Wednesday 18 April 2012

ماذا حدث لأبطال حِمص المجهولين؟


ماذا حدث لأبطال حِمص المجهولين؟

مئات المواطنين يخاطرون بأرواحهم من أجل تموين معقل الثورة السورية، وتسجيل وبث صور القمع، وحماية المطاردين من قبل نظام الأسـد


مايتي كاراسكو – صحيفة الباييس الإسبانية – 3 – 3 - 2012

في تلك الشقة كان الهاتف يرن من دون توقف. كان الوحيد الذي يعمل في كل بابا عمرو، خط كان حوالى عشرين من الناشطين السوريين يروون ، من خلاله،  ما كان يجري أثناء الحصار الطويل الدامي لذلك الحي الحمصي، الذي تحتله الآن قوات بشار الأسـد. أولئك الذين يتحدثون الانكليزية كانوا يُعنَون بوسائل الإعلام الغربية أربعاً وعشرين ساعة في اليوم بدون استراحة. "نحن بشر، نحن نموت هنا بدون أن يفعل أحد شيئاً" كان دانييل يصرخ على سماعة الهاتف بعينين وَسِنتين وخوف كامن في النفس. فالقنابل تتساقط بدون انقطاع، أكثر من خمسمائة قذيفة هاون في اليوم. "من الأفضل عدم التفكير والاستمرار في العمل، حتى إنني لم أعد أسمع صوت القذائف" يقول ذلك بينما يغلق الخط، باحثاً عن مكان فارغ مستحيل من أجل الانحناء والنوم قليلاً إلى أن يحين موعد المكالمة التالية.
لم يتأخر جيش النظام في تحديد مواقعهم. قُصِف البناء، وقُتلت الصحافية ماري كولفين والمصور ريمي اوشليك في الهجوم، لكن المجموعة كانت قد خسرت السوري رامي السيد، وهو واحد من هؤلاء الأبطال المجهولين، ذو الاسم المستعار على الشبكة، الذين تحولوا إلى مراسلين حربيين طارئين، وكانوا يخرجون إلى الشوارع، المليئة بالقناصة، يتجنبون الموت، من أجل تصوير وبث أشرطتهم المفعمة بالواقع. "ياشباب، لا تصوروا مشاهد شديدة القسوة، فهنا لا يمكن عرض مشاهد الجثث الممزقة"، كان يمكن الاستماع إلى إحدى القنوات التلفزيونية الأمريكية وهي تطلب ذلك منهم عبر "سكايب". كانوا يرافقون، بشجاعة، الصحفيين الأجانب، يجوبون المدينة في سيارات مسرعة، متوقفين عند الزوايا الخطرة. "انظر! هؤلاء هم الجنود، صوِّر، صوِّر" كان السائق يصرخ. في المستشفى صوروا حتى كيف كان يتم علاج واحد منهم تعرض للإصابة، خالد أبو صلاح، الذي أصبح شهيراً على كل الشاشات العربية.
كانوا واعين بأنهم محاصرون، مثل بقية السكان المدنيين." لدينا خطة في حال دخول قوات الأسد" كان أبو حنين يؤكد حينذاك بكثيرمن الطمأنينة. إنه والد شاب يعيل أسرة، وكان في مقدمة أولئك "الكاميكازي" الانتحاريين، وهو الآن في مكان مجهول. لم يكن هناك مهرب من الحي، المحاصر بمئات من الجنود الذين كانوا يطلقون النار بقصد القتل، وحيث أصبح النظام حراً الآن في البحث من بيت إلى آخر عن كل المعارضين. في بداية شباط| فبراير كان يوجد مدخل سري، ممر خطر كان يمكن من خلاله نقل حزم كبيرة أو عدد كبير من الأشخاص، رغم أن هذا الطريق تعرض للقصف من مدفعية النظام حوالى اليوم العاشر من شباط| فبراير. وقد نتج عن ذلك حصار أربعة صحفيين أجانب في بابا عمرو الأسبوع الماضي، من بينهم جرحى، والمراسل الإسباني خابيير اسبينوسا الذي كان عليه عبور الطوق العسكري الحديدي الذي كان يخنق المنطقة.
