Tuesday 12 March 2013

"لا مكان لنا في هذا العالم"





"لا مكان لنا في هذا العالم"

أوسكار غوتييرث – صحيفة الباييس الإسبانية


مخيم الزعتري (الأردن)- هِبة ليست رقماً. عيناها، الخضراوان والكبيرتان، مدهشتان كما لو كانتا من رواية. لكن هبة حقيقة، هي صغيرة، ونحيفة، بشرتها ذات لون زيتوني، وابتسامتها غير مسيطر عليها جرّاء الخجل. هبة في الثانية عشرة من عمرها وتريد أن تصبح معلمةً للرياضيات. هبة من درعا، مهد الثورة الشعبية ضد نظام بشار الأسـد التي بدأت في الشوارع قبل عامين وصارت بعد عدة شهور حرباً أهلية وطائفية ضارية. دفع السلاح حتى الآن بمليون سوري إلى عبور الحدود، هبة واحدة من هذا المليون. لكن هبة ليست رقماً، إنها حقيقة، هي، ووالدتها، ووالدها، وخمسة أقرباء آخرين، يعيشون في مخيم الزعتري الأردني، على بعد خمسة عشر كيلومتراً من الحدود مع سوريا.

إنها الساعة التي تدخل فيها هبة إلى واحد من الصفوف المفتوحة في المدرسة الوحيدة القائمة في الزعتري، حيث يعيش مائة ألف لاجىء. قد لا تفهم ما يعلنه هذا السيد ذو البطاقة على صدره. "لقد وصل العدد إلى مليون لاجىء"، يخبرنا عند مدخل المخيم أندرو هاربر، المسؤول في الأردن عن وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ANCUR. مليون من السوريين الذين فروا باتجاه الأردن، لبنان، تركيا، العراق وشمال أفريقيا. الجار الجنوبي، الأردن، له النصيب الأكبر بثلاثمائة وعشرين ألف لاجىء، حسب الوكالة الدولية ANCUR. وبعده يأتي لبنان (317229)، تركيا (184513) والعراق (100222). أرقام لا تسمح للوهلة الأولى برؤية العمق: موجة اللاجئين فاقت قدرات الاستقبال عند الدول المجاورة. والأموال تنفد. المزيد من الأرقام: الزعتري وحده يكلف الأمم المتحدة ووكالاتها مليون دولار يومياً.

إنها التاسعة والنصف صباحاً. تصل حافلة صغيرة تحمل لاجئين جدداً. ليسوا كثيرين، نساء وأطفال بشكل رئيسي –يشكلون خمسة وسبعين بالمائة من القاطنين في الزعتري-؛ الرجال صامدون في سوريا. تنتظرهم خيمتان بلون الخاكي، حيث يتلقون المساعدة الأولى. ينزلون متاعهم: أكياس تحوي مقتنياتهم، علب طعام،.... يرتاحون أخيرأ. الأرقام لا ترتاح: خلال الأيام العشرة الأخيرة، عبر حوالي ثلاثة آلاف لاجىء سوري الحدود السورية- الأردنية كل ليلة. في تشرين الثاني| نوفمبر الماضي، كان هذا الرقم يراوح حول سبعمائة. "أزمة اللاجئين السورين ليست عادية"، يقول هاربر. "والمزيد من الناس سيواصلون العبور؛ في سوريا بقيت أماكن قليلة آمنة". والمخيم؟ هل هو آمن؟ "هناك أخطار دائماً"، يواصل هاربر كلامه. "السكان المدنيون القادمون ضعفاء، لكننا سنواصل مساعدة من يحتاج المساعدة".

فاطمة، سبعة وأربعون عاماً، هربت من أحد الأماكن التي كانت تبدو آمنة فعلاً ، دمشق. فعلت ذلك قبل أربعين يوماً، صحبة زوجها وخمسة أبناء. لكنها خلفت وراءها شيئاً يحملها على البكاء: ابنها البكر، ذا الثمانية عشر عاماً، المنضوي حالياً في صفوف الثوار. ماذا تشعرين؟ "أشعر"، تقول فاطمة مكتوفة اليدين، "أنه لا يوجد مكان لنا في هذا العالم". كل ثلاثة أيام، تروي لنا بينما الصغار يدوسون التربة البيضاء في الزعتري، يجهز السبعة حقائبهم للانتقال إلى المدينة. ينتظرون ما يسمى بـ "الإنقاذ"، نوع من الكفالة الموقعة أمام الحكومة من قبل عائلة أردنية تتحمل بموجبها المسؤولية عن مجموعة من اللاجئين. عليهم الانتظار.

وكذلك المنظمات التي تدير مخيم الزعتري قبل الافتتاح الوشيك لمخيم جديد، مريجب الفهود، في عهدة الإمارات العربية المتحدة. ثلثا الهاربين إلى الأردن يفضلون المدينة. إنهم لاجئون حضريون. سلوى، تسعة وثلاثون عاماً، وصلت إلى المدينة مع ثمانية من أبناءها قبل ستة أشهر. جاؤوا من حلب، عبروا البلاد تحت القصف وأقاموا في المفرق. على مبعدة كيلومترات قليلة من الزعتري. "هنا لا أشعر بأنني غريبة"، تقول سلوى بينما تقوم بإرضاع ابنها الأصغر سناً. أما أحمد، ذو الثمانية أعوام، فيبدو مذهولاً بالفعل، ربما في مواجهة الحياة. "في أحد الأيام سمع انفجاراً قوياً عندما كنا لا نزال نعيش في القرية"، تشرح والدته، "ولم يعد يتكلم". ومازال على هذه الحال. أحمد أيضاً ليس رقماً، لكنه في أزمة هي اليوم أخطر مما كانت بالأمس.












http://internacional.elpais.com/internacional/2013/03/06/actualidad/1362594436_642659.html

No comments:

Post a Comment