" لا أستطيع أن
أقول من أنت ، و لكنني أستطيع أن أروي لماذا قتلوك "
موقع : بيريوديسمو اومانو
* ناشط سوري تم قتله على يدي قناص عندما كان يخرج
من أحد مساجد حمص في شهر رمضان .
* شاهد كان يعرفه يتحدث
عن القناعات و الأفكار التي وهب حياته لها.
لا أستطيع الكشف
عن اسمه و لا وضع صورة له لأن ذلك قد يعرض للخطر حياة أفراد عائلته الأكثر قربا .
لكنني رغم ذلك أستطيع الكتابة عن شخصيته و كيف كان يخاطر بحياته من أجل إخبار
العالم عما كان يحصل في مدينة حمص بسوريا .
لم يتجاوز عمره سبعة
و عشرين عاماً ، كان أنيقاً و ذكياً و كانت له نظرة متحدية ، عصية على النسيان . عرفته عندما بدأت الاحتجاجات لأن
شهرته كناشط كانت مستفيضة . اعتاد أن يلبس
كما الشباب في عمره ، تي شيرت و سروالاً من الجينز . عندما رأيته للمرة الأولى كان
يضع قبعــة يحاول أن يمــر بها دون أن يلاحظـه أحد . كـان يفتــخر بكونــه "
مندساً " كما يسمي النظام المتظاهرين الذين كان يحتجون سلمياً في الشوراع .
لكنني أعترفُ بأنه كان يحمل سلاحاً قوياً جداً : هاتفاً نقالاً مزوداً بكاميرا .
كان واحداً من الأشخاص
الذين سجّلوا المظاهرة الحاشدة في ساحة الساعة الجديدة بحمص في الثامن عشر من
ابريل | نيسان ، الأولى بعد عقود من الصمت . سيظل هذا التاريخ محفوراً للأبد في
ذاكرتنا لأنه في تلك الليلة ، لم تتوقف الطلقات النارية و صرخات المتظاهرين الممزقة للقلب حتى علا صوت أذان الفجر من مئذنة مسجد خالد بن الوليد .
و بينما كنا جميعاً
في البيوت نشاهد الرسائل التي كانت تصل إلى قناة الجزيرة مباشر ، كان هو في شارع الدبلان (
واحـد من أكثــر الشوراع شهرة في المدينة و قريب من الساحة ) يسجّل كيف كانت قوات
الأمن تطلق النار على من كانوا يتظاهرون في اعتصام سلمي . في هذا الفيديو يمكن أن ندرك
كيف كان يركز على الفجوات في الأبنية التي
كانت تسببها الطلقات النارية ، في محاولة
لتجميع أدلة واضحة على عنف النظام .
لكنه كان شاهداً
أيضاً على أمر أكثر سوءاً بكثير . شخصان ، واحد منهما شاب في مثل عمره ، طالتهما
الأعيرة النارية و سجل بكاميرا هاتفه المتحرك صوراً مرعبة ، حيث تبدو جثتا
الضحيتين محمولتين على الأذرع إلى المستشفى .
بعد ذلك مباشرة ،
أرسل الصور إلى الجزيرة و كانت تسجيلاته بالتحديد هي ما تم بثه . الناس المحيطون
به كانوا يقولون له إنه كان يعرض حياته للخطر بشكل كبير و إن عليه أن يتوقف عن
الذهاب الى المظاهرات . كان عليه أن يختار بين السكوت أو الالتزام بإخبار العالم عما يجري في سوريا ، و
قد قرر أنه في حال اختار عدم المخاطرة فإنه سيبقى نادماً طيلة ما تبقى من حياته .
الجميع كانوا
يحبونه . لم أكن أعرفه جيداً ، لكنني أراهن أنه كان ينهض كل صباح مفكراً أن دوره قد
يأتي في يوم من الأيام . كان شاهداً يومياً على عنف النظام و بالنسبة إلى عمره
القصير ، فقد شاهد دماء كثيرة ، و مظالم كثيرة . و هذا ما أسخطه كثيراً إلى الدرجة
التي جعلت منه ثائرا . بالاضافة الى ذلك ،
فقد شاهد سقوط زين العابدين بن علي و حسنى مبارك ، و كان يؤمن بدور وسائل الاتصال
الجديدة ، و اعتقد أن بمستطاعه المساهمة بنصيبه في الأمر : كان لديه أمل .