مثل هذه المجموعة من الأبطال، يوجد آخرون كثيرون من أعضاء المقاومة مازالوا يعملون يومياً في مناطق أخرى من سوريا كحلب وحماة وإدلب واللاذقية، أو القصير. يعانون من انقطاعات مستمرة للكهرباء، بدون خطوط هاتفية، ولا وسائل للنقل الإعلامي، يكافحون للحصول على بضع دقائق من الانترنت من أجل تحميل صور المظاهرات اليومية، والجرحى، والجنازات، على يوتيوب. "لدي أكثر من ثلاثمائة شريط  في مخبأٍ سري. نضع على الموتى مُلصقاً يُقرأ عليه مكان وتاريخ الولادة ونصوره، لأن أحداً ما سيراه في المستقبل وسيمكنه التحقق من صحة كل ما يحدث الآن"، يشرح مأمون، الذي حفر قبره الخاص في المقبرة. "أنا واحد من أكثر المطلوبين من قِبل السلطات" يقول مبتسماً مع الرضا والتسليم. قبل شهرين فقد واحداً من أفضل أصدقائه، فرزاد، بعد أن قبض عليه الشبيحة وقتلوه. جثته ظهرت بعينين مقتلعتين، كعبرةٍ لكل الشهود الذي يريدون أن يروا ويرووا ما يحدث الآن في سوريا.
ليسوا وحيدين، إنهم جزء من شبكة منظمة تعمل بالتنسيق مع الجيش الحر، الذي يؤمن   الرحلات على الطرقات ويواكب بالحراسة السيارات التي تنقل المؤن والأدوية والأغذية، أو تخلي الجرحى باتجاه لبنان، وكثيراً ما يتعرضون للهجوم من قبل قوات النظام بينما يقومون بتنفيذ المهام الموكلة إليهم. "أنا أقوم بكل شيء، من صناعة القنابل، حتى "جليسة أطفال" للمراسلين الصحفيين" يمزح أبو خالد، العنصر في الجيش الحر. "هدفي الآن هو أن تكونوا آمنين وأن تقوموا بتصوير هذا البلد" يستمر في الشرح. من الحدود حتى حمص، كثيرة هي البيوت التي تستقبل فيها عائلات بكاملها حزمَ المساعدات الإنسانية، واللاجئين الهاربين، والناشطين المطاردين، وأعضاء المقاومة في طريقهم إلى الخارج من أجل جمع التبرعات، أو الصحفيين الأجانب، في عملية  مستترة غير معفاة من مخاطر عظيمة.
في واحدة من هذه المنازل الملاجىء، ترتجف يدا مريم، المدرِّسة ذات الأربعين عاماً، عند تقديم الشاي. "هنا في هذه القرية الجيش الحر غير موجود والشبيحة قد يأتون في أية لحظة" تعلِّق بتوتر واضح أمام المصور التلفزيوني الإسباني روبرتو فرايلي والمصور الفوتوغرافي الإيطالي اليسيو رومينزي، وهما في طريقهما إلى بابا عمرو. كل هؤلاء يستمرون في القيام بمسؤولياتهم إلى اليوم، حتى بعدما غادر الجيش السوري الحر الحيَّ لأسباب تكتيكية. إنها منطقة كانت قد سقطت ثلاث مرات سابقة في أيدي قوات الأسـد وتمت استعادتها في مرتين أخريين، حسب الناشطين السوريين.
رغم تقدم قوات الأسـد "نعلم أننا نتعرض للخطر وأن الثورة ستكون طويلة ومكلفة. لكننا مستعدون لدفع الثمن" يؤكد كاسر، قائد المقاومة السياسية في القُصَير، رجل يتوسط يومياً     من أجل أن لا يشتعل فتيل العنف الديني في مدينته، حيث العلويون والمسيحيون والسُنة يتعايشون بانسجام في المنطقة تحت سيطرة الثوار." كنا نتظاهر سلمياً حتى أيلول| سبتمبر ولم نحصل منهم إلا على إطلاق النار والسجن والقتل. في النهاية، تشكَّل جيش يحمي السكان المدنيين، ليس لدينا مخرج آخر" يستمر شارحاً. عندما توشك الانتفاضة على إكمال عامها الأول "ليس هناك عودة للوراء. سنستمر في الكفاح لأننا نعلم أن النظام لن يرحمنا".




http://internacional.elpais.com/internacional/2012/03/03/actualidad/1330811557_075761.html

No comments:

Post a Comment