Wednesday 13 August 2014

الأطفال السوريون يعيشون انقطاعاً زمنياً





الأطفال السوريون يعيشون انقطاعاً زمنياً

ايمانول أرياس** - صحيفة الباييس الإسبانية


الزعتري- (الأردن): "نحن الأطفال السوريين أقوياء، نريد الذهاب إلى المدرسة ونحلم بالعودة إلى سـوريا". الطفلة التي تتحدث إلينا تبلغ بالكاد أحد عشر عاماً. إنها جالسة في الطاولة الأولى في صفها. فضاء مضيء ومنظم في مخيم الزعتري للاجئين، ثاني أكبر مخيم في العالم، بأكثر من 100000 شخص وصلوا إلى هنا هاربين من الحرب في بلدهم. الصف مليء بالطفلات الصغيرات، إنه يوم التقييم. التركيز على مهام الامتحان لا يتمكن من تبديد نظراتهن الكسيرة، المليئة بحزن عميق أخذ يفسح الطريق مع مرور الشهور أمام الفرح الطبيعي في ألعاب الأطفال.

أسافر إلى الأردن مع اليونيسيف UNICEF، مدعواً من الاتحاد الأوروبي بهدف زيارة مخيم الزعتري، ومدينة الزرقاء القريبة من عمَّان، وتوثيق الأوضاع التي يعيش فيها الأطفال اللاجئون وأُسرهم، وضم صوتي إليهم. الأردن هو البلد في الشرق الأدنى الذي استقبل أكبر عدد من اللاجئين في الشهور الثمانية عشر الأخيرة، مئات من الآلاف تدفقوا على مخيمات الأمم المتحدة. "مأساة إنسانية تفاقمت بسبب المشكلة السياسية التي تولدها سلبية الأمم المتحدة لدى معالجة السبب الرئيسي للنزوحات الأخيرة الناتجة عن أكثر من ثلاث سنوات من الحرب في سـوريا".

مخيم اللاجئين في الزعتري هو امتداد هائل من الخيام وبعض المنشآت المؤقتة التي تشهد في أشهر الصيف حراً خانقاً، لكنه يوفر الشروط الإنسانية الضرورية للاعتناء باللاجئين، الذين ما زالوا يصلون بشكل يومي. اليونيسيف UNICEF والاتحاد الأوروبي يقدمون لهم الخدمات الأساسية، المياه، الطعام، العناية النفسية. تدريس الطفلات والأطفال يشغل قاعات ثلاث مدارس كبيرة ويوجد اثتنان أخريان في مراحل البناء الأخيرة. في اليوم الأول زرنا واحدة منهن. عندما وصلنا التقينا بمئات الأطفال الذين كانوا يتوجهون إلى صفوفهم بواسطة الطريق الدائري الوحيد الموجود في المخيم، والذي تنتقل عبره باستمرار الشاحنات التي توزع المياه.

في سوريا قبل الحرب كان يوجد جامعة مشهورة ونظام تعليمي متكامل يُرجَع إليه بين بلدان المنطقة. "المستوى مرتفع"، هو التعليق الأول الذي نسمعه من جانب المدرسين في القاعة. هناك تُعطى، بالإضافة إلى الدروس العادية، دروس أخرى مساعِدَة للأطفال الذين عاشوا القصص الأكثر فظاعة، التي ما تزال تحفظ على وجوههم عواقب الدمار. في أحد الأيام قصفوا الحي، سقط سقف منزلنا وكلنا أصبحنا محاصرين. عندما أخلانا الجيران، قال لنا والدي إننا في تلك الليلة نفسها سنخرج من المدينة وسوف نذهب بعيداً". قصص مشابهة ومرعبة تتكرر عند كثيرين منهم. نظراتهم لم تعد تحتفظ بالسذاجة الخاصة بالأطفال، هي منكسرة، كما لو أنهم ينظرون نحو الداخل، الحزن يضع على وجوههم تكشيرة من الألم والخوف.

