Tuesday 31 July 2012

"أحلم بقتل بشار الأسـد بيديّ، وبأن ينتهي مثل القذافي"



"أحلم بقتل بشار الأسـد بيديّ، وبأن ينتهي مثل القذافي"

مايتي كاراسكو- صحيفة الباييس الإسبانية

القُصير- سـوريا: "أحلم بقتل بشار الأسـد، وبأن ينتهي مثل القذافي. يجب أن نفعل ذلك،   ليتني أستطيع الذهاب إلى دمشق وأقوم بذلك بيديّ هاتين"، يؤكد معمر، أحد العناصر في واحدة من الكتائب الجديدة الكثيرة التي يضمها الجيش السوري الحر، واضعاّ نظارتيه المظلّلتين ومنظفاً بندقيته في ثكنته الواقعة على مشارف القُصير. فقد معمر خمسة من أعضاء عائلته، بمن فيهم شقيقه الأصغر. أما معركة تحرير دمشق فقد أطلقت عدداً لا نهاية له من التكهنات حول مستقبل الرئيس وأسرته. هل سيقاتل حتى النهاية؟ هل سيهرب إلى الخارج؟ أم أنه سيلجأ إلى اللاذقية، المعقل العلوي؟
بعد سنة وأربعة شهور وأكثر من سبعة عشر ألف قتيل، فإن مشاعر الكره عميقة جداً بين السكان المدنيين في القُصير، التي تتعرض للقصف اليومي منذ ثلاثة شهور والتي عانت لوقت طويل سقوط عدد كبير من القتلى. "آمل أن تكون نهاية النظام قريبة، إن شاء الله" يتمنى الدكتور قاسم، الذي رأى الموت وهو يزور مئات الأشخاص في المستشفى الميداني السري الذي يحاول فيه إنقاذ الأرواح بدون كادر متخصص، وبدون أدوية، وحتى بدون مواد تخدير تسكِّن آلام الجرحى على الأقل.
"مجلس الأمن الدولي لا يتوصل إلى اتفاق. فليكن. هذا أفضل. سنحصل على حريتنا بأيدينا ولن نكون مدينين بشيء لأحد" يعبر قاسم عن رأيه هذا بينما يساعد في تجميع صناديق المساعدات الإنسانية القليلة التي تصل إلى هذه البلدة من أجل توزيعها في بداية رمضان، شهر الصوم الذي يأتي مع حرارة رطبة ومرهقة.
"أعتقد أن الأسـد مستعد لتدمير دمشق إذا كان ذلك ضرورياً لبقائه في السلطة" يقولها مع الألم، الناشط السوري من القُصير محمد، الذي يجلس على كرسي من البلاستيك الأبيض، متابعاً بقلق الأخبار في التلفزيون حول القتال في العاصمة من غير أن يضيع عنواناً واحداً، منتقلاً بانفعال من قناة إلى أخرى تحت دوي القنابل.
العنف والرعب استوليا على سوريا، تقول المذيعة باللغة العربية، حيث القوات الحكومة تفقد شيئاً فشيئاً السيطرة على البلد وتحاول يائسةً استعادة جيوب الأراضي التي يستولي عليها الجيش السوري الحر. تظهر الصور مقاتلين يقاتلون من شارع إلى شارع في دمشق، حيث تهرب آلاف الأسر من العنف المفرط وتبحث عن ملجأ من المعارك، كما في مناطق سورية أخرى كثيرة.
أظهر بشار الأسـد في كل هذا الوقت تصميماً لا يتراجع، ساحقاً كل بؤرة للثورة بالدم والنار، معتقلاً ومعذباً آلاف الأشخاص في سبيل البقاء في السلطة. الكراهية بين الطوائف الدينية المختلفة الموجودة في هذا البلد تفاقمت في الفترة الأخيرة. "فيما مضى كنا نتعايش جميعاً في سلام. الآن هناك كراهية كبيرة بيننا. لا أعلم كيف سينتهي كل هذا، في الحقيقة هنالك نفور كبير جداُ تجاه الشيعة" يؤكد حمود، ناشط آخر لا يعلم كيف يشرح بشكل جيد ما سيحدث بعد ذلك، في بلد معارضته منقسمة وحيث تسود لغة السلاح في هذه الأوقات.
