدية الذي لايُنسى في العاصمة، وهو واحد من أكثر الأماكن في العالم خضوعاً للمراقبة الفطِنة والصارمة في آن معاً.
التداعيات الديبلوماسية
آخذين في الاعتبار أن النخبة السياسية في النظام تتمتع بالذكاء وسعة الاطلاع،  يمكننا أن نفترض بأن النظام، في هذه المستويات العليا، مُغتم بما جرى، بل إنه لا يمكن استبعاد حدوث نقاش داخلي حول كيفية معالجة الموقف بعد اللجوء إلى الكليشيه غير المعقولة بأن مرتكبي المجزرة الوحشية في الحولة هم من "العصابات الإرهابية المسلحة". إن ما جرى هو خطأ قاتل ديبلوماسياً.
عشية وصول الوسيط المعتمد كوفي أنان إلى دمشق، الذي كان رجاله الموجودون على الأرض قد شهدوا بدون ظل من الشك على الجهة المسؤولة عن الحادثة، يصبح من المتعذر تفسير تعرض نظام شديد الانضباط والفعالية للتجاوز من قبل عناصر غير مُسَيطًر عليها... كانت دائماً تحت السيطرة المحكمة. ويُنتَظر بين لحظة وأخرى، بقلق كبير، من روسيا مثلاً، وهي الحليف الكبير والداعم الوحيد ذو الوزن الدولي الثقيل للنظام، أن تعلن عن تأثرها وإدانتها لما جرى... حتى لو كررت جدلها المعتاد حول حتمية الحل السياسي والداخلي للأزمة، بدون تدخل خارجي.
إذا حدث شيء كهذا، وإذا اعتُبِرت معركة الرأي العام خاسرة، كما هو مؤكد، فإن حصيلة عملية الحولة ستكون كارثية، ليس فقط من ناحية الكرامة والحقوق الإنسانية، أي بكلمة أخرى، من الناحية الأخلاقية، وإنما من الناحية العملية كذلك. فإضافة إلى كونها جريمة، هي خطيئة... شيء كان النظام السوري قد ارتكبه مرات قليلة من قبل.






http://www.larioja.com/rc/20120527/mundo/analisis-siria-enrique-vazquez-201205271441.html

