Tuesday 21 January 2014

بدون أجندة واقعية، جنيف 2 لن يحل الأزمة




بدون أجندة واقعية، جنيف 2 لن يحل الأزمة

خورخي تشايا- صحيفة الدياريو اكستريور الإسبانية

اليوم، فيما يتم الإعداد لعقد مؤتمر جديد في الثاني والعشرين من كانون الثاني| يناير في جنيف، يوجد المجتمع الدولي في حالة غربة كاملة عن الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري تماماً كما كان في السنوات الثلاث الأخيرة.
إذا كانت المعلومات الصادرة عن عدة عواصم غربية حقيقيةً، فإن اجتماع جنيف سيركز على مناقشة تشكيل "سلطة انتقالية". هذه الخطة كان يمكن أن يكون لها معنى، وأن تنجح حتى، عندما واجهت سوريا الانتفاضات الشعبية الأولى ضد النظام. في ذلك الوقت، كانت الصيغة الأولية لاتفاق ممكن قد بدأت بالتشكل، لكن تلك الخطة أخفقت لأن القوى الكبرى، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، رفضت مساندتها. الأمريكيون اعتقدوا بسذاجة أن الحكومة السورية ستسقط بالطريقة نفسها التي سقط بها نظاما تونس ومصر، وبالتالي، اعتبرت الولايات المتحدة أنه لا حاجة لانخراط أمريكي أكبر في الأزمة في تلك اللحظة. روسيا أحست بهذا النقص في الاهتمام الأمريكي وتحركت تطبق بشكل فعال القوة الانتهازية التي تميز بوتين، وغطت موسكو ظهرها ديبلوماسياً وانتظرت بثبات على الأرض للوقوف إلى جانب المنتصر مع الحد الأدنى من المخاطر.
هكذا، فيما كانت القوى المركزية تلعب لعبتها، تحولت الأزمة السورية إلى ثورة على الصعيد الوطني، ثم إلى حرب أهلية اختُصِرت لاحقاً إلى صراع طائفي، وأخيراً، تحولت إلى مأساة إنسانية حقيقية.
المشكلة التي نواجهها اليوم لم تعد تلك التي واجهناها قبل ثلاث سنوات، هذا أمر واضح، وهو ما يُستنتج من التقييم الأخير للوضع الذي قامت به الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية المختلفة. اليوم، حوالي سبعين بالمائة من الشعب السوري هم لاجئون في بلدان مجاورة أو نازحون داخل بلادهم  شكلوا "مجتمعات أسيرة" تعيش في حالة من الحصار الدائم.
بالنسبة لجميع التحليلات، المحاولات أو الغايات، فإن سـوريا اختبرت ما يسميه علماء السياسة بالانهيار الممنهج. آليات عمل الحكومة تحطمت، معظم الوزرات والخدمات المسيطر عليها من الدولة تعمل بثلاثين بالمائة من قدرتها. الشبكة التعليمية الوطنية تحولت إلى أرخبيل كبير من المدارس المعزولة والجامعات التي تعتني بقسم صغير من الذين يحتاجون إليها. حسب منظمة الصحة العالمية، أقل من عشرين بالمائة من المشافي ما زالت تعمل بشروط مقبولة نوعاً ما، فيما تعاود الظهورَ سلسلة من الأوبئة التي كانت قد انقرضت قبل أعوام في هذا البلد.
الجيش والشرطة، اللذان يشكلان العمود الفقري للنظام، لم يعودا موجودين كمؤسسات تنشغل بالأمن الوطني. آلاف الضباط وضباط الصف والجنود انشقوا إلى مجموعات المعارضة المسلحة. آلاف أخرون غادروا البلاد وصاروا لاجئين في الخارج. ما بقي من الجيش والشرطة يتكون من سرايا مسلحة يسيطر عليها الحرس الثوري الإسلامي الإيراني  وحزب الله اللبناني. والحال ليس أفضل في المعارضة، التي تحولت إلى سديم من الجماعات ذات الإيديولوجيات المتنافسة والقليل أو لا شيء من الرؤية الواضحة لما تريده. كلهم يقولون إنهم يعلمون ما لا يريدونه: "استمرارية نظام الأسـد"، لكن حتى الآن، لم يعرفوا كيف يتغلبون عليه.
