Sunday 29 April 2012

لماذا يناضل السـوريون؟


لماذا يناضل السـوريون؟

لاورا رويث دي ايلبيرا ** – موقع: اثـيـك

في العاشر من نيسان| أبريل أكد بطريارك الروم الكاثوليك، المونسنيور غريغويوس الثالث لحام، أنَّ "النزاع في سوريا جاء من الخارج بينما كان الناس يعيشون في سلام". في الغرب أيضاً، يستحضر أنصار النظريات التآمرية و"المناهضون للامبريالية" تدخلاً خفياً من عملاء أجانب كتفسير للثورة السورية. بقيامهم بهذه التأكيدات، ينسون جميعاً -طوعاً أو قسراً- العذاب والقمع اللذين أُخضِع لهما المواطنون السوريون -المسلمون والمسيحيون، العرب والأكراد والأرمن،...- خلال الأعوام التسعة والأربعين الأخيرة. وخلافاً لأولئك الذين يعتقدون بوجود مؤامرة أمريكية أو إسرائيلية لمهاجمة إيران وزعزعة استقرار "المحور الشيعي"، ولأولئك الذين قرروا بشكل خاطئ أن الشعب السوري غير قادر على الإمساك بزمام مصيره بنفسه، فإن الأسباب الحقيقية للثورة السورية يجب أن يُبحث عنها في تاريخ هذا البلد نفسه.
غياب الحريات السياسية
سيطر حزب وحيد على اللعبة السياسية السورية منذ العام 1963، عندما قام حزب البعث بالاستيلاء على السلطة بالقوة. وكما في مصر مبارك، لم يكن ثمة انتخابات رئاسية في سوريا البعثية وإنما استفتاءات مُزَوَّرة يعبر الشعب من خلالها عن "تجديد ثقته" في القائد. لم تكن توجد أيضاً أحزاب معارضة حرة ومستقلة تستطيع المشاركة في اللعبة السياسية. والأحزاب القومية أو اليسارية القليلة التي تساهلت معها السلطات خسرت سمعتها واعتبارها في اللحظة نفسها التي قبلت فيها المشاركة، تحت وصاية حزب البعث، من خلال الجبهة الوطنية التقدمية التي كان يُفتَرَض فيها أن تظهر تعددية النظام السياسي. كانت خمسةَ عقود من غياب المواجهة السياسية ومن تأطير لكل وأي واحد من قطاعات المجتمع من خلال المنظمات الشعبية البعثية (النقابات، الاتحادات، الروابط، المنظمات الشعبية، الكشافة، الخ). هذا الغياب للحريات السياسة خلق مستوى عالياً من الخيبة في صفوف المواطنين، خيبة تحوَّلت، في سياق "الربيع العربي"، إلى احتجاج، أولاً، وإلى ثورة، لاحقاً. ليست الثورة السورية ثمرة الامبريالية، والصهيونية، أو القاعدة، إنها ثمرة البحث عن الحرية.
إفقار الشعب مقابل زيادة الفساد
رافق النموَ السكاني القوي للشعب السوري (3.26% بين 2005 و2010) ظاهرةُ بطالة متوطنة، وزيادة كبيرة في الاقتصاد الخفي وفي قطاع العمل غير الرسمي، وتوزيع غير عادل متزايد للثروة، كل ذلك أدى في السنوات الأخيرة إلى هشاشة اجتماعية خطرة وإلى إفقار تدريجي للسكان (من 30.01% في 2004 إلى 33.6% في 2007)، على الرغم من النمو المستمر للناتج المحلي الإجمالي. بموازاة ذلك، توسعت بشكل ملحوظ ظاهرة فساد خطرة، سواء في المستويات العليا أو على مستوى موظفي القاعدة والممارسات اليومية، خلال أعوام رئاسة بشار الأسـد. في السياق نفسه، وضعت منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية سـوريا في المركز 150 على مؤشر مدركات الفساد لعام 2008 الذي يتضمن ما مجموعه 180 بلداً. كل هذا يفسر أن رامي مخلوف -ابن خال الرئيس الأسـد، رجل الأعمال الأكبر في سوريا والممثل الأبرز لظاهرة الفساد- كان الهدف الرئيسي للاحتجاجات الأولى في شهر آذار| مارس من العام المنصرم. كلا، ليست الثورة السورية ثمرة للامبريالية، والصهيونية، أو القاعدة، إنها ثمرة البحث عن المساواة والعدالة الاجتماعية.
الخوف والإذلال
خلال عقود، أُخضع السوريون لتعسف واستبداد قادتهم. فكل من عاش في سوريا لا بد أنه جرب الخوف والإذلال اللذين كانت تثيرهما وتمارسهما يومياً، قبل اندلاع "الربيع العربي"، أجهزة الأمن، المخابرات المرهوبة، بين صفوف السكان. هذه الأجهزة الأمنية تصرفت متمتعة بالحصانة خلال عقود بدون أن تقدم حساباً إلى أجهزة القضاء في بلدها. النهب، الرشاوى، الابتزاز، الرعب، الضرب المبرح، وعمليات القتل،... تشكل جزأً من امتيازاتهم الأكثر شيوعاً. كان هذا الإذلال، القاسي والوحشي، تحديداً هو ما تسبَّب في الانتفاضة الشعبية في مدينة درعا والذي أشعل فتيل الثورة. كيف يكون رد فعلك غير التظاهر عندما تذهب للسؤال عن مصير أولادك المراهقين المعتقلين، فيجيبونك قائلين: عليك أن تنساهم وأن تستبدلهم بإنجاب أبناء جدد إلى هذا العالم؟. كلا، ليست الثورة السورية ثمرة الامبريالية، والصهيونية، أو القاعدة، إنها ثمرة البحث عن الكرامة.
ارتداد المواطنين عن المشروع البعثي للتنمية
في السنوات العشر الأخيرة نمت بشكل قوي مشاعر الاستياء والإحباط تجاه مشروع التنمية والتحديث الذي روجت له الدولة السورية في أعوام الستينات والسبعينات -المشروع الذي شكَّل تاريخياً واحداً من المصادر الرئيسية لشرعية النظام البعثي-. هذه المشاعر كانت ناتجة إلى درجة كبيرة عن الأثر السلبي لعملية التحرير الاقتصادي التي بدأت قبل عشر سنوات وبسبب منطق الإلغاء التدريجي للدعم المالي الحكومي عن السلع الأساسية، ذلك أنها استراتيجيات لا تحظى بشعبية تُذكر سواء في صفوف الطبقات الاجتماعية الأكثر حرماناً أو في صفوف البعثيين أنفسهم. وهكذا، فإن العقد الاجتماعي القديم الذي كان قد توصل إليه الحزب والمجتمع بشكل ضمني اعتباراً من الستينات -عقد يفرض فيه البعث هيمنته السياسية في مقابل التنمية والعدالة الاجتماعية والرخاء- قد تمزَّق. وبالقدر الذي أخذت فيه الدولة تتخلى عن دورها الحامي، كان النظام يفقد الثقة والاعتبار في أعين الشعب. كلا، ليست الثورة السورية ثمرة الامبريالية، والصهيونية، أو القاعدة، إنها ثمرة البحث عن مشروع مجتمعي جديد.
هذا ما يدفع السوريين للنضال. إن مجموع هذه العوامل الأربعة هو فقط ما يسمح لنا بفهم تصميم وثبات الشعب السوري في معركته غير المتكافئة ضد نظام آل الأسـد. "الموت ولا المذلة" كان الشعار الذي أنشده المتظاهرون في بداية الانتفاضة. واليوم، بعد انقضاء عام، فإن البديل عن الموت في النضال ليس المذلة، وإنما هو الموت نفسه على أيدي النظام. لهذا يناضل السوريون، ولهذا سوف يستمرون في نضالهم.



