Sunday 1 September 2013

قبل إطلاق النار




مقالة افتتاحية في صحيفة الباييس الإسبانية في 29-8-2013

قبل إطلاق النار

على الولايات المتحدة أن تتدبر في عواقب الرد على استفزازات سـوريا


لم يبق إلا الأمر بإطلاق النار، الذي يجب أن يعطيه رئيس الولايات المتحدة. صُوّبَت الأسلحة باتجاه الهدف، سوريا بشار الأسـد، التي أُعْلِنَ عنها مذنبة بالهجوم على السكان المدنيين بالأسلحة الكيميائية في الفصل الأخير من حرب أهلية طويلة وقاسية هي، قبل كل شيء، مسؤولية النظام الذي شنها. قبل إطلاق النار بقيت بضع ثوان للتدبر، تماماً كما طلب ذلك فعلاً الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، ومعه كل الحق وكل الحجج الموجودة في هذا العالم.

أن يستحق الأسـد رداً من المجتمع الدولي، وإذا أمكن ذلك، حاسماً، بما يتناسب مع قوته العسكرية وقدرته على إيذاء السوريين فهذا أمر يجب ألا يشغل ولا حتى ثانية واحدة من هذا التدبر السابق على الضغط على الزناد. لكن قد يكون من المناسب أن يشعر الجميع بتأنيب الضمير جرَّاء التأخر في الرد على المذبحة المرتكبة منذ آذار| مارس 2011 حتى توريط البلاد في مواجهة طائفية وأهلية لا نهاية لها.

لا أحد يشكك في أن سلوك الأسـد "غير مقبول ولا يمكن أن يبقى من غير رد"، تماماً كما أشار الناتو، لكن ترددات الثانية الأخيرة التي بدأت تقرض الزخم الحربي الأولي تستجيب للحسابات العقلانية والمنطق السياسي للقادة الغربيين الرئيسيين. إن ضربة جوية ضد منشآت سورية، كرد وعقاب على السلوك الاجرامي للنظام، يمكن أن تعتمد على القواعد الأخلاقية الكبرى وتنتج في المقابل أسوأ الآثار العملية، حتى في حال توجيه الطلقات إلى تصفية قمة هرم النظام بأكملها.

ثمة حجج جدية للقانون الدولي تعمل ضد عمل عسكري للولايات المتحدة مع عون عسكري     يمكن الاستغناء عنه تماماً من فرنسا والمملكة المتحدة. فإلى استحالة "استصدار" قرار من مجلس الأمن، المعطل بحق الفيتو لروسيا والصين، يُضاف الحذر الشديد للبلدان الصديقة والمنظمات الحليفة، باستثناء لندن وباريس، وهذان على الأرجح لأسباب خاطئة، التي استقبلت به عرض واشنطن لعزيمتها الحربية. حماسة قليلة شوهدت في الحلف الأطلسي والجامعة العربية، المنابر المناسبة لبناء الشرعية الدولية التي تعوض غياب قرار للأمم المتحدة، كما حدث في عمليات القصف في كوسوفو في 1999.

لكن الحجج البراغماتية هي أكثر ما ينبغي أن يقلق الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها. لا يمكن العبور من الفوضى القصوى إلى النظام الكامل  بفضل إطلاق حفنة من الصواريخ، مهما كانت جودة التصويب. فإنهاء حرب كهذه يتطلب الكثير من المهارة الديبلوماسية والكثير من الموهبة السياسية في العمل، إضافةً إلى الصبر، أشياء كانت مفقودة في هذين العامين  ونصف العام من النزاع السوري، فيما كنا نحن الأوروببين عالقين في أزماتنا الخاصة وأوباما في معاركه الداخلية، مع إعادة الانتخاب على رأس أولوياته.

هنالك الكثير من القوى في الإقليم مهتمة بإدخال أوباما والولايات المتحدة في عش دبابير آخر، تستمر فيه القوة العظمى في هدر هيبتها وأموالها وجنودها، كما حدث لها بالفعل في العراق وأفغانستان. من هنا الدعوة الحصيفة من الأمين العام للأمم المتحدة من أجل إعطاء الوقت ليقوم مفتشوها بالمزيد من التحقيقات حول الأسلحة الكيميائية. الحرب يجب أن تكون دائماً ملاذاً أخيراً، تستدعي استنفاد جميع الوسائل قبل البدء بها. لكن في هذه الحالة، علاوة على ذلك، هنالك من يشتبه بأن الهجمات الكيميائية التي ما زالت بانتظار تقرير الأمم المتحدة، كانت استفزازاً مدبراً من أجل اجتذاب الولايات المتحدة إلى المصيدة.









http://elpais.com/elpais/2013/08/28/opinion/1377713230_710527.html

No comments:

Post a Comment