Tuesday 28 January 2014

رأس الطاغية




رأس الطاغية

لويس باسيتس- صحيفة الباييس الإسبانية


التفاوض ليس نقيضاً للمجابهة دائماً. في بعض الأحيان هو استكمال لها. وهذا ما يحدث في مؤتمر السلام الذي بدأ هذا الأسبوع في سويسرا بهدف إنهاء الحرب الأهلية في سـوريا برعاية الأمم المتحدة وبحضور ممثلين عن نظام بشار الأسـد كما عن قسم من المعارضة  المسلحة.
لا ينتظر النظام شيئاً من هذا التفاوض، باستثناء شراء الوقت. كان قد اشتراه عندما استخدم الأسلحة الكيميائية ونجم عن ذلك قرار الأمم المتحدة بتدميرها الذي حال دون إمكانية وقوع هجوم كذلك الذي أنهى القذافي. ويشتريه الآن عندما يذهب للجلوس مع المعارضة لكي يرفض فكرة حكومة انتقالية لا تكون مُترأسةً من قِبَل الرئيس القاتل الذي هو الأسـد.
رحيله هو بالنسبة للمعارضة شرط مسبق، وهدف يتفق مع هدف العربية السعودية وقطر، وبطبيعة الحال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. رأس الأسـد هو ورقة لعب ذات قيمة كبيرة، إلى حد أن ظهوره على طاولة اللعب حال دون حضور إيران. ليكون حضور نظام آيات الله مقبولاً في جنيف كان لا بد من أن يقبل بعزل المسؤول الأكبر عن مائة وثلاثين ألف قتيل، وعن الهجمات الكيميائية، وعن ملايين النازحين، وعن هول صور 11000 جثة تعرضت للتعذيب بشكل وحشي ووثَّقتها قطر عشية المؤتمر.
حسن روحاني، الرئيس الانفتاحي لإيران، لا يرى الأمور على هذا النحو، كما أوضح ذلك في مؤتمر دافوس، في سويسرا نفسها، حيث واصل الهجمة الديبلوماسية التي صاحبت حتى هذه اللحظة مفاوضاته النووية الموفقة والرفع التدريجي للعقوبات الغربية. روحاني قام بدوره تحت رقابة القوى الفعلية، أي القائد الأعلى، علي خامنئي، وحرس الثورة، المستعدين للتنازل في البرنامج النووي بسبب المصالح الاقتصادية، لكن ليس لخسارة منطقة نفوذهم في ســوريا ولبنان. اهتمامهم هو حلف للجميع ضد إرهاب القاعدة، التي تزداد قوة داخل المعارضة المسلحة. من الواضح أن لا شيء يخدم الأسـد أفضل من الدور الرئيسي الدموي الذي تلعبه الجهادية.
إقامة الممرات الإنسانية لاحقاً وتبادل السجناء وإعلان وقف إطلاق النار في مدن محددة تكفي لتبرير انعقاد المؤتمر. لكن ما يجمع الأربعين بلداً مشاركاً هو رأس الطاغية، بعضهم لإنقاذه وآخرون لقطعه. وحالما يخسر قيمته في نظر من يدعمونه، روسيا هي أكثرمن يفعل ذلك، فإنه سوف يتحول إلى عملة للتبادل وسيسمح ذلك بانتهاء الصراع. وهذا، في نهاية المطاف، هو مسألة وقت فقط. المشكلة هي معرفة كم يتبقى لسـوريا لكي لا تغرق في عاصفة الدم والنار في هذه الحرب الأهلية التي سوف تكمل عامها الثالث قريباً.