** باحثة مشاركة في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى.




http://ethic.es/2012/04/%C2%BFpor-que-luchan-los-sirios/

Thursday 26 April 2012

عن الذين بُتِرَت أعضاؤهم من أجل إنقاذ أرواح الآخرين


عن الذين بُتِرَت أعضاؤهم من أجل إنقاذ أرواح الآخرين

مونيكا بريتو – موقع: بريوديسمواومانو – 29 – 2 – 2012


أحمد، ستة عشر عاماً، فقد ساقه اليمنى عندما كان يحمل على ظهره مصاباً من حمص وانفجر لغم عندما كان يحاول عبور الحدود بشكل غير قانوني.
الجيش السوري زاد من عدد الألغام على حدوده مع لبنان، رافعاً بذلك عدد المصابين بين اللاجئين.
بعض ضحايا الهجمات العسكرية للنظام يفضلون العلاج في سوريا على أن يتم إخلاؤهم إلى لبنان بسبب خوفهم من التعرض للاعتقال وسوء المعاملة من قبل السلطات اللبنانية، كما يشتكي بعض الناشطين.
مات بالأمس ثلاثة عشر ناشطاً سورياً بسبب مساعدتهم الصحفيين الأجانب المحاصرين في حمص على الهروب، ويليام دانييلز، خافيير اسبينوسا، والمصابَين اديث بوفييه وبول كونروي. لقد تعرضوا لكمين من الجيش عند محاولتهم الخروج من البلد. فقط كونروي نجح في عبور الحدود إلى لبنان، والباقون كان عليهم العودة والدخول إلى سوريا، حسب منظمة أفاز.
واحد من الناشطين، أبو بكر، ثلاثة وعشرون عاماً، صرح لـ سي ان ان بأنه يدين بحياته للصحفي الإسباني خابيير اسبينوسا الذي التقطه وخبأه بعد أن أصيب في ساقه وذراعه خلال الكمين الذي مات فيه الناشطون الثلاثة عشر.
في هذا التقرير سنقص عليكم المخاطر وحياة أولئك الذي يغامرون بأرواحهم من أجل مساعدة مصابي وجرحى الأزمة السورية.
طرابلس (لبنان) – من الغرفة 315 في إحدى المستشفيات العامة في طرابلس تنبعث زعقات الألم. في الداخل، أحمد، ستة عشر عاماً، الذي يخضع لليوم الرابع للعلاج على أيدي ممرضَين لبنانيين، والمراهق، الذي فقد ساقه اليمنى للتو لا يستطيع السيطرة على  صرخاته. في الممر، محمود، الشاب ذو الخمسة وعشرين عاماً، الهزيل والمتوتر، يفرك يديه عند سماع صيحات شقيقه معبراً عن العجز. "حدث الأمر قبل أربعة أيام" يشرح مستنداً على الحائط المائل إلى الصفرة في العيادة. "حمل أحمد أحد الجرحى على كتفيه وكان يعبر الحدود عندما انفجر اللغم. الجريح، القادم من حمص، مات في الحال. شقيقي الآخر رفعه على جناح السرعة وعبر الحدود"، يقول مشيراً برأسه إلى الغرفة. "جثة الرجل الآخر بقيت على الأرض السورية  واستعادها  الجيش".
هكذا يبدأ القسم الأكثر مأساوية من الثورة مع الأشقاء السوريين الثلاثة، وهم العنصر الرئيسي في سلسلة المرور غير القانوني للمؤن والجرحى والصحفيين، التي تخفف العبء عن الثائرين، انطلاقاً من لبنان متجنبة السلطات في كلا البلدين. الأشقاء الثلاثة يقيمون في منزل حدودي مؤقت، ويقدرون أنهم عبروا الحدود بخمسمائة جريح خلال عام من القمع، وكذلك أكياس الدم، وعلب الأدوية، وحزم مواد التخدير والمضادات الحيوية. يقومون تطوعاً بدور "وسائل نقل بشرية"، مستغلين معرفتهم بالأرض ليلاً ونهاراً، مع أي شخص أو أي شيء يعتبرون أنه قد يساعدهم على الإطاحة بالديكتاتورية السورية، لكن لم يكن في حسبانهم أن الألغام التي زرعها الجيش السوري عند الحافة يمكن أن تغير حياتهم.
هكذا فعلوا في الليلة التي عبرت فيها هذه المراسلة الحدود بطريقة سرية، في شهر كانون الأول| ديسمبر. كان محمود وأحمد مسؤولَين عن الانتقال في جزء من الطريق الذي لانهاية له، مسلك جبلي يؤدي إلى المنطقة القريبة من بيتهما. آوى الشابان المراسلة في الداخل، وقدما لها البطانيات وأشعلا الشموع من أجل التعويض عن غياب الكهرباء، بانتظار فريق جديد من الناشطين تكمل طريقها معهم إلى حمص.
في تلك الظهيرة الجليدية، كانت المحادثة مقتضبة والتعامل خجولاً، ولطيفاً. الآن، بعد مرور شهر ونصف، يبتسم محمود بارتياح عندما يرى ضيفته القديمة في زيارة للمستشفى. يسلم بودٍ، متحرراً من الضيق الذي يولده الخوف والتكتم، قبل أن يخطر أحمد بحضور الصحفية. "كنتُ في لبنان عندما حدث الأمر. اعتدنا القيام بما بين ست إلى ثماني رحلات يومياً ولم يحدث لنا شيء قط. أخي الأكبر يقوم الآن بعبور الحدود". يشرح محمود، بينما يفتح باب الغرفة ويدعونا للدخول بإيماءة منه.
يستلقي أحمد مبللاً بالعرق. اختفت ساقه اليمنى من تحت الركبة. يصر على السلام والابتسام، وعلى التقليل من أهمية الإصابة، وعلى رواية القصة بنفسه. "لا أتذكر الكثير"، يبدأ الحديث. "كنت أعبر الحدود مع جريح على ظهري عندما انفجر اللغم. فقدت الوعي حينها. أخبرني شقيقي أنه أدخلني في سيارة وأحضرني إلى هنا". لكن في شمال لبنان، لم يُقدم العلاج فوراً إلى الشاب الذي بترت ساقه للتو. في الواقع، لقد رفضوا تقديم المساعدة له في المستشفيات طالما لم يقدم وثائق تعرف بشخصيته. ولم يكن أحد قد بقي في البيت ليحضر الوثائق: والده مضت عليه سنوات في أحد السجون السورية ووالدته تعيش داخل محافظة حمص مع بعض الأقارب. "اتصلنا بوالدتي، وقد احتاجت ساعتين للوصول إلى البيت، وأخذ الأوراق والاقتراب بها إلى الحدود. هي تنتظر الآن أن تستطيع العبور من أجل رؤيته".
