Wednesday 23 October 2013

أن تعرف أو لا تعرف، تلك هي المعضلة





أن  تعرف أو لا تعرف، تلك هي المعضلة

سانتياغو ألبا ريكو- موقع: عيش


(هذا النص هو تقديم لتقرير "تمكين المقاومة الديموقراطية في ســوريا " الصادر عن مبادرة الإصلاح العربي Arab Reform Initiative  ).

ليس بالوسع نكران أن ما بدأ في سـوريا كثورة شعبية سلمية -على خطى تونس ومصر- في سبيل الكرامة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية قد تحول إلى صراع دولي تحجب فيه الاصطفافات الطائفية والمصالح الأجنبية بشكل متزايد الدافعَ الأصلي وفاعليه المحليين.
في مناسبات أخرى سردتُ أسباب هذا التحول في الاهتمام، الذي هو في جزء منه حقيقي وفي الجزء الآخر وهمي. الأسباب الحقيقية هي ثلاثة على الأقل. الأول، بلا شك، هو القمع الشرس للديكتاتورية، الذي قتل وأبعد أو سجن في عامين عدة أجيال -مئات آلاف الأشخاص- من الناشطين والقادة الديموقراطيين، مدعوماً بالسلاح من روسيا وبالتعاون العسكري مع إيران وحزب الله. الثاني يتعلق بتدخل القوى الخارجية، ولا سيما العربية السعودية، التي مولت وتمول القطاعات "الثائرة" الأكثر رجعية؛ بكلمة أخرى، المجموعات الجهادية القريبة من القاعدة، التي أطلق سراح الكثير من أعضائها في السجون السورية من قبل بشار الأسـد نفسه في الأشهر الأولى من الثورة. كما هو معروف، هذه الكتائب الإسلاموية، التي ما زالت أقلية، اكتسبت أهمية متزايدة بسبب قدرتها العسكرية على الأرض، ما يحولها إلى مركز جذب للكثير من الشباب المقاتلين، اليائسين جراء نقص سلاحهم. كل الشهادات تشير إلى أن هذه المجموعات، وخاصة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة، تستولي على المناطق المحررة من قبل كتائب أخرى ويحاولون فرض "القانون الإسلامي" بواسطة الخوف، معززين إضافة إلى ذلك الانقسامات الطائفية، في استراتيجية تفيد فقط مقاصد النظام في القضاء على الثورة الديموقراطية وإضفاء الشرعية على الديكتاتورية.
السبب الثالث يتعلق بنقص الدعم والتضامن اللذين كان ضحية لهما القطاعات الديموقراطية  -العلمانيون، الإسلاميون المعتدلون، ومن اليسار- الذين أطلقوا شرارة الثورة. فقط الأكثر ديماغوجية في مناهضة الإمبريالية (anti-imperialism) داخل الصالونات يمكنها اليوم أن تنكر أن الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط لم ترد قط التدخل عسكرياً في سـوريا بل إنها بالفعل وفيما وراء التصريحات البلاغية، ساهمت قليلاً جداً في تقويض نظام دمشق: هدفها كان إضعافه أكثر مما كان الإطاحة به، مع التفكير الدائم في إسرائيل، كما تظهر ذلك مبادرة نزع سلاح سـوريا الكيميائي، التي تطمئن الدولة الصهيونية فيما تعيد إضفاء الشرعية على بشار الأسـد وتمنحه هدنة لشهور كثيرة، إن لم تكن لأعوام. أما اليسار العربي والدولي، فقد راوح ما بين العجز واللامبالاة والدعم الصريح للديكتاتورية.
فيما يخص الأسباب "الوهمية" لهذا الانزياح في الاهتمام، يجب أن نلفت إلى دور وسائل الإعلام، التجاري منها والبديل. بعد انقطاع قصير إبان الانتفاضات الأولى، عندما اكتشفت وسائل الإعلام الغربية وجود ديكتاتوريات في العالم العربي و–ضدها- شعوب لديها طموحات ديموقراطية، استعيد الوضع الطبيعي في أسوأ حالاته: بسبب الكسل تارة، والتلاعب تارة أخرى، تعود الإسلاموفوبيا اليوم لتحتل مركز الأخبار والتحليلات. القاعدة تعود بقوة، ليس فقط لأن الديكتاتورية الأسدية والحرب