Thursday 30 May 2013

أحـمـد




أحـمـد **

ناعومي راميريث دياث- موقع: Entretierras

(ليس هذا تحليلاً سياسياً، وإنما هو بورتريه إنساني)

وُلِدَ أحمد قبل حوالي ثلاثة وعشرين عاماً، في "زمان الجهل"، لكنه ليس جهلاً وفق النمط الديني المتعلق بالجاهلية (الفترة التي ينظر إليها على أنها الهمجية السابقة على الإسلام)، وإنما هو المستخدم في التعبير "زمان الجهل"، المرحلة التي لم يكن فيها الناس واعين لأن عقولهم كان يسيطر عليها النموذج المُشكَّل من قبل"حزب البعث العربي الانتحاري"، كما يشير إليه تهكماً.
بعد تلك المرحلة، جاء زمن الثورة. كان أحمد من الأوائل في الخروج إلى التظاهر في مسقط رأسه، إدلب. حتى عندما كان الناس خائفين، قرر هو الخروج لأنه "إذا لم ندافع نحن عن أرضنا، فمن ذا الذي سيفعل ذلك؟" يتوقف عن الكلام ويسألني إذا كنت أعرف سوريا، وعلى ذلك أجيب بالتأكيد. عندئذ تزيغ نظرته ويقول "سـوريا.... الكلمة بحد ذاتها تقول كل شيء، إنها كلمة عظيمة جداً، إنها أعظم تقريباً من كلمة الأم".
لم يكن أحمد يعلم أنه سيفقدها (والدته) بالطريقة الأقل توقعاً. خرج من البلد بعد أشهر قليلة على بداية الثورة لأنه استُدعي إلى الجيش و"رفضتُ الالتحاق بجيش يحمي نظاماً كهذا". كلمات والده تجاه هذا الرفض تعبر تماماً عن الجو الذي ترعرع فيه أحمد وجعله يمتلك مبادئ بهذا السمو: "ما كنتُ لأسمح لك بفعل ذلك". لهذا، غادر سـوريا وأخذ يعمل نادلاً لإرسال المال إلى أسرته.
ناشطة سورية، كانت تعرف والده، كتبت تقول:"(والده) بقي في منزله -في الطابق الرابع-حوالي سنة وعندما كنا نقول له إنه مجنون، كان يجيب بـ: إلى أين سأذهب؟". أخيراً، انتهى إلى عبور الحدود إلى تركيا بصحبة زوجته وابنه الصغير، لإيصالهم إلى مكان آمن، بينما كان هو يدخل ويخرج لحمل المساعدات الإنسانية. "بلا حماية من أحد" –يصر أحمد-، فقد كان يساعد في إدارة مخيم باب الهوى. في تعليق حديث على الفيسبوك كان يشتكي من أن المعارضة كانت تصرف آلاف الدولارات يومياً بينما يفتقد اللاجئون الأغطية.
