Wednesday 16 January 2013

ثقة الأسـد مفهومة




ثقة الأسـد مفهومة

ماريو لابورييه إيغليسياس - مجلة اتينيا الإسبانية


في الأسابيع الأخيرة بُنِيَتْ آمال حول إمكانية التوصل لحل ينهي الحرب الأهلية في سوريا. من المعلوم أنه من دون الدعم من روسيا ومن حزب الله سيكون موقف النظام الذي يقوده بشار الأسد غير قابل للدفاع عنه. ولهذا فقد بدا أن تصريحات كبار المسؤولين في روسيا وزعيم ميليشيا حزب الله الشيعية اللبنانية لصالح الشروع في عملية تفاوض تشير إلى أن شيئاً ما كان يتحرك في الاتجاه الصحيح.

رغم ذلك، فإن هذه الآمال قد تبخَّرت فجأةً بعد الخطاب الذي ألقاه الأسـد في السادس من كانون الثاني| يناير. فأمام حضور من المخلصين المتحمسين، أكد الرئيس السوري أنه مستعد للحوار، لكن فقط مع أولئك "الذين لم يخونوا سوريا"، الأمر الذي يترتب عليه الإقصاء الفوري لكل المعارضة المسلحة. وبنبرة متحدية، قدم الأسـد خطة لحل سياسي للحرب التي تعصف بسـوريا. هذا الحل سيمر عبر ثلاث مراحل: الأولى: تلتزم البلدان الأجنبية بالتخلي عن التمويل والتزويد بالأسلحة وتوفير الملجأ للعناصر المسلحة. الثانية: تدعو الحكومة لمؤتمر حوار وطني بهدف صياغة دستور جديد يخضع لاحقاً للاستفتاء. الثالثة: تُشكل حكومة جديدة ويُعلن عفو عام.

كان هذا هو الظهور العلني الأول للأسـد منذ أن منح في شهر تشرين الثاني| نوفمبر الماضي مقابلة لقناة تلفزيونية روسية أكد فيها أنه "سيعيش ويموت" في سـوريا. تلك المداخلة المتلفزة وخطاب الأحد الماضي يؤشران إلى أن الأسـد، بعد عامين تقريباً من الثورة، مازال يثق في أن الحرب في سوريا ستصب في صالحه. السؤال الذي يُطرح هو إذا ما كانت هذه الثقة ثمرة للعيش غريباً عن واقع بلده، كما تتبنى ذلك المعارضة السورية وقسم كبير من المجتمع الدولي، أو أن لها، على العكس من ذلك، أساساً ما.

 كما كان متوقعاً، مع مرور الشهور، فإن المجموعات المسلحة المعارضة للحكومة اكتسبت مزيداً من القوة بفضل السلاح المستلم من ملكيات الخليج السُنية وهم الأعداء المعلنون لنظام الأسـد. وهكذا، تمكن الجيش السوري الحر من الاستيلاء على مناطق واسعة من البلاد على طول الحدود مع تركيا، وأحياء محددة في دمشق، علاوة على مهاجمته لِبُنىً تحتية استراتيجية حيوية كحقول البترول، والمطارات، أو القواعد العسكرية.

بالرغم من ذلك، أخذت القوات النظامية والميليشيات الموالية للأسد تتكيف في انتشارها وتكتيكاتها بغية التصدي لقوات المعارضين. مازال النظام يسيطر على المدن الكبرى والطرق الرئيسية باتجاه الساحل، في الوقت نفسه الذي يستخدم فيه تفوقه الكاسح في القوة النارية لتدمير المناطق في أيدي الثوار. القوة الجوية والمدفعية، بما فيها استخدام صواريخ سكود -والفاتح A 110 ربما، الصاروخ ذو المصدر الإيراني الذي يبلغ مداه ثلاثمائة كيلومتر والأكثر دقة بكثير من صواريخ سكود- تضرب ليس فقط مواقع المجموعات المسلحة وإنما أيضاً المنشآت المدنية، كمحطات الوقود والمخابز، بهدف المفاقمة من نقص الوقود والغذاء في تلك المناطق. ينبغي ألا ننسى أيضاً أن النظام مازال يمتلك، كملجأْ أخير، ترسانة من الأسلحة الكيميائية -البرنامج السوري لهذا النوع من الأسلحة يتضمن غاز الخردل، السارين، العامل VX  والتابون-. رغم تحذير الولايات المتحدة من أن استخدام هذه الأسلحة يشكل "خطاً أحمر"، فلا يمكن استبعاد أي خيار إذا بدأ نظام الأسد في الانهيار، وإلا فسيعتبر نفسه آمناً من عمليات انتقامية. بعض وسائل الإعلام العالمية أشارت إلى قيام القوات السورية، في أيام ماضية، بخلط المواد الكيميائية لغاز السارين وأنها كانت تقوم بـتعبئة قنابل من زنة خمسمائة رطل لتحميلها لاحقاً على الطائرات المقاتلة.

كل ذلك يبدو أنه يشير إلى أن الوضع في ساحة المعركة يميل للاستقرار، وأن تدخلاً عسكرياً خارجياً فقط يمكن أن يطيح بالنظام السوري. لكن هذا الاحتمال يبدو أكثر بعداً من أي وقت مضى. فموسكو وبكين ترفضان بشكل كلي أي تحرك مسلح يهدف إلى تحقيق تغيير في النظام. في بعض التصريحات الحديثة التي أدلى بها إلى وكالة انترفاكس أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: "سنستمر في معارضة المحاولات لشرعنة عملية تغيير النظام تحت راية "مسؤولية الحماية"، ونؤيد حل المشكلات  بالوسائل السياسية الديبلوماسية مع احترام السيادة، وسلامة الأراضي، والمساواة بين جميع الأمم".

أضف إلى ذلك، أن تجذر النزاع، ووصول مقاتلين أجانب من ذوي الايديولوجيا الجهادية للقتال إلى جانب الثوار، جعل الولايات المتحدة، مع البلدان العربية المناوئة للأسد، تعيد النظر في الاستراتيجية الواجب اتباعها. في هذه البلدان يوجد قلق كبير من أن يوفر سقوط النظام السوري فرصة مثلى للقاعدة لإنشاء "فرع" آخر لها في سـوريا، ومن وقوع الأسلحة الكيميائية في أيديها، على وجه الخصوص. في أواخر كانون الأول| ديسمبر أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية جبهة النصرة -واحدة من أكثر المجموعات الجهادية نشاطاً في سوريا- كواحدة من المنظمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة في العراق.

والحال هكذا، يبدو أن العمل الديبلوماسي الذي قام به الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية قد حقق تقارباً في المواقف بين واشنطن وموسكو، لا يتضمن، كشرط للبدء في محادثات سلام بين الأطراف، الانسحاب الفوري للأسـد من المشهد السياسي. هذا التوجه الجديد في الموقف الدولي ستبرهن عليه الشكاوى المتزايدة لعناصر الجيش السوري الحر من توقف وصول المساعدة الخارجية، العسكرية منها والاقتصادية على حد سواء.

وأخيراً، يبدو أن التطورات التي تشهدها الحرب في سوريا تقدم الحجج التي تسوِّغ ثقة الأسـد بقدرته على البقاء في السلطة. وفي كل الأحوال، تتزايد الحاجة الملحة أكثر فأكثر إلى فتح قنوات للتفاوض للحيلولة دون استمرار سوريا –بكلمات الإبراهيمي- في الانزلاق نحو الجحيم.


















http://www.revistatenea.es/RevistaAtenea/REVISTA/articulos/GestionNoticias_11586_ESP.asp

No comments:

Post a Comment