Saturday 26 May 2012

سـوريا: غطاء البالوعة


سوريا: غطاء البالوعة

لوث غوميث غارثيّا ** – صحيفة الباييس الاسبانية

ينبغي أن نقولها بصراحة: سـوريا هي غطاء البالوعة. فمع آل الأسـد سيذهب غير مأسوف عليه قرن من التاريخ الاستعماري في الشرق الأدنى. لن يكون الأمر سهلاً، كما يُشاهد ذلك. وبخلاف ما جرى مع سقوط سور برلين، الذي تُقارَن به عملية تفكيك النظام ما بعد الاستعماري، فإنهما اثنان، لا واحد، الجانبان اللذان يترنحان: الـ "هم" والـ "نحن"، حسب التفرقة الاستشراقية المتجذرة.
كانت شهادة ميلاد الاستعمار سبباً دائماً للاختلاف. فالعرب يؤرخونها في عام 1798، عندما حط نابوليون بونابرت رحاله في الاسكندرية مؤكداً: "يا أيها المصريون، قد قيل لكم إنني ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم، ذلك كذب صريح لا تصدقوه، وقولوا للمفترين إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من الظالمين، وإنني أعبد الله سبحانه وتعالى وأحترم نبيه والقرآن العظيم أكثر من المماليك". الأوروبيون، ربما من أجل اختصار سيرتهم الذاتية المؤسفة، يفضلون عام 1885، عندما تقاسموا أفريقيا في برلين. الأتراك استقروا على عام 1783، تاريخ ضربة كاترينا (امبراطورة روسيا) في شبه جزيرة القرم. لكن موضع الاتفاق فعلاً هو النهايات: القرن العشرون كان تاريخ ما بعد الاستعمار،  مفهوماًعلى أنه الحفاظ على النظام الاستعماري بطريقة أخرى.
عندما جمع أوباما القوى المصرية الحية في جامعة القاهرة عام 2009  ليعلن عهداً جديداً للولايات المتحدة الأميريكية مع العالم الإسلامي، كان يجدد، وليس واضحاً إذا ما كان ذلك عن قصد، خطابَ بونابرت: "لقد أتيتُ إلى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استناداً إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل، وهي بداية مبنية على أساس حقيقة أن أميركا والإسلام لا يعارضان بعضهما البعض، ولا داعي أبداً للتنافس فيما بينهما". لكن الأمر الذي لم يستطع مستشاروه الشك فيه، فالاستخفاف عيب خلْقي في السلوك الاستعماري الجديد، هو أن العرب لم يعودوا يصدقون ذلك. بل إن غضبهم يمكن أن يعبر البحر المتوسط، وحتى الأطلسي. ذلك أن العرب يثورون والعدوى تنتقل إلى الجنوب، كما تنبأ بذلك فيليبي غونثالث (رئيس وزراء إسبانيا الأسبق)، وأنها تنتقل بشكل يَرَقي وخطير نحو الشمال.
كان فرانز فانون، الطبيب النفساني من جزر الأنتيل الذي أماط اللثام عن الخيال ما بعد الاستعماري، كان قد حذر في عام 1961، قبل وفاته بمدة قصيرة لم تمكنه من مشاهدة الاستقلال الرسمي للجزائر، من أن الايديولوجيا القومية هي عقبولة ينبغي على المستعمَر التغلب عليها إذا كان يتطلع إلى استقلال حقيقي. كان تحذيره واضحاً: إن الايديولوجيا القومية تسير ضد الأمة، والحزب ضد الشعب، والدولة ضد الفرد.
التاريخ العربي اللاحق أثبت أنه كان على حق. فالحكم التسلطي للأنظمة العربية بمرحلة ما بعد الاستعمار (المتمثلة مؤخراً في مبارك والأسـد وابن علي) لم تفعل شيئاً آخر غير حماية المصالح الغربية القديمة، حتى عندما كانت السمة القومية تشير إلى عكس ذلك. إنها مصالح اقتصادية قبل أي شيء آخر، أعيدت كتابتها في السنوات الأخيرة بمفردات أمنية (الإرهاب، الهجرة)،: ثلاثون بالمائة من الغاز الذي يستورده الاتحاد الأوروبي يأتي من الجزائر، خمسة وأربعون بالمائة من البترول يأتي من الجزيرة العربية، مصر والعربية السعودية تحتلان المركزين الثاني والثالث في قائمة مشتري السلاح الأمريكي، ثمانية بالمائة من التجارة المائية العالمية تمر عبر السويس.
إن الحجة القومية، التي سادت لعدة عقود في العالم العربي، لم تعد تنفع من أجل الاستمرار في السلب والنهب. ونهاية المرحلة ما بعد الاستعمارية لن تتحقق فقط مع سقوط النظام السوري ، لكنه شرط ضروري لها. في سوريا يُكتَب التاريخ الحديث للشرق الأدنى.
