Friday 11 October 2013

الجمود كخيارٍ أفضل




الجمود كخيارٍ أفضل

خوان غويتيسولو- صحيفة الباييس الإسبانية


منذ تحوّل الاحتجاجات الحاشدة على عذاب بعض المراهقين المذنبين بجريمة رسم بعض اللوحات الجدارية ضد طاغية دمشق إلى حرب على المدنيين ذات طابع طائفي متنام بين الفرعين الرئيسين للإسلام والتي أصحبت الأقليات الدينية الأخرى المستقرة في سوريا لآلاف السنين رهينة لها، فإن المذبحة اليومية للأبرياء أمام السلبية غير المشرِّفة للبلدان الديموقراطية أفسحت المجال لسلسة من الالتباسات كتلك التي تجادل مفضلة عدم تسليم السلاح إلى الثوار بناء على الخوف المبرر من وقوعها في أيدي المتطرفين، متهربة من حقيقة أنه إذا كان ثمة متطرفون في ســوريا حالياً فإن ذلك يرجع بالتحديد إلى عدم تسليم تلك الأسلحة قبل عامين إلى أولئك الذين لم يكونوا كذلك. بموازاة ذلك، كان لإطلاق تسمية الارهابيين من قبل الأسـد على الذين كانوا يتظاهرون عزلاً ضد سلطته العائلية العشائرية القوية كان له أثر ضار في خلق إرهابيين حقيقيين كأولئك الذين في جبهة النصرة وجماعات أخرى منتسبة إلى القاعدة، وهو تغيير يصب في مصلحته ويبعد خطر تدخل عسكري موجّه لإنهاء المذبحة التي حصدت حتى الآن أكثر من مائة وعشرة آلاف ضحية.

في رسم كاريكاتوري منشور قبل بضعة أسابيع في انترناشيونال هيرالد تريبيون يُشاهد جبل من الجماجم معبأة في أكياس بلاستيكية مختلفة وعليها ملصقات عن موتى بسبب الطيران، بسبب المروحيات، المدفعية، الدبابات، الرشاشات، الهاون، إلى آخره، وإلى جانب ذلك الجبل زوج من الجثث المنفصلة. موظفان من الأمم المتحدة يتأملان ويقولان: "هذان يبدو أنهما ماتا بسبب الغاز، يجب أن نفعل شيئاً". الفكاهة المروعة في الأقصوصة  تضع الإصبع على الجرح باستدعاء العلاقة المعقدة والغامضة الموجودة بين المعايير ذات الطبيعة الإنسانية وذات الطبيعة القانونية، بين الأسلحة التقليدية والأسلحة المحظورة. فيما لم يؤد الاستخدام المكثف للنوع الأول في سـوريا، كما حدث في البوسنة، إلى تدخل عسكري للقوة العسكرية الأولى على الكوكب، فإن استخدام الثانية وفق أوباما كان ليؤدي إليها تحت مظلة الشرعية الدولية، شرعية خلفيات غامضة بدورها إلى درجة أن المنتصرين في الحرب العالمية الثانية الذين يشكلون مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لا يتفقون ولو على عملية عقاب محددة. مواجهاً معضلة الاختيار بين السيء والأسوأ (تداعيات هجوم جوي في المسرح المتفجر فعلاً في المحيط السوري)، اختار الرئيس الأمريكي الانسلال طالباً موافقة الكونغرس، سحب بوتين من كمه العرض بتدمير الترسانة الكيميائية تحت السيطرة الأممية (عملية تمنح متنفَّساً طويلاً للأسـد) وقدم العون بالمناسبة لأوباما متيحاً له إنقاذ ماء وجهه. بعد لعبة الشطرنج البارعة هذه من القيصر الروسي، أصبح الوضع تعادلاً وهو ما يواتي كل الأطراف الفاعلة في الصراع، مع الاستثناء الجلي للشعب السوري البائس.

من بين جميع المقالات التي قرأتها حول الموضوع في الفترة الأخيرة بدا لي أن أكثرها مطابقة للحقيقة القاسية هي تلك التي كتبها ادوارد لوتووك، عضو مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي الشهير، المنشورة في نيويورك تايمز والمعاد نشرها في اللوموند. ببراغماتية باردة تقصي كل اعتبار إنساني ومحاججة قانونية يشرح بوضوح ماهية مصالح بلاده بعد التجارب المريرة في أفغانستان والعراق. انتصار الأسـد، كما يقول، سيقوي المحور الشيعي لحزب الله وإيران، وهو ما سوف يشكل ضربة خطرة لواشنطن وحليفتها إسرائيل. انتصار المتمردين المتطرفين سيجعل الجهادية تمتد إلى كل الشرق الأدنى والجزيرة العربية. وبناءً عليه: يمكن للولايات المتحدة أن تحبذ حلاً واحداً فقط: التعادل المُمدَّد. ولهذه الغاية، يواصل كلامه، "ينبغي تسليح المتمردين عندما تكون لقوات الأسـد اليد العليا ووقف هذا التزويد (بالسلاح) عندما يكون المتمردون في موقع الأفضلية".

بالمختصر، ينبغي تركهم يتقاتلون حتى الاستنفاد المتبادل، حتى لو دام ذلك سنوات. فيما هم يقتتلون فيما بينهم سوف نتمتع بسلام نسبي.

ماكيافيلي ما كان ليعبِّر بطريقة أفضل من دون الانشغال قيد أنملة بمصير ملايين الضحايا في بلد مدمر. لكن كما يقول المثل السائر القديم: سوء الاستعمال لا يحول دون الاستعمال المناسب.










http://internacional.elpais.com/internacional/2013/10/07/actualidad/1381166074_963706.html

No comments:

Post a Comment