Saturday 30 August 2014

أصوات المنفى السوري




أصوات المنفى السوري

إيبان اِم. غارثيا** – صحيفة الباييس الإسبانية


بعلبك- لبنان: عثر سيف في إحدى الليالي على دمية دب متسخة مرمية في زاوية من زوايا حي الجليل (بعلبك، لبنان)، المخيم الفلسطيني القديم المقام في موقع بعض المهاجع العسكرية. "التقطتُها وغسلناها أنا وزوجتي مرة بعد أخرى، بينما كان الأطفال نياماً"، يحكي الرجل. في اليوم التالي كان عيد ميلاد صغيرته. "استيقظتْ وأعطيناها اللعبة. أول ما سألتْه كان عن الفئة التي كانت تقاتل الدمية إلى جانبها في سـوريا".

سيف وزوجته وأولاده الثلاثة هم لاجئون سوريون من أصول فلسطينية يعيشون في إحدى غرف مساكن الثكنة القديمة منذ أن هربوا من بلدهم بسبب الحرب الأهلية التي تعصف به منذ ثلاثة أعوام. الرجل، البدين، ذو الإيماءات اللطيفة، يدعوني للدخول إلى منزله. الحيِّز الصغير بعد الباب تشغله غسالة وثلاجة، كلتاهما لا تعملان، لكنهم يستخدمونهما كخزانة. هنالك أيضاً قِدْر معدني، صفيحتان من الماء ومصفاة فيها خضار غسلت للتو.

المسكن هو في الحقيقة غرفة رطبة بنافذة وحيدة وباب إلى الخارج يبقى مغلقاً. المفارش تغطي كل الأرض تقريباً وتقوم بدور السرير والأريكة ومكان لتناول الطعام. توجد خزانة قديمة في أحد الأطراف، ليس لها أدراج ولاتتسع لكامل الثياب، ولهذا تتدلى من العوارض الخشبية في السقف السراويل والقمصان والقمصان الداخلية.

"في دمشق كنت أعمل في إحدى شركات النفظ. كنا نعيش بشكل جيد. لكني هنا أبحث عن عمل منذ وصولي ولا أجد شيئاً. فقط أحتاج إلى ثلاثة دولارات في اليوم لكي نستطيع العيش بشكل أفضل قليلاً"، يغمغم الأب بينما يبحث متلمساً علبة سجائره على السجادة. بجانب هذه توجد منفضة سجائر مليئة بأعقاب السجائر والرماد وعدة أكواب شاي ممتلئة إلى آخرها لم يشرب منها أحد بعد.

"أولادي يطلبون النقود دائماً من أجل التحدث مع أصدقائهم في سـوريا. ليس لدي ما أعطيه لهم. هناك أيام يقولون لي فيها "بابا، اليوم لا نأكل، لكن أعطنا بعض النقود من أجل الاتصال بدمشق،... لا أدري ماذا أفعل"، يتأسف الرجل بينما يهز برأسه. "زوجتى تتناول بعض أقراص الأدوية لأنها تعاني من انهيار عصبي. في الليل تمثل أنها نائمة، لكنني أسمعها وهي تبكي".

الدعم الدولي ضرروي من أجل أن تستطيع بلدان مثل لبنان، الذي يستقبل 1,1 مليون من اللاجئين من بين أكثر من 2,9 مليون من الأشخاص الذين فروا من سـوريا، ضمان العمل والخدمات الاجتماعية الأساسية للسكان المنفيين.

أغان فلسطينية من أجل قطة صماء

سوسن، من أصول فلسطينية، مضى عليها عام وهي تعيش في منطقة وادي الزينة، بيروت. إنها منطقة من المساكن المنخفضة، بجدران متقشرة وشرفات على مستوى الشارع تقريباً. وهي تقع في منحدر ينتهي عند شاطىء تصطف عليه مطاعم الوجبات الخفيفة  والبيوت الصيفية. في الطريق إلى منزلها يوجد مسجد. إنه المسجد القديم في الحي، الذي يستقبل حالياً خمس أسر.