قبل يومين، في الحادي عشر من شباط| فبراير، دخل أحمد إلى الفيسبوك بعد عدة ساعات من عدم الدخول إلى الانترنت وأول ما وجده كان صورة والده. لم يفهم سبب وجود صورة قديمة لوالده على الشبكات الاجتماعية. ثم قرأ أسفل الصورة الذي يقول إنه قد توفي نتيجةً لانفجار سيارة في باب الهوى، مع زوجته وابنه الصغير. "لا أستطيع التعبير عما شعرتُ به. لا توجد طريقة تمكنكِ من تخيله أو الشعور به. الذين كانوا معي سألوا ما الذي جرى وفقط استطعت إلقاء الهاتف عليهم". بالرغم من قوة واعتدال كلماته، يُسْتَشْعَرُ حزن دفين لم يدعه يخرج وأجبره على التواري لبضع دقائق حتى يتمكن من الاختلاء بنفسه. لا أحد يتبعه، يلفنا الصمت جميعاً. يعود إلى الجلوس ويقول لي إنه لا يمكنه الشكوى، لأن من دواعي الفخر أن يكون ابناً لشهيد كان يعمل من أجل سـوريا. "يجب ألا نكون حزانى، ما يهم هو أن يتحقق الهدف". "لكن ثمة أناس اندسوا في الثورة لتشويه سمعتها، وهؤلاء هم أكثر وحشية من النظام، لأن من يعمل داخل الثورة من أجل تشويه سمعتها هو أسوأ من ذلك الذي يقمعها: إنهم أناس بلا مبادئ".
"والدي لم يكن يسمح بالأخطاء. حتى معي كان لا يتساهل بخطأ واحد، ولذلك كان ينتقد كل من يرتكب الأخطاء". الناشطة السورية المذكورة سابقاً تقول: "والده لم يمت بسبب انتقاداته بصوت مرتفع لأخطاء الجيش السوري الحر والمجاهدين، ولا للعبه بالنار أثناء قيامه بدور الوسيط لتحرير المختطفين (...)، كان ضد القتل، ضد الطائفية وضد إخافة الناس، وبالرغم من كل شيء كانت معجزة أنه لم يُقتَل. اليوم، أودت سيارة مفخخة بحياته وبحياة أسرته على الأراضي التركية، إلى حيث كان ذاهباً لاستئجار منزل لأسرته".
القوة التي يبديها أحمد مدهشة. "لا يمكنني إلا أن أحمد الله"، لكن عينيه الزرقاوين تبقيان زائغتين، تحت صدمة واقع لم يستوعبه بعد، وبالكاد يتذوق لقمة من الطعام الذي جهدنا نحن الذين كنا حوله لتقديمه له.
قِيلَ لي قبل التقائي به: "لاتوجد أسرة في سوريا لم يحدث فيها شيء ما". أعلم هذا، ورغم ذلك، فإن أحمد بوجهه الجميل وعينيه الزرقاوين، يترك في مَن يعرفه شعوراً مريراً من الوحدة والخسارة، خسارة يشعر بها هو وحده ولانستطيع نحن الآخرين أن نفهمها، خسارة أصابته كما خسارات أخرى كثيرة -مختلفة- ستصيبنا نحن.