أكثر من يخاف هم الأقليات الطائفية المتهمة بالتعاون مع النظام، مثل العلويين، المسيحيين، و بدرجة أقل، البورجوازية المسلمة السنية في العاصمة، التي استفادت من امتيازات السلطة. "لا أعتقد أنه ستكون هناك حرب أهلية بعد سقوط النظام. إن فكرة الطائفية هي جزء من دعاية الأسـد"، يشرح قصي، وهو واحد من آخر المسيحيين الذين بقوا في القُصير، بعدما أُطْلِقَ الرصاصُ على اثنين على الأقل من عائلته المسيحية، وفق ما تقوله المعارضة، بسبب انتمائهم إلى الشبيحة (ميليشيات النظام)، وحيث هربت الغالبية العظمى خوفاً من أعمال انتقامية". "عند سقوط الأسـد لن تكون لدينا ديموقراطية في الحال، سنحتاج إلى الوقت. لكن سيكون لدينا حكومة ديموقراطية تحتوي على كل الفصائل السياسية وإذا طُبقت الشريعة فسيحترموننا" يتوقع قصي.
إن معركة دمشق تثير العديد من التساؤلات حول نهاية الثورة الأطول والأكثر دموية من بين الثورات العربية، والتي تبعد كثيراً عن أن تكون سريعة كتلك التي حدثت في ليبيا وحظيت بمساعدة الناتو، وإقليم محرر واسع مثل بنغازي، والكثير من الميزات الأكيدة من الناحية اللوجيستية، كسيارات الدفع الرباعي الحديثة، والكثير من الأسلحة الجديدة، وهواتف الأقمار الصناعية للمقاتلين.
"هنا، نحن فقراء"، يؤكد عزوز، القائد في لواء الفاروق. "لدينا فقط بنادق الكلاشينكوف وقذائف الآر بي جي، من غير ذخيرة حتى"، بينما كان لدى الثوار الليبيين البطاريات المضادة للطائرات، والمشورة من عسكريين أجانب على الأرض، والدعم القيّم من طائرات الحلفاء التي كانت تقصف مواقع القذافي.
الأكثر أهمية من ذلك بعدُ، هو أن الشرق الأدنى ليس شمال أفريقيا. فالوضع الجيو استراتيجي لسوريا يحولها إلى مسرح فيه لاعبون فاعلون متعددون يسعون إلى الحفاظ على مصالحهم الخاصة، محاولين التأثير في سيناريو نصف مكتوب يخرج عن نطاق سيطرتهم. "جيراننا، هذه هي المشكلة. إسرائيل من جانب أول، ولديها خلافاتها مع إيران الشيعية وتحالفها مع حزب الله اللبناني، ما يؤدي إلى تعقيد الأمور" يشرح طارق، أستاذ المدرسة اللاجىء إلى بيت أقاربه بعد أن دمرت قنبلة منزله. روسيا والصين تكملان مثلث حلفاء الأسـد، بإيقافه لكل محاولات فرض عقوبات في مجلس الأمن الدولي، آخذين العبرة بعد القرار الشهير حول ليبيا وواجب حماية السكان المدنيين الذي أعطى الضوء الأخضر لتدخل حلف الأطلسي.
أضف إلى ذلك أن بشار الأسـد ليس من جيل مبارك وابن علي أو القذافي. إنه رجل شاب وطبيب عيون درس في انكلترا وأظهر مؤشرات على الانفتاح في بداية عهده، بعد أن وصل إلى السلطة بالمصادفة لأن شقيقه باسل، المُفضَّل، والمُعَدّ، مات في حادث. "هذه هي المشكلة. عليه أن يبرهن على شرعيته ليكون رئيساً وأنه قادر على تنفيذ عمليات القمع التي قام بها والده في حماة في أعوام الثمانينات" يشرح محمد، المهندس الذي لا يعمل منذ سنة.
مع تجربته العسكرية الضعيفة، كان على الأسـد أن يثق بمشورة الحرس القديم وإيران، كما أظهرذلك البريد الالكتروني الذي اعترضته المعارضة ونشرته الصحافة العالمية.
ما هي الخيارات المتبقية له؟ حالياً هو يقوم بشن هجمات جديدة في طول البلاد وعرضها، بما فيها العاصمة، مع كل القوة التي يتمتع بها. وعليه، فإن سقوط دمشق لن يكون كما كان سقوط طرابلس. "إراقة الدماء لم تكد تبدأ في العاصمة" يتوقع محمود، الذي يعلم أنهم يواجهون واحداً من أقوى الجيوش وأكثرها تسليحاً في الشرق الأدنى، مع العتاد الروسي والأسلحة الكيميائية، مثل ترسانات غاز السارين وغاز الخردل وأحد مشتقات السيانيد. "نتعامل مع كل الأخبار بحذر. إلا أننا نحلم بالنصر سريعاً" يؤكد محمد، ناظراً خلال النافذة بدون فضول كبير، ليرى أين سقطت تلك القذيفة الجديدة، مدخناً سيجارة بعد أخرى قبل أن يبدأ رمضان، ودائماً أمام التلفزيون، متابعاً آخر أخبار الساعة عن سقوط العاصمة.




