Wednesday 3 September 2014

في أي قرن نعيش؟




في أي قرن نعيش؟

خوان غويتيسولو- صحيفة الباييس الإسبانية


إلى أي مدى سوف تصل همجية الكلبية السياسية والتعصب الديني اللذين يؤديان إلى هروب مئات الآلاف من الأشخاص للنجاة بأرواحهم من القصف والتهديد بالإبادة؟
انتصار الأسد الاستراتيجي عند التخلي عن مخزونات أسلحته الكيميائية الزائدة عن اللزوم ومتابعة الدك بلا رحمة بالمدفعية والبراميل المحملة بالمتفجرات في المناطق التي ما تزال تحت سيطرة من ثاروا في عام 2011 على انتهاكات ديكتاتوريته يُظْهِرُ أن هدفه بالقضاء على هؤلاء، المنقسمين إلى مجموعات صغيرة على خلاف فيما بين بعضها البعض وغير القادرة على تقديم بديل سياسي موثوق، قد نُفِّذَ طبقاً لخططه: اختزال الصراع إلى مواجهة بين من هم معه وبين إرهابيي أمس من القاعدة وإرهابيي اليوم من الدولة الإسلامية في العراق والشام. بكلمات أخرى، وضع الولايات المتحدة وحلفائها بمواجهة الاختيار بين السيء والأسوأ.
كنتُ قد انتويت عدم كتابة المزيد حول إخفاق المجتمعات العربية المضطهدة في توجيه توقها للمزيد من الحرية والعدالة نحو خارطة طريق ديموقراطية تفرق بين المجال الديني والسياسي، لكن ظهور الخلافة الإسلامية المعلن عنها في الموصل يُدخِل عنصراً جديداً ومميتاً في الحروب الطائفية التي تدمي اليوم الدول التي أُنشِئت في نهاية الحرب العالمية الأولى على أنقاض الامبراطورية العثمانية في اتفاقات سايكس-بيكو.
عرض العودة إلى القرن السابع كمثال سياسي أعلى في كل ميادين المجتمع هو جنون خالص، لكن هذا، كما نعلم، تنتقل عدواه بسهولة والدليل على ذلك هم الثلاثة آلاف جهادي أوروبي المنضوين تحت الراية السوداء لتنظيم الدولة الإسلامية. المواعظ الملتهبة للخليفة المنصب ذاتياً لا يمكن النظر إليها باستخفاف. احتلال مناطق واسعة من سـوريا والعراق، بعد حمله جيش بغداد المنهار معنوياً على الهرب وتطويقه وترويعه لمعاقل الجيش السوري الحر، يظهر أن التهديد حقيقي. وتفسخ مجتمعات الشام وبلاد الرافدين بسبب الصراعات الطائفية في هذه النسخة الجديدة من حرب الثلاثين عاماً -أو المائة؟- يستميل أسوأ حالات التطرف. تستفيد اليوتوبيا الرجعية من قيمة الرموز واتساع مدى التكنولوجيات الجديدة. فقطع رأس الصحفي الأمريكي جيمس فولي أمام الكاميرا، الذي يستنسخ عملية قطع رأس دانييل بيرل من قِبَل القاعدة في باكستان، يحتوي عَمْدَاً على كل عناصر أفلام الرعب: القناع، السكِّين، اعترافات الضحية قبل الإعدام المُخرَج جيداً.
بعد الاستيلاء على الموصل بدون قتال، صار في حوزة تنظيم الدولة الإسلامية أسلحة فعالة وأموال جاءت من نهب المصرف المركزي العراقي، وهو يطبق بشكل حرفي برنامجه المسكوني القروسطي. المسيحيون مجبرون على الاختيار بين التحول (إلى الإسلام) أو مصادرة أموالهم وفي بعض الأحيان الموت. إعدام مئات منهم والحكم بالعبودية على نسائهم هو تحديث مريع لقوانين الحرب القديمة عند البدو في الفترة قبل مجيء النبي (محمد). إن جرائم الأسـد ضد الإنسانية والقمع العنيف للسُنَّة عبر أفعال المالكي المشؤومة هي حجتهم الفضلى. والتعايش القديم بين الأديان في إطار سياسي مشترك يتراجع أمام الكراهية والدمار والموت. ربما يكون المثال الأكثر قسوة على ذلك هو الخاص بالايزيديين. لقد تعرفتُ قبل أعوام على واحد من أعضاء هذه الملة وقد لفتت انتباهي بقوة تحولاتُ مجتمعهم على مدى القرون. مجموع أساطيرهم، طقوسهم، محرماتهم، تختلف عن المسلمين والمسيحيين وتتلاقى مع الديانة الزرادشتية القديمة.
الآن يهربون مشتتين عبر شمال شرق سـوريا وكردستان وسط لا مبالاة عامة. صفحة من التاريخ الإنساني (أو اللا إنساني) تتعرض لخطر الاختفاء معهم: مع أولئك اللاجئين الذين انقطعت بهم السبل في جبل سنجار الصخري الذين تلقي عليهم المروحيات الأمريكية برحمة رزم الأغذية وقناني المياه.
من يعش ير: في أي قرن نعيش؟






http://internacional.elpais.com/internacional/2014/08/27/actualidad/1409157427_190163.html

No comments:

Post a Comment