** نُشرت في الثالث عشر من شباط| فبراير الماضي.





http://entretierras.net/2013/02/13/ahmad/

Monday 27 May 2013

سـوريا وإسرائيل: زواج غير متوافـق




سـوريا وإسرائيل: زواج غير متوافـق

سانتياغو ألبا ريكو- صحيفة: دياغونال الإسبانية


بعد عمليات القصف الإسرائيلي على سـوريا، ينبغي أن ينطلق أي تحليل للوضع من التأكيد على المعطيين الوحيدين اللذين ليس من الممكن الخطأ بشأنهما. الأول هو أنه من بين كل الأطراف الفاعلة المنخرطة في المنطقة، فإن الأكثر بعداُ عن المسؤولية، والأكثر بعداً عن العقلانية، والأكثر خطورة، أكثر حتى من النظام السوري أو القاعدة، هو إسرائيل من غير شك.
 الثاني هو أنه، بصرف النظر عن درجة التواطؤ والتنسيق بين البلدين وفيما وراء المنطق الضيق للمصالح الأمريكية، فإن المسؤولية غير المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية عن هجمات الأسبوع الماضي لا يمكن إنكارها. وسواء أكانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة متناقضة أو لم تكن، فإن التبجحات القاتلة لإسرائيل ما زالت تجد في واشنطن دعماً عاماً غير مشروط.
 ميزة إسرائيل، في كل الأحوال، هي أنها لا تخادع حول أسباب أعمالها الوحشية. لا تقصف أبداً لأسباب إنسانية، أو دفاعاً عن الديموقراطية أو دفعاً لتقدم البشرية. تقول الحقيقة دائماً. رغم عدم تبنيها رسمياً، فإن الهجمات على سـوريا أُرجِعت من قبَل الحكومة إلى غرض الدولة الإسرائيلية في منع تزويد حزب الله في لبنان بأسلحة جديدة وقوية. نصر الله نفسه (الأمين العام لحزب الله)، في مداخلته في الثامن من آذار| مارس، أكد الهدف، مُطَمْئناً في الوقت نفسه بأن هذه الأسلحة -التي ما فتئت تصل من إيران عبر سـوريا- سوف تنتهي عاجلاُ أو آجلاً بين يدي حزب الله. بالنسبة للأخرين، فإن ردود الفعل الفاترة من قبل المعنيين بالتحدي، بما فيه الرد الروسي، تترك شكوكاً قليلة، إن لم تكن حول النوايا الإسرائيلية، فبالتأكيد حول إرادة الرد من سـوريا وحلفائها، الذين قبلوا "الرسالة السرية" الموجهة من نتنياهو إلى بشار الأسـد والهادفة إلى طمأنة "المحور الشيعي" حول مدى هذه العمليات. إن الوعد بالرد الفوري في المرة القادمة -وهن كثيرات- والدعوة إلى الجهاد لتحرير مرتفعات الجولان يبدو رد فعل ذا سوية منخفضة جداً، لائقاً بالخدم تقريباً، بالنسبة إلى من يُدعى بطل "المقاومة".
إسرائيل حذرة في سـوريا:
بالفعل، أظهرت إسرائيل منذ البداية حذراً كبيراً في سوريا. هي القلقة بسبب الاضطرابات الشعبية في المنطقة، تعلم جيداً أن أي بديل للسلالة الأسدية يعرض للخطر الوضع الراهن المُطَمئِن خلال العقود الأخيرة. ليسوا التروتسكيين المُختلِّين أو المتمردين المشبوهين هم من يؤكد الأمر على هذا النحو. افراييم هاليفي، المدير السابق للموساد ولمجلس الأمن القومي الاسرائيلي، هو من يعبر عن ذلك بكل بساطة في مقالة حديثة عنوانها شديد البلاغة: "رجل إسرائيل في دمشق".
ذلك الرجل هو بشار الأسـد، أفضل عدو ممكن، الذي كان يمكن تمديد المفاوضات معه حول الجولان إلى أجل غير محدد وهو من يحافظ على الحدود آمنة. من بين التهديدين الأكثر إخافة لإسرائيل بعد بداية الثورة في سوريا، فإن الأكثر خطورة يبدو ولسوء الحظ مستبعداً: ديموقراطية ذات سيادة. بقدر ما تقلص هذا إلى درجة كبيرة، كان الخطر الآخر، في المقابل، يبدو حاضراً بشكل متزايد: خطر الجهادية -السنية والشيعية- اللتين تشتركان فقط في رفضهما العميق لـ "الهوية الصهيونية". تخشى إسرائيل كثيراً هذه الفوضى الجياشة للسلاح بدون سيطرة ومن القوى المعادية.