المرأة (سوسن) تعيش مع زوجها وأولادهم الثلاثة -فتاتان مراهقتان وصبي- في محل تجاري فارغ استأجروه بعد وصولهم بقليل. الثياب المغسولة لتوها معلقة خارج المحل، على حبل يمتد من شجرة إلى الواجهة الزجاجية للمحل. بجانب الغسيل توجد طاولة وكرسي بلاستيكي. "هذه هي غرفة الضيوف"، تمزح المرأة.

الإيجار هو 150 دولاراً في الشهر. "ذلك ما كانت تكلفنا العناية بهذا القط في سوريا!"، تصيح المرأة مشيرة إلى الحيوان الذي تؤكد أنه أصم. "لذلك ليس له اسم"، تمزح مرة أخرى. الدفعة الشهرية تسمح لهم بالسكن في مساحة من عشرين متراً مربعاً كان عليهم أن يفصلوا المطبخ -المؤلف من جرة غاز وخزانة صغيرة مع أكواب وصحون- عن بقية المكان بأقمشة متدلية من السقف. "لا توجد مياه صالحة للشرب، ولذلك علينا أن نقوم بغليها من أجل الطبخ. وكذلك لا يوجد حمام، ركَّبنا شيئاً شبيهاً بالمرحاض هنا في الخارج"، تشرح سوسن من غير أن تفقد الابتسامة.

لم ينظم لبنان مخيمات للاجئين كما فعل بعد النزوح الجماعي الفلسطيني في 1948. وهكذا، أصبح 1,1 مليون من السوريين يعيشون في معظمهم في مدن صفيح بالمدن الكبرى. هذه الحال أدت إلى ارتفاع الإيجارات حتى 400 بالمائة. ارتفعت أيضاً أسعار المواد الغذائية بسبب وجود طلب أكثر من العرض. وبالطبع، يزداد خطر انتشار الأمراض الناشئة عن غياب المياه الصالحة للشرب ونقص العناية الصحية، ذلك أن الخدمات العامة اللبنانية واصلة إلى حد الإشباع.

الجزء الأسوأ يتحمله الصغار. "لا نستطيع إرسالهم إلى المدارس، النقل وحده يكلف مائة دولار في الشهر"، تقر سوسن. التعليم، المجاني في سوريا، يعني في لبنان إنفاقاً صعب المنال بالنسبة لكثير من عائلات اللاجئين. من جانب آخر، الاختلاف في البرامج الدراسية وحقيقة أنها في لبنان تُقدَّم بالانكليزية والفرنسية وليس بالعربية فحسب، كما في سوريا، لا يساعدان على اندماج الأطفال والمراهقين.

"لم أفكر قط في حياتي أنني سأنتهي إلى العيش في محل تجاري"، تقول نادية، البنت البكر، التي كانت تَدرُس الموسيقا في دمشق. "أعزف على عدة آلات، لكنني هنا أمضي اليوم في المحل (المسكن). أحياناً أخرج مع والدتي لكن، الحقيقة، لا يوجد الكثير لنفعله هنا. في أيام أخرى أذهب إلى البحر، لكنني أعود في الحال"، تضيف الشابة، التي تريد أن تصبح صحفية من أجل "رواية هذه القصة يوماً ما".

نادية وشقيقتها تبقيان مستندتين إلى واجهة المحل الزجاجية كتفاً إلى كتف. تتهامسان بشيء ما وتبدآن بالغناء. إنها أغنية فلسطينية تقليدية كلماتها تتحدث عن شعب بلا أرض وفي صراع أبدي. إحدى كلماتها تقول: "أمَّاه، لن نستسلم؛ برغم الجراح والمحن لن نتخلى عن حقنا الإنساني".





** مسؤول إعلامي في منظمة أوكسفام العالمية.






http://elpais.com/elpais/2014/07/09/planeta_futuro/1404906118_900343.html

No comments:

Post a Comment