سوريا و السياسة الواقعية
بقلم : ألبرتو بيرِيس: جنرال احتياط في سلاح
المدفعية الاسباني – موقع : ريبيستا فوسيون
في سوريا تم
اختراق كافة الخطوط الحمراء . فبينما يقوم الجيش السوري بقتل المتظاهرين
بالرصاص ، فإن أوروبا و الحلف الأطلسي و الأمم المتحدة يلوذون بالصمت. في ليبيا
أفضى عمل مشابه إلى التدخل العسكري ، بموافقة الأمم المتحدة . فلماذا لا يحدث شيء
مشابه في سوريا ، حتى لو كان بصفة التهديد
فقط ؟
السياسة ، مثل
الإبداعات الرفيعة في أساليب الطهي ، غالباً ما تحتاج إلى استخدام التوابل المكررة
التي تثير الإحساس لكنها غير ذات نفع . و
هكذا، فكما أنه في طبق من البايلا الجيدة ( صنف من الطعام الإسباني المشهور) لا
يمكن الاستغـناء عن نوع مختـار من الزعفران، - الحصص الغذائية للجنود المحاربين و أغذية الكفاف هي وحدها التي تستغني عن
العناصر المغذية غير المتوازنة جيداً - فإن
السياسة الخارجية للدول تكون مصحوبة دوماً ، في منطوقها على الأقل ، بمثاليات
رفيعة و أغراض سامية تكاد تلامس أحيانا حدود السامي و المقدس .
يتـــم غزو بلدان
و تُحتَّلُ أقاليم من أجل أن توضــع في خدمة الشعوب أضـواء الحضــارة و منافع
التقدم ، حتى لو توجّب قتل البعض خلال المساعي السابقة لتحقيقها ، و يتم إزاحة
طغاة متوحشين من أجل تحرير شعوبهم و جعلهم يتقدمون في طريق السعادة ، رغم أن هذه
الشعوب قد تريد أشياء أخرى في بعض الأحيان . لا تُحصى أيضاً الحالات التاريخية للسياسات
الامبريالية المؤسًّسة على نشر دين معين و على المنافع التالية التي تنتج عنه ،
بما فيها تلك الخارقة أو غير الملموسة .
إضافة التوابل أو
الزخرفة " الدينية " للسياسة ( السياسة الداخلية ، في هذه الحال) بلغت
في بلدنا إسبانيا – حيث تبدو هذه الممارسة مترسخة في أعمق أعماق الهوية "الإسبانية
" المُفتَرضَة – ذروتها العلـيا في ذلك الفصــل من قانون المبادئ الأســـاسية
للنظـام الســابق ( نظام الجنرال فرانكو المتوفى عام 1975) ، الذي ينص على ما يلي
: " تَعُدُّ الأمةُ الاسبانية وسامَ
شرف لها طاعةَ القانون الإلهي ، وفق مذهب
الكنيسة الكاثوليكية الرومانية الرسولية المقدسة . مذهباً حقيقياً وحيداً و
إيماناً لا يمكن فصله عن الضمير الوطني ...". هذا النص الذي لا يمكن إنكار
لاهوتيته ، و المرصـع في ذلك " الدسـتور الفرانكـوي "، كان زخرفة و
تلويناً لما يُطلق عليه هنا "الكاثوليكـية الوطنية ".
على العكس من ذلك ،
فإن السيــاسة بدون زخــرفة و بدون تجمــيل ، السـياسـة الواقعـــية (Realpolitik من أجل استخدام التعبير الألماني الشائع ) هي التي تتجاهل أي مبدأ نظري أو أخلاقي من
أجل تبرير نشاطها ، و تخدم ، بأسلوب واضح ، فعّال و مباشر ، المصالح الوطنية
المجردة للبلد الذي يطبّقها .
يتزايد باطراد عدد
أولئك الذين يتساءلون لماذا هذه المبادئ النبيلة المعلنة التي تعمل عليها بشكل
علني الأمم المتحدة و الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي و حتى منظمة الوحدة
الأفريقية ، و التي تُطًبَّق على ليبيا الديكتاتور معمر القذافي ، لا يوجد لها ما
يقابلها في حالة سوريا التي يحكمها أيضاً الديكتاتور بشار الأسد .