كل ذلك يبدو أنه يشير، بالفعل، إلى أن هجماتها، أكثر من كونها سعياً للتدخل في الحرب الأهلية السورية، اقتصرت على اغتنام الفرصة، عالمةً بأنه لن يكون هناك رد (أو أنها ستستفز رداً يفتح اللعبة باتجاه الغنيمة الأشهى: البرنامج النووي الإيراني). لكن من الواضح –ولا شك في أنها كانت تشكل جزأ من حساباتها- أن هذه الهجمات لها تداعياتها على الرقعة الجيواستراتيجية الهشة للمنطقة:
-الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة على عقد مؤتمر حول سـوريا في أواخر آيار| مايو يحيي إعلان جنيف من أجل الشروع فوراً في مفاوضات بين النظام والمعارضة بدون شروط مسبقة. يتعلق الأمر، من غير شك، بانتصار كبير لروسيا على الولايات المتحدة يسميه عبد الباري عطوان، رئيس تحرير "القدس العربي"، بهذه الطريقة: "من الخطوط الحمر إلى الراية البيضاء".
-الإعلان عن تزويد جديد بصواريخ اس 300 لبشار الأسـد من قبل روسيا، التي يمكنها، بعد الهجوم الإسرائيلي، ادعاء وجود "احتياجات للدفاع الجوي".
-اتفاق تكتيكي بين كل الأطراف الخارجية الفاعلة على أن العدو المشترك هو جبهة النصرة "المرتبطة" بالقاعدة.
-التعزيز الواضح والمتناقض للنظام السوري، الذي رأى شرعيته تتنامى والذي يشعر اليوم بأمان أكبر. الديكتاتورية السورية، "التي تنحني أمام العدو وتستجمع شجاعتها أمام شعبها" كما قال إلياس خوري، تلقت تربيتة مطمئنة من عدوها الإسرائيلي. القصف الإسرائيلي ينسي القصف المتواصل للنظام على شعبه.
-الصعوبات التي تلاقيها، على النقيض من ذلك، المعارضة المسلحة والسياسية. التصريحات القوية للجيش السوري الحر، ومن اليسار المناوىء للنظام أو من هيئة التنسيق للتغيير الديموقراطي لم تحل دون تجريم المعارضين "كمتواطئين" مع الاعتداء. ثمة قطاع في المعسكر العربي والأوروبي المناهض للامبريالية ساهم في هذا التجريم، مفاقماً انقساماً يلائم فقط دولة إسرائيل.
في سياق شديد التقلب، مخترق بكثير من المصالح غير المشروعة ومسكون بكثير من المجانين والقتلة، لا يمكن استبعاد أي شيء. لكن لا يبدو أن إسرائيل، بشكل مباشر على الأقل، سوف تلعب دوراً مهماً -باستثناء كونها منتفعاً سلبياً- في المحنة السورية، التي يجب ألا يجعلنا تعقيدها المؤلم ننسى، على أي حال، آلاف الرجال والنساء المعذَّبين والمقتولين جرَّاء تطلعهم إلى الكرامة والعدالة والديموقراطية.
مذبحة بانياس:
الهجمات الإسرائيلة غطّت على مذابح مدينة بانياس في الرابع من أيار| مايو، حيث عائلات بأكملها، بما فيها العديد من الأطفال، قُتلت بوحشية على أيدي القوات الموالية للنظام، في ما يبدو أنه عملية متعمدة لـ "التطهير العرقي" تهدف إلى تشريد السُنَّة بعيداً عن الشريط الساحلي وتغذية البعد الطائفي للنزاع.
أمر مرعب أن نقرأ في "الحياة" تلك المقالة التي يجمع فيها وائل السواح بألمٍ بعض التعليقات المؤيدة للمذابح: "أتمنى مدفعية الجيش تقتل الطفل الصغير قبل الكبير… في قرية البيضا… مو مشان شي… بس مشان نشيلون من وش (وجه) ولادنا بكرا". هذا الجو من الاستثارة "الطائفية" يفاقم من صعوبة الحل التفاوضي و، بالطبع، انتصار الثورة الأصلية، التي طُوِّقت وتوارت تقريباً في العنف المسلح.
"الخطوط الحمر" الشهيرة التي أعلنها أوباما والموجهة بالأحرى لإعطاء صك على بياض بالقصف والمذابح تحضر اليوم بعد تصريحات كارلا ديل بونتي، عضو لجنة الأمم المتحدة المكلفة بالتحقيق، بمعنى وجود أدلة على استعمالها من قِبَل "المتمردين". كارلا ديل بونتي، الرئيسة السابقة، المثيرة للجدل، لمكتب الادعاء في محكمة لاهاي ليوغسلافيا السابقة، تم تكذيبها من قبل اللجنة نفسها، الأمر الذي يؤكد عدم العثور على أي دليل اتهامي في أي اتجاه. هذه الرسالة تبدو مناسبة بشكل جيد لاستراتيجية الولايات المتحدة القائمة على الجمع بين التصريحات البلاغية و"احترام الشرعية الدولية"، التي لن تسمح لها بفعل ما لا تريد القيام به حقيقةً: التدخل.





