Sunday 14 April 2013

أن تدفع مالأ لكونك لاجئاً




أن تدفع مالأ لكونك لاجئاً

مونيكا بريتو- موقع: بريوديسمو اومانو


(بر إلياس- لبنان)- بعد معاناته لعامين من الاضطراب السياسي والنزاع الحربي، عبر أبو خالد الحدود السورية- اللبنانية قبل عشرة أيام بالكاد. بصحبة زوجته وولديه، ترك خلفه مسقط رأسه حِمص للبحث عن ملجأ في لبنان: بعد تجاوز المعبر الحدودي، توجهوا إلى منطقة بر إلياس، حيث كانوا يعلمون أن جيراناً آخرين كانوا قد استقروا في خيم بائسة، الشيء الوحيد الذي يستطيعون دفع ثمنه في بلد الأرز. لكن عند وصولهم إلى الميدان، الواقع خارج القرية، جاء رئيس عمال سوري ليبحث عنهم باسم مالك العقار. "قال لي: إذا لم يكن لديك مال، فليس لك الحق في خيمة". بقينا تلك الأيام مع عائلة أبو محمد، وفي النهاية استطعنا الحصول على قرض لكي ندفع"، يشرح لنا ووجهه يتلألأ من العرق بينما يتهيأ لبناء خيمته الخاصة، يساعده جيرانه الجدد.

يصف أبو خالد وأبو محمد ألواح الخشب الهشة التي ستنفع كدعامة لأكياس القماش الفارغة والبلاستيك. حولهم، مقيمون آخرون في مخيم اللاجئين يساعدونهم في بناء المسكن المتزعزع أو يقدمون لهم النصيحة. "في لبنان، ينبغي أن تدفع لكل شيء"، يشرح أبو محمد ملوحاً بالمطرقة التي يثبت بها المساميرعلى الخشب. "كل ستة أشهر، يأتي المالك لتحصيل إيجار الساحة: مائتا ألف ليرة لبنانية (مائة يورو). عدا عن ذلك، ينبغي علينا أن ندفع من أجل المواد اللازمة لبناء الخيم، الماء والكهرباء...).

بالرغم من كونه البلد الذي يوجد فيه أكبر عدد من اللاجئين السوريين في كل المنطقة، فإنه ما زال الوحيد الذي لم يُعد مخيمات لاستقبال ثلاثمائة وخمسة وعشرين ألف شخص يُقدَّر أنهم وجدوا ملاذاً -معظمهم بطريقة غير شرعية - بعد عبور الحدود السورية. خلال عام ونصف العام، صنفت الحكومة -المكونة من عدة أحزاب سياسية قريبة من حزب الله، حليف بشار الأسـد- صنفت أولئك الذين يهربون على أنهم ضيوف –طريقة لتجنب واجب تحمل مسؤولية النفقات الناجمة عن مجرد وجود اللاجئين- إلى أن شاركت بيروت مؤخراً في مؤتمرات المانحين المخصصة -بلاغياً على الأقل- للحد من سوء وضع المدنيين الفارين من سـوريا. إلا أن إقامة مخيمات لاجئين هي مسألة محرمة Tabu في لبنان، على الأرجح بسبب التجربة الفلسطينينة: الاثنا عشر مخيماُ التي أقيمت بعد حربي 1948 و1967 لا زالت تؤوي أربعمائة ألف شخص والدور المظلم لفصائلهم المسلحة في الحرب الأهلية ما زال في الذاكرة الجماعية.

يُقدَّر أن ثلث اللاجئين السوريين يُستقبلون مجاناً من قبل مواطنين لبنانيين، خاصة في محافظة وادي خالد الشمالية، حيث السكان السُنة متماهون تماماً مع الثورة السورية ويحتفظون بروابط أسرية أو قبلية مع العائلات السورية على الجانب الآخر من الحدود، وكذلك في وادي البقاع. وكلاهما يُحسبان بين الأقاليم الأكثر فقراً في لبنان. البقية يضطرون للدفع من أجل العيش: الأكثر ثراء شغلوا الشقق في بيروت، طرابلس أو صيدا بينما الأكثر فقراً ينبغي عليهم أن يتلاءموا مع ما يمكن أن يتاح لهم: من كراج أو محل تجاري قديم -كثيرون يُؤجَّر لهم الطوابقُ العليا من المحال، المخصصة أصلاً كمخازن، كأماكن للإقامة- أو خيم اللجوء البسيطة التي تتكاثر في وادي البقاع ووادي خالد، التي تحولت إلى تجارة بعد عام ونصف العام على بدء لبنان في استقبال اللاجئين.


التدفق الهائل للمدنيين كان سبباً في ظهور مخيمات "خاصة" للاجئين: أراض مؤجرة  شهرياً فصلياً أو سنوياً لضحايا الحرب من أجل  تحقيق عائد من وجودهم. وفق مجلة Le Commerce Du Levant  ، هم ستة آلاف لاجىء على الأقل الذين يستأجرون أراض في وادي البقاع من أجل نصب خيامهم فيها.