" ساعتان وعشر دقائق مرت في سيارة الإسعاف، بدون تلقي العلاج الطبي"، يصرخ ساخطاً أبو رائد، المسؤول عن شبكة إخلاء الجرحى وإرسال المؤن الطبية إلى الأراضي السورية، في مستشفى خاص آخر حيث تم استئجار طابق من أجل القيام بالعلاج بشكل مستقل لضحايا القمع السوري الذين يتمكنون من عبور الحدود الخطرة. "هذا مثال واحد فقط. المصابون يفضلون الآن الموت في سـوريا على عبور الحدود والتعرض لسوء المعاملة من الأمن اللبناني".
أكثر من كونه ملجأ، يتحول لبنان إلى وجهة خطرة للسوريين الذين يحاولون الهروب من القمع العسكري للنظام. لا توجد مخيمات للاجئين، والذين يهربون يجب أن يفعلوا ذلك عبر معابر غير قانونية، وهي أمور تسخط نصف الشعب اللبناني المؤيد للثورة في البلد الجار. وإلى الألغام التي زرعتها قوات دمشق على الحدود، والتي زاد عددها في الأسابيع الأخيرة حسب ما هو ظاهر من عدد المصابين، تضاف الملاحقة والمضايقة، التي تمارسها قوى أمن الحكومة اللبنانية القريبة من دمشق، وفق الشكاوى التي ظهرت منذ شهور.
" قبل أربعين يوماً اعتُقِل أربعة من المصابين قريباً من الحدود" يخبرنا أبو رائد بالتفاصيل. "قضوا ستة أيام في السجن، عوملوا بشكل سيء. كان علينا أن نطلب تدخل حركة 14 آذار (التحالف اللبناني المعارض) من أجل ممارسة الضغط وإطلاق سراحهم. لكن بعد أيام، تم اعتقال سبعة مصابين آخرين في منطقة البقاع (إقطاعة حزب الله، المتحالف مع دمشق). "ضربوهم بالعصي، وأطفاؤا السجائر في أجسامهم، وأهانوهم... لم يقدموا لهم العلاج الطبي. عدنا إلى حشد الطبقة السياسية، وأئمة المساجد، أدنَّاهم في وسائل الإعلام، دعونا إلى مظاهرة في وادي خالد (منطقة لبنانية شمالية، تستقبل العدد الأكبر من اللاجئين) وبفضل هذا كله أُطلق سراحهم".
الشكاوى من اعتقالات اللاجئين السوريين في لبنان مضى عليها شهور وهي تظهر مُعبَّراً عنها من قبل النازحين والمقيمين المحليين وأيضاً في تقارير الصحافة المحلية والعالمية. قبل حوالى عام، كانت هيومان رايتس واتش تطلب من بيروت أن تتخلى عن وضع العوائق أمام وصول اللاجئين، لكن حالات المصابين المعتقلين، كما يشتكي منها الناشطون السوريون، هي أمور أكثر جِدة.
وحسب شهادة أبو رائد، فإن اعتقال أربعة جرحى آخرين، بعد أسبوع على ذلك الحادث، اضطرهم إلى إعادة الحملة الإعلامية والسياسية من أجل تحريرهم. "المشكلة هي أن المصابين الآن، في سوريا، يفضلون تلقي المساعدة الممكنة في أماكنهم بدلاً من إخلائهم إلى لبنان. وقد انتشر الأمر وهم يعتبرون الآن أن لبنان أصبح تقريباً أكثر خطورة من سـوريا"، يقول هذا المعارض السوري.
مثال جيد على ذلك هو الرقيب محمود، ضابط الصف المنشق والعضو في الجيش السوري الحر الذي يتلقى العلاج في عيادة خاصة في طرابلس جراء إصابته بعيارين ناريين، واحد في كتفه وآخر في ذراعه، تلقاهما قبل أيام في بابا عمرو بحمص. المرة الأخيرة التي صادفناه فيها كانت في شوارع الحي الشهيد، في كانون الأول| ديسمبر، حيث كان محمود يحرس نقطة تفتيش مع رجاله ترصد في مقابلها مواقع جيش الأسـد، لكننا كنا قد تعارفنا قبل شهور من ذلك في الجبال الحدودية اللبنانية، عندما كان يستعد للعودة إلى بلاده بعد أن انشق من أجل الدفاع عن جيرانه.
"سأعود هذه الليلة إن استطعت"، يعترف الشاب. "إصابته مازالت طرية، لكنه لا يريد البقاء هنا"، يشتكي أبو رائد بنبرة عتاب واضحة. "افهمني: أشعر باطمئنان أكبر في سوريا منها في لبنان"، يجيبه محمود. "هناك لدينا الجيش الحر على الأقل، هنا لدينا فقط حكومة نجيب ميقاتي، التي تصوِّت ضد كل القرارات الدولية ضد بشار الأسـد، والحزب السوري القومي الاجتماعي"، يقول مشيراً إلى واحد من الفصائل اللبنانية الأكثر صلابة في دعم النظام السوري.
كانوا قد عبروا بالرقيب محمود خلال الليل: كان واحداً من المصابين المعدودين القادمين من حمص الذين استطاعوا تفادي الحصار العسكري والاستمرار في الرحلة عبر الحدود من أجل تلقي العلاج الطبي في لبنان. إنه يصر على رغبته بالخروج في أقرب وقت. "هنا أخاف أكثر مما في سوريا"، يكرر ذلك بينما يهز أبو رائد رأسه في إيماءة انهزامية.
ما يجب أن يخافه محمود هي الألغام التي يمكن أن تحوِّل عودته إلى مأساة. في غرفة لا تبعد كثيراً عن تلك التي لأحمد، يوجد سوري آخر خائف بشكل كبير، حتى من اختيار اسم مستعار، يرقد بدون ساقه اليمنى. " كنتُ قادماً من القُصير مع مجموعة من الأشخاص، كنا نحاول الوصول إلى لبنان هرباً من الشبيحة" يقول في إشارة إلى ميليشيات النظام. "القصير واقعة تحت الهجوم منذ بداية الثورة، لكن العدوان أصبح أكثر قوة حالياُ. الآن هناك ألغام أكثر. يقولون إنهم يهاجمون الجيش الحر فقط، لكن في الحقيقة هم يهاجمون الجميع" يضيف.