http://www.diagonalperiodico.net/global/siria-e-israel-matrimonio-malavenido.html

Friday 24 May 2013

كفرنبل، صانعو اللافتات




كفرنبل، صانعو اللافتات...

ناعومي راميريث دياث- موقع: Entretierras

من بين جميع المناطق في سـوريا، ثمة واحدة برزت على مدار الثورة بسبب عبقرية لافتاتها، بعض هذه اللافتات مرسوم بيد ماهرة وبعضها الآخر مكتوب بالإنكليزية أو|و العربية. وإذا كان هنالك من سبب إضافي لبروزها فهو أنها أظهرت أنها واعية تماماً بما يحدث في العالم بخصوص العلاقة مع الثورة السورية. لافتاتها بلغت حد تلقي استجابات عالمية، كما حدث، بعد اعتداء بوسطن، عندما أخرجوا لافتة تظهر التضامن مع الضحايا ذلك أنهم يعيشون الموت يومياً. من بواسطن بعثوا رسالة بالتصميم نفسه: أحرف حمر وسود على خلفية بيضاء، وباللغة العربية أيضاً! الأسلوب الكفرنبلي بات  مميزاً.

"قد لا تعلمين أنني وصديقي رائد فارس كنا المسؤولين عن صناعة اللافتات"، يقول أحمد جلل، الرسام، عندما أسأله من أين يأتون بهذه الأفكار اللامعة، ويشرح لي أنهم كانوا نواة المكتب الإعلامي للتنسيقية المحلية لكفرنبل. "أنا مسؤول عن الرسوم واللافتات الصغيرة (من الكرتون) و رائد عن اللافتات الكبيرة على القماش باللغة العربية والإنكليزية. الأفكار مشتركة على العموم، يتم منافشتها في مجموعة كبيرة قبل المظاهرات بيوم، وأحياناً قبل بضع ساعات فقط، لكنها ليست شيئاً خاصاً باثنين".

"عندما اجتاح الجيش المدينة في الرابع من تموز| يوليو 2011، ذهبنا في مجموعة من الشباب المطلوبين (من قبل السلطة) إلى القرى المجاورة وإلى بساتين كفرنبل: معظم الأفكار خرجت من هذه المجموعة الصغيرة أو الطليعة الثورية، لكن الناس في كفرنبل شاركوا أيضاً". من المستحيل أحياناً مناقشة الأفكار بشكل زائد عن الحد، لأن" هناك أفكاراً تولد بالكاد قبل بضع ساعات أو دقائق من المظاهرة". أحمد و رائد مسؤولان عن صقل الأفكار وإعطائها صيغتها النهائية.

الحصول على المواد لم يكن أمراً معقداً في البداية ذلك أن المحال التجارية كانت مُزَوَّدة بكل شيء وهم كانوا يشترونها بأموالهم ببساطة. مع الوقت، أنشأوا صندوقاً مالياً تغذيه تبرعات سكان المدينة والمغتربين في الخليج.

"لماذا أيدتم الثورة؟، أسألهم. "تقصدينني أو تقصدين كفرنبل؟"، يمازح أحمد، في حين يشرح رائد بعناية: "أنا لم أؤيد الثورة، بل أنا جزء منها. السؤال يجب أن يكون: لماذا بدأتم الثورة؟ وعند ذلك سأجيب: بالنظر إلى ردة فعل النظام ضد الثورة ومستوى الإجرام المرتفع الذي أظهره نظام الأسـد ضدها، يجب أن يعلم العالم لماذا قمنا بالثورة. النظام يقيد  الأفكار والحريات، النظام يقمع ويُرهب، النظام يعقِد الألسنة، النظام يقتل، النظام يُلجىء إلى الشتات، النظام يستخدم العنف ضد الكلمة... كل ذلك هو جزء يسير مما حملنا على القيام بالثورة".

يقول أحمد إنه، عند رؤية النجاح في تونس ومصر وبداية الثورة في ليبيا، "انتشر شعور عام بين السوريين بأن لا شيء مستحيل وأن لحظة التغيير جاءت ربما، مع الأخذ في الاعتبار دائماً أنه إلى تلك اللحظة كانت مجرد فكرة الثورة محظورة حتى في العقول... وأنا شاب سوري يحلم بالتغيير".

"بدأتُ مع صديقين بكتابة عبارات مناوئة للنظام خلال الليالي على جدران المدارس والمناطق القريبة من مقر الحكومة (المحلية)، في أواخر شباط| فبراير 2011، حوالي خمسة عشر يوماً قبل حدوث المظاهرة الأولى في سوريا، فلنقل إن وظيفة هذه المجموعة "الطليعة الثورية" كانت الشروع في الثورة وليس الانضمام إليها، رغم أنه من المؤكد عدم وجود تنسيق في البداية"، يتابع كلامه. "من المهم أن نلفت النظر هنا إلى أن ما تُعتبر المظاهرةَ العفوية الأولى، حتى لو لم تكن شيئاً منظماً بشكل جيد، هي تلك التي جرت في سوق الحريقة الدمشقي ضد وقاحة شرطي تجاه أحد المواطنين في أواسط شباط| فبراير 2011. الصيحة الجماعية كانت: الشعب السوري ما بينذل".