 1 – الحدود المصطنعة. إن تشكيل الدولة السورية الحالية هو نتيجة رسم خرائط بقايا الامبراطورية العثمانية، قامت به كل من فرنسا وبريطانيا العظمى، بطريقة سرية وفي لحظة تتوسط الحرب العالمية الأولى، وحظي ذلك بموافقة المجتمع الدولي اللاحقة. لم تكن هناك معايير وطنية، اثنية، ثقافية، تاريخية أو جغرافية. بل الاستراتيجية الاستعمارية البسيطة: فرِّق تسد. لبنان، فلسطين، الأردن وسوريا هم أبناء مثلث للرسم تولى القيام بمهمة إنهاء الشام القديمة الجليلة. أما تركيا، فقد وُلدت مخلوقاً ذا وجهين، ينظر إلى الماضي كما إلى المستقبل، إلى الشرق كما إلى الغرب، إلى الإسلام كما إلى العلمانية. كانت تركيا، غالباً في الظل، القوة الإقليمية، وهي تعلم أن مستقبلها مرهون بالأزمة الحالية. حتى الوقت الحالي، لم تأت ضغوطها على حكومة الأسـد، الذي كان إلى عام مضى صديقاً وحليفاً، بأية نتيجة. الوقت لا يجري في صالح أنقرة. وخطة سلام أنان هي قبل كل شيء مهلة لتركيا. إنها مسألة شهور لاتخاذ قرار بالتدخل. وسيكون هذا مرة أخرى إلقاءً للعصي في لعبة الميكادو الاستعمارية. (لعبة تعتمد على البراعة في السيطرة على حركة اليد والتنسيق بين العين واليد).
2 – السلام السعودي الذي نعيشه. إذا كانت العربية السعودية قد أصبحت قوة إقليمية، فإن ذلك لم يكن بسبب بترودولاراتها أو الوهابية. لقد كانت فرصة سانحة في ظروف محددة. ففي أوائل عقد الثمانينات، كان قد تم تحييد البيدقين الأميريكيين في المنطقة، إيران ومصر، الأولى بسبب الثورة الإسلامية والثانية بسبب توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. التفت رونالد ريغان نحو آل سعود، بدون إهمال السلالات الحاكمة الأخرى في الخليج، فقدم لهم الاستقرار والاستمرار مقابل الولاء. من المنطقي أن لا تعجب الثورات العربية هذه السلالة، وأن تصبح عسكرة الأزمة في سـوريا هي استراتيجيتها غير المعلنة، بانتظار موافقة واشنطن (الجيش السوري الحر يعاني هذه التقلبات). إنها رؤية تلائم نظام الرياض (والدوحة والمنامة وأبوظبي) مثلما تلائم نظام دمشق. تلائم الرياض لأنه مع سوريا المشتعلة ينقلب الربيع العربي رأساً على عقب، وتلائم دمشق، لأنها تعزز رصيدها الوحيد أمام العالم: الخوف من النزاع الطائفي.
3 – الاستعمار البديل. مع تكلس الثورة السورية، عززت روسيا والصين دورهما في المنطقة. من المنطقي أن يقلق هذا أوروبا والولايات المتحدة. لكن لا يقلقهما كثيراً، كما هو متوقع، أن تكون بعض استخدامات حق النقض في مجلس الأمن أسوأ من بعضها الآخر. (كم من المرات نقضت الولايات المتحدة قرارات ضد إسرائيل؟ خمس وعشرون مرة في الأعوام الخمسة والعشرين الأخيرة). لكن النزوات الاستعمارية لروسيا في المنطقة قديمة جداً ومستنفدة تماماً مثل الظاهرة الاستعمارية نفسها. لا جديد تحت الشمس الروسية، الجديد فعلاً هو أن الصين وإيران تتحرقان للقضم من القصعة نفسها. لقد نبَّه صبحي حديدي، المثقف السوري البارز في المنفى وواحد من أكثر المعارضين صلابة للتدخل المسلح، لدى قيامه بتقييم لعام من الثورة السورية (القدس العربي 15-3-2012)، نبَّه إلى الفارق الضئيل الذي يوجد بين أن يأتي الطاغية راكباً على ظهر دبابة إيرانية أو على ظهر دبابة أمريكية.
4 – فلسطين لكل الأذواق. حاول آل الأسـد دائماً أن تكون فلسطين رهينة لهم. ومثل الطغاة الآخرين في المنطقة، صبغوا خطابهم القومي بالصبغة الفلسطينية، رافعين، إضافة إلى ذلك، راية المناهضة للامبريالية. إلى درجة أنه بينما كان الأخوان المسلمون السوريون موضع انتقام لا هوادة فيه، كانت قيادة حماس تتمتع بضيافة النظام. لكن الثورة أجبرت حماس على إعادة النظر في سياستها. فالقائد السياسي للحركة خالد مشعل أغلق في أواخر العام 2011 مكتبها في دمشق وتوصل إلى اتفاقات مع فتح من وراء إيران. وتحول كهذا في استراتيجية الحركة الفلسطينية الإسلامية يدنيها سواءً من منظمة التحرير الفلسطينية أو،  بشكل خاص، من الإسلاموية المنتصرة في المغرب وتونس ومصر. إنَّ لذلك علاقة مع ما يعتبره المحلل السياسي في الجزيرة مروان بشارة، وهو واحد من المحللين الأقل رتابة في المشهد الدولي ومؤلف كتاب صادر حديثاً بعنوان: The Invisible Arab. The Promise and Peril of Arab Revolutions ، تعريباً Arabization لفلسطين بعد عقود من فلسطنة Palestinization العالم العربي. وكما هو معلوم، فإنه لا يوجد شيء أكثر تهديداً للاستقرار المنبثق من النظام الاستعماري من "تطبيع" Normalization  فلسطين.