عند كتابة هذه
السطور كان الدخان ما يزال يتصاعد من خرائب مدينة جسر الشغور السورية المُجتاحة ،
و يتم تجميع الجثث الناجمة عن الهجوم الحكومي العنيف على الثائرين ، فيما يهرب
آلاف اللاجئين باتجاه الحدود مع تركيا . في ليبيا أفضى عمل مشابه إلى التدخل
العسكري ، بموافقة الأمم المتحدة . فلماذا لا يحدث شيء مشابه في سوريا ، حتى لو
كان بصفة التهديد فقط ؟
إن مفهوم السياسة
الواقعية يساعدنا في فهم ما يحدث . فمجلس الأمن التابع للأم المتحدة دعم الهجوم
على ليبيا مرتكزاً على مبادئ إنسانية واضحة و على طلب الثوار من أجل إقامة منطقة
حظر جوي تحميهم من الهجومات الجوية الحكومية . و الآن ، فإن المجلس نفسه منقسم بشأن
سوريا ، فإذا كانت فرنسا و المملكة المتحدة تقترحان إدانة صريحة لنظام الأسد , فإن
بلداناً أخرى مثل البرازيل ، و الصين ، و روسيا ، لا توافق على ذلك . كما أن
الجامعة العربية التي صادقت مُكرهةً على
التدخل الدولي في ليبيا ، لا تدعم شيئاً
مشابهاً في سوريا.
ما يحدث هو أن
سوريا هي ، على النقيض من ليبيا ، قوة إقليمية مهمة و مؤثرة. إضافة إلى ذلك ، فإن الديكتاتور
الأسد ما زال يحتفظ بتأييد قسم كبير من القطاعات الميسورة من المجتمع ، و سقوطه قد
يثير احتمال وقوع حرب أهلية ، لها آثار مخيفة على بلدان شديدة الحساسية ، مثل
لبنان أو إسرائيل ، حيث المنظمات الموالية لسوريا ، حزب الله و حماس ، يمكن أن
تخلق مشكلات جدية . من جانب آخر ، إن الروابط السورية مع إيران تفاقم بشكل متزايد
آثار حرب أهلية طويلة ، مثل تلك التي تعاني منها ليبيا حاليا .
تصر الدبلوماسية
الغربية على الشرح بأنه ، على العكس من ليبيا ، ما زالت لا توجد في سوريا صورة
واضحة عن النظام الذي يمكن أن يحل محل الرئيس المطاح به ، إذا حدث و أن وصل هذا
إلى مرحلة السقوط ، و ترى أن هناك احتمالات كبيرة بشكل خطير بأن المواجهات بين
الجماعات الاثنية و السياسية و الدينية المختلفة
، يمكن أن تغرِق البلاد في الفوضى .
و هكذا فإن حياة
السوري ، في السياسة الواقعية ، أقل قيمة بشكل واضح ، في نظر القوى الدولية العظمى
المحافِظة على النظام العالمي ، من حياة الليبي ، التي عُبِّئت من أجل حمايتها الموارد
العسكرية للغرب (مع أن ذلك تم بطريقة سيئة و في توقيت غير مناسب). في الموضع نفسه ،
أعني ، في الدرجة الدنيا من سلّم قيمة الأفراد توجد حياة الفلسطينين ، الذين لن
يكون بوسعهم فعل الكثير إذا تمكنوا من الدفاع عن أنفسهم وحيدين في مواجهة ما ينتظرهم
.
كما يستطيع القارئ
أن يتحقق ، فإن السياسة الواقعية ، عاريةً من الملحقات ، تُفهَم بشكل أفضل من تلك الأخرى ،
التي يُنادَى بها و تُعلًن مغلَّفةَ بأصوات مدوية و تطلعات نبيلة .
www.revistafusion.com/201106172127/Internacional/Tema/siria-y-la-realpolitik.htm