حرب مفتوحة على شعوبهم
خوان غويتيسولو – صحيفة ال باييس الاسبانية
في أعقـاب مـا جرى
لعائلة مبـارك ( الجريمة و العقـاب ) و بـن علـي و ليلى الطرابلسـي ( جريمة بدون
عقاب ، و استبدالها بتقاعد من النوع الراقي ) ، فإن الطغاة العرب يتشبثون بكراسيهم
الرئاسية بشكل أكثر قوة من أي وقت مضى ، و بعناد يفرض اختياراً بين الموت و البقاء
. بقاؤهم هم و موت الآخرين .
رغم كونه جريحاً و
مشوهاً بالنار ، فإن الرئيس اليمني ، علي صالح ، يعلن قرب استرداده لعافيته و عودته إلى البلد الذي خرج منه منقولاً بالإسعاف
الى المطار من أجل الاستشفاء في العربية السعودية . و في ليبيا الغارقة في فوضي
الحرب ضد المدنيين التي لا توفر أحداً أو شيئاً ، يعاود القذافي الظهور بين الحين و الآخر على الشاشة من أجل أن
يهدد من جديد " الجرذان " ، رغم أنه تخلى في الوقت الراهن عن الموديلات
الفخمة و الشاذة في خزانة ملابسه . و
الخياط الخاص به ، يعاني من بطالة مؤقتة ، و ينتظر بصبر طلبيات جديدة للقائد المتحصن في ملجأه المرفّه
المزود بالهواء المكيف .
لكن المثال الأفضل
للعناد و الإصرار على التمسك بالكرسي الرئاسي هو الخاص ببشار الأسد ، خليفة والده
الجدير فيما يخص تعامله مع شعبه . فواحدة بعد الأخرى ، تُدَكُّ المدن التي تُشَكِّل
خارطة سوريا بدون رحمة من قبل مدفعيته و الدبابات و الحفّارات و الطائرات المروحية
المزودة بالمدفعية ، و في حالة المدينة الساحلية اللاذقية ، السفن الحربية . و
يكمل القناصون المتموضعون في نقاط استراتيجية المهمة القاتلة . عدد الضحايا لا يهم . ما يهم هو تلقين درس مستحق لأولئك الذين ينتفضون على طغيان عائلة نصبت
نفسها على الأطلال الايديولوجية للقومية العربية و الاشتراكية الثورية لحزب البعث .
لكن على خلاف
الأسد الأب ، الذي سحق بالدم و النار ثورة حماة في 1982 دون أن ينتشر خبر المذبحة بفضل الرقابة الحديدية على
وسائل الإعلام ، فإن فيديوهات الهواتف النقالة و الشبكات الاجتماعية تنشر يوماً
بيوم التدمير عديم الرحمة لدرعا و حماة و حمص و دير الزور و اللاذقية ، و كل
المنطقة الحضرية لإدلب . من يستطيع أن
يصدق بلاغات الوكالة " السورية " الرسمية للأنباء عندما تتحدث عن
الخارجين عن القانون و قطّاع الطرق الذين ينصبون الحواجز و يرهبون الأهالي ؟ "
. الصور التي تصل عبر الفيس بوك و تويتر و قناة الجزيرة القطرية تظهر الآلاف و الآلاف
من المواطنين الذين خلعوا ربقة العبودية و يلوحون بلافتات و يترنمون بشعارات
مماثلة لتلك الخاصة بأخوانهم العرب من
الخليج إلى المحيط . " هــل كل هؤلاء من الخارجين عن القانون و قطاع الطرق ؟ ".
إن من يطلقون النار، من دون وجود أي خطر، على المواكب الجنائزية ، ويحاصـرون فــي
الملـعب الرياضي في اللاذقية آلافَ المعتقليــن وفــق نمــوذج بينوشــيه ( دكتاتور
تشيلي السابق )، ولا يترددون في الهجوم على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين البائسة
، هل يمكن أن يكونوا متآمرين و مرتزقة قادمين من الخارج من أجل تعكير صفو شعب مسالم و وفي ؟
أتذكر أنه عندما
بدا أن انهيار الاتحاد السوفييتي يبشر بنهاية مشابهة لنظام فيديل كاسترو ، فإن القائد
الأعلى أدلى بتصريح بطولي عنيد أدهشني : " أفضِّل رؤية الجزيرة غارقة بكل قاطنيها
على التنازل عن منجزات الثورة ". و بصرف النظر عن هذه المنجزات في ضوء ما آلت
إليه اليوم ، فهل هناك من دليل على حب الشعب أفضل من إبادته في سبيل تحسينات تربوية
و اجتماعية ؟ لكن الأسد لا يتحدث حتى عن هذا ، و إنما عن حماية سلام فريد من نوعه : سلام المقابر .
رغم الإغلاق
المحكم للحدود أمام الصحافة الأجنبية ، فقد شاهد عشرات الملايين من مشاهدي
التلفزيون بشكل مباشر عذابَ حماة ، و المذبحةً التي أعقبت الاحتجاجات التي انطلقت في
درعا على إثر الموت الفظيع لفتىً في الثالثة عشرة من عمره بسبب جريمة رسم على الجدار ضد الطاغية . إن الابتسامات
و وعود التغيير الديموقراطي للأسد ، المهلَّل له من تابعيه الأبديين ، و صور
التلفزيون الحكومي عن الحياة الطبيعية السائدة في طول البلاد و عرضها بينما الشقيق
الأصغر قائد الحرس الجمهوري و الفرقة الرابعة المدرعة يستمر بأعمال التطهير ، إنها
لا تخدع أحدا . السجون تفيض بالمعتقلين ، الشباب يتعرضون للتعذيب الوحشي في مراكز
الشرطة و المظاهر الحربية التي تحدث يومياً تذكرني على نحو متزايد بتلك التي شاهدتُها في سراييفو . يتلو الأسد التعويذة التي
كان قد سبقه إليها طغــاة كانوا في هــذا العالم : " لا تصدقوا ما ترونـه
بأعينكم ، صدقوا ما نخبركم به " . لسوء حظه الشديد ، لا أحد يصغي إليه .
www.elpais.com/articulo/internacional/Guerra/abierta/pueblos/elpepiint/20110818elpepiint_9/Tes
No comments:
Post a Comment