Tuesday 12 January 2016

الذكرى المروعة




الذكرى المروعة

مدينة مضايا السورية حُكِمَ عليها بالموت جوعاً ليس من قبل عصابة مخبولة، وإنما من قبل حكومة عاقلة تماماً وعديمة التأثر

سوليداد غاييغو-دياث – صحيفة الباييس الإسبانية


"كان الناس ينهارون من الجوع. الحياة اقتصرت على محاولة العثور على الطعام. الهول الذي عاشته تلك المدينة هو شيء لا يمكن تخيله تقريباً. أكل الناس العشب، وغراء النجارة، غلوا ورق الجدران، والأحزمة الجلدية، والكتب...! "لاستبدال قط بالغراء"، قال أحد الملصقات الإعلانية. لا أحد كان لديه القوة من أجل دفن الموتى... إحدى الأمهات استطاعت فقط جرَّ ابنها حتى الفتحة وهناك تركته. كانت هناك أوبئة الزحار، والتيفوس".
"لم يكن المحاصِرُون يريدون مجرد الاستيلاء على المدينة. فالغاية كانت خنقها وقتل جميع السكان المدنيين، والأطفال من ضمنهم، بالجوع. هذا القرار كان دافعه الكره (...). وقد طبق بصرامة شبه علمية".
تصف الفقرتان السابقتان (بقلم خاثينتو أنطون) حصار ستالينغراد في الحرب العالمية الثانية، حصار ما زال يثير الرعب. لكن هاتين الفقرتين يمكن لهما أن تصفا تماماً حصار مدينة مضايا السورية وبلدات أخرى أخضعتها وتقوم بإخضاعها في يومنا هذا القوات النظامية لحكومة بشار الأسـد، أمام أعيننا، للعنةِ، ليس الجوع، وإنما الموت جوعاً.
عندما بدأ الحصار كان في مضايا 42000 ألف ساكن، كثيرون منهم لاجئون هاربون من الحرب في مناطق ريفية. تقع المدينة، كما تقول الخرائط، على بعد خمسة وعشرين كيلومتراً من دمشق وأحد عشر كيلومتراً من الحدود مع لبنان، أي في متناول أي كان ممن يمكنه أن يحمل لها الغذاء والدواء، حتى في سيارة أجرة. لكن مضايا حكم عليها بالموت جوعاً ليس من قبل عصابة مخبولة وإنما من قبل حكومة عاقلة تماماً وعديمة التأثر تستخدم القتل جوعاً "بصرامة شبه علمية"، ضد المدنيين، كاستراتيجية عسكرية بسيطة. حكومة كانت قد أبت بشكل ممنهج أن تفتح الأمم المتحدة ممراً إنسانياً صغيراً وعندما تمكنت الصحافة العالمية (البريطانية أساساً) من الحصول على صور وقررت وضعها في الصفحات الأولى، محيية بذلك الذكرى المروعة، عند ذلك فقط قبلتْ، وسنرى إلى أية درجة، فتح باب صغير.
إن المسألة هي: لماذا هو المجتمع الدولي عاجز عن منع أعمال كهذه. كما ذُكِرَ آنفاً، إن فاعل هذه الوحشية ليس عصابة يصعب العثور فيها على محاور أو لا يمكن الضغط عليها. هنا يتعلق الأمر بحكومة، ديكتاتورية، طبعاً، لكن غالبية دول العالم تحتفظ بعلاقات ديبلوماسية معها، وهي منظمة في وزارات، وإدارات عامة، وكوى ومصالح، ولديها قوات مسلحة نظامية وتدعي أنها تشكل جزأً من مخرج متفاوض عليه للحرب الأهلية التي تعصف بالبلد منذ خمسة أعوام. إن الوضع في مضايا وعواقب استراتيجية الحصار بالتجويع حتى الموت التي يمارسها بشار الأسـد بشكل مكثف، كانت معلومة تمام العلم منذ اللحظة الأولى من قِبَلِ كل حكومات العالم المتحضر.
صحيح أن المجتمع الدولي يفكر بأن حكومة الأسـد يمكن أن تكون مفيدة في الحرب ضد داعش، الحركة الإرهابية التي تسبب الكوابيس في الغرب، لكن رغم ذلك، لا شيء يمكن أن يفسر السماح بإخضاع سكان مدنيين بواسطة الجوع. أن يكون حصار مضايا قد وصل إلى ما وصل إليه فإن ذلك عينة من مجتمعنا غير الإنساني ومن لا إنسانية قادتنا، ومن الإحباط المرعب الذي نتحرك فيه نحن المواطنين، ومن اللامبالاة الرهيبة التي يقدِّرُ بها قادتنا ما يعدونها مصالح لنا.
قبل طي الصفحة اقرأوا وصف منظمة الصحة العالمية لما يعنيه الموت جوعاً: "في البداية يفقد الشخص الوزن، يجف الجلد ويتدلى رخواً، وتتلف العضلات. يفقد الشعر لمعانه، ويصبح النبض أكثر بطئاً. طريحَ الفراش، يبدأ التورم في الأقدام والسيقان بالظهور في الشخص. ويعاني من الإسهال. الأطفال غالباً ما يتضررون على نحو خطر، فيعانون الهزال الغذائي، وانتفاخ البطن، وزوال لون الجلد. يعانون اضطرابات نفسية وعقلية. غالباً ما تصيبهم عدوى تفضي إلى وفاتهم، وإذا لم تحدث العدوى، فإن ذلك الموت يأتي نتيجة للإسهال والانهيار الوعائي الدموي". في ذلك كله يقضون عدة أسابيع.






http://elpais.com/elpais/2016/01/08/opinion/1452257265_120217.html