Wednesday 5 September 2012

سوريا، عقل اللامعقول



سوريا، عقل اللامعقول

خوسيه مانويل غارثيا مارغايو - وزير خارجية إسبانيا
صحيفة "لا راثون" الإسبانية

في كل الأسابيع نتلقى معلومات عن مأساة جديدة في سوريا. قبل بضعة أيام فقد ثلاثمائة مواطن سوري حياتهم في كبرى المجازر منذ أن بدأت الأزمة قبل ستة عشر شهراً.  المعارضون سارعوا إلى إدانة بشار الأسد، المتعنت في الاحتفاظ بالسلطة حتى ولو على حساب استنزاف بلده. من جانبه، أعلن النظام عن تطهيره المنطقة من بقايا الإرهابيين المرتزقة محتفظاً بسيطرته على دمشق وحلب. بين هذا وذاك، معاناة المواطنين في حي العمال في داريا. صور المقابر الجماعية وصلت إلى بلدنا مع رسالة استغاثة تبعث القشعريرة.
عادت إدانة إسبانيا وبلدان أخرى كثيرة لتسمع صوتها بصدى كبير. تحدثت بلدان الاتحاد الأوروبي بصوت واحد، وهو أمر مشجع، من وجهة نظر بناء سياسة مشتركة. الشيء نفسه حدث مع الغالبية العظمى للبلدان الأمريكية اللاتينية، بلدان الخليج، وبلدان المغرب العربي الكبير. في قمة البلدان غير المنحازة التي أقيمت في طهران، دان الرئيس الإسلامي الجديد لمصر، محمد مرسي، القمع الذي تقوم به الحكومة السورية، وهي حليف وثيق لطهران. قال مرسي: "الشعب السوري يناضل بشجاعة سعياً إلى الحرية والكرامة الإنسانية" وأضاف: "يجب علينا أن نكون واعين بشكل كامل إلى أن ما يحدث لن يتوقف ما لم نتصرف. أنا هنا لأعلن دعمنا الكامل لسوريا حرة ومستقلة عليها أن تبدأ في أسرع وقت ممكن عملية انتقال سياسي نحو نظام ديموقراطي يحترم إرادة الشعب وفي الوقت نفسه يحول دون أن تنزلق سوريا نحو حرب أهلية أو نحو مواجهات طائفية".
أتفق مع مرسي في أنَّ على المجتمع الدولي أنْ يتصرف بشكل عاجل. فمن أجل هذا تحديداً أنشئت مجموعة أصدقاء الشعب السوري، التي تضم أكثر من ثمانين بلداً، والتي شاركت إسبانيا في كل اجتماعاتها التي عُقدت في تونس واسطنبول وباريس. وفي نيسان| ابريل من العام الجاري دُعِيت إسبانيا للمرة الأولى لتشكل جزأً من "المجموعة الأساسية" المؤلفة من البلدان الأكثر فاعلية. إنه دليل آخر على أن إسبانيا عادت بقوة إلى المسرح الدولي. للأسف فإن هذه الجهود لم تستطع أن تدفع الأمم المتحدة للتحرك بشكل فعال. صحيح أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تبنّت في الثالث من آب| أغسطس، وبدعم هام من من 133 صوتاً، قراراً كانت إسبانيا راعياً مشاركاً له، يدين حكومة دمشق بسبب استعمالها الأسلحة الثقلية ضد شعبها. لكنَّ أقلية من البلدان (اثنا عشر بالتحديد) بقيت على دعمها للنظام وصوتت ضد الإدانة فيما امتنع واحد وثلاثون بلداً عن التصويت لأسباب مختلفة.
هذا الغياب للتوافق يكتسب أهمية حيوية في مجلس الأمن، حيث استخدمت روسيا والصين في مرات متكررة حقهما بالنقض من أجل وقف قرارات هادفة لزيادة الضغط على النظام السوري. في هذه الظروف، يبدو أمراً قليل الاحتمال أن يدعم المجلس إنشاء ممرات إنسانية آمنة أو ملاذات للجوء لاستقبال المدنيين الهاربين من الحرب، دع عنك إقامة منطقة حظر جوي، وهو أمر قد يتطلب اتخاذ إجراءات عسكرية قوية.
لقد انتهى وقت الأسـد، لم يعد يمكنه البقاء في السلطة ولا حتى دقيقة أخرى. عليه أن يفسح المجال أمام عملية انتقال سياسي. وإذا كان صحيحاً أن ضراوة الهجمات التي يقوم بها جيشه قد ازدادت فإن ضعف النظام يزداد أيضاً. الهجوم على قمة القيادة العسكرية في الثامن عشر من تموز| يوليو في دمشق، الذي أنهى حياة وزير الدفاع من بين آخرين، يعكس هذا الضعف. أضف إلى ذلك أن الانشقات، سواء أكانت في صفوف العسكريين أو بين قادة النظام أو السفراء أو كبار الموظفين، تتضاعف، حتى وإن لم تبلغ إلى الآن حد التصدع الكامل.