** أستاذة الدراسات العربية والإسلامية في جامعة مدريد المستقلة.




http://elpais.com/elpais/2012/04/24/opinion/1335278179_110937.html

Monday 21 May 2012

رحلة إلى سـوريا: دقائقُ حرية مسروقة من النظام السوري


رحلة إلى سـوريا: دقائقُ حرية مسروقة من النظام السوري

كارلا فيبلا – موقع: عَيش


"هل أنتِ باللون الأخضر" يسألنا واحد من الأشخاص المسؤولين عن بث المظاهرة المناوئة للنظام التي ستجري في قلب دمشق. إنه يشير إلى تفعيل بروتوكول الحماية في حاسوبنا الذي  يستعدون لتمرير المعلومات إليه.
"عند الساعة الثالثة ظهراً، في ساحة يوسف العظمة. التزمي بالوقت بشكل دقيق، لأننا في بعض الأحيان لا نستطيع التحمل لأكثر من بضع ثوان". وصلتُ إلى نقطة اللقاء قبل الموعد المحدد بنصف ساعة لأكون شاهدة على كيفية تنظيمهم لأنفسهم وعلى الإشارات التي يستخدمونها، بدون أن يكشفوا أنفسهم إلى أن يُعطى الأمر، من خلال النظرات المتضامنة والصامتة دوماً، مع قبولهم بأناس غير معروفين يمكن أن تكون الدعوة للتظاهرة  قد وصلتهم، وبدون استبعاد التفكير بإمكانية تعرضهم للخيانة والوقوع في فخ.
إضافة إلى المعلومات المحددة حول ساعة ومكان الاحتجاج، طلب منا عنصرُ الاتصالِ الاقتراب من واحد من أكثر الأشخاص نشاطاً في هذا النوع من الفعاليات الاجتماعية السلمية التي يحاولون من خلالها حث السكان على الانضمام إليهم، والتخلي عن الصمت والوقوف بوجه نظام بشار الأسـد. وبعد أن جعلنا نشاهد صورة للناشط عبر الشبكات الاجتماعية، قال لنا إنه يجب علينا أن نتوجه مباشرة إلى هذا الشخص قائلين له جملة محددة من أجل الحصول على هاتفه والاستمرار في التعرف على مجموعات الناشطين المؤيدين للتغيير في العاصمة.
قبل خمس دقائق بالكاد من بداية فعاليتهم، لاحظت الشخص المحدد الذي ما إن تلفظت أمامه بالجملة حتى أعطاني هاتفه وطلب مني أن أبقى في المكان نفسه مع إبقاء عينيّ مفتوحتين جيداً.
في الساعة الثالثة ظهراً بالضبط، توجه أولئك الذين بدوا متسوقين يقومون بمشترياتهم، والذين مضى عليهم عدة دقائق وهم ينظرون إلى واجهات المحال التجارية أو يتحدثون بحماسة مع شخص يعرفونه صادفوه للتو في الشارع، توجهوا إلى مركز الساحة وأخذوا أماكنهم حول الحديقة بينما كانوا يُخرجون من أكياسهم البلاستيكية لافتات مكتوبة بالعربية  والانكليزية: "ثورتنا ثورة سلمية"، "الثورة تزداد قوة معك ومعي"، "أمهات الشهداء، أين هم أبناؤكن؟"، "الشعب السوري واحد. الدم السوري واحد"، "إلى أبناء شعبنا الشجعان: نحن مستعدون لفدائكم بأرواحنا"، "أي حرية تريدون؟ الكرامة والعدالة".
أظهر بعضهم صوراً للضحايا الذين سقطوا في الأشهر الأخيرة، وآخرون حملوا وروداً حمراء. وكلهم كانوا يبتسمون للسائقين الذين ما إن انتبهوا إلى الاحتجاج حتى أخذوا يتطلعون إلى ردة فعل الأجهزة الأمنية ضاغطين على أبواق سياراتهم من أجل الخروج من الساحة بأسرع وقت ممكن. ومن عدة نقاط مختلفة من المكان كان ناشطون آخرون يصورون الاحتجاج بهواتفهم المحمولة وكاميراتهم الصغيرة.
كما لو أن الزمان قد توقف، مع الأذرع الممدودة والمنتصبة أمام السيارات لكي يستطيع من فيها قراءة الشعارات التي تم الاتفاق عليها قبل ثلاثة أيام في واحد من  نقاط الاجتماع السرية، شعر الناشطون لمدة سبع دقائق بأنهم في بلد حر. حاولوا إطالة الثواني من أجل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المارّة، من المواطنين الذين ربما كانوا يؤيدونهم ولكنهم خائفون كثيراً من الانضمام إليهم. لقد بقوا في مواضعهم إلى أن تلقوا رسائل من رفاقهم الموجودين في أماكن قريبة من الساحة يخطرونهم فيها عن بداية تحركات وبأن عليهم الاستعداد لفض المظاهرة.
بالسرعة نفسها التي نشروا فيها لافتاتهم القماشية وصورهم، عادوا لحفظها في أكياسهم البلاستيكية، وبعضهم ألقى بها على الأرض عندما بدأوا بالجري. عشرات من الرجال بملابس مدنية، متنكرين بهيئة مواطنين عاديين، بدأوا بالحديث فيما بينهم غاضبين، وتوزعوا راكضين في الشوارع الصغيرة القريبة من الساحة.
بعد خمس دقائق ظهرت أربع شاحنات صغيرة تحمل جنوداً وأفراداً مدنيين عرَّفهم الناشطون بأنهم من ميليشيات الشبيحة المسلحين بقوة. وقفوا سياراتهم في الساحة، بدأوا بتدقيق النظر في أصحاب المحال التجارية الذين حاولوا عدم رفع أنظارهم وعادوا إلى أعمالهم الاعتيادية. لكن صيحات الغضب من العناصر الذين وصلوا متأخرين كانت مدوية، وكانوا يتساءلون فيما بينهم عن المكان الذي هرب إليه الناشطون. أنذر أفراد شرطة المرور العناصرَ الذين وصلوا للتو و رووا لهم قصة الاحتجاج، وأعطوهم معلومات تفصيلية عن هيئات بعض الذين شاركوا في التجمع: الجنس، الشعر، الثياب،.... وعندما جمع العناصر المعلومات الكافية، خرجوا بسرعة كبيرة من الساحة في الاتجاه الذي سلكه معظم المتظاهرين.
خلال أقل من ساعة كان الناشطون قد حمّلوا صور المظاهرة السلمية الجديدة على الشبكات الاجتماعية وأكدوا اعتقال عشرة أشخاص. في الليل، التقينا بواحد من المشاركين الذي وصف لنا راضياً "يأس" و"إحباط" الأجهزة الأمنية لعدم استطاعتها السيطرة على أحداث كهذه "مثل الكلاب عندما تصل إلى المكان الذي وُعدت بالحصول فيه على الطعام لتجدَه فارغاً".