هو نفسه في عمر التجنيد ويمكن أن يكون منشقا أيضاً، كما هو المريض الذي يحتل غرفة على بعد أمتار من هنا. وقد أصيب قبل ستة أيام في البلدة الحدودية نفسها، القُصير، عندما كان يقاتل ضد جيش الأسـد، ويعرّف عن نفسه بـ أبو عرب.
"دخلت الطلقة في كتفي وخرجت من الصدر، واخترقت الرئة" يشرح بصعوبة كبيرة. "الطريق من أجل الخروج من البلد كان صعباً جداً، تأخرت عشر ساعات في القيام برحلة   اعتدنا أن نقوم بها في عشر دقائق". حمله شخصان في سرير نقال في قسم كبير من الطريق، وفي قسم آخر حُمل على متن سيارات أو دراجات نارية. " توجد الآن ألغام كثيرة في الطريق"، يروي لنا الجندي المنشق، الذي يقدِّر أن نصف سكان القُصير، أي 25000 نسمة، بقوا في المدينة المحاصرة التي تتعرض للقصف.
" كنا نعلم أن هناك ألغاماً، لكن الطريق القصير الذي استخدمناه كان نظيفاً"، شرح لنا الشقيقان في الغرفة 315." كنا نراقب المسلك. في اليوم السابق أخلينا جريحين من هناك. لا بد أن الجيش عرف الطريق، فوضعوا اللغم في الليلة السابقة" يتذكر أحمد في إشارة إلى الانفجار الذي جعله يفقد ساقه.
ليس هو القاصر السوري الوحيد الذي يُعالج في طرابلس. في كل العيادات المستخدمة من قبل الناشطين السوريين يوجد أولاد مثل ماهر، ذي الستة عشر عاماً، الرقيق مثل نسمة، الذي يحاول عبثاً السيطرة على ارتجاف ساقيه، فيثبتهما بواسطة يديه. في الكرسي ذي العجلات يبدو أكثر ضعفاً، لكن كلماته صريحة ومباشرة كرجل كبير. "أصابوني في التاسع والعشرين من آذار| مارس في ريف حمص" يقول مشيراً إلى أطراف المدينة قبل أن يفتح  كمبيوتراً محمولاً ويرينا فيديو الحادث الذي استقرت خلاله ثماني رصاصات في ظهره.
في الصور، يُشاهد مئات الأشخاص المجتمعين في جادة واسعة. لا يوجد أسلحة ولاعنف إلى أن تقتحم الدبابات المكان وتبدأ بإطلاق النار، ويبدأ المتظاهرون بالسقوط. في الدقيقة الثالثة وتسع وعشرين ثانية من الفيديو يمكن تمييز جثتين بوضوح، بينما رجل ثالث يزحف على الأرض محاولاً النجاة: ماهر هو المراهق ذو القميص الأبيض الدامي."عندما شاهدتُ الدبابات جثوت إلى جانب صديقي محمد. رفع رأسه فأطلقوا النار عليه: مات في الحال. عند ذلك نهضتُ ورسمت علامة النصر. شعرت بالأزيز فقط. علمت أن الرصاصات كانت تدخل في ظهري لكنني لم أشعر بها. الجثة التي بجانبي هي لمحمد"، يقول مشيراُ إلى شاشة الكمبيوتر.
بقي ماهر على الأرض، شبه واع، خلال ساعة حتى استطاعوا إنقاذه. "ثمانية أشخاص ماتوا أمامي" يقول الشاب، الذي كان عمره خمسة عشر عاماً فقط عندما تشجع مع زملاء صفه على المشاركة في المظاهرات. في ذلك الاحتجاج، وفق ما تقوله عائلة الفتى، مات عشرون مدنياً. "في البداية اعتقدنا أن الجيش لن يطلق النار علينا، فهم أخوتنا في نهاية المطاف. نحن من يدفع ثمن شراء أسلحتهم. إنه جيش خائن، فبدلاً من الدفاع عنا يقوم بقتلنا"، يغمغم شاب محب لكرة القدم يستغل الفرصة للتعبير عن حلم حياته: التعرف إلى كاكا واللعب مع ريال مدريد، شغفه الكبير. الأطباء لا يعرفون إن كان سيعود للمشي، لكنه لا يفقد الأمل في استرجاع عافيته، ولا حتى في نجاح الثورة. "الأسـد يقتل الأطفال والكبار، يقتل كل من يتحرك. وحتى لو كان صحيحاً أن هناك جماعات إرهابية في المدن، فهل من المقبول أن تهاجمها الحكومة بالدبابات؟" يتساءل.
إلى النفقات التي تتطلبها العناية الصحية بالجرحى أمثال ماهر، الذي مضى عليه عام تقريباً وهو يتعافى من الإصابات الثماني بالرصاص في ظهره، يُضاف الآن الاستنزاف الطبي الذي تمثله عمليات البتر جرَّاء الألغام المزروعة على الحدود. لجان مساعدة اللاجئين السوريين، التي أنشئت حديثا من أجل تقديم "الإغاثة الإنسانية والطبية للاجئين" كما يوضح علاء الغانم، الذي يعرف نفسه على أنه الناطق باسمها في لبنان، تدفع النفقات من الطعام إلى توفير الملجأ للعائلات التي تأتي. يؤكد الغانم أن منظمته تقدم المساعدة إلى 13270 لاجئاً، وهو ضعف الأرقام الرسمية التي تقدمها بيروت، أي أقل من 6000 لاجىء. تفسير ذلك هو أن الغالبية لا يسجلون أنفسهم في المكتب اللبناني التابع للمفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة بسبب الخوف من أن تقع بياناتهم في أيدي أجهزة الأمن السورية.
" الوضع الإنساني لا يُحتمل" يقول الغانم. "في حِمص لا يمكن إخلاء الجرحى إلى مكان آخر غير لبنان. وفي لبنان لا يسمحون بدخول الجرحى. نحتاج إلى تدخل المنظمات الدولية غير الحكومية. كيف يكون ممكناً أن يتركوا فتى في السادسة عشرة من عمره تعرض لتوه للبتر في سيارة إسعاف أمام المستشفى لمدة ساعتين؟"، يستمر في الكلام مشيراً إلى أحمد. "هذه الأزمة تتطلب انخراط الحكومات والمنظمات الدولية غير الحكومية في كل العالم" يضيف. "نحن نحتاج إلى الأطباء، والموارد، والتجهيزات. نحن نحتاج إلى المساعدة".