المبادرات المحلية في كفرنبل كانت تفسح الطريق لما سوف يكون في ما بعد لجنة التنسيق المحلية. "المظاهرة الأولى (1-4-2011) كانت مغامرة مجنونة، لكنها دمرت جدار الخوف وانضم إليها قسم من مدينة كفرنبل"، إلى أن غمرتها الثورة. "وصل الأمر إلى أن يكون هناك خمسة آلاف متظاهر (يقول رائد إنهم أقل بألف) "، رقم انخفض مع احتلالها من قِبَل الجيش، عندما انتقلت المظاهرات إلى بساتين التين والزيتون. "لكي أكون صريحاً معكِ" يقول رائد، "في البداية، أخرجنا بعض اللافتات الموقعة باسم تنسيقية كفرنبل، لكن في الحقيقة لم يكن يوجد على الأرض شيء اسمه تنسيقية: كان ذلك بقصد أن نجعل النظام يرى أن عملنا كان منظماً".

"اللافتة الأولى كتبها رائد، عندما لم أكن قد تعرفت عليه بعد، أعتقد أنها كانت في الخامس عشر أو الثاني والعشرين من نيسان| أبريل 2011، وأنا كتبتُ الأولى في التاسع والعشرين من ذلك الشهر". الغاية منها كانت البرهنة على أن مظاهرة قد حدثت في التاريخ والمدينة المشار إليهما. "وكيف بدأتما بفكرة اللافتات؟"، يؤكد رائد على سعادته لأن كفرنبل أصبحت مشهورة بسبب تركيزها على اللافتات للتعامل مع وسائل الإعلام، ناطقةَ بالانكليزية وبلغة الرسم العالمية، التي تنفع في إيصال مطالباتهم ورسائلهم وأهدافهم.

أقاطع متذكرة دور صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسـد على الفيسبوك في إرسال الرسائل إلى العالم، تسمية كل يوم جمعة بشعار مقصود... "كان لدينا مطالباتنا وبجهدنا واجتهادنا تمكنَّا من إسماع صوتنا"، بل أكثر من ذلك "عندما لم تكن هنالك وسائل إعلامية حرة يمكنها أن تغطي المظاهرات". "الصفحة تتبع سياسة إدارتها، لا سياسة مدينة أو قرية: إنها أحد أوجه الثورة الذي لا يعبر عنها بمجموعها، وإنما يمثل جزأَ منها، وأعتقد أنني لا أنتمي إلى ذلك الجزء"، يختم كلامه مع تعبير باسم تغمز به عينه.

لكن كيف بدأ الأمر كله، يتساءل المرء. "رسمتي الأولى كانت في أواخر آب| أغسطس 2011"، يروي أحمد. "عثرتُ على كاريكاتور لبشار على الهاتف المتحرك لأحد الأصدقاء وحاولت تقليده وبعد ذلك أضفت إليه بعض الجمل". "لم يسبق لي أن رسمت من قبل إلا كهواية: جاءت من العائلة". تلك الرسمة الأولى كانت صورة ظلية لبشار برقبة طويلة بلا حدود وقدمين تخترقان الأرض، وعليها كتبتُ الآية القرآنية التي توصي الإنسان بألا يكون متعجرفاً ولا مغروراً: "ولا تمشِ في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً". "لاحظتُ أنها لفتت انتباه المتظاهرين بشكل كبير حتى إنهم علقوها في ساحة المدينة لتحريض الجيش الذي كان قد احتل المدينة". وعند ذلك قرر التركيز على الرسم وليس فقط على الكلمات لأنه، كما كان يقول رائد، لغة عالمية. "طلبوا مني الاستمرار".

"رسمتي المفضلة هي "العرَّاب" (9-12-2011)، وهي رسم وليست فوتوشوب، بالطبع"، يقول ممازحاً. "رسمتُها داخل خيمة في واحد من بساتين المدينة، حيث بقينا حوالي ستة أشهر -طيلة فصل الشتاء- إلى أن جاء الجيش وحرق الخيام: مات ثلاثة منا". "لطالما قارنتُ آل الأسـد بآل كورليوني، ويعجبني آل باتشينو كثيراً. هنالك تشابه بين الأسرتين. في كليهما، يتمكن شخص عادي من بناء امبراطورية مافيا يورثها إلى ابنه، وهذا يستمر على نهجه؛ لكن هناك أيضاً فارق أساسي، فآل كورليوني كان لديهم بعض المبادئ المحددة وأخلاقيات في التعامل، وقدر من التحكم: أما آل الأسـد فلا يحكمهم قانون أخلاقي ولا إنساني، لا شيء يكبحهم".