http://www.aish.es/index.php/siria/134-noticias/2922-viaje-a-siria-7-de-mayo-minutos-de-li

Wednesday 16 May 2012

استهزاء دموي بالأمم المتحدة والعالم


استهزاء دموي بالأمم المتحدة والعالم

برودينثيو غارثيّا – صحيفة الباييس الإسبانية


ما إن يغادر مراقبو الأمم المتحدة غير المسلحين إحدى المدن السورية، حتى تستأنف قوات القمع في نظام بشار الأسـد المذبحة، منتهكة وقف إطلاق النار الذي قبلت به الحكومة القمعية من باب الخداع قبل أسابيع قليلة. سخرية جديدة من جهود وسيط الأمم المتحدة، كوفي أنان، الذي صرح مرة أخرى بأن سلوك هذه الحكومة غير مقبول. لكن هذا السلوك يستمر بكل وقاحة لأن النظام القمعي يعلم تمام العلم أنه يحظى بتأييد روسيا والصين، وبشكل خاص جداً الأولى منهما، روسيا بوتين.
عندما سُئل هذا الأخير أمام الكاميرات عن موقف التأييد الممنهج للحكومة السورية الذي يتخذه في مجلس الأمن أجاب بـنبرة غاضبة وبوقاحة غير مسبوقة "إن موقفنا من سوريا يركز على تحقيق المصالحة المستقبلية في ذلك المجتمع". كلمات جميلة لولا جرعة الزيف والسخرية والنفاق النتنة التي تقطر منها. إن دعم الأسـد اليوم وضمان استمراريته الدموية، تحت ذريعة المصالحة المستقبلية لشعبه، كان ليعادل تأييد استمرارية القاتِلَين الكبيرَين كارادزيتش وميلاديتش، في يوغسلافيا السابقة عام 1995، والدفاع عن إطالة أمد جرائمهما تحت الذريعة السخيفة "بتأييد تحقيق المصالحة المستقبلية" بين الصرب والبوسنيين.
تتعالى أصوات مسؤولة من خلفيات متباينة جداً بالإبلاغ بشكل مأساوي عن الفظاعات التي ترتكبها قوات الأسـد ضد السكان المدنيين السوريين. بدءاً من الأمين العالم الحالي للأمم المتحدة بان كي مون الذي قال: "نحن نرى قصفاً للأحياء السكنية بطريقة عشوائية، واستخداماً للمستشفيات كمراكز للتعذيب، واعتداءات ضد أطفال بعمر عشر سنوات، إلى آخره. إن الأمر يتعلق، بكل تأكيد، بجرائم ضد الإنسانية". بالفعل، تشير الشهادات إلى أن المصابين على أيدي الجيش يُحال بينهم وبين الوصول إلى المشافي، الأمر الذي يدفع للعناية بهم بشكل غير مضمون في أبنية خاصة حيث يتم تحديد أماكنهم في النهاية ويُعذبون ويُقتلون. "إنه عنف أعمى وبدون حدود. يذكرني بذلك الذي كان في سراييفو"، يؤكد شاهد بارز، هو أنطوان فوشي، المسؤول الرفيع في منظمة أطباء بلا حدود. بدروها، صرحت مبعوثة الأمم المتحدة إلى سوريا، فاليري اموس، لوكالة رويترز، مشيرة إلى حي بابا عمرو الذي تعرض لأقسى الهجمات في مدينة حمص: "إنه مدمر بالكامل. أنا قلقة بشأن معرفة مصير الناس الذين كانوا يعيشون هنا". والحقيقة، أنها عندما وصلت الى المكان، مصحوبة ببعثة من الهلال الأحمر، وجدت بابا عمرو غارقاً في صمت القبور.
تستمر الكميات الكبيرة من الوقود والمعدات العسكرية التي يحتاجها النظام لتغطية الاستهلاك الكبير الناجم عن عملياته القمعية المتواصلة مع الانتشار الواسع للأسلحة الثقيلة، تستمر بالوصول إلى الموانئ السورية (قادمة بالتحديد من روسيا، ويا لها من مصادفة!). وأمام تعطيل مجلس الأمن جرّاء الفيتو المتكرر لروسيا والصين، دعمت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار الصادر في 16-02-2012 المقدم من الجامعة العربية (والمؤيّد بأصوات 137 بلداً)، وهو قرار يؤيد موقفاً دولياً حازماً بخصوص سوريا مرتكزاً على القواعد الثلاث التالية: عملية انتقالية سلمية نحو الديموقراطية، انتخابات حرة، وتنحية بشار الأسـد عن السلطة. إنه قرار -كما شدد على ذلك السفير وعضو البرلمان الأوروبي اميليو مينيديث ديل بايي- "لا يتمتع بقيمة فعلية ذات صلة بالموضوع لأنه غير مدعوم من كامل أعضاء مجلس الأمن، لكنه يحوز على قيمة كبيرة جداً، من الناحية السياسية والأخلاقية".
إن تفضيل استمرارية الهمجية الإجرامية استناداً إلى حجة شاذة عن المصالحة المستقبلية يشكل استعراضاً للكلبية (السينيكية) في أبشع صورها. فهذه المصالحة المستقبلية تتطلب، على العكس من ذلك، وضع حد، بدون إضاعة وقت، للجرائم التي، في حال استمرارها، ستجعلها (أي المصالحة) مستحيلة لعدة أجيال جراء الكراهية والضغينة. في الجرائم الجماعية – والحالة اليوغسلافية مثل بارز على ذلك – كلما تراكمت الفظاعات كماً وكيفاً، كلما تسممت مشاعر وذاكرة المجتمعات التي تعاني منها، خالقة رواسب هائلة لا تنضب من الضغينة والكراهية، التي ستصعّب وستضر بمحاولات المصالحة المستقبلية عندما يأتي وقتها. ذلك أنه في المذابح الكبرى، وعمليات الإذلال والإبادة الجماعية يبقى آلاف مؤلفة من الضحايا الذين يعيشون مع جراحهم النفسية المؤلمة جداً، والتي لا تندمل أبداً. جراح يبقى ألمها في أعمق أعماقهم حتى الموت، ولا يستطيع تجاوزها إلا أجيال المستقبل. إنه ألم عميق ودائم بالقدر الذي استطال فيه أمد الهمجية، وبمقدار عدد الجرائم المرتكبة وعدد المقابر الجماعية التي زُرِعَت بذورها للأجيال القادمة.
في الوقت الذي تكمل فيه الثورة الشعبية ضد الحكومة السورية شهرها الثالث عشر، يُقدر عدد الضحايا الذين سقطوا خلالها بأكثر من 9000 قتيل (في معظمهم مدنيون غير مسلحين)، وعدة آلاف من المفقودين (ربما يكونون قد أصبحوا في مقابر جماعية)، و35000 لاجئ إلى البلدان المجاورة تركيا ولبنان والأردن، ومائتي ألف نازح، هاربين من بيوتهم، لكنهم بقوا متخفين داخل بلدهم. يسعى المجتمع الدولي لوقف هذا النزف من الموت والمعاناة عبر قرارات مناسبة من مجلس الأمن، لكن روسيا حالت دون ذلك مرتين حتى الآن. يجب ألا ننسى أن بوتين يعمل -كما يقول- "من أجل المصالحة المستقبلية".