في هذا السياق، التحدث عن "المرحة الانتقالية" يمكن أن يكون تمريناً طفولياً. "المرحلة الانتقالية" سيكون لها معنى فقط إذا وُجدت سلطة قائمة يمكن الانتقال منها نحو سلطة أخلاقية وسياسية بديلة. في يومنا هذا، لم تعد المسألة إذا ما كانت لسوريا حكومة سيئة أو لا. الأمور تشير إلى أن سوريا لم يعد فيها حكومة بالمعنى العادي للكلمة. بشار الأسـد ما زال يظهر في التلفزيون بين الحين والآخر محاولاً أن يبدو كرئيس لحكومة هي غير موجودة في الواقع. بشار هو، في الحد الأقصى، زعيم فصيل بين أخرى كثيرة في سـوريا مجزأة وفي حرب أهلية. الولاية الرئاسية للأسـد من المتوقع أن تنتهي بين آذار|مارس ونيسان|أبريل القادمين. بطبيعة الحال سيسعى بشار إلى ولاية رئاسية جديدة من سبع سنوات، عالماً علم اليقين بأن تنظيم انتخابات مشكوك فيها ومزورة كتلك التي جرت في سوريا في الماضي لن يكون أمراً ممكناً من الناحية المادية والمكانية.
المشكلة الحقيقية، بالتالي، هي رؤية سـوريا متحولة إلى كيان بدون حكومة وفي ساحة معركة لعدة حروب متوازية قد تستمر خلال الوقت الذي تقبل القوى الأجنبية فيه بدعم وتسليح المجموعات المتنافسة.
هذا السيناريو لن يخدم مصالح أي من القوى المتدخلة في هذه المأساة. في مواجهة مشكلة السيولة التي تلوح في الأفق، لن تستطيع إيران إبقاء نظام الأسـد مثل عشيقة مبذرة تطلب في كل يوم المزيد من الإنفاق. أما روسيا، فستواجه خطر التعرض للامتصاص في صراع لا نهاية له في الأفق، ومن غير آمال ذات مصداقية بالحصول على مكاسب وأمام إمكانية حقيقية لخسارة مواقع في السياسة الدولية إذ استمرت عاماً أو عامين إضافيين في موقفها الحالي.
للمرة الأولى خلال ثلاث سنوات، يمكن أن يكون للمشاركين في جنيف 2 مصالح مشتركة، يبرز من بينها الحؤول دون تحول سـوريا إلى جرح نازف في منطقة البحر المتوسط. جنيف 2 يمكن أن يكون مفيداً إذا تم التركيز على حقيقة الوضع. المهمة الأكثر إلحاحاً هي تعبئة الموارد الضرورية لمواجهة الكارثة الإنسانية. عدد غير محدد من السوريين- يتجاوز بالتأكيد مائة وخمسين ألفا- قضوا في هذا الصراع، وآخرون كثيرون يموتون من الجوع والأمراض ونقص الأدوية يوماً بعد يوم.
جنيف 2 سيكون فرصة لكي تساهم روسيا وإيران في هذه الدعوة الجديدة للأمم المتحدة وتظهرا بشكل حقيقي مساندتهما للشعب السوري. إن صورة كليهما، مع مرور ثلاثة أعوام من الدمار، تزداد قتامةً في المجتمع الدولي. ولا تبدو فكرة جيدة أن تكون كلتاهما مستعدتين لتقديم المزيد من المال والسلاح للأسـد لكي يستمر المزيد من السوريين في الموت. تماماً كما تفعل العربية السعودية وبلدان الخليج.
بأجندة كان يمكن أن تكون مهمة قبل ثلاث سنوات، لن يسفر جنيف 2 عن شيء في الشروط التي يُطرَح فيها اجتماع الشهر الحالي والديموقراطيون السوريون لن يكون لديهم أي سبب لحضوره. إذا لم تغير إيران وروسيا موقفيهما، فإن الشعب السوري لن يكون لديه أية فرصة للنجاة من بحر الدماء الذي انطلق من عقاله هناك.





http://www.eldiarioexterior.com/siria-sin-una-agenda-realista-43295.htm

No comments:

Post a Comment