في مخيم أبو خالد وأبو محمد، حيث توجد حوالي خمس عشرة خيمة تقيم فيها عشرون أسرة قادمة من حِمص -"بعضهم لا يمكنهم إقامة خيمتهم الخاصة"، كما يشرح أبو محمد- يطلب المالك الدفع فصلياً. على بعد خمسة كيلومترات، في ما يُعرف بمخيم فاطمة- السورية الأولى التي استقرت في المرج، قبل عام من الآن، قادمةً من إدلب - يؤكد المقيمون أنهم يدفعون خمسة ملايين ليرة لبنانية (ألفان وخمسمائة يورو) سنوياً من أجل استئجار الأرض فقط. "الباقي ندفعه نحن"، يشرح أبو محمد، رأس عائلة من ستة عشر شخصاً. "نذهب إلى المحال التجارية اللبنانية ونشتري المواد".

مقيمون آخرون يطلون من خيمهم الخاصة. في هذا المخيم المرتجل يقيم ما بين ثلاثين إلى أربعين أسرة من سوريا كلها، من إدلب، حلب أو الرقة -في الشمال - إلى دير الزور، عند الحدود مع العراق. "كان علينا عبور سوريا كلها، لكننا لم نكن نريد أن ننتهي إلى مخيم لاجئين تركي أو أردني. فهنا لدينا على الأقل الحرية للدخول والخروج، وللبحث عن عمل" يقول أبو محمد، ستة وعشرون عاماً، الذي وصل قبل عشرين يوماً قادماً من حلب مع زوجته وثلاثة أولاد.

في مخيمات منطقة بر إلياس، في وادي البقاع الخصب، نجح بعضهم في التوظف كعمال مؤقتين. مالكو المساحات المزروعة التي يحصدونها هم أنفسهم الذين يؤونهم ويقبضون ثمن إقامتهم. الكهرباء والماء ليسا متضمنين في الثمن الذي يدفعه أبو أحمد وأبو إبراهيم، والإيجار يجب دفعه مقدماً. "نعمل في الصيف والشتاء، وبهذا نستطيع الدفع. من وصل أخيراً ولايستطيع دفع الإيجار، نحن نساعده"، تقول فاطمة، وسيجارة دائمة بين أصابعها. "نحن هنا بخير لأنه ليس علينا أن نتسول لكي نعيش"، تقول مشيرة إلى الوضع في مخيمات اللاجئين في الأردن أو تركيا، حيث الحالة البائسة تُضاف إلى استحالة مغادرة المخيمات، ومن ثم، البحث عن عمل.

الفارق الكبير عن المخيمات الرسمية في تركيا أو الأردن هو أنه، في لبنان، لا توجد مساعدة إنسانية متوفرة لضحايا الحرب السورية. يجب على اللاجئين أن يدفعوا النفقات الطبية والتعليمية، وهذا يمنع الأرقَّ حالاً -كما هو حال جميع المقيمين في هذا النوع من المخيمات الخاصة- من إرسال أولادهم إلى المدارس. "في حرب عام 2006 (عندما قصفت إسرائيل لبنان لأكثر من شهر) استقبلنا اللبنانيين في سوريا. أدخلناهم في بيوتنا، لم يكن عليهم أن يدفعوا شيئاً. عندما وصل اللاجئون من العراق، حصلوا على التعليم وخدمات النظام الصحي المجاني. انظري إلى الحال التي وضعونا فيها"، يشدد أبو أحمد.

في مخيم فاطمة، يؤكد المقيمون أنهم يكسبون حوالي عشرة آلاف ليرة لبنانية (5 يورو) عن كل يوم عمل في الحصاد. تسعيرة مشابهة تجبر كل العائلة على العمل، بمن فيهم الأطفال، الذين لا يستطيعون حتى أن يحلموا بالعودة إلى المدرسة. الحرب أبعدتهم عن الصفوف لمدة عامين حتى الآن، وفي الظروف الحالية لا عودة ممكنة. على بعد كيلومترات قليلة، في الفضاء حيث ينصب أبو خالد وأبو محمد خيمة جديدة، يمكن إحصاء حوالي ستين قاصراً: الذكور الأكبر سناً يلعبون بتكميم وجوههم بالمناديل وترديد شعارات ثورية بينما الأصغر سناً يجمعون الماء من إحدى القنوات التي تروي الحقل، الملوثة بشكل واضح للنظر. البنات، الناضجات فجأةً نتيجة لبؤس الحرب يهززن الأطفال الرضَّع، بينما أمهاتهن ترقعن المفارش أو تغسلن الثياب وهن مقرفصات.


في ميدان آخر قريب، على بعد كيلومترين بالكاد، تُرفَع مجموعة أخرى من الخيام مع ظهور مكب للقمامة. إنها حوالي ثلاثين هيكلاً أساسياً من الخشب مستورة بأسلاك شائكة، مغطاة بالقماش أو البلاستيك، وفي أحيان كثيرة، بملصقات من المراكز التجارية المجاورة. "نحن اعتدنا على القدوم إلى لبنان للعمل في الزراعة"، يوضح أبو ياسر، خمسون عاماً، القادم من الرقة. "عندما بدأت الأزمة قررنا عدم العودة"، يتمتم بينما يجمع بقايا قشر البرتقال، إفطار اليوم لأولاده العشرة. يدفع أبو ياسر مائة ألف ليرة لبنانية شهرياً (50 يورو) لمالك الأرض الذي مضت عليه سنوات وهو يتعاقد معه من أجل العمل في الزراعة. "نحاول إرسال الأولاد الأصغر سناً إلى المدرسة، لكنهم في المدرسة يطلبون منا مليون ليرة لبنانية في السنة"، تقول زوجته مداعبة الأصغر من أبنائها، الطفل ذا العامين.