http://internacional.elpais.com/internacional/2012/07/21/actualidad/1342894653_612303.html

Thursday 26 July 2012

لا للتدخل في سـوريا





لا للتدخل في سـوريا

ناعومي راميريث دياث – موقع:  ريبليـون


أدّى هجوم وقع في دمشق يوم الأربعاء الثامن عشر من تموز| يوليو 2012 إلى ما يشبه قطع رأس قمة هرم النظام السوري بإنهائه، عملياً، لحياة نصف أعضاء "خلية السيطرة على الأزمة"، التي أنشاها بشار الأسـد من أجل السيطرة على وإخماد الثورة الشعبية في البلاد التي بدأت في آذار| مارس 2011. وقد تبنى الجيش السوري الحر المسؤولية عن هذا الهجوم كما تبناها "لواء الاسلام" وهو جماعة سلفية مفترضة. أفسح هذا الهجوم المجال لكل أنواع التكهنات حول صحته والجهة المسؤولة عنه، من روايات أكدت مسؤولية الجيش السوري الحر إلى روايات أخرى تؤكد أن النظام نفسه هو من قام بارتكابه للحؤول دون وقوع انقلاب داخلي كان من المحتمل أنه يتم الإعداد له في هذا الاجتماع الذي تم قطعه بطريقة مفاجئة، مروراً بمن يقول إن الهجوم لم يقع أو إنه لم يقع في هذا التاريخ على الأقل. لكنّ مصدراً يحظى بالموثوقية الكاملة أكد لي حدوثه وأن الشحنة المتفجرة انفجرت داخل المبنى.
أظهر هذا الهجوم تطوراً جوهرياً في مسار الثورة: الجيش السوري الحر باتت لديه القدرة الكافية على توجيه ضربات قاسية للنظام ليس فقط من ناحية تأثيرها المادي وإنما من ناحية تأثيرها المعنوي عليه أيضاً. لذا يجب ألا يدهشنا أن وزير الدفاع الجديد فهد جاسم الفريج، الذي سيخلف المتوفّى داود راجحة، هو الجنرال المسؤول تحديداً عن الهجمات على حِمص وغيرها. هذا يعني أن النظام خائف وسيقوم بالرد، كما هو حادث فعلاً، بهجوم وحشي (سوف نقطع أيدي الإرهابيين): بينما كان الناس يحتفلون بدخول الجيش السوري الحر إلى بعض الأحياء، وبالانشقاقات الكبيرة التي حدثت في عدة نقاط من العاصمة، وحصول الجيش الحر على عدد مهم من الدبابات، بالإضافة إلى حقيقة أن الثوار تمكنوا من السيطرة على عدد من المعابر الحدودية مع تركيا وكل المعابر على الحدود العراقية (الأمر الذي ردت عليه الحكومة العراقية بإغلاق جميع المداخل إلى سوريا، والتي كانت قد تركتها  مفتوحة حتى الوقت الحالي فقط من أجل مرور المقاتلين الذين كانوا يذهبون لدعم عمليات القمع، باستثناء منطقة كردستان)، كان حي الحجر الأسود الدمشقي ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، وهما مجرد مثالين فقط، يواجهان الموت بعد دخول الميليشيات الأسدية شبه العسكرية المعروفة باسم الشبيحة إليهما. الحي الأول الذي انتفض في العاصمة منذ بداية الثورة هو اليوم عرضة للسحق من قبل النظام.
لكن، بالرغم من رد الفعل الدموي هذا، فإن الهجوم المذكور، والسيطرة على المعابر الحدودية، والسيطرة على بعض المناطق، وفي المحصلة، كل ما حدث يوم الأربعاء يشير إلى قضية جوهرية: بدون مساعدة من أحد "بأيدينا سيتحقق النصر". بل إن بعض اللافتات تهكَّمت قائلة:" شكراً روسيا، سلاحك وقع في أيدينا"، في إشارة إلى الدعم اللوجستي الذي يقدمه هذا البلد لعمليات القمع ورفضه الكلي لإدانة جرائم النظام في مناسبات متتالية في مجلس الأمن الدولي.