http://periodismohumano.com/en-conflicto/amputado-por-salvar-vidas.html

Monday 23 April 2012

حملة عالمية ضد أسماء الأسـد


حملة عالمية ضد أسماء الأسـد

مونيكا بريتو – موقع: كوارتوبودير

بدأ السوريون ثورتهم قبل عام بمظاهرات مطالبة بإصلاحات ديموقراطية، وكانوا يعلمون أنه لا ينتظرهم من رئيسهم إلا العنف. "الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقدمه النظام للثورة هو الرصاص"، يقول، عبر سكايب، مصعب، الناشط من محافظة حماة، حيث يقيم وحيث القصف اليومي. لكنهم كانوا ينتظرون بالفعل موقف تعاطف من جانب الجميلة أسماء، زوجة بشار الأسـد، المتعلمة في لندن، والمهنية العصرية التي كانت تقول دائماً إنها ملتزمة بتقدم المجتمع السوري.
خيبة الأمل حدثت مع صمتها واشتدت مع ظهورها العلني إلى جانب الديكتاتور. وتحولت إلى استياء مع رسائل الايميلات المُسرَّبة، التي تنهمك فيها أسماء في القيام بمشتريات باذخة بينما يشتد القمع ضد السكان المدنيين. وبدت فظيعةَ تلك الرسالة التي أرسلتها إلى رانيا ملكة الأردن، وتخبرها فيها أن الزوجين السوريين مرتاحان ومطمئنان وتُظهِر قلقلها حول" عدم الاستقرار" في الأردن. الآن، بات الكثيرون في سوريا يعتقدون أن السيدة الأولى شريكة متواطئة ومسؤولة تماماً عن المذابح مثل النظام الذي يحميها.
تمخض ذلك عن حملة واسعة على الشبكات الاجتماعية، وفي الاحتجاجات التي يقيمها السوريون في جميع أنحاء العالم، من أجل إدانة شراكة وتواطؤ أسماء. الأكثر لفتاً للأنظار هو الفيديو الذي أطلقته شيلا ليال غرانت وهوبرتا فاس ويتينع، زوجتا السفير البريطاني والسفير الألماني في الأمم المتحدة، على شكل رسالة مفتوحة تطالب السيدة السورية الأولى باتخاذ موقف ضد الجرائم.
" بعض السيدات ينشغلن بالأناقة، والبعض الآخر ينشغلن بشعوبهن. البعض يناضلن من أجل صورتهن، وأخريات من أجل البقاء. بعضهن نسين ما كن يعظن به عن السلام، وأخريات يستطعن الصلاة من أجل موتاهن فقط. البعض يعتقدن أنه ليس لديهن خيار، وأخريات يأخذن موقفاً وحسب. ماذا دهاكِ يا أسماء؟"
" خلال العام الأخير كان هناك عدول عن الإشارة إلى السيدة الأولى، لكن الآن مع مبادرات مثل ملصق "أنا لست مثلك" وفيديو زوجات الديبلوماسيين، بدأ المجتمع السوري يدرك أنه لم يعد ممكناً الاستمرار بالصمت بخصوص أسماء وسكونها في هذه الأزمة" كما تشرح لصحيفتنا "شهرزاد"، وهو اسم مستعار تختبىء خلفه مصممة ملصق (بوستر) ضد السيدة السورية الأولى تم تعميمه في الاحتجاجات، وخاصة تلك التي تحدث في المنفى. "ربما لا يكون لأسماء أية سلطة حقيقية فيما يتعلق بردع أجهزة المخابرات المرهوبة، لكن من المهم جداً، عندما ترتكب الفظائع، أن يكون صوتنا مسموعاً وأن يكون لنا رأي وأن نتخذ الموقف الصحيح. لقد عبَّرت هي عن رأيها عندما قُصفت غزة. هناك عدد لا يحصى من المقابلات على يوتبوب حيث تقدم أسماء الأمل إلى الشباب. إنني أتساءل عمَّا حدث لها لتغير رأيها ".
شهرزاد، الكاتبة والصحفية ذات الأربعين عاماً، التي غطت الأحداث التي تجري في سوريا منذ العام 2000، جاءت بفكرة صناعة ملصق (بوستر) - كشكل مرئي للاحتجاج السياسي – كما تشرح لنا،  حيث يمكن كتابة كل ما يشعر به المرء تجاه أسماء الأسـد. إنه نوع من الفضفضة للكشف عن خبايا في النفس يرى آخرون في دواخلهم ما يماثلها". أعرف أناساً كثيرين في سوريا، ونظراً لأن انتقاد السيدة الأولى هو شيء لايمكن التفكير فيه بالنسبة إلى بعضهم، فقد أردت كتابة مشاعري وإنشاء ملصق (بوستر) تحت اسم مستعار".
في هذا الملصق (البوستر)، تفضي شهرزاد إلى أسماء بكل التوقعات والتطلعات التي أثارتها بين السوريين بسبب تكوينها الثقافي، والتزامها الواضح، وانتقادها لمذابح العرب الآخرين، ورغبتها المعلنة في تلك المقابلة المثيرة للجدل مع مجلة (فوغ) بـ "إعطاء  سلطة لستة ملايين سوري تحت عمر الثامنة عشرة"، ووعودها التي كانت ترسم في مجملها صورة امرأة عصرية، معتدلة، وملتزمة بمجتمعها. "فاجأني أن امرأة نالت هذا التعليم العالي في بريطانيا، وكانت على وشك الالتحاق بمدرسة هارفارد للأعمال قبل الزواج، وبعد زواجها كانت تروج لسوريا جديدة من خلال المناسبات والأحداث الثقافية، فاجأني أنها يمكن أن تكون صامتة أمام الاعتقالات وإرهاب الدولة وعمليات القتل التي تتم من حولها". وتخلص شهرزاد إلى القول "ستكون أسماء منبوذة دائمأ بعد هذا كله".