http://elpais.com/elpais/2014/01/24/opinion/1390588030_420469.html

Tuesday 21 January 2014

بدون أجندة واقعية، جنيف 2 لن يحل الأزمة




بدون أجندة واقعية، جنيف 2 لن يحل الأزمة

خورخي تشايا- صحيفة الدياريو اكستريور الإسبانية

اليوم، فيما يتم الإعداد لعقد مؤتمر جديد في الثاني والعشرين من كانون الثاني| يناير في جنيف، يوجد المجتمع الدولي في حالة غربة كاملة عن الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري تماماً كما كان في السنوات الثلاث الأخيرة.
إذا كانت المعلومات الصادرة عن عدة عواصم غربية حقيقيةً، فإن اجتماع جنيف سيركز على مناقشة تشكيل "سلطة انتقالية". هذه الخطة كان يمكن أن يكون لها معنى، وأن تنجح حتى، عندما واجهت سوريا الانتفاضات الشعبية الأولى ضد النظام. في ذلك الوقت، كانت الصيغة الأولية لاتفاق ممكن قد بدأت بالتشكل، لكن تلك الخطة أخفقت لأن القوى الكبرى، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، رفضت مساندتها. الأمريكيون اعتقدوا بسذاجة أن الحكومة السورية ستسقط بالطريقة نفسها التي سقط بها نظاما تونس ومصر، وبالتالي، اعتبرت الولايات المتحدة أنه لا حاجة لانخراط أمريكي أكبر في الأزمة في تلك اللحظة. روسيا أحست بهذا النقص في الاهتمام الأمريكي وتحركت تطبق بشكل فعال القوة الانتهازية التي تميز بوتين، وغطت موسكو ظهرها ديبلوماسياً وانتظرت بثبات على الأرض للوقوف إلى جانب المنتصر مع الحد الأدنى من المخاطر.
هكذا، فيما كانت القوى المركزية تلعب لعبتها، تحولت الأزمة السورية إلى ثورة على الصعيد الوطني، ثم إلى حرب أهلية اختُصِرت لاحقاً إلى صراع طائفي، وأخيراً، تحولت إلى مأساة إنسانية حقيقية.
المشكلة التي نواجهها اليوم لم تعد تلك التي واجهناها قبل ثلاث سنوات، هذا أمر واضح، وهو ما يُستنتج من التقييم الأخير للوضع الذي قامت به الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية المختلفة. اليوم، حوالي سبعين بالمائة من الشعب السوري هم لاجئون في بلدان مجاورة أو نازحون داخل بلادهم  شكلوا "مجتمعات أسيرة" تعيش في حالة من الحصار الدائم.
بالنسبة لجميع التحليلات، المحاولات أو الغايات، فإن سـوريا اختبرت ما يسميه علماء السياسة بالانهيار الممنهج. آليات عمل الحكومة تحطمت، معظم الوزرات والخدمات المسيطر عليها من الدولة تعمل بثلاثين بالمائة من قدرتها. الشبكة التعليمية الوطنية تحولت إلى أرخبيل كبير من المدارس المعزولة والجامعات التي تعتني بقسم صغير من الذين يحتاجون إليها. حسب منظمة الصحة العالمية، أقل من عشرين بالمائة من المشافي ما زالت تعمل بشروط مقبولة نوعاً ما، فيما تعاود الظهورَ سلسلة من الأوبئة التي كانت قد انقرضت قبل أعوام في هذا البلد.
الجيش والشرطة، اللذان يشكلان العمود الفقري للنظام، لم يعودا موجودين كمؤسسات تنشغل بالأمن الوطني. آلاف الضباط وضباط الصف والجنود انشقوا إلى مجموعات المعارضة المسلحة. آلاف أخرون غادروا البلاد وصاروا لاجئين في الخارج. ما بقي من الجيش والشرطة يتكون من سرايا مسلحة يسيطر عليها الحرس الثوري الإسلامي الإيراني  وحزب الله اللبناني. والحال ليس أفضل في المعارضة، التي تحولت إلى سديم من الجماعات ذات الإيديولوجيات المتنافسة والقليل أو لا شيء من الرؤية الواضحة لما تريده. كلهم يقولون إنهم يعلمون ما لا يريدونه: "استمرارية نظام الأسـد"، لكن حتى الآن، لم يعرفوا كيف يتغلبون عليه.