في هذا السياق، من الضروري التأكيد على أنه بالضد من كل أولئك الذين كانوا، ومازالوا، يصرون على أن ما يحدث في سوريا هو وليد مؤامرة منظمة من قبل الناتو، يحرك خيوطها لمصلحة جماعات إسلامية متشددة بهدف وحيد هو التسبب في اندلاع حرب أهلية تؤدي إلى إضعاف النظام والسيطرة من ثم على البلد، بحثاً في اللحظة الأخيرة عن تبرير لحصول تدخل أجنبي (لم يحدث خلال ستة عشر شهراً، مع وجود دوافع "إنسانية" زائدة عن الحد)، فإن السوريين ما زالوا يُظهِرون للعالم كله أنهم يخوضون نضالهم وحيدين، والأكثر أهمية بعدُ، أنهم لا ينتظرون، ولا يحتاجون، مساعدة من أحد، ولاسيما الآن. وهكذا، فإن عبارات الشكر للفيتو الروسي والصيني الأخير (التي كان من المعتاد سماعها في المظاهرات المؤيدة للنظام، وآخرها كانت متوقعة في أوائل هذا الأسبوع وتم إلغاؤها) قد تضاعفت في صفوف الثوار كما لم يفعلوا ذلك من قبل، لأن هذا يحول دون أن تفرض المصالح الغربية نفسها على البلد.
أشير بذلك إلى الاهتمام الفجائي بالأسلحة الكيميائية في سوريا. فحتى اللحظة، اقتصر الخوف على حقيقة أن النظام قد يستعمل هذه الترسانة ضد السكان المدنيين في إحدى هجماته، لكن النظام يبدو ذكياً بما فيه الكفاية بحيث لا يقدم الحجج التي تستدعي حشد المجتمع الدولي (الذي حماه في الأشهر الأخير بطريقة مباشرة بحضور المراقبين الدوليين) ضده. لكن، منذ هجوم الأربعاء وتقدم الثورة على الأرض (رغم المجازر المستمرة)، غيَّر الخوف وجهته: ما يُخشى الآن هو أن تصل هذه الأسلحة المخزنة إلى أيدي جماعات من الثورة أو، ما هو أسوأ من ذلك بعدُ، أن تقع في أيدي الفزَّاعة الإقليمية: القاعدة. في الخط نفسه، يتم التكهن أيضا بأن هذه الترسانة قد تصل إلى حزب الله ويستخدمها -مفاجأة!- ضد إسرائيل. ها هنا مفتاح القضية، استقرار اسرائيل لا يمكن أن يتعرض للخطر، وقد تكون الولايات المتحدة بصدد وضع خطة للتدخل في حالة حصول فراغ للسلطة في سوريا بالنظر إلى مسار الأحداث والحؤول دون وقوع الأسلحة الكيميائية في الأيدي الخطأ. إلى هذا يضاف اهتمام جديد نوعاً ما "بحماية" الأقلية العلوية (الحجة الروسية، من جانبها، هي حماية المسيحيين)، المهددة افتراضياً من جانب الغالبية السنية التي قد تكون في انتظار تمكنها من الانتقام من المجازر التي ارتكبتها ميلشيات مكونة عملياً من مائة بالمائة من العلويين، الأمر الذي تعززه الشائعات حول إمكانية هروب بشار الأســد وإنشائه مركزاً أمنياً يقود فيه العمليات في اللاذقية، كما قد فعل ذلك مواطنون علويون من مناطق أخرى يخاف كثير منهم من اتساع نطاق تورطهم في عمليات القمع، وهي شائعات تغذي فكرة إنشاء دولة علوية، يبدو أنها تحظى ببعض الدعم، رغم كونها غير قابلة للحياة إلى درجة كبيرة. على أية حال، ليس مستبعداً أن تتلقى (الدولة العلوية) دعماً دولياً ضمنياً من كلا "الجانبين"، بما يعنيه ذلك من انقسام جديد في المنطقة من جانب، وتوفير ملاذ لمصالح الطرف الآخر.
مع هذه الحجج: الأسلحة الكيميائية، استقرار إسرائيل، وحماية العلويين، يبدو أن الخوف من تدخل في اللحظة الأخيرة يزداد انتشاراً، والواقع أن الكثير من السوريين يردون بالطريقة التالية على ما يعتبرونه محاولة لسرقة إنجازاتهم بعدما قاموا بالعمل كله بأنفسهم في سبيل تنصيب من يرونه مناسباً لترؤس البلد وقيادة العملية الانتقالية: "يجب أن يكون هناك توافق وطني في خطاب الثورة يرفض هذه المحاولة لفرض الهيمنة على الثورة وسرقة مجدها الأسطوري ونسبة الفضل في نجاحها إلى تدخل في الساعة الأخيرة يُراد القيام به أو تزييفُ التاريخ من خلاله.
تلك هي المؤامرة التي عُمِل على إنضاجها لشهور، بانتظار اللحظة المناسبة للظهور، المؤامرة ضد ثورة شعب قرَّر أن يقول "كفى" ووجد نفسه وحيداً في موقفه الرافض للركوع.





