Thursday 5 September 2013

"إذا تدخلت الولايات المتحدة فسيكون ذلك من أجل مصالحها"




"إذا تدخلت الولايات المتحدة فسيكون ذلك من أجل مصالحها"


مونيكا بريتو- موقع: بريوديسمو اومانو

صور: مانو برابو و مونيكا بريتو


صيدا (لبنان): يبدو الزمن وقد توقف في البناء الذي كان ينبغي أن يحوي بين جنباته جامعة الإمام الأوزاعي في صيدا، إذ تحول منذ عام ونصف العام إلى مركز مرتجل للاجئين حيث تتكدس مائة وخمس وستون أسرة سورية هاربة من المعارك في محافظتهم "حماة".

نساء وأطفال ينقلون الماء من منبع قريب فيما يلعب الشبان كرة القدم وينهمك الكبار في مناقشات سياسية لا نهاية لها ترافقها القهوة والتبغ. لا أحد يبدو قلقاً بشكل خاص ولا مرتاحاً لإمكانية حصول هجوم غربي على دمشق. "هم يقصفوننا منذ عامين ونصف العام"، يقول أحمد سعيد، المزارع القديم في البناء، البالغ واحداً وستين عاماً. "في البداية كان ذلك بالأسلحة الأوتوماتيكية، ثم بالمدفعية الثقيلة، وبعد ذلك بالدبابات، في وقت لاحق بالطيران، وبعده بالصواريخ والبراميل المتفجرة، وأخيراً بالأسلحة الكيميائية. ولم يرد أحد على تلك الهجمات. فلماذا سيفعلون ذلك الآن؟".



بالنسبة لأحمد، الخطاب الغربي الذي يهدد بهجمات محددة على النظام السوري كرد على الهجوم بالغازات على السكان المدنيين في 21 آب| أغسطس المنصرم هو خطاب فارغ. مثله، لاجئون آخرون كثيرون لا يثقون بالنوايا الحقيقية للولايات المتحدة وشركائها، الذين لم يعاقبوا –وبالكاد ساءلوا- نظام دمشق قط خلال السنتين ونصف السنة التي استمر فيها القمع والحرب الأهلية. "لا نصدق أنهم سوف يتدخلون"، يقاطع أبو يزن، ثلاثة وثلاثون عاماً، محاطاً بقرويين آخرين من منطقة الحويجة، في محافظة حماة، القرية التي يبلغ سكانها 1200 نسمة والتي صارت تقتصر على كومة من الأطلال وخمسين من السكان: كلهم مقاتلون ثائرون. "الولايات المتحدة تكذب، كما كل الحكومات الغربية وكل حكومات الخليج. إذا أرادت التدخل، ستهاجم المدنيين وبعدها ستقول إنها أخطأت في هدفها"، يؤكد أحمد عبد العزيز، ثمانية وثلاثون عاماً، في رؤية خاصة تشير إلى الدرجة التي بلغها ارتياب السوريين في واشنطن، حليفة إسرائيل، العدو الجوهري للشعب العربي.

ثقل الغزو الأمريكي للعراق، الذي دفع البلاد إلى حرب دينية دموية، احتلال أفغانستان، القصف بالطائرات بدون طيارفي بلدان مثل اليمن والمعايير المزدوجة التي تستخدمها الولايات المتحدة في تعاملها مع البلدان العربية –بالرغم من "فضيحتها الأخلاقية" جراء استخدام الغازات ضد السكان المدنيين في سوريا، تدعم المجلس الانقلابي المصري وشريكتها الرئيسية في الخليج هي العربية السعودية، ديكتاتورية "دينية" متطرفة محكومة بـ "الشريعة" ولا تحترم الحقوق الأساسية  لمواطنيها- تغذي انعدام ثقة تاريخياً في أوساط العرب، يتجلى بوضوح من خلال تعليقات المواطنين السوريين المستطلعة آراؤهم. "الولايات المتحدة تبحث فقط عن منفعتها الخاصة، وليس عن منفعة الناس. إذا تدخلت فسيكون ذلك سعياً وراء مصالحها، كما فعلت في ليبيا، وليس لدوافع إنسانية. لم تتدخل قط لمصلحة الشعب المصري، ولا التونسي، ولا السوري"، يؤكد محمد، المزارع، البالغ ستة وثلاثين عاماً.