في هذا السياق، التحدث عن "المرحة الانتقالية" يمكن أن يكون تمريناً طفولياً. "المرحلة الانتقالية" سيكون لها معنى فقط إذا وُجدت سلطة قائمة يمكن الانتقال منها نحو سلطة أخلاقية وسياسية بديلة. في يومنا هذا، لم تعد المسألة إذا ما كانت لسوريا حكومة سيئة أو لا. الأمور تشير إلى أن سوريا لم يعد فيها حكومة بالمعنى العادي للكلمة. بشار الأسـد ما زال يظهر في التلفزيون بين الحين والآخر محاولاً أن يبدو كرئيس لحكومة هي غير موجودة في الواقع. بشار هو، في الحد الأقصى، زعيم فصيل بين أخرى كثيرة في سـوريا مجزأة وفي حرب أهلية. الولاية الرئاسية للأسـد من المتوقع أن تنتهي بين آذار|مارس ونيسان|أبريل القادمين. بطبيعة الحال سيسعى بشار إلى ولاية رئاسية جديدة من سبع سنوات، عالماً علم اليقين بأن تنظيم انتخابات مشكوك فيها ومزورة كتلك التي جرت في سوريا في الماضي لن يكون أمراً ممكناً من الناحية المادية والمكانية.
المشكلة الحقيقية، بالتالي، هي رؤية سـوريا متحولة إلى كيان بدون حكومة وفي ساحة معركة لعدة حروب متوازية قد تستمر خلال الوقت الذي تقبل القوى الأجنبية فيه بدعم وتسليح المجموعات المتنافسة.
هذا السيناريو لن يخدم مصالح أي من القوى المتدخلة في هذه المأساة. في مواجهة مشكلة السيولة التي تلوح في الأفق، لن تستطيع إيران إبقاء نظام الأسـد مثل عشيقة مبذرة تطلب في كل يوم المزيد من الإنفاق. أما روسيا، فستواجه خطر التعرض للامتصاص في صراع لا نهاية له في الأفق، ومن غير آمال ذات مصداقية بالحصول على مكاسب وأمام إمكانية حقيقية لخسارة مواقع في السياسة الدولية إذ استمرت عاماً أو عامين إضافيين في موقفها الحالي.
للمرة الأولى خلال ثلاث سنوات، يمكن أن يكون للمشاركين في جنيف 2 مصالح مشتركة، يبرز من بينها الحؤول دون تحول سـوريا إلى جرح نازف في منطقة البحر المتوسط. جنيف 2 يمكن أن يكون مفيداً إذا تم التركيز على حقيقة الوضع. المهمة الأكثر إلحاحاً هي تعبئة الموارد الضرورية لمواجهة الكارثة الإنسانية. عدد غير محدد من السوريين- يتجاوز بالتأكيد مائة وخمسين ألفا- قضوا في هذا الصراع، وآخرون كثيرون يموتون من الجوع والأمراض ونقص الأدوية يوماً بعد يوم.
جنيف 2 سيكون فرصة لكي تساهم روسيا وإيران في هذه الدعوة الجديدة للأمم المتحدة وتظهرا بشكل حقيقي مساندتهما للشعب السوري. إن صورة كليهما، مع مرور ثلاثة أعوام من الدمار، تزداد قتامةً في المجتمع الدولي. ولا تبدو فكرة جيدة أن تكون كلتاهما مستعدتين لتقديم المزيد من المال والسلاح للأسـد لكي يستمر المزيد من السوريين في الموت. تماماً كما تفعل العربية السعودية وبلدان الخليج.
بأجندة كان يمكن أن تكون مهمة قبل ثلاث سنوات، لن يسفر جنيف 2 عن شيء في الشروط التي يُطرَح فيها اجتماع الشهر الحالي والديموقراطيون السوريون لن يكون لديهم أي سبب لحضوره. إذا لم تغير إيران وروسيا موقفيهما، فإن الشعب السوري لن يكون لديه أية فرصة للنجاة من بحر الدماء الذي انطلق من عقاله هناك.





