Friday 28 February 2014

تكنولوجيا وبيولوجيا




تكنولوجيا وبيولوجيا 

خوان خوسيه مِيَّاس- صحيفة الباييس الإسبانية


للوهلة الأولى، تبدو عضواً اصطناعياً انتزع بعنف من جسم صاحبه. قِطع من ساق أو من ذراع صناعيين ربما داسا على لغم مضاد للأفراد. يتبين فيما بعد أن لا، فهما، بكل بساطة، آلتا تصوير فوتوغرافي. من أين، إذن، ذلك الإحساس العضوي؟.  لماذا يقلقنا حضورهما كثيراً كما يفعل جسم مصاب بجرح خطير؟ ربما بسبب الدماء. تنزفان كما لو أن عصف قنبلة قد فجرهما من الداخل ومن شقوقهما يسيل الآن النسغ الحيوي الذي كان يجري في شرايينهما حتى وقت قريب. تعطيان انطباعاً بأن الدم يأتي من الجروح الداخلية للآلتين، وليس من جسم مالكهما. بهذا المعنى، حتى لو كانتا راقدتين، فإنهما تبدوان أكثر حياة مما نستطيع تخيله على الإطلاق. آلتان قادرتان على إظهار هذا النوع من التقرحات تخلتا عن كونهما مجرد تكنولوجيا لتتحولا، وإن مؤقتاً، إلى حدث بيولوجي.
حسناً، إن صاحبهما كان ملحم بركات، المصور ذا السبعة عشر عاماً الذي سقط  قتيلاً في حلب، حيث كان يعمل لرويترز. فتى ذو ولع مفرط بالصحافة المصوَّرة في الحرب، وفق التعبير المصكوك. كاميرتاه بقيتا من بعده، متأنسنتين بالطريقة المثيرة التي تظهر في الصورة. نريد أن نفترض أنهما، بعد عبورهما بورشة التصليح، ستستمران في العمل بكامل طاقتيهما، حتى لو كانت عيون أخرى هي التي ستطل منهما على هدفها. ستتغير الأيدي، والجسم، ستكونان عضواً اصطناعياً لشاهد مختلف. لكنهما باتتا تشكلان جزأ من السيرة الذاتية لبركات كما يشكل البنكرياس الخاص بي جزأ من سيرتي الذاتية الخاصة.





http://elpais.com/elpais/2014/02/04/eps/1391531015_976276.html

No comments:

Post a Comment