الأهلية وفرتا لها أرضية مؤاتية (كما حدث من قبل في عراق الغزو الأمريكي) وإنما أيضاً لأن التهديد الإسلاموي، مع مجموعة الكليشيهات التي ترافقه، يناسب بشكل أفضل رؤية للعالم كان يبدو أنها صارت وراءنا. لسوء الحظ، إلى هذه الإسلاموفوبيا المغلفة بالأفكار النمطية، التي اشتكى منها اليسار دائماً كأداة للتدخل الاستعماري الجديد، انضمت اليوم بعض القطاعات المفترض أنها مناهضة للإمبريالية والتي تفضل تبسيطاً متسقاً على معرفة صادقة للواقع. وهكذا، لا وسائل الإعلام التجارية ولا البديلة كان لها أي اهتمام بمعرفة ما يجري داخل سـوريا؛ ما عدا استثناءات معدودة، أعاد الجميع إنتاج النمط الثناني نفسه: بمواجهة نظام دمشق (السيء بهذه القدر أو ذاك، حسب تعدد الروايات)، فإن كل المعسكر المسمى "ثائراً" سيُرى مقتصراً على حشد من الإسلامويين الشرسين المستعدين لفرض الشريعة بالوسائل الأكثر إجراماً. انتصار هذا النوع من التفكير هو في الحقيقة انتصار لبشار الأسـد ومحزن جداً- كما أشار إلى ذلك قريباً الصحفي اللبناني خالد صاغية- الاستماع إلى قطاع من اليسار مستخدماً ضد التدخل الأمريكي المتوعِّد في سـوريا الحججَ ذاتها التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التدخل عام 2003 في العراق: الصراع ضد الإرهاب الإسلاموي.
ولهذا، هو مهم جداً التقرير المُعد من قبل مبادرة الإصلاح العربي Arab Reform Inintiative، وهي منظمة تأسست في 2005 مدعومة وممولة من قبل كوكبة غامضة من مراكز البحوث والمؤسسات، بعضها أكثر استقلالاً من الأخرى (من مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية المصري إلى مشروع الشرق الأوسطUS Middle East Project  الأمريكي إلىCasa Arabe البيت العربي الإسباني). مديرته التنفيذية ومؤلفة التقرير، بسمة قضماني، هي باحثة سورية، متخصصة في المنطقة، وكانت خلال بضعة شهور، عضواً وناطقاً باسم المجلس الوطني المعارض لنظام دمشق. مؤهلاتها كما عملها يجعلانها مصدراً مخوَّلاً بغض النظر عن اتفاقنا أو عدمه مع أفقها الايديولوجي، الأكثر ليبرالية، بطبيعة الحال، منه ماركسياً. سيقدر القارئ أهمية بحثها بقراءته النتائج: في لحظة لا يريد أحد فيها أن يتذكر الدافع الديموقراطي الأصيل للثورة السورية ويبدو فيها أن الكل يفضل رؤية نوع واحد من الثوار فقط، فإن "تمكين المقاومة الديموقراطية في سـوريا" -عنوان البحث- يكشف كل التعقيد والغنى ضمن مجموعات المعارضة المسلحة للديكتاتورية. الغاية غير الخافية للبحث هي الحصول على المساعدة للقطاعات الديموقراطية التي تناضل على الأرض في الوقت نفسه ضد النظام وضد الجهاديين؛ ولهذا يجب أن نذكرها، نسميها، نحدد هويتها، نعرِّفها، نقيِّم قدراتها: إنها معرفة، في آخر الأمر، يمكن أن تكون مزدراة فقط من قبل أولئك الذين لا يريدون انتصار الديموقراطية في سـوريا، من قبل أولئك الذين يرغبون -بشكل أكثر صراحة- بانتصار الديكتاتورية أو أولئك الذين، في كل الأحوال، يفضلون فكرة بسيطة، ولو كانت خاطئة، على معرفة مفصلة للواقع يمكن أن تُضطرهم لاحقاً للانحياز. إذا كان الأمر يتعلق بتشبثنا بأوهامنا الإيديولوجية، فلنترك هذا التقرير جانباً؛ وإذا كان الأمر يتعلق بالمعرفة -الشرط الأساسي لكل مشروع تحرري- فإن بحث مبادرة الإصلاح العربي يضع في أيدينا أداة قيِّمة جداً لإرشادنا في ضباب ســوريا الدامي.






http://aish.com.es/otras-voces/siria/570

No comments:

Post a Comment