http://www.eldiarioexterior.com/siria-sin-una-agenda-realista-43295.htm

Wednesday 15 January 2014

إيران و دعمها "المشروع" لسـوريا




مقالة افتتاحية في صحيفة الايمبارثيال الإسبانية في 12-01-2014

إيران و دعمها "المشروع" لسـوريا


صرَّح السفير الإيراني الدائم لدى الأمم المتحدة، محمد خزاعي، يوم الجمعة الماضي أن دعم بلاده لسـوريا والعلاقات التي يقيمها كلا البلدين هي "مشروعة" تماماً، في رد على أولئك الذين يتهمونها بتقديم السلاح والرجال لجيش بشار الأسـد. يحدث هذا بينما كان محمد خزاعي نفسه قبل بعض الوقت يلوم  قطر لسماحها بافتتاح سفارة للائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية في الإمارة مؤكداً أن هذا العمل "يغذي مذبحة الشعب السوري".
 صفاقة النظام الإيراني تحمله على الكلام عن "المذبحة السورية" في الوقت الذي يملك فيه هو تحديداً مدربين عسكريين يقدمون المشورة إلى قوات بشار الأسـد. كما أنه يزود دمشق بالسلاح المتنوع، ويمول ميليشيا حزب الله الشيعية، الموالية للأسـد. إن الداعم الرئيسي لدمشق هي روسيا، إلا أنه يجب عدم الاستخفاف بإيران، التي سعت على الدوام للإبقاء على حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. إن دعمها للإرهاب كان ثابتاً طيلة عقود، ومع أن الجدلية الأقل عدائية إلى حد ما المفروضة من قبل روحاني توحي بالدوام إلا أنه ليس بالوسع التغاضي عن السِّجل الإيراني خلال كل هذه السنوات.
في هذا السياق، وبالرغم من هذه الجدلية "الناعمة"، إلا أن برنامجها النووي كما دعمُها للإبادة الجماعية التي تُمارس بحق الشعب السوري يبقيان المجتمع الدولي تحت التهديد. والحال هكذا، سيكون على أحد ما أن يوقف إيران، سواء أكان ذلك عن طريق العقوبات أو باستنفاد القنوات الديبلوماسية. إذا استمرت طهران بالعمل في ظل الحصانة التي حظيت بها حتى الآن، فإن دعمها "المشروع" قد ينتهي بالحصول على ثمار لا يرغب فيها أحد.