اثنان من الأطفال، سبعة وتسعة أعوام، يغفوان على مفرش خارج الخيمة، عند قدمي والدهما، الجالس على كرسي من البلاستيك ذي لون غير محدد. "نحن لم نسجل لدى الأمم المتحدة لأنهم لا يعطوننا شيئاً. إنهم كاذبون، يعدون فقط ولا يوفون أبداً. مثل الحكومات، كلهم سارقون. اللبنانيون يستغلوننا، نحن ساعدناهم والآن يتركوننا في البؤس. وكالة الأمم المتحدة للاجئين تعترف بأن الوضع يفوق طاقتها، وتؤكد أنها تسجل يومياً 1500 لاجىء جديد في لبنان.


في المخيم الأول، نصف المقيمين ما زالوا في انتظار أن تجعل وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وجودهم نظامياً، لتتيح لهم بهذه الطريقة قبض الثلاثين دولاراً عن العائلة التي توزعها الأمم المتحدة بشكل مساعدة إنسانية. "أنا حاولت أكثر من عشرين مرة، ذهبت إلى مكاتبهم، مقدماُ أوراقنا وما زلت أنتظر أن يتصلوا بي ليؤكدوا تسجيلي"، يتأسف أبو محمد، الذي يُقدِّر أن أكثر من ثلاثين مخيماً زائفاً للاجئين قد ظهرت في المناطق المحيطة ببر إلياس.

رئيس البلدية، ناجي محمود الميس، يؤكد تدفق اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب. "في الأسبوعين الأخيرين وصلت أربعمائة أسرة، وهذا لم يحصل قط من قبل"، يصرّح متكئاً على كرسي من الجلد بينما يتحادث مع بعض السكان في مكتبه. "نراقب بشكل كبير حالياً الهجوم على دمشق لأن لاجئين كثيرين يأتون من هناك. آخرون كثيرون هم من حِمص في الأصل ولجأوا في حينهم إلى العاصمة والآن يهربون منها". "في لقاء رسمي عقد في بيروت، أكد الممثل الدائم لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية روبرت واتكينز هذه الزيادة. "في الشهور الأخيرة زاد عدد اللاجئين بشكل معتبر. لوحظت زيادة بنسبة 400% مقارنة بالأرقام المسجلة قبل أقل من عام".

يقدر رئيس بلدية بر إلياس أن اللاجئين أقاموا في خمس مناطق مختلفة من المدينة، حيث تظهر مخيمات صغيرة مثل الفطر. "كثيرون يعيشون في شقق، لكن لم يبق لدينا المزيد من المعروض. وذلك بالرغم من اشتعال الأسعار"، كما يؤكد. الوضع الجغرافي للمنطقة، على بعد خمسة عشر كيلومتراً من معبر المصنع الحدودي، يفسر الظاهرة. "كثيرون لا يذهبون  إلى ما هو أبعد، يبقون قريبين من هنا" يؤكد الميس. في عنجر المجاورة، على بعد كيلومترات قليلة وأكثر قرباً من سوريا، انتهى اللاجئون إلى البحث عن اللجوء حتى في الأطلال الرومانية في المدينة، وفق ما يقوله السكان. مصانع قديمة مهجورة تحولت أيضاً إلى ملاجى مرتجلة من أجل الذين لا يملكون شيئاً".


"لدينا 2200 أسرة مسجلة، ويجب أن نقدِّر وجود حوالي سبعة أعضاء في كل واحدة منها. في المجمل، لدينا خمسة عشر ألف لاجى في في بلدية تضم خمسة وأربعين ألف ساكن"، يقدر رئيس بلدية بر إلياس. الأرقام الرسمية للاجئين لا تحصي، بالرغم من ذلك، العمال السوريين المستقرين في لبنان، وكثير منهم يدخلون حالياً في فئة اللاجئين ذلك أنهم لم يستطيعوا العودة، بسبب الحرب، إلى سوريا لتجديد وثائقهم وبقوا في متاهة قانونية في لبنان. حسب الحكومة اللبنانية، هم أكثر من 900000 المواطنون السوريون الموجودون حالياً على الأراضي اللبنانية، مع سكان محليين يقلون عن أربعة ملايين نسمة. إن وجودهم، مع الانقسامات السياسية الداخلية، والحوادث المسلحة، وضغائن الحرب الأهلية، والحرب السورية، إن كل ذلك يعني قنبلة موقوتة تهدد بتفجير لبنان.













http://periodismohumano.com/en-conflicto/pagar-por-ser-refugiados.html

No comments:

Post a Comment