 
http://www.cuartopoder.es/elfarodeoriente/campana-internacional-contra-asma/2741

Thursday 19 April 2012

شاهدتُ حروباً كثيرةً، ولكنني لم أشاهد قط مثل همجية نظام الأسـد


جاك بيريس: أحد مؤسسي أطباء بلا حدود:
" شاهدت حروباً كثيرةً، ولكنني لم أشاهد قط  مثل همجية  نظام الأسـد"

الطبيب الفرنسي عالج جرحى مدنيين في عيادة سرية في محافظة حمص

مايتي كاراسكو – صحيفة الباييس الاسبانية - 2 - 3 –2012                                      
قبل أيام، في القُصَير(البلدة التابعة لمحافظة حمص، سوريا)، كان الجراح الفرنسي جاك بيريس (71 عاماً) ينظر إلى صورة شعاعية بعكس الضوء، ويظهر فيها بشكل واضح رصاصة استقرت في جمجمة رجل يبلغ الخمسين من العمر أصيب على يدي واحد من قناصي بشار الأسـد، وتم إدخاله إلى المستشفى السري للبلدة. "حالته تبدو سيئة" يقول الطبيب الفرنسي، هازَّاً رأسه بحركة توحي بالعجز. كان بيريس حاضراً في كل الحروب تقريباً خلال الأربعين عاماً الأخيرة وهو عضو مؤسس في "أطباء بلا حدود" و "أطباء من العالم". " عندما شاهدتُ ما يحدث في سوريا لم أتردد في الذهاب، لكن الوصول إلى هنا كلفني كثيراً.... إلا أن الأمر يستحق العناء، فالوضع أسوأ من بغداد".
انتهى بيريس من خياطة جرح مريض آخر، جندي من الجيش الحر تعرض لإطلاق النار على ظهره، ويجلس للاستراحة في الصالة الخلفية لهذا المركز الطبي الذي حاول الجيش الحكومي قصفه في أكثر من مناسبة، لكن بدون نجاح. هنا يعيش الدكتور والممرضون الذين يرحبون به ويؤونه، ممتنين لكونهم يحظون بتجربة "الدكتور ياك" كما يخاطبونه في البلدة. " كنتُ في لبنان، والشيشان، والسودان، والعراق،... في كل الأماكن. شاهدتُ حروباً كثيرة، لكنني لم أشاهد قطُّ مثل همجية نظام الأسـد. يدخلون إلى المستشفيات المركزية ويعدمون الجرحى. إنه أمر فظيع".
يتفحص الدكتور محاوريه بكثير من الانتباه ويفتح عينيه بشكل خفيف عندما يُسمَع دوي قذيفة هاون، مستعداً للنهوض والخروج راكضاً لمعالجة المريض القادم. "أنا أخاف، مثل الجميع، فالخوف أمر منطقي. لا يمكنني أن أقارن حِمص مع أية منطقة حرب أخرى كنت فيها. ربما غروزني (عاصمة الشيشان). فكما كان الأمر هنالك، لا توجد هنا حماية للسكان المدنيين. أضف إلى ذلك أن الضراوة في الهجوم والقمع متشابهان".
اقترب الموت من بيريس في عدة مناسبات."في إحدى المرات في فيتنام اعتقدت أنني مت. فقد ألقى الفايتكونغ القبض عليّ وساقوني إلى الإعدام. كان الجدار ممتلئاً بيقايا الأدمغة. أغلقتُ عينيّ، وأطلقوا النار. عندما فتحتُ عينيّ، رأيتُ بعض الأطفال يضحكون عليَّ وفكرت: يا لغرابة الموت. لم يقتلوني". يتذكر. "مكافأتك، كطبيب، هي عندما يأتي أحد الأطفال الذين أنقذت حياتهم، فيما بعد، ويجرك من سروالك طالباً قطعة من الحلوى" يؤكد مبتسماً. تُسمع صرخات في الخارج، تتغير ملامح بيريس وينهض قلقاً، بصعوبة لكن بتصميم "أنا ذاهب. لا بد أن هناك مصابين" ويودعنا. "الطب شيء رائع. رأيت آلاف الجرحى، ومثل كل البشر، ليس هناك جريحان متماثلان".
قبل بضعة أيام، رجع الطبيب المُحَنَّك إلى باريس لكنه سيعود إلى سـوريا قريباً، كما قال بنفسه لهذه الصحيفة. حظاً طيباً، دكتور ياك.