http://www.elimparcial.es//iran-y-su-legitimo-respaldo-a-siria-132820.html

Friday 3 January 2014

عن ثورة الكرامة




عن ثورة الكرامة

حوار مع المستعربة الإسبانية نعومي راميريث دياث


نعومي راميريث دياث، مستعربة، مرشحة لدرجة الدكتوراة في جامعة مدريد المستقلة ومتخصصة في شوؤون سـوريا، التي أمضت فيها عاماً تدرس العربية وتتعلم عن البلد والمجتمع، مؤلفة مدونة تراجم الثورة السورية Traducciones de La Revolucion Siriaومؤلفة مشاركة في مدونة الأخوان المسلمين Hermanos Musulmanes، وهي مرصد للمنظمة الإسلامية. نشرت العديد من المقالات الأكاديمية عن الثورة وحضرت مؤتمرات محلية ودولية لتقديم عملها.
- وجدنا صعوبات جمة، في أوساط النشاط المسيس أكثر مما هي بين بقية السكان المدنيين، للاقتناع بأن الانتفاضة السورية كانت ثورة شعبية حقيقية جاءت من الأسفل. بل إننا وجدنا من يؤكد أن كل شيء كان عمل متآمرين أجانب. أنت تعرفين جيداً هذه الثورة، فهل يمكنك مَوضَعَة أصل الثورة المدنية وأشكال النضال التي تبنتها؟
أول ما يمكنني قوله هو إن الثورة السورية فاجأتنا جميعاً، محللين، سياسيين، والسوريين أنفسهم في الخارج والداخل، إذ، بخلاف تونس ومصر حيث كان للنشاط النقابي تجارب سابقة، ومن ثم، كان للنضال الاجتماعي بعض القواعد لينطلق منها وبضاعة مزجاة، فإنه في الحالة السورية، بعد القمع القاسي لتمرد أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، الذي قاده الإسلاميون، ولكنه لم يكن حكراً عليهم، كان كل خيار للمعارضة قد قضي عليه. الخوف من تكرار ذلك السيناريو، مضافاً إليه الخوف من مجرد الكلام في السياسة حتى في المحيط العائلي، كانا كافيين لكي لا يتجرأ المرء على أن ينبس ببنت شفة بحق "القائد".
قلت هذا، و لا يزال حدوث المظاهرة الأولى يفاجئنا، آخذين في الحسبان أن الدعوات على الشبكات الاجتماعية إلى "يوم غضب" لم تكن ناجحة وأن أقصى ما تم تحقيقه كان اعتصامات احتجاج على القمع في ليبيا. في سوق دمشقي، في أواسط شباط| فبراير 2011، أحاطت مجموعة من الأشخاص بمشهد فيه رجل شرطة كان قد تحدث لتوه بطريقة مهينة مع أحد التجار وصرخوا بصوت واحد "الشعب السوري ما بينذل" و "الموت ولا المذلة"، صرخات تكررت بعد شهر في درعا، جنوب البلاد.
هناك، رسم بعض المراهقين على الجدران الشعارات التي كانوا يسمعونها في التلفاز من ميدان التحرير: "جاء دورك يا بشار"، "الشعب يريد إسقاط النظام" إلخ. هؤلاء الشبان اعتُقِلوا وعُذبوا وعندما ذهب آباؤهم لاستعادتهم قُدم لهم جواب يمس بالشرف، الحاضر بقوة في منطقة قبائلية. ذلك فجّر مظاهرات رفض ضد النظام الذي لم يتردد في إطلاق النار ومحاصرة المدينة، باعثاً على التضامن من مدن أخرى في الوطن السوري مع درعا: "يا درعا نحن معك" ، "فكوا الحصار عن درعا"، إلخ.
جميع هذه المظاهرات كان بينها شيء مشترك: صيحة "سلمية". وفيها كانت تتأكد وحدة الشعب ضد الإذلال وغياب الحرية: "الشعب السوري واحد". الدعوات إلى إسقاط النظام سوف تأتي فيما بعد. لذلك سُميت الثورة السورية بثورة الكرامة.
- ماذا كان رد النظام على ذلك؟ ما هو حجم المذبحة؟ ما هو الدعم الخارجي الذي لاقاه؟
كما كنت أقول، كان النظام قليل الذكاء. ليسوا قلة الذين يعتقدون أنه لو كان أعاد الفتية سالمين وأطلق الحريات والتنافس السياسي الحقيقي، فإن بشار كان سيبقى بسهولة. إلا أن العنف ضد المتظاهرين العزل كان السياسة التي تم اتباعها.
ليس هذا فحسب، فلممارسة ذلك العنف حظي النظام بمساعدة لا تقدر بثمن من السلاح الروسي (الذي يُسلم إليه "وفق اتفاقيات وُقِّعت سابقاً" كما تقول التصريحات الرسمية)، ومن مقاتلي حزب الله اللبناني (التي اعترف بها زعيمه)، والمساعدة ذات الطبيعة الاستخباراتية (للتجسس على النشاط المعلوماتي على شبكة الانترنت وتحديد هوية الناشطين) والمدد بأعضاء الحرس الثوري من إيران. هذا هو التدخل الذي حدث منذ الأسابيع الأولى في سـوريا وما زال مستمراً في يومنا هذا.