يعتبر أحمد أنه على مستوى الشعوب كان هناك تقبل أكيد لرسائل اللافتات، لكن "لم يكن هناك دعم فعلي من الشعوب: الناس لا يعجبهم رؤية الدماء، ولقد ملوا من رؤية الأجساد المقطعة، صورة باتت معتادة لا تؤثر". "معظم مطالباتنا كانت موجهة إلى الحكومات، وبشكل ضمني إلى الشعوب لأن الحكومات لا تغير مواقفها أو مصالحها بسبب لافتة أو مظاهرة".

إلى ذلك يضيف رائد، قائلاً إنه لم تُنفذ ولا حتى واحدة من مطالباتهم (رغم أنه يروي طرفة عن كيف أن لافتته "تسويف أوباما يقتلنا، نشتاق إلى جرأة بوش" في كانون الأول| ديسمبر 2011 تركت الإدارة الأميركية متحيرة لعدة أيام، كما أخبره بذلك صديق صحفي). "تمكنَّا فقط من التحرر من وجود جيش النظام في المدينة، باستثناء عمليات القصف اليومية"، وذلك بمساعدة الجيش السوري الحر، الذي حرر المدينة في العاشر من آب| أغسطس 2012. يواصل كلامه شارحاُ أن العلاقة بين الناشطين المدنيين والجيش السوري الحر رائعة وأن "السيطرة المعتادة" هي للأولين، وهم من يتخذ القرارات. دور الجيش الحر الآن هو الذهاب إلى وادي الضيف كل يوم نظراً للمعارك التي تجري هناك يومياً.

يتدخل أحمد لـ "يعطيني معلومة" ."يُفترض أنني ناشط مدني بشكل حصري لكنني كنتُ من بين الثلاثين الأوائل الذين حملوا السلاح في كفرنبل: أخذتُ البندقية قبل القلم، وما زلت أشارك في نشاطات الجيش السوري الحر". وعلى هذه النقطة يصر كثيراً: "انشري ما شئتِ لكن تأكدي من إيضاح أن البندقية والقلم يتكاملان وأنه لا تناقض بينهما في أي حال من الأحوال: كلاهما ضروريان". "صحيح أن عملي يقوم أساساً على استخدام قلم الرصاص، لكن ذلك لا يحول دون أن أساعد في وقت الفراغ، كما هو الآن، في حفر الخنادق قريباً من جبهة معرة النعمان". ليس هناك الكثير ممن يقاتلون، كما يقول، بسبب النقص في توفير الأسلحة، ما يؤدي إلى عدم وصول السلاح إلى كل الذين قد يرغبون في الانخراط. "هذا، نعم"، يحذر،" لن أنكر أن كتائب كثيرة شكلت بهدف الحصول على رواتب أو شيء من الدعم الاقتصادي (الوضع رهيب حاليا)، لكن أولئك ليسوا مقاتلين حقيقيين".

على وجه التحديد، الأمر الأكثر تعقيداً عندما تحررت المدينة وبدأت الإدارة الذاتية،  بواسطة المكاتب الإعلامية والإغاثية والاقتصادية، كان إعادة النازحين إلى بيوتهم وتأمين سبل العيش والحاجات الأساسية لهم، كما يقول رائد. "المعارضة السورية هي أكثر ما أكره سماعه من الكلمات في العالم لأنها لم تقدم لنا شيئاً، لا شيء، لاشيء منذ البداية وحتى اللحظة"، كما وضح ذلك في لافتته الأكثر ذيوعاً (المفضلة لدى أحمد، بكل تأكيد): "يسقط النظام والمعارضة، تسقط الأمة العربية والإسلامية، يسقط مجلس الأمن، يسقط العالم، يسقط كل شيء" (كفرنبل 14-10-2011).

"ما هي الرسالة التي تود إرسالها اليوم، يا فارس؟"، "أريد فقط أن يعلم العالم أنه قد تأخر كثيراً في إيجاد حل للوضع في سوريا وأننا لم نعد نحتاج كثيراً مما كنا نطلبه في السابق، وأننا نستطيع حل مشكلاتنا بأيدينا".