http://elpais.com/elpais/2012/05/04/opinion/1336152661_469820.html

Monday 14 May 2012

رحلة إلى سوريا: سيطرة حديدية على ما تبقى من حِمص


رحلة إلى سوريا: سيطرة حديدية على ما تبقى من حِمص

كارلا فيبلا – موقع: عَيش

    09 – 05 – 2012 – حِمص:
الحد الفاصل، الخط الأحمر، يوجد في ساحة الساعة الجديدة، التي كانت حتى أشهر قليلة خلت مركزَمدينة حِمص المزدحم، حيث المقاهي والمحالّ التجارية والمصارف ... اليوم يبدو مظهرها كئيباً، مع الواجهات الممتلئة بالخروق الناتجة عن الرصاص، ولافتات المؤسسات الساقطة على الأرض، والقمامة المتجمعة منذ أسابيع في كل زاوية من الشوارع المحيطة.
عناصر الجيش السوري والشرطة يشيرون إلى خط الجبهة التي يقاتلون فيها في الوقت الراهن. تُسمَع رشقات الأعيرة النارية من حين إلى آخر، في بعض الأحيان تكون قريبة جداً، وفي أحيان أخرى تكون طلقات لمواجهاتٍ تجري في أحياء أخرى. يوضح الضابط السوري لنا أنهم لا يسيطرون على كامل المدينة، وأنه مازال هناك "متمردون، إرهابيون، يجبرون العائلات على إيوائهم في بيوتهم ومنها يستمرون في مهاجمة قوات النظام". في الليل تصبح المواجهات أكثر شدة.
وقف إطلاق النار ليس موجوداً، لقد تحوَّل إلى خديعة أخرى، يعاني منها بشكل خاص المواطنون السوريون، ويقوم بها المجتمع الدولي والنظام السوري على السواء. الأول لأنه ينقذ المظاهر ويعطي الانطباع بأنه يفعل شيئاً، والثاني لأنه يكسب الوقت، مانعاً حتى أن تكمل بعثة الثلاثمائة مراقب (يوجد سبعون من القبعات الزرق في سوريا) المتفق عليها في مجلس الأمن والتي وافقت عليها الحكومة السورية، انتشارها. استنفدت الأمم المتحدة والجامعة العربية ثُلُث الشهور الثلاثة تقريباً التي يفترض أن تبقى فيها البعثة على الأرض، ومازالت النتائج مخيبة للآمال. يعترف المواطنون أنه قد تم استعادة شيء من الوضع الطبيعي في حمص (حيث يوجد ثمانية مراقبين عسكريين وواحد مدني بشكل دائم) وفي إدلب وحماة ودرعا (حيث يوجد أربعة عسكريين في كل واحدة منها بشكل مستمر)، لكنّ الجميع يخافون مما سيحدث عندما سيبقون "وحدهم" مرة أخرى.
الدخول إلى حمص ليس أمراً معقداً، توجد نقطة تفتيش واحدة، حيث تُطلب الهوية فقط  وبالكاد يتم تسجيل السيارات. في الداخل، الأمر مختلف، مواقع المراقبة مع الجنود موجودة في مدخل كل حي من أجل ضمان عزله. المواطنون لا يجرؤون على الانتقال بشكل طبيعي، وسيارات الأجرة لا تتجول في مناطق معينة، وبصرف النظر عن الخالدية أو الحميدية، حيث تستمر المواجهات، وعن أحياء مثل بابا عمرو، المدمر بعد أسابيع من القصف الشديد قبل أقل من ثلاثة أشهر، فإن السكان يحاولون استئناف حياتهم في القسم الأكبر من المدينة.
الشارع الرئيسي في بابا عمرو، الذي كانت تتجول فيه بسرعة كبيرة السيارات التي تخاطر بإدخال الأغذية أو إخلاء المدنيين في أواسط شباط| فبراير، هو اليوم مقفر ومليء بالأنقاض. كل الأبنية تضررت، وبعضها لم يبق فيها إلا جدار واقف على قدميه، ليس هناك أثر لحياة ولا لحركة.
دافعةً عربة أطفال قديمة محملة بعدة أكياس سوداء مليئة بالطعام الذي توزعه الجمعيات الخيرية والهلال الأحمر، تمشي فاطمة لاهثة من الجهد، تحت شمس رصاصية، باتجاه ما تبقى من منزلها. إنها تتحمل مسؤولية إعالة تسعة أشخاص، وحيث أن جميع المحال التجارية في حيها قد أُلقيت ستائرُها المعدنية على الأرض وبعضها لم تعد أكثر من جبل من الآجُر والحديد، فإن على فاطمة أن تجول عدة شوارع على قدميها، فسيارات الأجرة غير مسموح لها بالدخول إلى المنطقة المدمرة، لكي تؤمِّن الغذاء لعائلتها.
إنه مشهد لما بعد الحرب، يعطي الانطباع بأن الهدف من وحشية الهجوم كان محاولة المحو الكامل للحي الذي اختاره معارضو النظام معقلاً لهم وكان ملجأً للذين تجرأوا على مواجهة النظام.
بدون التفكير في حجم الضرر الذي تعرض له حتماً هيكل منزلها، تصعد فاطمة الدرجات ببطء، وفي الأعلى تظهر مجموعة كبيرة من الأطفال، هم أولادها وأحفادها الذين ينتظرون ليروا ما أحضرته لهم في الأكياس السوداء.
تظهر الثقوب الناتجة عن طلقات الرصاص، والفتحات التى غطوها بألواح من الخشب وتحولت إلى مشاجب مفيدة. إنه بيت بدون نوافذ، وبأثاث بقيت فيه الأواني الزجاجية وطقم فناجين القهوة سليمة بأعجوبة. تقول فاطمة إنها عندما رجعت إلى بيتها في آذار| مارس لم تكن تستطيع التوقف عن البكاء: "نحن حزينون جداً. لقد غادرنا من أجل حماية أرواحنا وأرواح أبناءنا. الله فقط هو من يستطيع مساعدتنا، هو الذي أنقذنا وهو الوحيد الذي نثق به". ليس هناك مدارس، والأطفال يمضون النهار بالنبش في بقايا ممتلكات البيوت التي مازال يمكن الاستفادة منها.
وقع الدمار كان كبيراً جداً فعندما سألنا فاطمة عمن يستطيع إخراجهم من هذا الوضع، أجابتنا بأن لا أحد سيعيد لهم موتاهم إلى الحياة. يتحدثون قليلاً في السياسة لكن عندما تطرقنا في الحديث إلى الاتهام الموجه إلى الجيش السوري الحر بأنه أجبرهم على البقاء في بيوتهم أثناء القتال، وبأنه احتل مساكنهم من أجل محاربة الجيش، كانت ردة فعل فاطمة قاطعةً: "كلا. هذا ليس صحيحاً. لقد تعرضنا لهجوم  ومن استطاع منا المغادرة فقد فعل".