http://internacional.elpais.com/internacional/2012/03/02/actualidad/1330713700_340189.html

Wednesday 18 April 2012

ماذا حدث لأبطال حِمص المجهولين؟


ماذا حدث لأبطال حِمص المجهولين؟

مئات المواطنين يخاطرون بأرواحهم من أجل تموين معقل الثورة السورية، وتسجيل وبث صور القمع، وحماية المطاردين من قبل نظام الأسـد


مايتي كاراسكو – صحيفة الباييس الإسبانية – 3 – 3 - 2012

في تلك الشقة كان الهاتف يرن من دون توقف. كان الوحيد الذي يعمل في كل بابا عمرو، خط كان حوالى عشرين من الناشطين السوريين يروون ، من خلاله،  ما كان يجري أثناء الحصار الطويل الدامي لذلك الحي الحمصي، الذي تحتله الآن قوات بشار الأسـد. أولئك الذين يتحدثون الانكليزية كانوا يُعنَون بوسائل الإعلام الغربية أربعاً وعشرين ساعة في اليوم بدون استراحة. "نحن بشر، نحن نموت هنا بدون أن يفعل أحد شيئاً" كان دانييل يصرخ على سماعة الهاتف بعينين وَسِنتين وخوف كامن في النفس. فالقنابل تتساقط بدون انقطاع، أكثر من خمسمائة قذيفة هاون في اليوم. "من الأفضل عدم التفكير والاستمرار في العمل، حتى إنني لم أعد أسمع صوت القذائف" يقول ذلك بينما يغلق الخط، باحثاً عن مكان فارغ مستحيل من أجل الانحناء والنوم قليلاً إلى أن يحين موعد المكالمة التالية.
لم يتأخر جيش النظام في تحديد مواقعهم. قُصِف البناء، وقُتلت الصحافية ماري كولفين والمصور ريمي اوشليك في الهجوم، لكن المجموعة كانت قد خسرت السوري رامي السيد، وهو واحد من هؤلاء الأبطال المجهولين، ذو الاسم المستعار على الشبكة، الذين تحولوا إلى مراسلين حربيين طارئين، وكانوا يخرجون إلى الشوارع، المليئة بالقناصة، يتجنبون الموت، من أجل تصوير وبث أشرطتهم المفعمة بالواقع. "ياشباب، لا تصوروا مشاهد شديدة القسوة، فهنا لا يمكن عرض مشاهد الجثث الممزقة"، كان يمكن الاستماع إلى إحدى القنوات التلفزيونية الأمريكية وهي تطلب ذلك منهم عبر "سكايب". كانوا يرافقون، بشجاعة، الصحفيين الأجانب، يجوبون المدينة في سيارات مسرعة، متوقفين عند الزوايا الخطرة. "انظر! هؤلاء هم الجنود، صوِّر، صوِّر" كان السائق يصرخ. في المستشفى صوروا حتى كيف كان يتم علاج واحد منهم تعرض للإصابة، خالد أبو صلاح، الذي أصبح شهيراً على كل الشاشات العربية.
كانوا واعين بأنهم محاصرون، مثل بقية السكان المدنيين." لدينا خطة في حال دخول قوات الأسد" كان أبو حنين يؤكد حينذاك بكثيرمن الطمأنينة. إنه والد شاب يعيل أسرة، وكان في مقدمة أولئك "الكاميكازي" الانتحاريين، وهو الآن في مكان مجهول. لم يكن هناك مهرب من الحي، المحاصر بمئات من الجنود الذين كانوا يطلقون النار بقصد القتل، وحيث أصبح النظام حراً الآن في البحث من بيت إلى آخر عن كل المعارضين. في بداية شباط| فبراير كان يوجد مدخل سري، ممر خطر كان يمكن من خلاله نقل حزم كبيرة أو عدد كبير من الأشخاص، رغم أن هذا الطريق تعرض للقصف من مدفعية النظام حوالى اليوم العاشر من شباط| فبراير. وقد نتج عن ذلك حصار أربعة صحفيين أجانب في بابا عمرو الأسبوع الماضي، من بينهم جرحى، والمراسل الإسباني خابيير اسبينوسا الذي كان عليه عبور الطوق العسكري الحديدي الذي كان يخنق المنطقة.
مثل هذه المجموعة من الأبطال، يوجد آخرون كثيرون من أعضاء المقاومة مازالوا يعملون يومياً في مناطق أخرى من سوريا كحلب وحماة وإدلب واللاذقية، أو القصير. يعانون من انقطاعات مستمرة للكهرباء، بدون خطوط هاتفية، ولا وسائل للنقل الإعلامي، يكافحون للحصول على بضع دقائق من الانترنت من أجل تحميل صور المظاهرات اليومية، والجرحى، والجنازات، على يوتيوب. "لدي أكثر من ثلاثمائة شريط  في مخبأٍ سري. نضع على الموتى مُلصقاً يُقرأ عليه مكان وتاريخ الولادة ونصوره، لأن أحداً ما سيراه في المستقبل وسيمكنه التحقق من صحة كل ما يحدث الآن"، يشرح مأمون، الذي حفر قبره الخاص في المقبرة. "أنا واحد من أكثر المطلوبين من قِبل السلطات" يقول مبتسماً مع الرضا والتسليم. قبل شهرين فقد واحداً من أفضل أصدقائه، فرزاد، بعد أن قبض عليه الشبيحة وقتلوه. جثته ظهرت بعينين مقتلعتين، كعبرةٍ لكل الشهود الذي يريدون أن يروا ويرووا ما يحدث الآن في سوريا.
ليسوا وحيدين، إنهم جزء من شبكة منظمة تعمل بالتنسيق مع الجيش الحر، الذي يؤمن   الرحلات على الطرقات ويواكب بالحراسة السيارات التي تنقل المؤن والأدوية والأغذية، أو تخلي الجرحى باتجاه لبنان، وكثيراً ما يتعرضون للهجوم من قبل قوات النظام بينما يقومون بتنفيذ المهام الموكلة إليهم. "أنا أقوم بكل شيء، من صناعة القنابل، حتى "جليسة أطفال" للمراسلين الصحفيين" يمزح أبو خالد، العنصر في الجيش الحر. "هدفي الآن هو أن تكونوا آمنين وأن تقوموا بتصوير هذا البلد" يستمر في الشرح. من الحدود حتى حمص، كثيرة هي البيوت التي تستقبل فيها عائلات بكاملها حزمَ المساعدات الإنسانية، واللاجئين الهاربين، والناشطين المطاردين، وأعضاء المقاومة في طريقهم إلى الخارج من أجل جمع التبرعات، أو الصحفيين الأجانب، في عملية  مستترة غير معفاة من مخاطر عظيمة.
في واحدة من هذه المنازل الملاجىء، ترتجف يدا مريم، المدرِّسة ذات الأربعين عاماً، عند تقديم الشاي. "هنا في هذه القرية الجيش الحر غير موجود والشبيحة قد يأتون في أية لحظة" تعلِّق بتوتر واضح أمام المصور التلفزيوني الإسباني روبرتو فرايلي والمصور الفوتوغرافي الإيطالي اليسيو رومينزي، وهما في طريقهما إلى بابا عمرو. كل هؤلاء يستمرون في القيام بمسؤولياتهم إلى اليوم، حتى بعدما غادر الجيش السوري الحر الحيَّ لأسباب تكتيكية. إنها منطقة كانت قد سقطت ثلاث مرات سابقة في أيدي قوات الأسـد وتمت استعادتها في مرتين أخريين، حسب الناشطين السوريين.
رغم تقدم قوات الأسـد "نعلم أننا نتعرض للخطر وأن الثورة ستكون طويلة ومكلفة. لكننا مستعدون لدفع الثمن" يؤكد كاسر، قائد المقاومة السياسية في القُصَير، رجل يتوسط يومياً     من أجل أن لا يشتعل فتيل العنف الديني في مدينته، حيث العلويون والمسيحيون والسُنة يتعايشون بانسجام في المنطقة تحت سيطرة الثوار." كنا نتظاهر سلمياً حتى أيلول| سبتمبر ولم نحصل منهم إلا على إطلاق النار والسجن والقتل. في النهاية، تشكَّل جيش يحمي السكان المدنيين، ليس لدينا مخرج آخر" يستمر شارحاً. عندما توشك الانتفاضة على إكمال عامها الأول "ليس هناك عودة للوراء. سنستمر في الكفاح لأننا نعلم أن النظام لن يرحمنا".