على الطريق الدائري، عند ساعة الخروج من الصفوف يحتشد مئات الأطفال والطفلات إلى جانبنا. كلهم يسلمون علينا ويقولون شكراً. يريدون أن تُعْرَف قصتهم، هم فقط يواجهون الكاميرا مبتسمين، كبارهم لا يفعلون الشيء نفسه بسبب الخوف من تعرض عائلاتهم التي مازالت في سـوريا للانتقام. الفكرة نفسها عندما زرنا صفوف التمارين الإضافية، الضرورية تماماً في استعادة الصحة النفسية للأطفال. يظهرون فخراً بريئاً وينتظرون تلك الابتسامة التي يمنكهم الرد عليها بأخرى أكبر منها. إنهم واعون جدأ بوضعهم، لقد رأوا دمار الحرب في بيوتهم، في أحيائهم ومدنهم. عندما يصلون إلى المخيم قادمين من المعابر الحدودية المختلفة والمتغيرة، فإن ردود أفعالهم، رسومهم، أحزانهم، هي الذكريات التي يحاولون نقلها بألعابهم الجديدة، بالرسوم الجديدة المليئة بالألوان، حيث الأسرة وتفاصيل الذكريات السورية تلعب دور البطولة. اليوم يستقبلونني بسعادة تشعرني براحة في الأعماق. هم الذين عاشوا أكبر الخوف، يبتسمون لي اليوم، يلمسونني، يزينون ذراعي بالحنة. ويبتسمون. ينقص الأمل فقط، الغد هو مثل الأمس. ليس هناك موعد للعودة إلى الأنقاض التي هربوا منها. الإحساس نفسه عندما زرنا إحدى العائلات. احتياجاتهم مغطاة بشكل جيد، المخيم أخذ يتطور في النظام والتعايش، لديهم المياه، 3,6 مليون ليتر توزع في كل الأيام، الأغذية والمساعدة، لكنهم يعيشون في انقطاع مؤقت مع الإحساس بأنهم موجودون في زاوية منسية وبالكاد يتواصلون مع بلدهم.

في اليوم الثاني من زيارتنا تعرفنا على عائلات تعيش خارج مخيم الزعتري، في مدينة الزرقاء، على بعد ثلاثين كيلومتراً من عمَّان. القصص تتكرر. ينفعلون متذكرين ما خلفوا وراءهم، وأولئك الذين فقدوهم، يعيشون متعلقين بالأخبار من أي نوع من التي تتحدث عما يجري في سوريا. في هذا الوسط الحضري يجري الاندماج وإلحاق الأطفال بالمدارس عبر منظمات محلية تتلقى مساعدة وتمويلاً من اليونيسيف والاتحاد الأوروبي. نزور إحدى هذه المنظمات، في مركز لديه أكثر من ثلاثين عاماً من التجربة في مساعدة الأطفال اللاجئين من الأزمات المختلفة في المنطقة. هنا تُمَارس نشاطات متعددة التخصصات تضع الأطفال في بيئة مناسبة للدراسة، القراءة، اللعب، والعروض الموسيقية. إنه عمل ضخم، متواصل، وشديد التخصص نتيجة الخبرة المتحصلة خلال كل هذه السنوات. معظم الأطفال سوريون، المدرسة هي نقطة اتصالهم الوحيدة مع المجتمع الأردني، تمرين خفيف على التعايش يشح فيه الأمل مرة أخرى. يعلمون أن الحل السياسي متوقف عملياً. الحرب تستعر بوجه خاص في المدن، مؤثرةً على مئات الآلاف من المدنيين. المجتمع الدولي لا يتفق على كيفية المساعدة في حل النزاع. في هذا الانقطاع الرهيب يعيشون، تلك هي القصة المشتركة التي يريدون منا أن نرويها. الأطفال، الأطفال كغاية دائماً، ذلك ما سيكون نهاية قصتنا. قصصهم، الدعوة العاجلة إلى عدم التخلي عنهم. نرفع الصوت عالياً من أجلهم. لن نتخلى عن فعل ذلك إلى أن يتاح لهم العيش والنمو وبلوغ أقصى إمكاناتهم.





** ممثل ومخرج من إسبانيا.








http://elpais.com/elpais/2014/07/22/planeta_futuro/1406040314_984100.html

No comments:

Post a Comment