مقالة افتتاحية في صحيفة ال باييس الاسبانية – 22 – 6 - 2011
الأسد المخادع
القمع المتمادي للنظام السوري يحوِّل وعوده الإصلاحية إلى مهزلة
أنحى الأسد باللائمة
من جديد – منهياً شهرين من الصمت – على المخربين و المتآمرين الدوليين و المتطرفين
الإسلاميين في الثورة الشعبية التي تضيِّق عليه الخناق بشكل متزايد منذ
آذار|مارس الماضي . و كما هي العادة ، عاود الطاغية السوري اللجوء إلى وعود إصلاحية
غامضة و الإعلان عن عفو جديد ، هو الثاني في غضون ثلاثة أسابيع ، في محاولة جديدة
لتهدئة الاحتجاجات المستمرة لشعب يدفع ثمناً باهظاً من أجل إنهاء 40 عاماً من
الحكم الشمولي العائلي .
لقد قدّم القليل و
لكنه تأخر كثيرا . فالرئيس السوري بعزلته المتزايدة ، بالرغم من مظاهرات المؤيدين الممولة
من قبل حزب البعث ، يفتقر في هذا الوقت
إلى أية مصداقية ، داخل و خارج بلده ، ما عدا الحاشية العائلية التي تسيطر على
الجيش ، و الأمن ، و الأعمال في سوريا . لا يمكن أن يكون الأمر على نحو مختلف
عندما يحصد القمع المتمادي ، الذي يتبع كل وعد إصلاحي – (ستة قتلى على الأقل سقطوا
بالأمس ) – حوالى ألف و خمسمائة حياة بريئة منذ آذار|مارس ، و عندما تكتظ السجون ،
و يفر اللاجئون نحو تركيا ، الحليفة المحبطة التي كانت إلى عهد قريب تحث دمشق ، بينما
تستعجلها حالياً ، لإحداث إصلاحات جذرية و حاسمة .
متشبثاً بالسلطة بصورة عمياء ، فإن الاسد الذي يتولى
مسؤولية مجتمع ممزق و بلد مخرّب ، لم يفهم جيداً حجم الأزمة و التغيير الحاصل في
العالم العربي . و الخطأ في الحسابات يمتد إلى قلعته الخاصة المتمثلة في كونه لاعباً
إقليمياً لا غنى عنه في الوضع الراهن في الشرق الأدنى .
الثورة السورية ، التي اعتقد عتاة النظام أنهم
يستطيعون تصفيتها في أسابيع قليلة ، تتقدم باتجاه شهرها الرابع ، تغذيها الدماء
المسفوحة . أما وحشية فرق النخبة العسكرية و قوات الأمن ، تحت القيادة المباشرة
لأفراد العائلة الحاكمة العلوية ، و قصف المدن ، و القناصة ، و التعذيب العشوائي ،
فقد قوَّت أكثر مما أضعفت المعارضة المتسعة ، و أولئك الذين في الغالبية السنية الساحقة، يخاطرون بحياتهم من
أجل الحصول على كرامتهم المستحقَّة التي أُنْكِرَتْ عليهم خلال أجيال من قِبَلِ الديكتاتورية
الشاملة .
لا الولايات
المتحدة و لا أوروبا و لا مجلس الأمن ، بخطابهم الانشائي و عقوباتهم الرمزية ،
ارتقوا إلى مستوى الحدث في الانتفاضة الأكثر دموية و الأقل تكافؤاً في العالم
العربي . إن وسائل الضغط الحاسمة يجب أن تحل ، دون إبطاء ، محل النفاق المتجسد في الاستمرار
بانتظار معجزة تحوُّلِ و توبة الديكتاتور . المواطنون السوريون لديهم الحق في الأمل
بذلك.
No comments:
Post a Comment