http://www.rebelion.org/noticia.php?id=153367&titular=no-a-la-intervenci%F3n- 

Wednesday 18 July 2012

"نحن أكثر قوة من ذي قبل، وقد تعلَّمنا المعاناة"




"نحن أكثر قوة من ذي قبل، وقد تعلَّمنا المعاناة"
الثوار والمدنيون الذين بقوا في القُصير يوطِّنون أنفسهم على تحمل معركة طويلة

مايتي كاراسكو- صحيفة الباييس الإسبانية


القُصير- في سـوريا ما عادوا يسألون عمن فقدت من أسرتك، وإنما عن عددهم. "في عائلتي مات واحد وثلاثون، على ما أعتقد" يقول طراد الزهوري، المراسل الإخباري من القُصير الذي لم يعد يتذكر عدد الذين دفنهم، بدءاً بأولاد العمومة والخؤولة ، والأعمام والأخوال، حتى شقيقه مَهيد. "أنا سأكون التالي" يؤكد بمرارة. هنا، كما في أماكن كثيرة يسيطر عليها الجيش السوري الحر، مضى عليهم عام وأربعة شهور وهم يتعايشون مع الرعب والدم، خوفاً من قنبلة أو رصاصة قناص تابع للنظام تطالهم، أو من هجوم تشنه المقاومة فجأةً على نقطة تفتيش ويموتون.
المقاومة أو الموت هو الشعار في المناطق التي يحاول الرئيس بشار الأسـد استعادة السيطرة عليها بطلقات المدافع.
في القُصير، بمحافظة حمص، السكان الذين لم يفروا يُبقون أنفسهم منشغلين لتجنُّب التفكير في ما هو أبعد وتفادي الخوف. "لقد أنشانا مركزاً صحفياً، وأسجل وأبث كل صور القمع" يشرح طراد. "لقد تعودتُ على صوت القنابل، ولم أعد أستطيع النوم من دونها". آخرون يعملون عملاً إضافياً في المشفى الميداني السري أو انتسبوا إلى صفوف الثوار، بينما تقوم النساء القليلات اللواتي بقين بحياكة الأعلام أو البدلات العسكرية للمقاتلين.
"أبي وأمي وأشقائي، كلهم مازالوا هنا. حتى لو لم يكونوا في صفوف الجيش السوري الحر، إلا إن البقاء هو نوع من الكفاح، من التحدي لبشار"، يقول رفاعي، أحد عناصر المقاومة.
بعد شهور من الكفاح المسلح، تغير شيء في عقول المدنيين، الذين وطّنوا أنفسهم الآن على مواجهة حرب طويلة. "لا أمل لدينا بأن هذا الأمر سينتهي سريعاً، وهكذا فإن لديّ كل الوقت في هذا العالم" يقول محمد، حافراً بقوة في ملجأ مقابل بيته يُعد للاحتماء من عمليات القصف اليومية. لم يعد هناك خوف من الظهور أمام آلة التصوير وكثيرون يخرجون لشراء الخبز تحت الانفجارات، عابرين بدون استعجال ذلك الشارع الذي يطلق النار فيه أحد القناصة. في الجنازات، لم يعد هناك دموع. في البيوت كسروا كل الزجاج حتى لا يتسبب بقتلهم عندما يحدث انفجار، يضعون أشرطة على المرايا لكي لا تتشقق، ويضعون حواجز مرتجلة من الخشب على الأبواب والنوافذ. سبعون بالمائة من الأبنية دُمِرت أو تضررت في هذه المدينة.
"شعبنا أصبح أكثر قوة من ذي قبل. لقد تعلمنا المعاناة". يشرح عزوز، قائد لواء الفاروق، أحد أكبر الوحدات عدداً في المنطقة المتاخمة للبنان، في أحد البيوت المصادرة لأسرة من الشبيحة (الميليشيا الموالية للنظام)، من حيث يقود العمليات. "ربما سنحتاج عاماً للقضاء على النظام، لكن الوقت إلى جانبنا" يؤكد واثقاً. "هم منهكون ويخسرون. نحن لسنا مستعجلين. نريد القيام بثورة كاملة. نحن ننظف المنطقة من الشبيحة، ونقدَّر قواتنا جيداً قبل تنفيذ أي هجوم، بعمليات صغيرة".