بالإضافة إلى ذلك، استخدم النظام مجموعات شبه عسكرية ذات طابع طائفي لارتكاب مجازر تحرض على الكراهية الطائفية وتسبب الانقسام، كما يشتبه في أن ذلك يحدث مع الفرع السوري من الـPKK  التركي، الـ PYD  ، من أجل خلخلة العلاقات بين العرب والأكراد في سـوريا.
توجد علاوة على ذلك شائعات عن العلاقات بين النظام وجبهة النصرة، التي كان يمكن أن تكون صحيحة في البداية، بالنظر إلى أن نواة هذه المجموعة تشكلت من بعض السجناء المحررين من قبل النظام في مراسيم عفوه، ومع الدولة الإسلامية في العراق والشام، حيث أن هذه تحولت إلى عقبة حقيقية بالنسبة للثورة وللصحفيين الذين يغطون الوضع وللمبادى الأساسية التي خُرِجَ من أجلها: الحرية والكرامة.
أخيراً، حظي النظام بجهاز قوي للدعاية الإعلامية قادته قنوات تسمى بديلة من قبل جزء من قطاعات معينة من اليسار التي تستمر في رؤية العالم في صيغة مانوية تعدُّ تقدمياً  كل ما ينتصب مناهضاً للإمبريالية (ضد الإمبريالية الأمريكية، وليس الروسية، على سبيل المثال) أو مناهضاً لإسرائيل (النظام السوري، باسم عجزه عن تحقيق التكافؤ   الاستراتيجي مع جاره المحتل، لم يفعل شيئاً في سبيل استعادة الجولان، من بين أشياء أخرى)، ويقول إنه اشتراكي علاوة على ذلك. في السياق نفسه، ورغم أن خطاب الولايات المتحدة هو مجرد كلمات، كما أثبت ذلك بوضوح الفصل الأخير المتعلق بالأسلحة الكيميائية، إلا أن اتخاذ الولايات المتحدة موقفاً من الناحية اللفظية ضد مجازر النظام ضد الشعب سيُعد أمراً سيئاً وسعياً فقط وراء حجج للتدخل في سـوريا، باعتبارها عنصراً أساسياً في محور الشر. هذا الجهاز الدعائي الذي نفى بشكل منهجي المجازر والقتلى وحقيقة النظام الاستبدادي خدم آل الأسـد من أجل تعزيز صورتهم كضامنين للاستقرار ضد "مزعزعي الاستقرار" الذين يسعون إلى إضعاف سوريا، وُفق خطابهم هذا.
الأمر المؤكد والذي لا يمكن نكرانه هو أن سـوريا حصدت أكثر من مائة ألف قتيل، مليونين من اللاجئين، وآلاف المعتقلين والمختفين، ويبدو أن العالم قد شاهد ذلك فقط عند حدوث التهديد المزيف بالتدخل. إن مستوى المذبحة لا يمكن الإحاطة به، وإلى ذلك يجب أن تُضاف حاجات النازحين واللاجئين، ولاسيما الأطفال، الذين يعاني الكثير منهم من خطر سوء تغذية حقيقي.
- في التجمعات الكثيرة التي حدثت في شارع باسيو ديل برادو Paseo del Prado أمام السفارة "السورية" كان واحد من الهتافات الأكثر تردداً "الأسد يقتل وأوروبا (إسبانيا أو العالم) يتفرج". لوحظ أن هناك غضباً قوياً تجاه المجتمع الدولي وبشكل خاص تجاه الدول التي تقول إنها "صديقة" الثورة. على العكس من ذلك، يؤكد موالو الأسـد، سواء أكانوا من بين قطاعات من اليسار أو من اليمين المتطرف، أن كل شيء هو من تدبير الولايات المتحدة. كيف ترين ذلك أنتِ، هلى دُعمت الثورة السورية حقيقة أم أنها تُركت لمصيرها من قبل "الغرب"، العربية السعودية، إلخ؟
كما يُستنتج مما سبق، فإن "أصدقاء سـوريا" هم أسوأ أعدائها، فهم من جانب يغذون الدعاية المناهضة للتدخل والمؤيدة للإبادة، ومن جانب آخر يعطون آمالاً زائفة لمن يرون أنفسهم وحيدين. منذ البداية، طلب السوريون حظراً جوياً لرؤيتهم أن قوة النظام توجد في قواته الجوية بعد بداية الانشقاقات في الجنود المشاة الذين رفضوا قتل المتظاهرين السلميين والعزل. طلبوا أيضاً إقامة ممرات إنسانية. لم يحصل ذلك قط. أيضاً طُلِبَ التدخل خلال فترة معينة، نعم، لكنهم أُحبطوا سريعاً وطلبوا تسليح الجيش السوري الحر لكي يتمكنوا من الإطاحة بالنظام هم أنفسهم بواسطة أسلحة يمكن أن تواجه قدراته. لم يُفعل ذلك أيضاً: الأسلحة التي وصلت لا تفيد في وقف عمليات القصف من الجو، على سبيل المثال، ومن يمتلك أسلحة أفضل هم الجهاديون، الذين ترعاهم دول لا تريد مساعدة الثورة، وإنما نشر رؤيتها الخاصة الرجعية للإسلام.