"لا أرى أفقا"، يقول أحمد. "لا أحد من الأطراف يمكنه أن ينتصر عسكرياً والعالم تخلى عنا ولا يتعامل مع القضية السورية من وجهة نظر إنسانية، وإنما يعتبرها تمرداً مسلحاً وحرباً طائفية، ونحن لدينا خوف من تزايد الاحتقان الطائفي في بعض المناطق (بشكل رئيسي جراء السلوك الطائفي للنظام)، لكن في نهاية المطاف هي أفعال وردود أفعال، يعني، شيء مؤقت وستنتهي عندما يبدأ بناء سوريا المستقبل، ليس بالضرورة أن يكون مستقبلاَ قريباَ: لقد شبع الناس من الصراع والدم وعندما ينتهي الصراع، كل شيء سيتحسن"، ويخلص قائلاً: "الذين يحملون السلاح يحلمون بحياة هادئة".















http://entretierras.net/2013/05/20/kafranbel-esos-de-las-pancartas/

Tuesday 21 May 2013

سـوريا، حتى متى؟




سـوريا، حتى متى؟

خورخي أورتيغا-  موقع: أتينيا ديخيتال


إن استخدام القوة كسبيلٍ أخير هو موضوع مثيرللجدل دائماً وما من شك في أنه ينبغي أن تُقَدَّر بعناية خاصة، قبل اتخاذ القرارات بهذا الخصوص، التداعياتُ الهائلة دائماً للجوء إلى القوة.
لكن، كما هو معلوم جيداً، وبالرغم من محتوى الفصل 2.7 من ميثاق الأمم المتحدة حول مبدأ عدم التدخل، بعد الكوارث الحاصلة في الصومال، في رواندا، وفي البلقان، وتجاه حالة انعدام الأمن الشخصي الخطرة في كوسوفو، في عام 2005، فإن الوثيقة الختامية للقمة العالمية للأمم المتحدة في ذلك العام، تضمنت مسؤولية الحماية كحق وواجب أخلاقي تجاه حالات الطوارئ الإنسانية الخطرة، وهكذا تم تطبيقه منذ ذلك الحين في حالات مختلفة. الفقرة 139، من تلك الوثيقة التي تشير إلى تلك المسؤولية، واضحة:
"139. ويقع على عاتق المجتمع الدولي أيضاً، من خلال الأمم المتحدة، الالتزام باستخدام ما هو ملائم من الوسائل الديبلوماسية والإنسانية وغيرها من الوسائل السلمية، (.) نعرب عن استعدادنا لاتخاذ إجراء جماعي، في الوقت المناسب وبطريقة حاسمة، (.)، في حال قصور الوسائل السلمية وعجز السلطات الوطنية البيِّن عن حماية سكانها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية".
لكن حق النقض المثير للجدل، الذي احتفظ به الكبار في حينه ، يسمح، مرة تلو أخرى، لأي منهم بأن يعرقل، إلى أجل غير محدد، القرارات التي تقدمها الدول الأعضاء للتصويت عليها في مجلس الأمن. في الوقت الحاضر، تبدو الحالات الإنسانية الطارئة الخطرة والتزايد المستمر لأعداد المدنيين الضحايا في الوضع السوري، تبدو مروعة، بينما تستعمل الصين وروسيا قدرتهما المجحفة على العرقلة، التي تمنع التوصل إلى قرار يجيز دعم الأمم المتحدة لعمل عسكري دولي لا غنى عنه، كما هو واضح، من أجل وقف عذاب المدنيين والانحرافات التي نراها من خلال صور اليوتيوب.
 إلى متى سيستمر المجتمع الدولي في السماح بأن يكون لبعض البلدان القليلة (ليست هي حتى بالبلدان الأكثر أهمية في العالم بمجموعها) القدرة على عرقلة قرارات للغالبية العظمى في مجلس الأمن الدولي؟، متى سيحدث التغيير الضروري للإجراءات في مجلس الأمن؟، في غضون ذلك، من المؤسف أن الحل الوحيد قد يكون في القفز من فوق الشرعية الدولية التي تمثلها الأمم المتحدة، كما فعل الناتو في كوسوفو. ألن يكون هناك أي بلد أو منظمة تقوم بالخطوة الأولى؟ أو أننا سنتابع، أسبوعاً بعد آخر، الإحصاءات المتزايدة عن سوريين، من هذا الجانب أو ذاك، ضحايا في هذا النزاع، ومخاطر انفجار أكبر بعدُ في الشرق الأوسط كله؟








http://www.revistatenea.es/RevistaAtenea/REVISTA/articulos/GestionNoticias_13246_ESP.asp?acuerdosn=N&vcomentario=10967