على المعارضة أن تستغل الأسابيع القادمة من أجل بناء توافق سياسي قادر على الحؤول دون أن يُتَرجَم سقوطُ النظام إلى فراغ في السلطة يمكن أن يُستغل من قِبل الجهاديين لزرع أنفسهم في البلد. ينبغي بناء توافق مفتوح على كل القوى السياسية في الداخل والخارج، باستثناء أولئك الذين لا يرفضون بشكل صريح العنف والإرهاب وسيلةً للوصول إلى أهدافهم السياسية. توافق قادر على ضمان وحدة أراضي البلاد والأقليات العرقية، بما فيها الأكراد، والأقليات الدينية، ومن ضمنها الميسيحيون. في الثاني والثالث من شهر آب| أغسطس الماضي حضر مائتا ممثل للمعارضة المؤتمر المنعقد في القاهرة بهدف السير في هذا الاتجاه، وإن بدون نجاح حتى اللحظة. في اليوم السابع والعشرين من الشهر نفسه، كان المجلس الوطني السوري يستكشف إمكانية تشكيل حكومة انتقالية يمكن إقامتها في بعض المناطق المحررة. في اليوم التالي صرح الرئيس فرانسوا أولاند أن فرنسا ستكون مستعدة للاعتراف بحكومة تمثيلية شاملة يمكن أن تتحول إلى محاور وحيد يمثل الشعب السوري. اعتراف سنناقشه في السادس من أيلول| سبتمبر الجاري في الاجتماع الذي سنعقده في قبرص نحن وزارء خارجية الاتحاد الأوروبي. لقد كانت إسبانيا فاعلة جداً على مدار الأزمة السورية. كنا البلد الأول الذي استدعى سفيره للتشاور في كانون الثاني| يناير الماضي. ألغينا نشاطات سفارتنا في دمشق في السادس من آذار| مارس، وأخيراً، بعد المذبحة المروعة في الحولة، طردنا سفير سوريا في إسبانيا في التاسع والعشرين من أيار| مايو.
ما يهم الآن هو المستقبل. لا يمكن استبعاد سيناريو حرب طويلة أو حتى بلقنة سوريا. وقد عبّر عن ذلك بوضوح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف: "بصرف النظر عن الرأي الذي يملكه كل واحد في النظام السوري، فإنه ليس من الواقعي التفكير في استسلام أحد الطرفين، بينما يستمر في القتال في الشوارع". في الوقت الراهن، كل الخيارات مطروحة. إسبانيا ستدعم تلك الخيارات التي تكون مجدية، في إطار الشرعية الدولية، في إنهاء العنف المسلح وإطلاق عملية سياسية اقتحامية ترضي تطلعات الشعب السوري، كما فعلنا نحن قبل خمسة وثلاثين عاماً من اليوم. بطبيعة الحال فإن ما لا يمكنه الانتظار هو المساعدة الإنسانية للمدنيين. فبعد ستة عشر شهراً من النزاع المسلح، وصل عدد الضحايا إلى عشرين ألفا، واللاجئون في البلدان المجاورة تجاوزوا الآن مائة وثمانين ألفاً، ويحتاج مليون ونصف مليون من الأشخاص إلى مساعدة إنسانية عاجلة. في آذار| مارس قدمت إسبانيا دفعة من أربعمائة ألف يورو، وُجهت أساساً إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بسبب وجودها في الداخل السوري حيث الاحتياجات العاجلة أكبر حجماً. وبالرغم من كل القيود على الميزانية، فإننا سنقوم بجهد جديد من أجل مساعدة السكان المدنيين في الداخل واللاجئين الذين يتم استقبالهم في البلدان المجاورة مثل الأردن، تركيا أو لبنان. إن التزامنا مع الشعب السوري مستمر، وسنواصل المساهمة في سبيل إنهاء الأزمة والانتقال نحو نظام تعددي وديموقراطي يتسع لكل حساسيات التنوع الرائع الذي يثري الروح الألفية لهذا البلد.






http://www.larazon.es/noticia/8603-siria-la-razon-de-una-sinrazon-por-jose-manuel-garcia-margallo

No comments:

Post a Comment