http://www.aish.es/index.php/siria/134-noticias/2939-viaje-a-siria-9-de-mayo-control-ferreo-sobre-los-restos-de-homs

Saturday 12 May 2012

مقبرة حِمص السرية


مقبرة حِمص السرية

مونيكا بريتو - بريوديسمواومانو

عادت مراسلتنا مونيكا بريتو بشكل سري إلى سوريا، وهي تروي لنا قصة 66 جثة لا أسماء لأصحابها ترقد في أرض زراعية في منطقة حمص، كان قد تم تسيلمها من المستشفى العسكري إلى رجل دين محلي.
بدلاً من أسماء الضحايا، لا يوجد على الأكفان إلا أرقام مكونة من ثلاث خانات، بعضها يبدأ بـ 9.
"يريدون أن نعود إلى أجواء الخوف من النظام التي كانت سائدة في السابق. إنها طريقتهم في معاقبتنا" يقيم الوضع أحد الناشطين.            ( موقع:بريوديسمواومانو)
10 – 05 – 2012 - مونيكا بريتو (ريف حِمص، سوريا)

الساحة، مزرعة مهجورة، توجد في وسط اللامكان. أربعة أكوام من التراب تبرز في المكان نفسه، يتناثر عليها ورق مقوى يصعب تخمين أن ما عليه هو أرقام باللغة العربية، رغم الوقت القليل الذي انقضى. الطريق القصير الذي يؤدي إلى الساحة يخلو من الاسفلت، مثل كل الطرق تقريباً التي تغطي محافظة حمص، لكن السكان يعتبرونها آمنة لأن الجيش يركز قواته منذ فترة على الطرق العامة السريعة والمناطق القريبة من المدينة: هكذا شرعوا باستخدام الساحة كمقبرة بديلة في أواخر تشرين الثاني| نوفمبر، عندما بدأ بعض المنشقين من القرية أو المدنيين الملتحقين بما يسمى الجيش السوري الحر، الفصيل الذي يقاتل النظام السوري، بالسقوط ضحايا.
اثنا عشر منهم دُفنوا في المكان. لكن الشيء الذي ما كان يمكن للسكان أن يتخيلوه هو أن تزداد سعة المقبرة المرتجلة، لتكتسب بذلك لقب مقبرة الشهداء. في أوائل شهر آذار| مارس تلقى شيخ في إحدى ضواحي حمص القريبة من بابا عمرو مكالمة من المستشفى العسكري. يروي السكان أنهم طلبوا منه تهيئة قبور لمائتي شخص في إحدى القرى المجاورة، وحددوا له زمان ومكان استلام الجثامين وفرضوا عليه شرطاً: لا مجال لنشر أي فيديو، أو أية  صورة فوتوغرافية أو أية رواية عما سيجري. اتصل الشيخ بشيخ آخر من قرية قريبة -  يطلب السكان عدم نشر اسمه خشية تعرضه للانتقام - وطلب منه المساعدة في البحث عن مكان للدفن.
وجَّه الشيخ بالحفر في المقبرة المرتجلة، على أن يجري الأمر بشكل سري، لكن الأسرار شيء يستحيل الحفاظ عليه في القرى. وخاصة عندما تكون البلدات المحيطة بحِمص ممتلئة بالنازحين وعندما يكون في كل أسرة واحد، إن لم يكن أكثر، من المفقودين.
عندما أسفر نهار الثامن عشر من آذار| مارس، حضرت القرية كلها إلى المزرعة المهجورة. ظهرت ثلاث شاحنات محملة بالجثث المغطاة بالأكفان البيضاء موجهة من قبل الشيخ: في المجمل، كان هناك 66 جثة. تزاحم النازحون حول السيارات، باحثين عن أسماء الضحايا. لكنها لم تكن موجودة: رقم مكتوب بقلم مؤشر (ماركر) على الأكفان كان المعرف الوحيد. كانت الأرقام مؤلفة من ثلاث خانات، العديد منها تبدأ بـ 9، الأمـر الذي يقدم فكـرة عن العـدد الكلـي للجثث التي دفنت وفـق ذات النهـج. تحوَّل الألـم إلـى غضب، و وُوجهت محاولات الشيخ للقيام بدفن الجثث بمعارضة جميع الحاضرين. خمسة عشر جثماناً فقط من أصل ستة وستين كانوا جاهزين تحت الأرض قبل أن يثور الحاضرون.
"لام السكانُ الشيخ على استعداده للدفن بدون الشعائر الدينية، وأيضاً على قبوله شروط الجيش بعدم الكشف عن الأكفان. الكثيرون منهم كانوا يبحثون عن أعزاء لهم، وبدأوا بتمزيق الأقمشة والبلاستيك التي كانت تغطي الجثث. لم يستطع الشيخ السيطرة على الموقف وتحول الأمر إلى فوضى. وفُتِحَ خمسة وأربعون كفناً"، كما يشرح لنا أبو فارس، أحد الناشطين. "كانت الجثث في حالة سيئة جداً، بعضها كانت أشلاء، وبعضها كانت مقطوعة الرأس، أومحروقة... وبالنظر إلى الأحجام فإن البعض منهم كانوا أطفالاً، لكن كان من المستحيل معرفة إن كان هناك نساء بينهم. أربعة أو خمسة فقط تم التعرف إليهم، وكانوا أشخاصاً من بابا عمرو".