مع هذه البانوراما، لا شيء يمكن انتظاره من "أصدقاء سـوريا". ولنتذكر أن إسبانيا، على سبيل المثال، أرسلت بيرناردينو ليون في محاولة للتوصل إلى اتفاق مع الأسـد، الأمر الذي يظهر أن إسبانيا، بالرغم من كونها بلداً ثانوياً في هذا الموضوع المتعلق بالسياسة الدولية، إلا أنه لم يكن لديها أية رغبة في أن تنتصر الثورة ولا في أن يسقط الأسـد. الولايات المتحدة لا تريد أن يكون عليها أن تبحث عن بدائل لكلب حراستها الذي حافظ بحرص كبير على الحدود مع الجولان هادئة، روسيا تريد الحفاظ على نفوذها في سـوريا، أمر يمكن استبعاده إذا سقط النظام بالنظر إلى تورطها المباشر، إسرائيل ليس عندها مشكلة في الاعتراف بأن سقوط الأسـد لن ينفعها (رغم أن بعض المجموعات السياسية لا ترى ذلك واضحاً تماماً). لماذا مساعدة الثورة إذن؟ الأمر الأكثر راحة هو الإبقاء على نزف داخلي في سـوريا لا يكسب فيه أي طرف من الأطراف، لكن من غير أن يَضعُف أحد هذه الأطراف إلى درجة تشكل تهديداً لمصالح أحد اللاعبين الدوليين.
- مؤخراً ظهرت أيضاً أصوات ناقدة ترى أن الثورة تغيرت جراء عسكرة المقاومة والدور الرئيسي الذي تلعبه المجموعات المسلحة الجهادية؛ أيضاً يقول البعض إن الثورة المدنية قد اختفت. انطباعنا هو شيء آخر، يبدو لنا أن العسكرة، الخطيرة دائماً، فُرضت بسبب ظروف القمع العسكري الشرس ولحاجات الدفاع الذاتي، وأن الثورة المدنية مازالت حية وأنها لم تُبتلع من قبل الجهادية الرجعية وإنما تميل للمواجهة معها بطريقة أكثر وضوحاً بشكل متزايد، لكنها انطباعات من بعيد. نود أن نعرف وجهة نظرك، الأكثر معرفة والتزاماً، حول هذه الأوجه الثلاثة وارتباطاتها: العسكرة، الوجود العسكري للجماعات القريبة من  القاعدة أو ما شابهها و حالة المعارضة المدنية.
في المقام الأول، يجب أن لا ننسى أن نواة الثورة، نشأتها  وجوهرها، هي المقاومة المدنية، التي بدأت بشكل تلقائي، لكنها لم تتأخر في البحث عن طرق لتنظيم نفسها في المسماة لجان التنسيق المحلية من أجل التمكن من الدعوة إلى مظاهرات في نقاط آمنة إلى هذا الحد أو ذاك، الدعوة إلى إضرابات عامة تضعف النظام من الناحية الاقتصادية، مساعدة المصابين في المستشفيات الميدانية السرية، طلب التبرع بالدم، وما لا نهاية له من نشاطات لا نستطيع حصرها. اليوم، في ما يسمى بالمناطق المحررة، حيث ينعدم وجود النظام باستثناء  القصف الجوي الذي وصل إلى حد أن يكون ببراميل الديناميت وصواريخ السكود، هذه المعارضة المدنية، الروح الأصلية للثورة، تنتظم في لجان محلية مسؤولة عن توجيه المسائل الإدارية، من الحكم المحلي إلى إنشاء المدارس لكي لا يضيع الأطفال دراستهم. إضافة إلى ذلك، هي مسؤولة عن تنسيق المسائل الأمنية مع الكتائب المحلية (ليس من غير توترات، خاصة في البداية) المنتسبة إلى الجيش السوري الحر.
توجد، بالإضافة الى ذلك، كتائب أخرى لا تنضوي تحت مظلة الجيش السوري الحر، كبعض الكتائب الكردية التي تحمي المناطق التي يشكل فيها الكرد أغلبية، وبعض الكتائب الإسلامية التي لا تنتسب إلى المبادىء الأكثر ميلاً للعلمانية في الجيش السوري الحر، بالرغم من وجود بعض الكتائب الكردية والإسلامية في الجيش الحر.
أخيراً، لدينا الجهاديون، الذين لن أقول إنهم سرطان، لكونهم دخلاء على النسيج السوري، لكنهم بالفعل يشكلون عائقاً حقيقياً أمام استمرار النشاط المدني (كل ناشط أو طبيب هو مهدد أو مقتول حتى) وتحقيق الأهداف الثورية، ذلك أن مسلَّماتهم المتشددة  ليست متطابقة لا مع المجتمع ولا مع تطلعاته. أكثر من ذلك، إن هدفهم هو خلق إمارتهم الخاصة. على أحد الجدران كان من الممكن قراءة "الخلافة الإسلامية أو نحرق العالم" في محاكاة لكتابات مقاتلي ومرتزقة النظام التي تقول: "الأسـد أو نحرق البلد". وهكذا، توقفوا عن تحرير الأرض ومقاتلة النظام من أجل التفرغ إلى مشاريعهم الخاصة بإقامة حكومة من القرون الوسطى.
ليست لجان التنسيق والمدنيون فقط هم الذين دانوا وجودهم وأفعالهم، بل حتى الجسم الرئيسي للمعارضة السياسية في الخارج -المنقاد دائماً وراء ما يحدث في الداخل- الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، أنكر أن تكون الدولة الإسلامية في العراق والشام جزأً من الثورة أو أن تكون على الخط نفسه مع تطلعاتها، ودان ممارساتها.