تلك المظاهرة
الحاشدة ، المسموح بها مسبقاً من قبل النظام الذي كان يخشى أن تستمر مالم يسمح
بدفن الضحايا الذين سقطوا في اليوم السابق ، تطورت بطريقة سلمية كما يمكن مشاهدة
ذلك في الفيديوهات التي سجلها هذا الشخص ، الذي كان مدركاً أنها ستجتاز ، عاجلاً
أو آجلاً ، حدود بلاده .
عندما عدتُّ ، كنت
مدركاً أن الاشخاص الذين تركتهم ورائي كانوا ما يزالون عرضة لخطر جدي . فالنظام
يحاول زرع الرعب بين السوريين من أجل أن يتخلوا شيئاً فشيئاً عن الخروج إلى الشارع
للمطالبة بالعدالة . و هذا يعني أعواماً من القمع الوحشي . فمنذ الخامس عشر من آذار
| مارس تم قتل ألفي شخص و أكثر من ذلك بكثير ما زالوا مفقودين. المجتمع الدولي شاهِد
على المذابح التي يرتكبها بشار الأسد ضد شعبه ، لكن الجبهات الكثيرة المفتوحة لدى الولايات
المتحدة و حلف الناتو ، بالإضافة الى الموضع الجغرافي للبلد ، و الموقف السلبي
لروسيا و الصين و المصالح المتنوعة للدول المجاورة ، تصعِّب إصدار قرار من الأمم
المتحدة ، التي اقتصرت قبل أيام على صياغة إدانة غير ملزِمة و بقوة قانونية معدومة .
بالرغم من الإدانة
الرسمية ، لم يتم طرد أي واحد من سـفراء سـوريا في الاتحاد الاوروبي ، الأمر الذي زاد
من سـخط المنظمات المساندة للثورة التي تفضل نـزع الشرعية عـن النظام .
إن صمت كثير من المواطنين
ذوي الأصل السوري الذين يعيشون في بلدان أخرى هو أكثر صمَّاً للآذان من الرصاصة التي
قتلت هذا الشخص و كل الضحايا الذين فقدوا حياتهم و هم يطالبون بإصلاحات مشروعة . فالظهور
في القوائم السوداء التي تعدها السفارات بأسماء الناشطين المنخرطين يجب أن يكون باعثاً
على الفخر ، و سبباً لخجل البقية الذين يفضلون الصمت .
لكن لا شيء سيعيد
إليه حياته ، تلك الحياة التي انتهت قبل بضعة أيام فقط عندما كان هذا الشاب
الشجاع يخرج من المسجد في الليل كما في أي
يوم آخر من أيام رمضان ، فتلقى رصاصة في الرأس صرعته في الحال .
لقد جعلَنَا موتُه
منكسرين ، إلى درجة أنه كان من غير الممكن تجنب التفكير بأننا كنا نفضل لو أنه كان
حياً و على الهامش . لكن هذا سيكون انتقاصاً من أفكاره و قناعاته : بأن الحرية لها
ثمن و أنه كان مستعداً لدفعه .
أنا لا أريد إصدار
حكم فيما إذا كان قد فعل الصواب أو لم يفعله ( أفكر في أقربائه و أصدقائه الأكثر
قرباً ، و في ألمهم ) ، لكنني أريد فقط تسجيل
نشاطه و فعاليته ، و السبب الذي دفعهم لقتله
. كنت بحاجة إلى الثناء عليه و الإشادة به . إنها قصة مأساوية عاشتها آلاف
العائلات من قبل ، و لن تكون ، للأسف
الشديد ، المرة الأخيرة التي تُسْكِتُ فيها طلقة نارية صوتاً معارضاً في سوريا .
No comments:
Post a Comment