"في الحقيقة، ما يهم الولايات المتحدة هو ضعف البلدان العربية، وفي الحالة السورية فإن ما يهمها هو حماية نظام حرس الحدود مع إسرائيل خلال أربعين عاما أكثر مما يهمها  السكان المدنيون. لماذا سيقومون بقصف من يحمي حدود حليفتهم؟ الولايات المتحدة والأمم المتحدة تسعيان فقط لفائدة إسرائيل، وسوف يتخذون القرارات لمصلحة إسرائيل فقط"، يواصل كلامه.

الفكرة تتكرر بين ساكني ما كان ينبغي أن تكون قاعات محاضرات جامعية، وهي اليوم غرف تستقبل من أسرة إلى اثنتين من أسر اللاجئين، في البناء المهجور الذي أُجهِض إنشاؤه قبل اكتماله. مع بداية أزمة اللاجئين، تعاقدت مجموعة من المنظمات غير الحكومية المحلية مع المالكين على إعادة تشكيل البناء من أجل توجيهه لاستقبال المواطنين السوريين مقابل عامين من الإيجار: اليوم، ثمة 875 شخصاً مسجلين كسكان للعقار، من بينهم 250 طفلاً أضاعوا عامين دراسيين ويتجولون اليوم، كثيرون منهم بدون أحذية، بين برك الطين والقاذورات التي تحيط بالمكان.


هذا هو البناء الأكبر الذي يقوم بوظيفة مخيم للاجئين في صيدا لكنه ليس الوحيد: هنالك ستة عقارات أخرى أصغر، كلها قيد الإنشاء، تؤوي سوريين هاربين من النزاع. في المجمل، يُقدَّر أنه يوجد في صيدا ألفا أسرة سورية ينبغي أن يضاف إليهم 1800 أسرة فلسطينية بحثوا عن ملجأ في عين الحلوة، مخيم اللاجئين الفلسطينيين الأكبر في لبنان. في المجمل، صار لبنان يؤوي 1,2 مليون من اللاجئين السوريين، مسجلين وغير مسجلين، والعدد ينذر بالتصاعد في الأيام القادمة جراء التهديد الغربي لدمشق: قسم من سكان العاصمة السورية يختار الهروب ومخرجهم الطبيعي هو لبنان. إذا كان ما بين خمسمائة إلى ألف لاجيء يخرجون يومياً قبل بضعة أيام عبر المعبر الحدودي في المصنع، فإن العدد قد تضاعف: حسب مصادر لبنانية رسمية، في الأربعاء الماضي وحده عبر الحدود ستة آلاف لاجىء جديد.

"الشيء الوحيد الذي تسعى إليه الولايات المتحدة هو أن الناس، السوريين، يستمرون في التعرض للقتل"، يضم كتفيه أبو يزن، ثلاثة وثلاثون عاماً، جالساً على أرض غرفة من الإسمنت تشغلها أسرته. "هاهم يخطرون عن المواقع التي ينوون قصفها، لماذا يفعلون ذلك، من أجل أن يخليها؟ إذا هاجموا، سيهاجمون جبهة النصرة، التي يدعونها إرهابية، وليس النظام. سيستخدمون الهجوم لقتل المجموعات الإسلامية، وهم الوحيدون الذين ساعدونا".



كلماته توجز يأس شعب يتعاطف، بعد انتفاضه ضد النظام وجره إلى الحرب الأهلية بسبب القمع والخطاب الطائفي للنظام الديكتاتوري، مع التطرف الإسلامي أكثر مما يتعاطف مع البلدان الغربية التي أدارت وجوهها عن عمليات القصف للسكان المدنيين التي أوقعت أكثر من مائة ألف ضحية، إضافة إلى ستة ملايين لاجىء ونازح داخلي وبلد مدمر. الكثير قد تغير منذ أن اعتُقِلَت مجموعة من المراهقين، في آذار| مارس 2011، من قبل الاستخبارات السورية جراء كتابتهم "الشعب يريد إسقاط النظام"، على أحد الجدران في درعا، في تقليد للشعارات التي ترددت في بلدان مجاورة في إطار ما يسمى بـ الربيع العربي. كانت بداية انتفاضة شعبية طالبت في البداية بالإصلاحاات وبنهاية الفساد: و مع سيلان الدماء، طالبت بسقوط النظام.