أقيمت شعائر الدفن أخيراً أمام السكان الحزانى. صور البعضُ فيديوهات بهواتفهم الجوالة، وسجَّل الناشطون اليوم بكاميراتهم: تسجيلاتهم ترافق هذا التقرير (توجد التسجيلات في مصدر النص باللغة الإسبانية). لعلمهم ببنود الاتفاق مع الشيخ فضلوا عدم نشرها علناً: لكن رغم ذلك، تسرب شريط فيديو سيء النوعية وتم نشره على قناة سورية معارضة، مسبباً غضب السلطات. بقية الجثث التي كان يجب أن تكمل العدد إلى 200 لم تصل قط. يروي السكان، أنه عندما رجع الشيخ إلى المستشفى من أجل تولي أمرها، تم احتجازه انتقاماً لعدم قدرته على المحافظة على سرية الجنازة. القبور المتبقية مازالت مفتوحة حتى اليوم.
"إلى أن نعود إلى بابا عمرو لن يكون بمستطاعنا التحري عن الفظائع المرتكبة" يتأسف خالد، ناشط آخر. الدكتور محمد المحمد والدكتور على حزوري، كلاهما من المستشفى الميداني الذي تم تدميره في بابا عمرو، كانا شاهدين على الجنازة المذكورة، ويقولان إنهما سمعا بأن عمليتي دفن مشابهتين تمتا في كفرعايا وشنشار، الأولى كان فيها مائة جثة والثانية كان فيها أكثر من مائتين: وكما في المقبرة السرية المذكورة، كانت الأكفان تحمل أرقاماً بدلاً من الأسماء.
" الطريقة الوحيدة للتأكد من هوية الجثث كانت الحضور إلى المستشفى العسكري، حيث يعطون لكل رقم اسماً، لكن لا أحد ذهب إلى هناك خوفاً من الاعتقال"، يواصل هذا الشاب السوري كلامه. المراكز الطبية العامة في سوريا تستعمل كقواعد عسكرية، والناشطون مثلهم مثل المنظمات الدولية لحقوق الإنسان أبلغوا عن تحويلها من قِبَل النظام إلى مراكز للاعتقال، هذا إذا لم تكن للتعذيب. عندما سقط المستشفى الوطني في أوائل نيسان| أبريل بيد رجال الملازم عبد الرزاق طلاس وجدوا في داخله عدة مخازن مليئة بالجثث. "من المستحيل معرفة إن كان الأمر يتعلق بضحايا جدد لحصار حِمص، أو بالمصابين والمعتقلين الذين تم تصفيتهم أو أنها جثث قديمة لم تدفن قطّ"، يواصل خالد.
مقبرة الشهداء السرية هي رمز للمذابح والخوف اللذين تعرض لهما سكان حمص. هي أيضاً رمز للشك وعدم اليقين. "من المستحيل أن نعرف عدد الناس الذين ماتوا في بابا عمرو في شهر شباط| فبراير الماضي" يشرح أبو حنين، المسؤول عن المركز الإعلامي المدمر في الحي الشهيد بحِمص. "وثَّقنا 126 جثة في القصف، الأمر الذي يمكن تفسيره فقط بلجوء السكان الى البيوت الأكثر حماية، وأربعة أنفاق تحت الأرض، ولأن الله ساعدنا. كانت معجزة. لكن المذابح الحقيقية بدأت بعد ذلك، عندما دخل الجيش على الأرض. في يوم كانوا يقتلون عشرين شخصاً وفي يوم آخر أربعين وفي آخر ستين ... ولدينا فكرة صغيرة فقط عن المذابح المرتكبة." يواصل الناشط، الذي يقدِّر أنه لم يبق في الحي أكثر من ألف شخص. الباقون أخلوا الحي تدريجياً في الأيام الستة والعشرين التي استمرت فيها العملية العسكرية، بفضل الأنفاق التي هيأها الناشطون والجيش السوري الحر. كان سكان بابا عمرو يبلغون ثمانية وعشرين ألفا، انخفضوا إلى نصف هذا العدد في الخريف الماضي عندما اشتدت الهجمات العسكرية.
اليوم يحلم سكانه بالعودة إلى الأطلال من أجل إعادة بناء مساكنهم، رغم الخوف الذي يتملكهم عندما يتذكرون هجوم النظام. "ما زلنا نتساءل لماذا سلمونا الجثث بدون أسماء" يقول خالد بينما يتجول بين القبور، عاضاً على لسانه. "لا أستطيع أن أفسر ذلك إلا بطريقة واحدة: يريدون أن نعود إلى أجواء الخوف من النظام التي كنا نعيشها من قبل. إنها طريقتهم في معاقبتنا".





http://periodismohumano.com/en-conflicto/el-cementerio-secreto-de-homs.html