http://internacional.elpais.com/internacional/2012/03/03/actualidad/1330811557_075761.html

Saturday 14 April 2012

العـد العكسـي في سـوريا


مقالة افتتاحية في صحيفة الباييس الإسبانية – 13 – 4 -2012

العد العكسي في سوريا

دبابات الأسـد بقيت في المدن في اليوم الأول من وقف هشٍ لإطلاق النار


قد يكون مبكراً إصدار شهادة وفاة لخطة سلام كوفي أنان من أجل سوريا، وهي الخطة الوحيدة على الطاولة بعد أكثر من عام وتسعة آلاف قتيل مدني في هذا البلد العربي، لكن ليس مبكراً إثبات هشاشتها الجوهرية في اليوم الأول لوقف إطلاق النار الذي يشتكي من خرقه كلا الطرفين. فوفقاً لبنود الاتفاق الذي يضمنه مجلس الأمن، والذي يؤكد نظام بشار الأسـد على قبوله، فإن الدبابات والأسلحة الثقيلة يجب أن تكون قد اختفت من المدن التي يحاصرها يوم الأربعاء. لكن هذه النقطة المهمة لم يتم الوفاء بها أمس، بعد انقضاء 48 ساعة على الموعد المحدد.
التوصل إلى هدنة حقيقية في سوريا تبدو مهمة هائلة، ولا يرجع ذلك فقط إلى أنه سيكون عملاً انتحارياً، في هذه المرحلة، افتراضُ وجود نية حسنة عند طاغية أغرق بلاده في الدماء خلال عام، وهي فترة من الزمن كانت القوى الديموقراطية فيها عاجزة عن تحديد استراتيجية فعالة من أجل عزل الأسـد أو كسر الدعم الروسي والصيني لحليفهما. فالأمر يتعدى سحب المدرعات والمدافع التي كانت تدك المدن والقرى حتى يوم الأربعاء، إلى الحفاظ على هدنة تكون جديرة بهذا الاسم وتتطلب حتماً النشر الفوري لمئات من مراقبي الأمم المتحدة، مع التمتع بحرية كاملة للحركة وبقوات حماية خاصة. ذلك أن محاولة شبيهة وأكثر تواضعاً للجامعة العربية كانت قد أخفقت في يناير| كانون الثاني وسط عنف متصاعد.
التهديدات اللفظية البليغة والعقوبات الاقتصادية كانت غير قادرة، حتى الآن، على وقف النزعة الإجرامية للرئيس السوري. وسنعرف في غضون أيام قليلة إذا كان لخطة عنان أية إمكانية للاستمرار. غير أنَّ هذه المحاولة، التي تم ترتيبها في اللحظة الأخيرة، سيكون لها معنى فقط إذا ما نفعت كجسر للحوار والتحول السياسي الذي تسعى إليه. إنه تفاوض لم يعد يطالب بالتنحي المسبق للطاغية، لكنه يجب أن يقود إليه حتماً. لقد سالت على أيدي الأسـد وزمرته دماء غزيرة، تحُول دون أن يطرح أحد، حتى بين السوريين الذين يساندونه، إمكانية استمرار النظام.
لكن إذا عادت الديبلوماسية للإخفاق واستمرت الديكتاتورية العلوية في استغلال المُهَل لتعزيز سيطرتها العسكرية الوحشية على البلاد، فسيكون على الولايات المتحدة وأوروبا، اللتين تحظيان بدعم تركيا والجامعة العربية، سيكون عليهما في هذه المرة توفير بديل حاسم وذي صدقية من أجل وضع حد للرعب في سـوريا.







http://elpais.com/elpais/2012/04/12/opinion/1334258211_480782.html