آباء وأقرباء وأصدقاء أولئك الأطفال احتلوا الشوارع مطالبين بإطلاق سراحهم في سلسلة من المسيرات التي ستتعرض للقمع. كل جنازة كانت تتحول إلى إعلان جديد عن النوايا، وكل مظاهرة كانت أكبر من سابقتها: كلما تزايدت أعدادها، كان القمع يتزايد؛ و كلما تزايد عدد الموتى، كانت تتجذر مطالبات المتظاهرين.

النظام استبدل وعوداً غير منجزة برد عسكري كان يسعى لإعادة شعبه إلى الخوف. أوائل الجنود في جيش بشار بدأوا بالانشقاق بعد بضعة شعور على بداية المظاهرات: أبلغوا عن إجبارهم من قبل قادتهم على قتل المدنيين الذين كانوا يتظاهرون. كانوا بذرة الجيش السوري الحر، مجموعة مسلحة متجانسة في البداية لم تتأخر في التحول إلى التسمية التي تمثل مائة من المجموعات المسلحة، بعضها مخلصة لمبادىء الثورة وأخرى مدفوعة أو ممولة من فاعلين خارجيين مختلفين لهم أجنداتهم السياسية الخاصة. الحصار الوحشي والقصف على بابا عمرو، في حِمص، والسلبية الدولية التي صاحبت ذلك الفصل جذبت الجهاديين إلى النزاع وشجعت القوى العربية، قطر والسعودية خاصة -أعداء نظام الأسـد- على التدخل بشكل أكبر بالسلاح والمال وحتى بالمقاتلين. شركاء النظام، حزب الله وإيران، فعلوا الشيء نفسه داعمين الأسد بالسلاح والرجال، محولين سـوريا بذلك إلى أرض تُخاض فوقها المعركة الطائفية الإقليمية الكبرى.


وهكذا أصبحت الثورة فريسة للقمع والكراهية الدينية، وللمتطرفين الذين خطفوها، وللمصالح الخارجية التي ترى في هذا البلد العربي المسرح المثالي من أجل تسوية   خلافاتها من غير تلطيخ أنفسهم بالدم. ميليشيات مثل جبهة النصرة (المرتبطة بالقاعدة) أو أحرار الشام ودخول دولة العراق الإسلامية (الفرع المرهوب من القاعدة في بلاد الرافدين، المسؤول عن كثير من الهجمات الانتحارية التي جرت العراق إلى حرب أهلية بين 2004 و2009) في سوريا شوهت الثورة الشعبية وتهدد حتى كثيراً من دعاتها: عديدون هم  الناشطون المُختَطّفون، المهددون أو المقتولون من قبل الجماعات المتطرفة.

إنهم واقع على الأرض -في مناطق كحلب أو الرقة يتمتعون بقوة عسكرية أكبر من أي فصيل آخر- لم يواجهه الجيش السوري الحر حتى اللحظة. الشعار هو تحقيق الهدف المشترك (سقوط النظام) قبل تسوية خلافاتهم، القائمة على المستقبل الذي يرغبه كل فصيل لسوريا، لكن الخلافات الأولى أخذت تترجم بالفعل إلى معارك بين الفصائل. المتطرفون يريدون فرض دولة إسلامية مرفوضة من الناشطين، ومن مقاتلين كثر من الجيش السوري الحر ومن قسم واسع من السكان المدنيين، السنة المعتدلين، و يبدو مستحيلاً تقريباً أن يكون هناك تفاهم سلمي في المستقبل. إذا كانت الانقسامات الداخلية لا يمكن التوفيق بينها، فالخارجية هي كذلك أيضاً: المعارضة في الخارج لم تكن قاردة على التوحد في هذين العامين ونصف العام مقدمة مشهداً مؤسفاً حيث المصالح السياسية والاقتصادية لكل مجموعة وراعيها الخارجي تطغى على دماء الشعب السوري الذي يقولون إنهم يمثلونه.


أسألُ أحمد سعيد إذا كان لا يخاف من المتطرفين و يفكر في الجواب: "لا أعلم، لكن في الوقت الراهن إنهم هم من يساعد الناس. لا بلدان الخليج و لا الغرب، إنما هم". التفكير نفسه انتشر في البداية في العراق، في الأعوام الأولى من الغزو، عندما استقر الجهاديون من كل أنحاء العالم هناك بحجة مساعدة التمرد السُني ضد الاحتلال الأمريكي لكى تشتعل، في وقت لاحق قريب، حرب طائفية من خلال السيارات المفخخة ضد الطائفة الشيعية. دولة العراق الإسلامية لن تتأخر في إعلان إمارة في محافظة الأنبار مخضعة السكان لإرهاب دكتاتوريتها الدينية: أتباعهم والمتعاطفون معهم سوف ينتهون إلى مقاتلتهم حتى وضعهم في الزاوية.