في الشمال، عند الحدود مع تركيا، تمكن الجيش السوري الحر من السيطرة على منطقة واسعة، لكن في الجنوب، في محافظة حمص، هناك صعوبات أكثر. "انتبهت الحكومة إلى الأهمية الاستراتيجية لهذه الحدود وقامت بتحصينها. هنا نحن فقراء، لدينا فقط البنادق، وقاذفات آر بي جي، والهاون، وينقصنا الذخيرة. يملك جيش الأسـد الطائرات المروحية، يحلقون فوق المنطقة بالطائرات ويلتقطون الصور، ولديهم الدبابات والمدفعية الثقيلة. علاوة على ذلك، هنا يوجد تهديد حزب الله، الذي يقف إلى جانب الأسـد" يصرخ تقريباً وسط أصوات قذائف الهاون التي تطلقها الميليشيا اللبنانية وتسقط على حقول التفاح والمشمش. "لديهم الآن قواعد في سوريا ويشنون بعض العمليات، لكننا استطعنا التوافق معهم على عدم دخولهم إلى مدينة القصير". يؤكد عزوز أنهم لا يتبعون أوامر القيادة المركزية للجيش الحر في تركيا "لأننا هنا نعلم أفضل منهم ما يتوجب علينا فعله. لم نعد ننتظر مساعدة من أحد".
الريبة وعدم الثقة تجاه المجتمع الدولي اتسع نطاقهما في الأشهر الأخيرة. "إذا انتظرنا أن تقرر الأمم المتحدة، فلن ينتهي هذا أبداً"، يقول قصي، واحد من آخر المسيحيين الذين بقوا في القصير، بينما فر غالبيتهم خوفاً من أعمال انتقامية، متهمين بالتعاون مع الأسـد. "أنا مؤمن بالحل العسكري، لأنني أرى بوضوح أننا، نحن السوريين، وحدنا. أنا متأكد أن الشعب سينتصر في هذه الثورة وإذا اعتمدنا على الآخرين فسيحتاج الأمر وقتاً طويلاً، لا أعلم كم. النهاية بيد الله وحده".
حول الطائفية والخطر على الأقليات المسيحية، العلوية (الطائفة التي ينتمي إليها آل الأسـد)، وغيرها، يؤكد قصي أن "هذه الفكرة هي جزء من دعاية النظام، التي يبثها عبر وسائل إعلامه، التي تقول إن الجيش السوري الحر هم إرهابيون إسلاميون وإننا، نحن المسيحيين، في خطر. هنا على الأرض ليس الأمر على هذا النحو، فالقنابل والقناصون يقتلون الجميع بالتساوي، كائناً ما كان الدين الذي ينتسبون إليه. لكن حتى الفاتيكان يصدق دعاية النظام". قرر قصي البقاء في القصير ومواجهة المصير نفسه الذي يواجهه جيرانه، وغالبيتهم من المسلمين السُنَّة، الذين يشكلون ثمانين بالمائة من سكان القُصير. "وطنيتي أكثر قوة من اعتقادي. لا يهمني ما يقولونه في روما، وليسألوني إن كنت أحتاج شيئاً. هنا، من يساعدني هم أبناء شعبي".
الجميع متفقون في الحديث عن الوحدة. "سوريا واحدة وسوف نستمر حتى النهاية" يقول أبو سالم، أول من تمكن من كسر حاجز الخوف والخروج إلى الشارع متظاهراً في أواسط آذار| مارس من العام الماضي، إلى جانب عائلة الزهوري. "أنا مسرور لأنه منذ ذلك الوقت عرض النظام وحشيته، لا أحد في هذا البلد يمكنه أن يتجاهل أن يدي بشار الأسـد مغطاة بالدماء". بالرغم من ذلك، فإن الغالبية العظمى من السوريين في المدينتين الرئيسيتين في البلاد، حلب ودمشق، لم تثر بعدُ ضد النظام.
وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتِل أكثر من سبعة عشر ألف شخص في هذه الحرب، ورغم قسوة الأنباء التي وصلت إلى القُصير عن المذبحة في التريمسة، البلدة الواقعة في محافظة حماة، وهي الأسوأ حتى الآن مع سقوط مائتي قتيل، فإن أحداً لم يخف كما كان يحدث سابقاً. "إنها مجرد مجزرة أخرى. يجب أن ينتهي كل هذا، بشار يجب أن يرحل"، يقول طراد، مصور الثورة. "عندما ينتهى كل شيء، سوف أصعد إلى أعلى مئذنة في المسجد وسوف أرمي هذه الكاميرا في الهواء. لقد شاهدتْ من الأهوال أكثر مما ينبغي". 