- نحن الذين نشعر بالحاجة الملحة إلى التضامن مع الشعب السوري يجب أن نجتهد لايجاد وخلق طرق لممارسته، إنه جزء من واجبنا، لكن ربما يمكنك أنتِ أن تشيري إلى بعض الطرق التي يمكننا اتباعها في سبيل ذلك، ما هي الجمعيات التي يمكنها توصيل المساعدات، إلخ.
من غير شك توجد آليات عدة، على أن لا تكون الرسمية التابعة لهيئة الأمم المتحدة التي تمر عبر النظام السوري، وبالتالي، لا تصل إلى من يستحقها بحق، إضافة إلى أنها تبقيه طرفاً شرعياً في الصراع. في إسبانيا، مثلاً، جمعية دعم الشعب السوري وهي منظمة غير حكومية بدون توجه سياسي تتخصص في تنظيم إرسال المساعدات الانسانية: المواد الطبية والصحية، الثياب، الأغطية، أغذية الأطفال، وتحتاج إلى تبرعات عينية لكن أيضاً مالية لتغطية نفقات الشحنات. من جانبه، التيار الأحمر Corriente Roja أظهر استعداداً لتوصيل المساعدات الاقتصادية إلى لجان التنسيق والمجالس المحلية حتى لا يضمحل النشاط المدني جرّاء نقص الموارد.
- نظراً لمعرفتك الواسعة حول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بودنا أن تعرف رأيك في واحد من أوجه الثورات التي جرت في المنطقة يهمنا كثيراً، طبيعتها العابرة للأوطان. البعض يعتبر أن بعض الانتفاضات كانت جديرة بالدعم، كما في مصر وتونس، لكن البعض الآخر يراها مضادة للثورة، كما في سوريا وليبيا. انطباعنا هو أنها جميعاً، سواء حدثت في سوريا أو في البحرين، ثورات مدفوعة بمشاعر الكرامة والحرية والعدالة، ضد أنظمة كريهة، سواء كانت هذه على علاقة حسنة أو سيئة مع حكام الولايات المتحدة، إسرائيل، أو العربية السعودية. بدون شك، كلها كان لها تأصل قوي في أحوال كل دولة. لكن هل يمكن اعتبارها في آن معاً حدثاً مهماً ذا بعد عابر للأوطان، إقليمي اذا شئت، لكن ذا تأثير على بلدان مثل إسبانيا، تركيا، أو البرازيل، أو حتى الولايات المتحدة ( كما في حركة Occupy Wall Street ) أو لا؟
أود أن أوضح أن الثورة المضادة هي إنكار الثورات، التدخل لوقفها، ليس فقط كما تفعل إيران وروسيا وحزب الله في سوريا، وإنما أيضاً كما فعلت العربية السعودية في البحرين، وبالرغم من من التناقض الظاهر، كما فعل الناتو في ليبيا. طريقة نزع الشرعية عن هذه الانتفاضات كانت التدخل والتحول إلى جيش لواحدة منها (مع تجنب موضوع العقود النفطية)، عن معرفةٍ أيضاً بأن هذا سيعني انتكاسة واضحة بالنسبة للثورة في سـوريا، العنصر الأساسي في التغيير في الشرق الاوسط بسبب تحالفاتها الخاصة. لا أقول بهذا إن الثورة الليبية لم تكن ثورة ولم تكن شرعية، لايسيئن أحد تفسير كلامي، وإنما كان استخدامها سلبياً.
الثورة المضادة أيضاً هي دعم هذه أو تلك من المجموعات وفق المصالح الخاصة أو تقديم الصورة الأكثر ملاءمة عن الثورات، كما فعلت بعض وسائل الاعلام. الثورة المضادة هي القيام بانقلاب عسكري ضد حكومة منتخبة، بألف خطأ وخطأ، إلا أنها اختيرت كرمز للتغيير.
من وجهة نظري، لم نتعلم بما فيه الكفاية من الحراك في العالم العربي. تم التأكيد على استعمال الشبكات الاجتماعية، لكن هربت التفاصيل والمشاعر والاهتزازات التي وصلت من هناك وما زالت تصل.
أود التفكير بأن تجمعات حركة ام 15 في ساحة سول (مدريد) استلهمت، على سبيل المثال، ساحة التحرير (بالفعل رأيتُ لافتة في وقتها كانت تقول: من التحرير إلى سول) والشيء نفسه حدث في نقاط أخرى في العالم، كما في حركة Occupy Wall Street الشهيرة، لكنني أعتقد أن القوى المضادة للثورة ربحت المعركة وأن هذه النماذج من الحراك الشعبي لم تعد مثالاً بالنسبة للكثيرين. في يومنا هذا، تخلى الكثيرون عن مساندة الثورة في سـوريا، "لأنها حرب" وأنا دائماً أوضح، "إنها ثورة حولها النظام إلى حرب، حرب ضد الشعب".




http://www.rebelion.org/noticia.php?id=177851&titular=la-revoluci%F3n-de-la-dignidad-