كثيرون هم أولئك الذين يخشون أن تتبع سوريا خطى العراق، الآن حيث الميليشيات المرتبطة بالقاعدة تزداد قوة -دولة العراق والشام الاسلامية، التي تنشط في سوريا، توعدت بـ "بركان" من الانتقام" رداً على الهجوم الكيميائي- وكثيرون هم الذين يخشون أن يتبع لبنان خطى سوريا. بسكان مختلفين دينياً، وعدد هائل من الأسلحة، وجراح الحرب الأهلية التي مازالت مفتوحة والتي يغذيها القادة السياسيون -سادة الحرب أنفسهم الذين غذوا النزاع اللبناني بين 1975- 1990-، فإن بلد الأرز، تحول إلى المستقبل الرئيسي للاجئين السوريين والأمة الأكثر تعرضاً لأثر العدوى. هم أكثر من مليون (في بلد تعداد سكانه 3,5 مليون) السوريون الذين وجدوا ملجأً في البلد الجار، يعيشون بشكل سيء بالإيجار في غياب المخيمات الرسمية (أحصي 383 تجمعاً للخيام، أو المخيمات المرتجلة) وباستثناء أولئك الذين لا يستطيعون الصمود من الناحية الاقتصادية (لا يعترف لبنان بوجود اللاجئين ولا يقدم لهم المساعدة كدولة) فإن أحداً لا يفكر بالعودة إلى سوريا في الوقت الراهن، ولا حتى في حال حصول تدخل غربي.


"لم يفاجىء أحداً منا أن يطلق النظام الغاز السام على السكان المدنيين في دمشق"، يواصل أحمد سعيد كلامه بينما يشرب القهوة بالهال. "إنهم مجرمون، يقصفوننا بصواريخ سكود، وببراميل الديناميت... إذا هاجمت الولايات المتحدة، فستفعله بطريقة رحيمة بالنظام. سيكون رداً محدداً، لكن السوريين لن يبقوا هادئين بعد الهجوم بالأسلحة الكيميائية. سيحاولون استعادة البلد بأكمله، وسيفعلون ذلك بسهولة لو كان لديهم طائرات أو صواريخ".

"كان عليهم أن يتدخلوا قبل زمن طويل"، يضيف فريد سلوم، صهره، البالغ سبعة وخمسين عاماً. "نصف المجموعات الإسلامية هي من اختراع النظام نفسه، خلقهم النظام من أجل إرسالهم إلى العراق قبل بضعة أعوام والآن يستعملهم من أجل تلطيخ صورة الجيش السوري الحر"، كما يؤكد. خلال الحرب الأهلية في العراق، تميزت دمشق بحماية قسم من المجموعات المسلحة السُنية، التي استغلت العمق السوري من أجل إعادة التنظيم و القيام باتصالات خارجية: بين 2005 و 2010، كان سهلاً العثور على قادة الفصائل الأكثر تشدداً، المطاردين من قبل السلطات العراقية، في مكاتب دمشقية في مثال آخر على القدرة السورية على الاتفاق مع كل أولئك الذين يمكنها الاستفادة منهم، فيما وراء الانتماءات السياسية، الاقتصادية أو الدينية. كثيرون من أولئك المقاتلين العراقيين الذين كانوا محميين في وقت ما من قبل النظام التحقوا بصفوف الجيش السوري الحر لمقاتلته.


يروي سلوم قصة اليوم الذي قرر فيه مغادرة الحويجة. "كنا قد لجأنا إلى بيت أخي، كان هناك عشرون امرأة وطفلاً في المنزل، بمن فيهم والدتي، ذات التسعين عاماً. قصفوا المنزل من الجو: مات خمسة من أقربائي وأُصيب خمسة عشر آخرون. مضى على ذلك أحد عشر شهراً: غادرنا سـوريا و لم نعد قط. كيف يمكن تعريف الرجل الذي يأمر بقتل النساء والأطفال من جنسيته نفسها؟ إنه ليس سورياً، ليس مسلماً، وليس إنساناً"، يقولها هازاً رأسه بإيماءة رافضة.








http://periodismohumano.com/en-conflicto/si-eeuu-interviene-sera-en-busca-en-sus-intereses.html

No comments:

Post a Comment