http://internacional.elpais.com/internacional/2012/07/13/actualidad/1342192133_398489.html

Sunday 15 July 2012

فظائع في سـوريا




فظائع في سـوريا

مقالة افتتاحية في صحيفة الباييس الإسبانية- 14- 07- 2012

عادت وحشية نظام الأسـد السوري لتترك وصمة عار جديدة مع المذبحة الأكبر حتى  اللحظة الراهنة منذ أن اندلعت الثورة في آذار| مارس 2011. من المرجَّح أن أكثر من مائتي قتيل مدني وثلاثمائة جريح هي الحصيلة المرعبة لهجوم، تم بالمروحيات والمدرعات، متبوعاً بالذبح على أيدي ميليشيا موالية للحكومة، ضد قرية التريمسة الصغيرة، التي تعد عشرة آلاف نسمة، ويمكن أن يكون جزأً من حملة أكثر اتساعاً.
في غضون ذلك، عاد مجلس للأمن للإخفاق في محاولةٍ لفرض عقوبات جديدة على سـوريا، بسبب معارضة روسيا والصين، اللتين دانتا، بالرغم من ذلك، هذه المذبحة. قبل ذلك بقليل، كانت الصين قد أعلنت استعدادها "لأن تدرس بشك جدي" مسودة قرار تجري مناقشته في نيويورك. بينما يعاني المراقبون الثلاثمائة التابعون للأمم المتحدة في سوريا من الشلل، ولا يحقق الموفد الخاص كوفي أنان تقدماً.
دقت الولايات المتحدة ناقوس الخطر حول تحركات مُفترَضة للأسلحة الكيميائية في سوريا. إنه إنذار يستوجب الحذر، بالنظر إلى السابقة العراقية. لكن هذه المذبحة تثبت أن النظام السوري مستعد لفعل أي شيء من أجل بث الخوف عن طريق سفك الدماء. انتكاسة كبيرة أصابت النظام الديكتاتوري، قبل أيام، بانشقاق العميد مناف طلاس الذي كان قائداً لإحدى الوحدات الرئيسية في الحرس الجمهوري، وينتمي إلى واحدة من العائلات التي تعتمد عليها عشيرة الأسـد، وكان قد انتقد عمليات القمع ضد الثائرين. لكن ما يزال من المبكر الاستنتاج بأن النظام يتهاوى.
ليس هناك اتفاق بين الحكومات العربية المحيطة بسوريا حول ما يتوجب عمله. فيوم أمس، عبَّر رئيسا مصر وتونس بشكل علني عن معارضتهما لتدخل عسكري دولي، لأنهما يعلمان أن سوريا ليست ليبيا. من الممكن أن النظام أخذ يقترب من بدايةِ نهايةٍ ستكون، في الحد الأدنى، عنيفةً، بالنظر إلى الوضع المعقد للمجتمع. أمَّا الاستمرار هكذا، فإلى متى؟ 




http://elpais.com/elpais/2012/07/13/opinion/1342206393_008237.html